الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إشكالية التنوع الثقافي بالمغرب وعلاقته بالتنمية

أنوار العمراوي ومحمد أمزيان

2019 / 8 / 18
دراسات وابحاث قانونية


لقد اثبتت الدراسات السوسيولوجية و الأنثروبولوجية التي تناولت المجتمعات المتقدمة اقتصاديا واجتماعيا ومعرفيا وكذا الابحاث التي اهتمت بالمجتمعات النامية أو البدائية أن ثقافة كل مجتمع مهما كان مستوى تطوره تحكمها قوى وتيارات جذب متناقضة بعضها قوى جذب نحو الاعلى ونحو التغيير والمستقبل وبعضها الآخر نحو الأسفل أي ما هو ثابت وراسخ وموروث في هذه الثقافة .
والمغرب كغيره من دول العالم لا ينفك أن يكون عرضة لهذه التيارات خاصة مع ما يزخر به من تنوع ثقافي وتعددية نسيجه الاجتماعي واعتباره ملتقى للحضارات المتعددة, وعليه فإنه وقبل التطرق التنوع الثقافي واشكالية التنمية في المغرب (المطلب الثاني ) كان لزاما علينا الحديث أولا عن التنوع الثقافي بالمغرب من حيث التنظيم والمظاهر (المطلب الأول).
المطلب الاول:التنوع الثقافي بالمغرب : التنظيم والمظاهر
يتميز المغرب على غرار باقي الدول الأخرى بتنوع ثقافي مهم, هذا التنوع يذوب داخل روح اجتماعية واحدة أساسها التعايش والترابط المشترك والائتلاف وينفي الإقصاء والتهميش مما أكسب المغرب غنى ثقافي متنوع سواء كان لغويا او قبليا او دينيا

