الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذ يحاول بعض الاقباط قتل فاطمة ناعوت

جمال عبد العظيم

2019 / 8 / 26
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


للمرة الاولى اكتب عن شخصية لا تزال حاضرة بيننا تصنع تاريخها . ولم تصبح بعد في ذمة التاريخ حتى اتناولها بالنقد والتحليل . والسبب في ذلك هو الدور الوطني لهذه الشخصية التي اقتطعت من عمرها نحو 20 سنة قضتها في ترميم شرخا كبيرا في جدار الوطن . هذا الشرخ احدثته دولة الاوليجاركيه العسكري عند رئيسها الثاني محمد انور السادات . صاحب سياسة الانفتاح الاقتصادي التي ادت لانهيار الثقافة والفن و تدني الاخلاق . وصعود التيارات الدينية السلفية والوهابية التي اتخذت من اخواتنا الاقباط عدو
واعتبرته هو الاخر الذي يجب ان يكون محط عدائنا وهجومنا الاعلامي لنيل الشعبية . وهذا الاشتباك الغير مبرر اخذ يتصاعد طوال عهد السادات حتى وصل الى ذروته بعملية الزاوية الحمرا في سبتمبر 1981 والمعروفة باسم الفتنة الطائفية . و القاعدة في علم السياسة منذ ايام ميكيافيللي
ان اثارة الصراعات الدينية هي الطريق الاسرع لهدم دولة .
وبعد رحيل السادات استمر الخطاب السلفي والوهابي في الصعود . وفي هذه الاجواء كان الدور الذي اضطلعت به السيده / فاطمه ناعوت . وهي مؤهلة للعب هذا الدور الثقافي السياسي الديني فهي واحدة من ابرز المثقفين في عصرنا كما انها شاعرة مبدعة ومترجمة محترفة وكاتبة مقال من طراز رفيع . وقد اختلفت كثيرا مع من قالوا ان السيدة فاطمة ناعوت الزمت نفسها بقضايا الاقباط . وأرى ان السيدة قد حملت على عاتقها قضايا الوطن لا قضايا الاقباط . ذلك ان شعب مصر بمسلميه ومسيحييه تحكمه المعادلة الاتية :
1 + 1 = 2 *** 1 - 1 = صفر
وهذه المعادلة العبقرية ليست لي بل قالها منذ عقود الكاتب الكبير الراحل الدكتور / السيد ابو النجا . وهي خير تعبير عن تعرض الوطن لخطر وجودي في حالة وجود شرخ بين أبنائه . وحسب هذه الحقيقة فان السيدة المهندسة / فاطمة ناعوت قد تصدت لمهمة ترميم شرخ في جدار الوطن . وليست مجرد قضايا طائفية تخص اتباع دين معين . وبناء عليه فهي تعمل من اجل المسلم قبل المسيحي . و تعمل لاجل انقاذ سفينة الوطن ككل وهو دور نبيل و رشيد سيذكره لها تاريخ هذه البلاد . و قد تحملت الكثير في هذا السبيل من اتهامات وهجوم من الاخوان والسلفيين لانها تناصر الاخر من وجهة نظرهم . واعتادت السيدة هجمات هذه الجبهة ومضت في عملها .
اما الجديد والغريب فهو استهدافها من جانب موتورين ومتعصبين اقباط . وقد بدأ هذا الخط في الظهور منذ مشاركتها في مؤتمر دعم الاقليات في واشنطن المنعقد في يونيو 2016 . والسبب انها نفت اعتبار الاقباط اقلية لان مصطلح اقلية يطلق على الوافدين فقط كأن نقول الاقلية المصرية في امريكا . و لا يصح ان نقول اقليه مصرية في مصر . واعترض عليها شخص يدعي مجدي خليل يتزعم الجزء المتخلف من اقباط المهجر في امريكا .
