الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مجمع الأنا وفرضية الرجل المعلق عند ابن سينا

زهير الخويلدي

2019 / 8 / 24
الطب , والعلوم


" عرفت أنه إما أن يكون بالحقيقة أنا أو يكون هو أنا مستعملا لهذا البدن"1
يتم تناول فلسفة أبو علي ابن سينا في هذا المبحث من زاوية إضافته إلى الحكمة الإغريقية عامة والى التأليفية الأرسطية خاصة في نسختها المشائية من زاوية مساهتمه في تنظيم الحكمة المشرقية أو تأسيسها. لقد وقع الاختيار على مسألة معروفة في الدراسات السنوية وانتشرت كثيرا بين الشرّاح وتكمن في أولية الاهتمام بموضوع النفس من جهة منزلتها في نظرية المعرفة وحضورها البارز من جهة نظرية الوجود وتبعات البرهنة على خلودها على صعيد الأخلاق والتربية والسياسة وقيمتها الفنية في تشاكلها مع الجسم. بيد أن المشكل الفلسفي الذي يمكن إثارته في هذا الصدد يتعلق بأهمية التناول الطبي من زاوية تشريحية الذي أجراه ابن سينا على عضو الجسم ووصفه له بالآلة وتأثير ذلك في الشعور بالأنا والتخلي عن أوهام الميتافيزيقا الوسيطة التي سلبت هوية الذات بمجرد اضمحلال البدن أو مخالطتها للبدن وتوهمها العام له. في هذا السياق نجده يصرح هنا:" إن فعلك، إن أثبته فعلا مطلقا، فيجب أن تثبت منه فعلا مطلقا، لا خاصا، هو ذاتك بعينها"2 . لقد أثنى المؤرخون على أهمية الاكتشاف السنوي لفرضية الرجل المعلق وأشادوا بالمجهود الكبير الذي بذله في سبيل إخراج مباحث النفس من النسق المنطقي وتشييد علم نفس جديد ولكنهم لم يستثمروا هذه الفكرة في مستوى الوعي بالذات وما أحدثته من رجة هائلة في مجال إعادة النظر في الشخصية الإنسانية. ما يلفت الانتباه أن ابن سينا سواء في موسوعة الشفاء في الفصل السادس في المقالة الخامسة من الفصل السابع أو في كتاب الإشارات والتنبيهات من القسم الثاني قد قام بتنزيل مبحث علم النفس ضمن الطبيعيات. ما يفترض وقوعه هو تجاوز ابن سينا العلاقة الميتافيزيقية بين النفس والبدن التي تقوم على تدبير التعالي والمفارقة واشتغل على علاقة طبية تقوم باعتبار الجسم آلة عضوية تشارك النفس في إدراك الأنا لنفسه. بهذا المعنى يكون إثبات الأنا لوجود مرتبط بإعادة بناء موقع الجسم من الأنا حتى يتمكن من تجاوز التوهم الذاتي وينتقل إلى مستوى التمثل الذاتي ثم تنجلي الصورة تدريجيا ويتضح له الشعور الخالص بالنفس. لقد تحدث ابن سينا في مستوى إدراك الذات لذاتها عن القبل والحين والبعد وهي ثلاثة مراحل ترتقي فيها الذات من مستوى الوجود الماضي وتباشر في الزمن الحاضر شعورها بنفسها وتنتهي الى الفعل المطلق. من هذا المنطلق نحن أمام أزمنة ثلاثة تمر بها الذات في مستوى معرفتها لذاتها: المرحلة الأولى تكون فيها غافلة عن وجودها ونائمة ومتوهمة لذاتها وفي المرحلة الثانية تنتبه إلى ضرورة العودة إلى الذات فتتمثل ذاتها على النحو الذي تتمثل به الأشياء الخارجية وتدرك نفسها بواسطة الجسم وبقواه الحسية وفي المرحلة الثالثة تشعر بذاتها مستبصرة وشاعرة بماهو مدرك من ذاتها من خلال فعل مطلق وثبوت انيتها. فما الفرق بين التوهم الذاتي والتمثل الذاتي والشعور الذاتي؟ وماهي قيمة الفلسفية لهذا التنزيل؟ وما الفرق بين القيام بدراسة النفس من زاوية طبيعية وبحثها بصورة ماورائية؟ وكيف ساعد ذلك على إثبات الأنا إنيته بمعزل عن العالم المادي؟ وكيف تم هذا الإثبات؟ هل بالتخلص من البدن مثلما جرت العادة في النظرة الماورائية أم بتأكيد فعلها بالانطلاق منه وبالاعتماد عليه؟ ولماذا قرن ابن سينا العودة إلى الذات بمجموعة من التنبيهات والقوى والوسائط؟ وكيف يمكن اثبات الذات من غير وسط وبقوة من فعل الذات نفسها؟ هل هذه القوة الإدراكية جسمانية أم نفسية أم بالامتزاج بينهما؟
تفادي التوقف عند الشعور بالأنا بالعرض من خلال علم وجود جميع الأعضاء الحسية التي يعتقد الإنسان أنها توابعه ويستعملها في وجوده كآلات وبلوغ درجة الشعور بالأنا بالذات بالشعور بالهوية لمجموع الأنا. كما يعبر ابن سينا عن قيمة اكتشافه للرجل المعلق بقوله:" لو خلق الإنسان دفعة واحدة وخلق متباين الإطراف ولم يبصر أطرافه... جهل وجود جميع أعضائه وعلم وجود إنيته شيئا واحدا مع جهله جميع ذلك"3 . إن معالجة المشكل الفلسفي المتعلق بالشعور بالأنا عند أبو علي بن سينا يقتضي التطرق إلى المسألة في عدد من اللحظات منطقية تبدأ بعرض الطريقة التي اكتشف بها فكرة الإنسان المعلق أو الرجل الطائر، ثم تمر إلى بيان شروط إثبات الإنية من خلال البحث في علاقة البدن بالنفس وبعد ذلك يمكن تقديم براهين خلود الروح والاهتداء إلى ذكر تبعات هذا التأسيس الفلسفي للأنا في حقبة معرفية تميزت بالانغلاق. فماهي القيمة الأنثربولوجية التي ترتبت عن اكتشاف الرجل المعلق من طرف أبو علي ابن سينا؟ وماذا ترتب عنها على الصعيد الفلسفي والعيادي؟ وكيف قامت الثورة الطبية في الحضارة الغربية على تخليص كتابه القانون في الطب من رواسبه الميتافيزيقية؟
المراجع:
1- ابن سينا (أبو علي)، الشفاء، الطبيعيات، الفصل السابع، الفن السادس، ، المقالة الخامسة، مجد، بيروت طبعة 1982,صص 251-254.
2- ابن سينا (أبو علي) ، الإشارات والتنبيهات، القسم الثاني الطبيعيات، تحقيق سليمان دنيا، طبعة 1957، ص320.
3-ابن سينا (أبو علي)، الشفاء، الطبيعيات، الفصل السابع، الفن السادس، ، المقالة الخامسة، مجد، بيروت طبعة 1982,ص 251
كاتب فلسفي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا شدّد القضاء عقوبة مدوّن مغربي في قضية -إسكوبار الصحراء


.. ما علاقة السرطان بالطعام؟ باحث من الجامعة الأميركية يبتكر جه




.. -اقتحام رفح-.. صور بالأقمار الاصطناعية تظهر بناء مجمع خيام ق


.. شاهد: سماء برتقالية! غبار الصحراء يُغرق جنوب اليونان وشرق لي




.. مخاوف من نفاد الإمدادات الطبية والغذائية التي تخدم 1.3 مليون