الفقرة الأولى: التنظيم الدستوري للتنوع الثقافي
لقد حمل الدستور المغربي لسنة 2011 مجموعة من المستجدات وتناول التوجهات العامة ذات الصلة بالتنوع الثقافي بالمملكة , وذلك من خلال دسترة عدة قيم ومبادئ تهم الروافد المتعددة للثقافة المغربية , ويتعلق الامر بما يلي:
- ففيما يتعلق بهوية الدولة المغربية وانتمائها ، نصت ديباجة الدستور على أن:
"المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية - الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية. كما أن الهوية المغربية تتميز بتبوئ الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها، وذلك في ظل تشبث الشعب المغربي بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار، والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية جمعاء".
وبذلك، فإن السمة الأساسية التي أضافتها ديباجة الدستور الجديد، تتمحور أساسا حول دسترة التعدد الثقافي للمغرب في إطار هويته الوطنية الموحدة، وإدراج المكونات أخرى للهوية الثقافية للمغرب المتمثلة أساسا في الأمازيغية والصحراوية الحسانية، إضافة إلى العربية ـ الإسلامية. علاوة على الإقرار بالبعد الكوني في الثقافة المغربية، من خلال قيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار والتبادل الثقافي والحضاري.
- ودائما في إطار تكريس التعددية الثقافية والقطع مع الأحادية التي لا تتناسب مع التاريخ والواقع الاجتماعي والثقافي للمغرب ومنطقة شمال افريقيا عامة، فإن دستور 2011 ألغى استعمال عبارة "المغرب العربي"، وتم استبدالها "المغرب الكبير"، و"الاتحاد المغاربي" التي تشمل كل المكونات الثقافية للمنطقة، حيث يقول النص الدستوري:
"فإن المملكة المغربية، الدولة الموحدة، ذات السيادة الكاملة، المنتمية إلى المغرب الكبير، تؤكد وتلتزم بما يلي : ـ العمل على بناء الاتحاد المغاربي، كخيار استراتيجي".
- كما تم التأكيد على الانتماء الافريقي، من خلال التنصيص ضمن التزامات المغرب على: "تقوية علاقات التعاون والتضامن مع الشعوب والبلدان الإفريقية، ولاسيما مع بلدان الساحل والصحراء". وبالمقارنة مع دستور 1996، فقد تمت الإشارة إلى البعد الكوني للثقافة المغربية ولتوجهاته الانفتاحية، من خلال التزام المغرب بـ: "توسيع وتنويع علاقات الصداقة، والمبادلات الإنسانية والاقتصادية، والعلمية والتقنية، والثقافية مع كل بلدان العالم".
- كما ان المملكة المغربية متشبثة بوحدتها الوطنية الموحدة بانصهار كل مكوناتها العربية الاسلامية و الامازيغية والصحراوية الحسانية والفنية بروافدها الافريقية و الاندلسية والعبرية والمتوسطية .
- دعم التنوع الثقافي المجتمعي وذلك من خلال :
- دعم خيار الجهوية المتقدمة عبر التنصيص على ان التنظيم الترابي للمملكة تنظيم لا مركزي يقوم الجهوية المتقدمة .
- جعل اللغة الأمازيغية لغة رسمية للدولة المغربية إلى جانب العربية، حيث نص الفصل الخامس من الدستور على أنه: "تعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة، بدون استثناء. يحدد قانون تنظيمي مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفيات إدماجها في مجال التعليم، وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وذلك لكي تتمكن من القيام مستقبلا بوظيفتها، بصفتها لغة رسمية".وينم ترسيم اللغة الأمازيغية "باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء" عن السير في نهج اللغة الموحدة الممعيرة من خلال العمل الذي قام به المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، باعتبار أن الفقرة الموالية من الفصل الخامس تنص على أنه:
"تعمل الدولة على صيانة الحسانية، باعتبارها جزءا لا يتجزأ من الهوية الثقافية المغربية الموحدة، وعلى حماية اللهجات والتعبيرات الثقافية المستعملة في المغرب" . وبالتالي فإن فروع اللغة الأمازيغية بالمناطق المختلفة تدخل ضمن اللهجات والتعبيرات الثقافية التي ميزها النص الدستوري عن اللغة الأمازيغية كمنظومة لغوية موحدة، إلى جانب الحسانية كفرع يدخل ضمن منظومة اللغة العربية
- ووفاء لروح الانفتاح والبعد الكوني للثقافة المغربية، فإن الدولة تسهر على: "تعلم وإتقان اللغات الأجنبية الأكثر تداولا في العالم، باعتبارها وسائل للتواصل، والانخراط والتفاعل مع مجتمع المعرفة، والانفتاح على مختلف الثقافات، وعلى حضارة العصر".
إن التعاطي الدستوري الجديد مع المسألة اللغوية والثقافية، يشير إلى الإرادة الحقيقية والحرة في بلورة سياسة واضحة في هذا المجال، ويتجلى ذلك من خلال التنصيص على أن الدولة "تسهر على انسجام السياسة اللغوية والثقافية الوطنية" .
- ومن أجل التأطير المؤسساتي للسياسة الثقافية وتدبير التعدد اللغوي والثقافي، فقد جاءت مأسسة الثقافة في الدستور الجديد، من خلال التنصيص في الفقرة الأخيرة من الفصل الخامس على إحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، والذي تحددت مهمته الأساسية في "حماية وتنمية اللغات العربية والأمازيغية، ومختلف التعبيرات الثقافية المغربية، تراثا أصيلا وإبداعا معاصرا ".