قائلا : ان مصر تضطهد الاقباط لانهم اقلية . فردت عليه قائلة : هذا غير صحيح . مصر لا تضطهد الاقباط . لان اضطهاد الدولة معناه التمييز بين المواطنين وفق عقائدهم في الدستور والقانون وهذا لايحدث في مصر . ومنذ هذا اليوم دأب مجدي هذا على مهاجمة السيدة فاطمه ناعوت وشتمها في كل مكان وتشويه سمعتها واتهمها بأنها زائفة وسلفية وتتربح من الاتجار بقضايا الاقباط . ولازال مستمرا في هجومه البذئ هو واذنابه في مصر .
وفي يونيو الماضي دعت السيدة / فاطمة ناعوت البابا تواضروس ليكون ضيف شرف في صالونها الثقافي الشهري . وكان سيلتئم في احد فنادق القاهرة في 29 يونيو الماضي . وقوبل هذا برفض شديد من الاقباط بزعم الدواعي الامنية ما دعى البابا لاستضافة الصالون في الكاتدرائية . وهنا كان الاعتراض مرة اخرى رغم انه قرار البابا . واعلنت بعض الصفحات القبطية على مواقع التواصل الاجتماعي رفضهم استضافة البابا بالصالون الثقافي . واتهموا السيدة / فاطمة ناعوت بأنها تتكسب من قضايا الاقباط . فكتبت صفحة " عضمة زرقاء " : " ان الكرسي المرقسي له كرامة لا تضاهيها كرامة اي منصب عالمي ، ولا يقبل ان يعقد صالون فاطمة ناعوت في بيت مارمرقس ، في المقر البابوي بجوار اجساد العظماء في الاباء مرقس واثناسيوس " . كما كتبت احدى الصفحات ع الفيس بوك : " انتبهوا .. الصالون فيه سم قاتل . واشارت الى ان فاطمة ناعوت تحاول جرجرة الكنيسة المصرية الوطنية الى مستنقع السياسة ، واكدت انها تحاول بخبث شديد تسليم الكنيسة لخصومها واعداء الوطن من الغوغائيين والاخوان ، لانها ستعقد الصالون في المقر البابوي وفيه ستحتفل - حسب زعم الصفحة الموتورة - بذكرى 30 يونيو ، واضافت الصفحة : ان الخطر الداهم والوشيك هو التوريط الناعم للكنيسة كمنبر ديني ، لان قبول البابا حضور صالون السيدة فاطمة سيلزمه بقبول اي دعوة من صالونات اخرى عملا بمبدأ الحياد ، واختتمت الصفحة هجومها بأن السيدة ناعوت لو كانت تريد خيرا للكنيسة وللاقباط ما كانت جرجرت الكنيسة لهذا المنطلق الخطير " . وعلى هذا المنوال من الكتابة بنصل سكين راحت عدة صفحات قبطية تمارس العنف والارهاب ضد السيدة وتكيل لها التهم الخطيرة حتى اوهمت القارئ بأن السيده تحاول بدهاء وخبث توريط الكنيسة في مستنقع السياسة اي احراق الوطن نفسه . واشتدت الحملة وازدادت الفاظها بذاءة بعد نجاح الصالون حيث مجدي خليل واذنابه يزعمون ان الصالون هدفه هدم الكنيسة المصرية واهانة البابا . وامام هذه الهجمة الشرسة اعلنت السيدة / فاطمة ناعوت اعتزالها الكتابة عن الاقباط نهائيا وقالت في بيانها : " انا التي نذرت عمري واهملت حياتي وبيتي واطفالي ، واهملت مشروعي الادبي لاكتب في الملف القبطي ، واطالب بحقوقهم ، وكدت اقتل في مذبحة ماسبيرو ، وكنت على ابواب السجن كيدا بسبب اهتمامي بالملف القبطي ، وها هي النتيجة كما ترون " واضافت " على مدى قرابة العشرين عاما تعرضت لحرب ضروس من الاخوان والمتطرفين تعلمونها جميعا لكنها لم تجرحني لانني اعلم سببها ومبررها . اما هجوم المسيحيين غير المبرر اليوم بسبب صالوني فهو ذبح بسكين بارد " ووعدت ناعوت بالكف نهائيا عن الكتابة في الملف القبطي تحت اي ظرف . والتفرغ لمشروعها الادبي الرصين الذي نالت عنه جوائز عالمية رفيعة منذ 2006 . واختتمت السيدة فاطمة ناعوت بيانها قائلة
