الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لذلك نرفض الوساطة الأمريكية

محيى الدين غريب

2019 / 8 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


إن وساطة أمريكا وفلسفتها في حل النزاعات بين الدول يعتمد اعتمادا أساسياً على احتكار النزاع. فتقديم المساعدات العسكرية والاقتصادية لأحد أطراف النزاع، ومن ثم الضغط على الطرف الآخر الذي يتراءى ضرورة الضغط عليه ليتلاءم ذلك مع سياسات وطموحات معينة في منطقة النزاع، هو كل ما قدمته الوساطة الأمريكية خلال النصف قرن الأخير.

والذي تطلبه أمريكا نظير هذه المساعدات ليس مقابل طبيعي مثل بعض التعاون أو المساندة في المواقف الإنسانية أو الأدبية، وإنما عادة نوع من الولاء أو التحالف للسيطرة والاحتكا، أولمزيد من الضغط على البلاد الأخرى التي لا تنسجم سياستها مع السياسات الأمريكية.

والتاريخ يدلل على ذلك ، فتوسط إدارة "أيزنهاور" بين مصر وبريطانيا بعد الثورة كان بهدف ربط مصر بمشروع حلف بغداد وتوريطها في تكتلات عسكرية أجنبية للسيطرة على الشرق الأوسط.

وفي احتكارها للنزاع العربي الإسرائيلي ، كان أساس تسويتها للنزاع يعتمد أولاً على إعطاء إسرائيل تفوق عدواني للضغط على البلاد العربية، ثم التهدئة بعد ذلك من خلال إعطاء مساعدات بطريقة محسوبة للطرفين تضمن بها أمريكا استمرارية النزاع ومن ثم الوساطة.

عندما قدمت المساعدات للمغرب كان بهدف الضغط على الجزائر.

وعندما تدخلت لوقف العدوان الثلاثى كان خوفا من تدخل الاتحاد السوفيتى.

وعندما قدمت المساعدات لنظام "انورالسادات" كان لتهديد ليبيا عسكرياً.

وظلت تقدم المساعدات العسكرية لكل من العراق وإيران في نفس الوقت لكي تظل الحرب ناشبة بينهم ثمانية أعوام ، احترق فيها أقتصاد البلدين ومعه مئات الألوف من القتلى والجرحى، ومعه أيضاً زيادة هائلة فى مبيعات الأسلحة الأمريكية والغربية.

وحتى في توسطها في النزاعات داخل البلد الواحد ، فإنها تنحاز لطرف دون الآخر والنتيجة تكون زعزعة الاستقرار كما حدث في اثيوبيا والصومال ، أو تقسيم البلد الواحد إلى شمال وجنوب كما حدث في فيتنام وكوريا واليمن وغيرها.

وإذا لم تنجح في أي من هذه الوسائل فهناك التدخل العسكري المباشر، أو استخدام أعمال القرصنة بحجة إنقاذ الديمقراطية كما حدث في جرانادا وبنما، خارقة بذلك جميع القوانين الدولية والمبادئ الإنسانية.

وتوسط أمريكا في أزمة الخليج وتخويفها لبلاد المنطقة من الخطر العراقي الاستعماري، هو توسط غير مفهوم فهو لا يعتمد على تهدئة الأزمة ومن ثم التوصل إلى حل لها، بل إنه يعتمد مرة أخرى على احتكار الأزمة بدفع هذا الكم الهائل من التجهيزات العسكرية وصلت إلى 30% من إمكانياتها، ذلك الذي لم يحدث منذ الحرب العالمية الثانية، ثم شغل الإعلام لتسليط الضوء على هذا العرض المسرحي الكبير.

والنتيجة كانت محسوبة لصالح أمريكا، فلقد وضعت أيديها نهائية على مصادر البترول بعد أن كان يقلقها أن تكون في أيدي عربية وضمنت بيع أسلحتها المكدسة بعد سقوط الشيوعية.

إن صحوة أمريكا في الدفاع عن الظلم والمبادئ صحوة غير مفهومة، فأمريكا هي نفس ذات أمريكا التي ساعدت على تحريض العراق في حربها مع إيران. وهي التي ساعدت إسرائيل على استمرار اغتصابها للأراضي المحتلة. بينما لم تتحرك المشاعر الإنسانية على سبيل المثال عن ما يحدث كل يوم فى الأراضى الفلسطينية المحتلة أو عندما احتلت سوريا لبنان في الماضي أو تجاه ما حدث في الشيشان. ثم معاقبة الهند لعدم قبولها التوسط الأمريكي لحل النزاع بينها وبين باكستان.

المزيد من التقاعس والخيبة فى منطقة الشرق الأوسط بين انظمتها الشمولية وغير الديمقراطية ، أدى مؤخرا لمزيد من التوسط والتدخل، هذه المرة ليس لتقسيم الدول إلى شمال وجنوب، ولكن أيضا إلى شرق وغرب كما حدث بالفعل فى العراق وسوريا فى الأعوام الأخيرة.

والآن ربما بدأ العمل لخطة تقسيم جزيرة جرين لاند شمالا وجنوبا فى محاولة لخلق نزاع ما، ثم التوسط والإنحياز لأحد الأطراف ومن ثم السيطرة والأستحواذ على الموقع الاستراتيجى والموارد الهائلة التى تمتلكها هذه الجزيرة. ولابد أنها ستختلق الأسباب لمعاقبة الدنمارك لرفضها التوسط فى بيع الجزيرة.

ولا يبقى غير مفهوم واحد لوساطة أمريكا ألا وهو رغبتها وطموحاتها في السيطرة والاحتكار من أجل الحفاظ على مصالحها المتعددة باستخدام القوة العسكرية تارة ، وبالضغوط الاقتصادية تارة وبالقيام بدور رجل البوليس تارة أخرى.

إن سيطرة واحتكار أمريكا للتكنولوجيا ولمصادر البترول هو السبيل إلى بقائها أقوى وأغنى بلد في العالم ، قوة بنيت وغنى بني في الماضي والحاضر على حساب الأزمات والصراعات واشعال الحروب وتقسيم البلاد.

وهنا لابد من مواجهة حقيقة أن جميع الدول تعمل بالطبع على تحقيق مصالح شعوبها بجميع الوسائل وكل بطريقته، وأحيانا بوسائل إستغلالية ولاأخلاقية كما فى حالة الولايات المتحدة الأمريكية. إلا أن هذا الإستغلال يعتمد اولا وأخيرا على ضعف وتقاعس وخيبة الدول المستغلة.

الشعوب المتقاعسة تختار أنظمة متقاعسة تعمل أن تعيش شعوبها أجواء وهوس المؤامرة والقوى الظلامية وما إلى ذلك من خزعبلات حتى تظل فى الحكم.

الدولة المدنية الديمقراطية هى الحل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القناة 12 الإسرائيلية: اجتماع أمني تشهده وزارة الدفاع حاليا


.. القسام تعلن تفجير فتحتي نفقين في قوات الهندسة الإسرائيلية




.. وكالة إيرانية: الدفاع الجوي أسقط ثلاث مسيرات صغيرة في أجواء


.. لقطات درون تظهر أدخنة متصادة من غابات موريلوس بعد اشتعال الن




.. موقع Flightradar24 يظهر تحويل الطائرات لمسارها بعيداً عن إير