الفقرة الثانية: مظاهر التنوع الثقافي في المغرب
تعتبر الثقافة المغربية الحالية امتدادا طبيعيا لتطور اجتماعي وثقافي عرفه المجتمع المغربي منذ أقدم العصور ، فقد تشكلت ثقافة المجتمع منذ آلاف السنين حيث تشكلت هذه الثقافة عبر محطات تاريخية كبرى ، وساهمت في تكوين أبعادها الثقافية التي كونت النسق الثقافي الجزائري وقد تمثلت فيما يلي :
- البعد العربي الإسلامي في الثقافة المغربية :
يعتبر الإسلام في الثقافة المغربية بعدا أساسيا ورئيسيا ، إذ من خلاله تصدر كل القيم
والمعايير والأنظمة والشرائع والقوانين والأعراف ، وهذا ليس في المغرب فقط بل في كل البلدان التي وصلها الإسلام , وتشكلت سلطة تابعة للدولة الإسلامية أو دويلات إسلامية مستقلة , وقد تطـورت الثقافة في ظله وتحت رقابته و تفضيلاته ومعاييره ، و اسهم في تركيب البنى الاجتماعية والسياسية في المجتمع المغربي ، وكذلك الذهنيات الجمعية والفردية وفق منظور محوره هو الإسلام ، وقد أثر هذا على سيادة اللغة العربية في المغرب وانتشارها دون عوائق أو مشكلات تصادفها .
- البعد الامازيغي :
تشير معظم الدراسات والأبحاث التاريخية إلى أن الأمازيغ هم السكان الأصليون للمغرب العربي ، رغم الاختلاف في أصولهم ، وتؤكد الأبحاث الأركيولوجية و الإثنولوجية على أن المغرب العربي كان مسكونا قبل ملايين السنين وبالتأكيد قبل 15ألف سنة ، من طرف الإنسان المغاربي الأول الذي كان يعيش على القطف والصيد ، حيث تمكن من بناء حضارة في حوالي 8000 سنة ، وهي الحضارة القفصية نسبة إلى مدينة قفصة التونسية .
وتدل المؤشرات الأركيولوجية دلالة قاطعة , على أن هناك حضارة وثقافة لإنسان هذه
المنطقة قبل احتكاكه بالحضارات الوافدة الفينيقية ، الرومانية ، والوندالية البيزنطية , فالثقافة والحضارة في هذا المجتمع أصلية وليست وافدة كما يعتقد بعض الباحثين , وخاصة "الكولونيالين" منهم الذين اهتموا بدراسة تاريخ هذه المنطقة مركزين على الوجود الأجنبي ، وأهملوا الحضارة والثقافة المحلية لسكان المنطقة .
ويبرز البعد الأمازيغي في الثقافة المغربية في بقاء اللغة الأمازيغية بلهجاتها المختلفة متداولة بين أبناء عدة مناطق في المغرب ، وذلك لروح المحافظة الذي تتميز به معظم القبائل الأمازيغية , مما جعلها تحافظ على لغتها كلغة تداول يومي إلى جانب اللغة العربية كلغة للثقافة والدين ، والسبب في ذلك هو انغلاق سكان هذه المناطق على أنفسهم بسبب الموقع الجغرافي أو بعدهم عن الحواضر ومراكز الثقافة الكبرى التي من شأنها أن تنشر اللغة العربية . كما يبرز البعد الأمازيغي في الثقافة المغربية من خلال الفنون والفلكلور الشعبي , الذي نجده في المناطق التي ما تزال فيها هذه الثقافة سائدة ، وكذلك في نوعية الأطعمة الألبسة ، و الأفرشة ، والأغطية , والرموز التي توسم بها هذه المنتوجات الاقتصادية .
- البـعـد الافـريـــقــي :
يعتبر البعد الإفريقي عاملا ثانويا في بنية الثقافية المغربية , فرغم أن المغرب بلد إفريقي