" اشكركم ايها الاقباط الكرام على عشقي لكم الذي قوبل بالحجود والتخوين والاهانة والسباب والشتائم " .
ورغم صدور البيان الا ان البذاءات لم تتوقف والمشهد اصبح بحاجة لتفسير . لماذا تذبح السيدة المحترمة فاطمة ناعوت ؟ وما الغرض من اغتيالها ادبيا ومعنويا ؟ هل هو اغتيال لخط الاعتدال الكنسي في مصر ؟ لقد سألت السيدة / ناعوت عن احتمال ان تكون جهة ما تقف وراء الاحداث ؟ وقد نفت ذلك تماما وأكدت لي انه مجرد تحرك هيستيري من شخص مهووس بالشهرة ويسعى اليها حتى لو عن طريق ارتكاب جريمة و دخول السجن ! واسمه مجدي خليل وهو يحرك منظمته في امريكا واذنابه في مصر . لكنني لازلت اشعر بأن للاحداث اعماق ربما ستتضح في الايام القادمة .
والقصة التي نطالعها الان ليست الاولى في قصص الجحود والنكران . بل ان احد ابناء مهنة المهندسة المعمارية فاطمة ناعوت تعرض لجحود مماثل واصبح مثل عربي شهير . انه المهندس المعماري الرومي سنمار الذي استدعاه الملك النعمان ملك الحيرة بالعراق ليبني له قصرا لم ير الناس مثيلا له . ووعده الملك بأنه سوف يكافئه مكافأة عظيمة . واستمر سنمار يعمل بلا راحة ولا كلل ستة سنوات كاملة حتى انتهى من بناء القصر . وذهل الملك النعمان من فخامة وجمال القصر. وقرر ان الوقت قد حان لينال المهندس المبدع مكافأته . فهمس لبعض جنوده بالقاء سنمار من فوق سطح القصر . ترى من تعرض لدرجة اعلى من الظلم والجحود والنكران ؟ هل هو المهندس سنمار الرومي ام انها المهندسة فاطمة ناعوت ؟ لقد امضى سنمار نحو ستة سنوات لبناء قصر بينما وهبت السيدة فاطمة نحو 20 سنة من عمرها لترميم شرخ في جدار الوطن . وقد نجح في النهاية مشروع سنمار ورأى بعينه انجازه الكبير ولو لدقائق قبل موته . بينما افسد الحمقى مشروع فاطمة ناعوت الوسطي التوافقي ولم تره يتحقق بل شهدته ينهار . ثم ان طريقة قتل كلاهما مختلفة فبينما قتل المهندس سنمار في دقيقة فان المهندسة فاطمة تقتل ذبحا بالبطئ و بسكين بارد . ايها السادة المتطاولون
.. من حقكم ان تفخروا بأنكم قدمتم للعالم قصة محلية الصنع للجحود والنكران بدلا من القصة العراقية. والجديد حتى انها قصة ظلم وجحود وقعت لسيدة
ليصبح لدينا جزاء سنمار على بناء قصر وجزاء فاطمة على محاولة ترميم شرخ في جدار الوطن .
جمال عبد العظيم
















التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلينكن في الصين يحمل تحذيرات لبكين؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. زيارة سابعة مرتقبة لوزير الخارجية الأميركي إلى الشرق الأوسط




.. حرب حزب الله وإسرائيل.. اغتيالات وتوسيع جبهات | #ملف_اليوم


.. الاستخبارات الأوكرانية تعلن استهداف حقلي نفط روسيين بطائرات




.. تزايد المؤشرات السياسية والعسكرية على اقتراب عملية عسكرية إس