وتمتد أراضيه إلى أعماق إفريقيا ، إلا أننا نجد تأثيرات الثقافة الإفريقية أو بعض سماتها لا تظهر إلا في بعض الفنون والفولكلور المنتشر في بعض المناطق الجنوبية ، والتي معظم سكانها ليسوا زنوجا بل هم من أصول بربرية ، أمازيغية ، ويرجع السبب إلى العوامل الجغرافية وخاصة الصحراء ، والتي شكلت حاجزا طبيعيا أدى إلى عدم انتشار السمات الثقافية الإفريقية في المغرب ، كما أن الثقافة الإفريقية تعتبر ضعيفة مقارنة بقوة الثقافة العربية الإسلامية ، كما يرجع عدم انتشار العناصر الثقافية الإفريقية بقوة في المجتمع الجزائري إلى طبيعة الدين الإسلامي الذي يتأسس على فكرة توحيد الإله , في حين نجد أن الوثنية وعبادة الظواهر الطبيعية تتلبس كثير من مظاهر الثقافة الإفريقية .
- البعد المتوسطي الأندلسي للثقافة المغربية :
لاشك أن البحر الأبيض المتوسط لم يكن يشكل فقط ظاهرة طبيعية ، بقدر ما كـان يعتبر محيط ثقافي أو دائرة ثقافية على حد تعبير النظرية الانتشارية ، فلقد شكلت سواحل البحر الأبيض المتوسط مهدا لكثير من الحضارات ، شملت بعضها كل سواحله أو أغلبها على الأقل مثل الحضارة الفينيقية ، والرومانية والوندالية والبيزنطية ، والإسلامية والأوربية المعاصرة ، ومما لا شك فيه أن المغرب جزء من هذه المنطقة الجغرافية فقد مرت عليها كل هذه الحضارات وتركت فيها بصماتها .
وبالإضافة إلى العــوامل الإيكولوجية التي تلعب دورا في صــياغة ثقافة المجتمعات ، نجد العديد من السمات الثقافية التي تنتشر على ضفاف البحر الأبيض المتوسط لها امتدادا في المغرب وفي الثقافة المغربية ، وخاصة في وسائل وأساليب الحياة والنشاطات الاجتماعية المختلفة ، فالثقافة المغربية تتفاعل مع ثقافات البحر الأبيض المتوسط وهي تأخذ منها في أغلب الأحيان وخاصة الثقافات الأوربية ، إلا أنه بعد دخول الإسلام إلى المغرب أصبح هو المكون الأساسي لمضمون الثقافة المغربية رغم تمظهراتها المختلفة ، فرغم تشابه بعض السمات الثقافية الموجودة في الثقافة المغربية مع بعض السمات الثقافية المتوسطية خاصة في شمال المملكة ، إلا أن هذه السمات تبقى دائما مشحونة بمضامين إسلامية عربية .
وفي ختام هذه الفقرة نذكر بعض مظاهر التنوع الثقافي التي جاءت كثمرة لتعدد هذه الأبعاد وذلك من خلال امثلة لتراث غير المادي على الشكل التالي :
ـ ففي التنظيم والادارة التقليدية :
- ازيرف: القانون العرفي الامازيغي.
- النظم التنظيمية القبلية والرحالة.
- تويزا: نظام مساعدة متبادلة في المجتمع.
الفن الشعبي والتعبير الشفوي:
- ازلات: شعر مغنى.
- تيماوين: شعر مغنى من قبل رجل أو امرأة.
- أساطير ألغاز وأمثال.
- فنون اداء الالعاب والرياضة
- أحيدوس رقص (عامة بشكل دائري) يرقصه رجال ونساء.
- تيمشتيمين: رقص لمجموعة من الراقصين في الاعراس حسب ايقاع سريع يعرف باسم التحيدوسات...الى غير ذلك .
كما يزخر المغرب ايضا بالعديد من المواقع الاثرية اذ يفوق عددها 340 موقع اغلبها في قمم وسفوح بعض الجبال وعاى ضفاف الاولية .... ويعتبر الفن السخري بالمغرب الدي هو عبارة عن رسوم ولوحات فنية منقوشة او مصبوغة على الصخور انجزها الانسان القديم على مر عصور زمنية غابرة بمثابة ثرت تقافي مادي يحتوي على سجلات تضم شواهد توثق لحضرات قديمة .


المطلب الثاني: التنوع الثقافي واشكالية التنمية
سنحاول في هذا المطلب الحديث عن علاقة التنمية بالتنوع الثقافي وذلك من خلال فقرتين نتناول في الاولى بالدراسة والتحليل المدخل الثقافي في علاقته بالتنمية في حين سوف نخصص الفقرة الثانية للحديث عن بعض المظاهر الثقافية التي تعرقل التنمية.

الفقرة الأولى :المدخل الثقافي في علاقته بالتنمية
بالرغم من كثرة الدراسات التي انجزت حول التنمية واشكاليتها حتى اصبح هذا المضمون لا يخطي بإجماع منقطع النظير فان قضايا التنمية واشكاليتها ظلت معقدة وبدون اجابات صريحة وواضحة.
لهذا كان لزاما على كل المجتمعات خاصة تلك في خط الدول المتخلفة والنامية ان تجيب على مختلف التساؤلات المرتبطة بالتنمية .
فلقد ارتكزت الايديولوجية المهيمنة في معالجة التنمية لعقود من الزمن على رواية ميكانيكية (خطية في التاريخ ان كل المجتمعات يجب ان تمر بنفس مراحل التنمية )
كما ان على هذه المجتمعات الطامحة في التقدم والتنمية ان ترسخ للقيم المميزة للمجتمعات المتقدمة وبمنطق اقتصادي بامتياز, وخلاف لهذه الرؤية الاحادية الخطية من الضروري ان نشير إلى ان الاشكالية التنموية لا يمكن اختزال معالجتها وفقا لمقاربة او وحيد.
لا يمكن تحقيق التنمية من خلال تطبيق وصفات تنموية جاهزة ، أو الأخذ بمدإ المقايسة أو المماثلة والمشابهة بتقليد نماذج تنموية معينة ، حققت - بشكل من الأشكال - نوعا من التقدم والازدهار. فلكل مجتمع خصوصياته الثقافية ، وموارده الاقتصادية الخاصة به. كما تتشابك في التنمية المعطيات المادية والمعنوية ، وتتداخل فيها العوامل الاقتصادية والدينية . لذا ينبغي مراعاة مجموعة من الخصائص التي يمتاز بها مجتمع معين، وتقديرها إستراتيجيا أثناء الأخذ بسبل التنمية ، والعمل بآلياتها التنفيذية ، فلا يمكن استيراد نظريات تنموية جاهزة، بغية تطبيقها بشكل آلي على مجتمعات مختلفة، تتنافى خصوصياتها الحضارية والثقافية مع مبادئ تلك النظريات والتصورات جملة وتفصيلا , ويعني ذلك أنه ليس هناك نموذج للتنمية معد سلفا في جملته وتفاصيله ، وليس هناك وصفات معينة لعلاج التخلف ، بل إن الثابت الآن هو تعدد المداخل التي يمكن الاعتماد عليها لتحقيق التنمية .
حيث ان اعتماد اسلوب الاسقاطات المختلفة لتجارب سابقة على مجال اخر مختلف دون مراعاة خصوصية الجغرافيا من جهة والثقافة من جهة اخرى سينتج عنه ما يمكن نعته بالتنمية المعاقة أو المشوهة لأنها لا تتماشى والوسط الدي طبقت فيه بل وقد تلحق به الضرر مما ينعكس في احيان كثيرة على شكل مقاومة ورفض الساكنة لبعض البرامج التنموية .
من هذا المنظور يكون التكثيف مع الوضعيات الثقافية للمجتمعات في مسعاها التنموي امرا ملحا ، وهذا ما دفع بعض الباحثين في علم الاجتماع و الانتروبولوجيا في السنوات الاخيرة لاهتمام بدراسة العوامل الثقافية المرتبطة بالتنمية المجتمع من جهة وبكيفية استثمارها لخدمة الاغراض التنموية من جهة ثانية منطلقين من فكرة اساسية مفادها ان القيم والمعتقدات والتقاليد والعادات والتمثلات بالإضافة للمظاهر الثقافية المادية وكل ما يرتبط بعناصر الثرات الثقافي له تأثير قوي على انماط السلوك الانساني بوجه عام أو على المجتمع التنموية بوجه خاص, وفي هذا الصدد يعتبر السوسيولوجي الالماني ماكس فيبرمن الاوائل الذين استطاعوا رسم الطريق والمنهج لتحقيق ذلك
وعلى العموم ، لا تقتصر التنمية البشرية على تحقيق الإنتاجية المادية ، أو تغيير المجتمع فحسب ، بل التنمية المستدامة هي التي تعنى بالإنسان عقلا وجسدا وقلبا ومعتقدا وثقافة وبيئة. بمعنى أن المقاربة الثقافية هي الأساس في كل تنمية بشرية لتغيير المجتمع على جميع الأصعدة والمستويات ، وتحقيق تنمية إنتاجية حقيقية ماديا ومعنويا ، وتمكينها داخل المجتمع عن طريق إشراك جميع الفاعلين في اقتراح آليات التنمية الحقيقية . وفي هذا الصدد ، يقول جورج قرم :" تدور التنمية البشرية المستدامة حول تطوير المقدرة البشرية بسياسات وبرامج اقتصادية واجتماعية ودولية تعزز قدرة الإنسان على تحقيق ذاته.ويرتبط مفهوم التنمية في هذا السياق بتنمية الإنسان من حيث هو هدف ووسيلة ، أو بتنمية قدرات الإنسان على سد حاجاته المادية والمعنوية والاجتماعية.
وإذ تتركز إستراتيجيات تحقيق التنمية البشرية على إحداث تغييرات في البيئة القانونية والمؤسسية التي يعيش في كفها البشر، يبقى الأساس في ذلك دائما توسيع خيارات الإنسان. وبذلك ، يتسع فضاء حريته ، وهو ما يتضمن البعد الاقتصادي للتنمية دون أن يقتصر عليها .
والخلاصة أن التنمية البشرية المستدامة تهدف توسيع لقدرة الإنسان على بلوغ أقصى ما يمكن بلوغه من حيث هو فرد أو مجتمع ذو أفراد كثيرة ، وذلك بزيادة إمكانياته التي ليست القدرات الاقتصادية إلا مجرد جانب منها. ومن هنا ، لابد أن تكون السياسات التنموية بالضرورة متعددة الآفاق، لا اقتصادية فحسب .

الفقرة الثانية : المظاهر الثقافية المعرقلة للتنمية
إن ما يسمى بالهياكل الذهنية السائدة في المجتمع اعتبرت من قبل كثير من الباحثين في المجالات الاقتصادية والاجتماعية من اهم الاسباب الكامنة وراء تقدم أو تأخير الشعوب ولهذا الموضوع اهمية حينما اخذت بعين الاعتبار حتى المعتقدات الدينية كعنصر مؤثر في التطور وميزت بين ميول الشعوب للجانبين أسباب التقدم و الديمقراطية والمشاركة السياسية حسب ديانتها وحتى حسب المذاهب التي تتبعها داخل نفس الديانة (مسيحية اورتوذوكسية أو كاثوليكية أو بروتستانتية , الاسلام , أو يهودية أو غيرها)
وعليه يمكن رصد العديد من المظاهر الثقافية المعرقلة للتنمية ويتعلق الامر بالاعتقاد في الاولياء وبراكاتهم والعصبية القبيلية ، والتمثلات المرتبطة بالقدرية (المكتوب) ، والمعتقدات السحرية إلى غير ذلك.
فالمجتمع المغربي ، نجد أن ثقافته التي تكونت من عناصر امتزج فيها ما هو ديني بما هو موروث من أزمنة قديمة أو مستوحى من ثقافات أخرى بفعل المثاقفة ، تضمنت مؤسسات وأفكارا كثيرة تتنافس مع متطلبات تنمية المجتمع و تأهليه لمواجهة تحديات القرن الواحد والعشرون ، ويمكن فيما يلي أن نقف عند بعض السلوكات السلبية لدى المواطنين المغاربة:
ـ عدم احترام الوقت : إن الغالب في سلوكنا هو إصدار الوقت والتذرع بمقولات و ملاسنات ثراتية لم تعد ملائمة للعصر إما للتهرب من أداء الواجب وإنجاز العمل وإنجازه قبل أو بعد أوقاته المحددة.
ـ التواكل والقدرية : يعتبر التواكل كذلك من بين السلوكات الممقوتة في تصرفاتنا فعالية المغاربة لا يميلون إلى المبادرة وتقلصت لديهم بفعل التحولات الاجتماعية في عصرنا روح تحمل المسؤولية والإيثار وحب خدمة الآخر ونكران الذات.
ـ الاحتكام إلى القرار الخرفي وغلبة الذكور في الحياة الاجتماعية وإقرار دونية المرأة ، وهو ما ينعكس بشكل سلبي في تأخر تأهيل وتنمية البلاد.
ـ النفور من النظام والانضباط.






خاتمة
إن قضية التنوع الثقافي في علاقته بالتنمية هي علاقة تكامل بين متلازمان، فقضية التنمية في مختلف تجلياتها هي من دون شك مجرد انعكاس منطقي لطبيعة الثقافة السائدة في المجتمع فالقيم والمعتقدات وأنماط التفكير ومختلف التمثلات التي يتشبث بها الأفراد في مخاليهم الاجتماعي هي من تتحكم في الأسلوب الذي ينتهجه هؤلاء في تسير وتدبير مواردهم المادية والبشرية وفي معالجة إشكاليتهم التنموية المطروحة، ومن المؤكد أن للثقافة والتنمية ارتباط عضوي لا يمكن الفصل بينها أو الاعتداد بأن تأثير الأولى في الثانية مجرد تأثير ثانوي مقارنة مع تأثير العوامل الأخرى المتحكمة في دينامية المجتمع وتقدمه كالعامل الاقتصادية.
وعليه، فإن تعزيز هذه العلاقة بما يحقق تقدم المجتمع يتطلب التخلي عن العادات والتقاليد والخرافات التي تعرقل مسار التنمية يتطلب تعزيز بالانفتاح والحوار والتضامن على الصعيدين الوطني والدولي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. واشنطن: طرفا الصراع في السودان ارتكبا جرائم حرب


.. عام على الحرب.. العربية ترصد أوضاع النازحين السودانيين في تش




.. برنامج الأغذية العالمي: السودان ربما يشهد -أكبر أزمة غذائية


.. تونس: أكثر من 100 جثة لمهاجرين غير نظاميين بمستشفى بورقيبة ب




.. عام على الحرب.. العربية ترصد أوضاع النازحين السودانيين في تش