الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


همسة اليوم: ظاهرة -الفقر- (ده إنت فقري)!!

محمود عبد الله
أستاذ جامعي وكاتب مصري

(Dr Mahmoud Mohammad Sayed Abdallah)

2019 / 9 / 2
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


همسة اليوم: ظاهرة "الفقر" (ده إنت فقري)!!
بقلم: د/ محمود محمد سيد عبد الله – أستاذ جامعي وكاتب مصري
(أستاذ المناهج وطرق تدريس اللغة الإنجليزية المساعد/المشارك – بكلية التربية – جامعة أسيوط – مصر)

همسة اليوم عن ظاهرة (غريبة) تسود في بعض المجتمعات التي يغلب عليها الفقر المادي (والتخلف أحيانا) والسادية (الاستمتاع والتلذذ بتعذيب الآخر) – خاصة في أرياف مصر وقراها الصغيرة (الفقيرة)..وبالتحديد، هناك أسر (وعائلات) بعينها يسود فيها الغضب والصوت العالي، وعدم النضج - النفسي والسلوكي – (والذي يظهر جليا في: تضخم الأنا، والصوت العالي "الزعيق"، والسلوك الاستعراضي، والجفاف، والبلطجة، والفهم الخاطئ للرجولة، والفتور في المعاملة، والأنانية، والطمع فيما بأيدي الناس، والنظرات الباردة الخالية من أي تعبير، وعدم مراعاة خصوصية الناس، والتطفل، والتدخل في أمور أخرى، وعدم تقدير ظروف الناس، والمقارنة الظالمة "الجائرة" بين الأفراد، والجفوة والقطيعة بين الناس - بالشهور والسنوات أحيانا (وكأن الناس بتتلكك علشان تخاصم بعض وخلاص)، والجور والظلم وأكل الحقوق وأموال الناس، وتلقيح الكلام "الرمية" وتضخيم الأمور، وتأليف الشائعات وتداولها دون التحقق من صحتها...إلخ) ..كما يسود فيها سوء إدارة المشكلات والأزمات وعدم التحضر أو الرقي (الذي يتضمن سوء الأدب والتجريح وتعمد الإهانة والردح والمعايرة – ومن هنا نشأت ظاهرة "الأخذ بالثأر" البغيضة المقيتة التي حصدت آلاف الأرواح البريئة التي لا ذنب لها فيما فعل آخرون من نفس العائلة – والنقد اللاذع الهدام، والطبقية "النفخة الكدابة" والسخرية من الناس، وعدم القدرة على التعايش السلمي والطيب مع الآخر)..

في مثل هذه الأسر (غير السوية) التي لا تراعي الأخلاق العامة والدين (والتي تعيش في الغالب خارج نطاق الزمن)، تسود هذه الكلمة (فقر – فقري) – ليس فقط بمعناها الحرفي (الفقر المادي)، ولكن أيضا بمعان أخرى قد لا نتصورها (حسب السياق والحالة النفسية والمزاجية للقائل)..وقد لا يقصد القائل من ورائها "الذم" (كما يمكن أن يتبادر إلى الذهن من أول وهلة)! فحتى في حالات الإطراء والمدح، تستخدم (فقري)!! فلو كان الشخص مثلا مجتهدا ويحتاج إلى أوراق الجرائد الفارغة كي يذاكر عليها ويخط ما يدور بذهنه فيما يتعلق بالمحتوى الذي يستذكره مثلا، قد ينعته أحدهم "بالفقر" قائلا: " ده عيل فقري..يفضل يذاكر لغاية الصبح ويخلص رزمة ورق داتش"! ولو أعجب أحدهم بمهارة (رياضية) عالية عند أحدهم مثل المشي على اليدين لمسافة طويلة قد يقول: "ده كان فقري..كان يفضل ماشي على إيديه بعرض ملعب المدرسة"! أو: "ده كان فقري معدل وهو صغير..يقف على الحمار وهو ماشي ويفضل يقف على إيديه ويعمل أكروبات..على الحمااااار يا جدع"!! (ملحوظة: لو كان مجتمع متحضر في أوربا مثلا، وشاف منظر زي ده، يعمل إشارة تشجيع (كده) بصباعه للشخص الرياضي ده وممكن يسقفله كمان – ده ممكن حتى يتواصل مع حد يعرفه علشان يشوف إزاي ممكن يوظف الموهبة – والقدرة العالية – دي عند الشخص ده في حاجة مفيده لبلده، ما تلاقيش واحد هناك متخلف – نفسيا وإنسانيا وأخلاقيا – يسخر من الشخص ده ويفضل 30 سنة يعاير ويحكي في قصة قديمة وكإن صاحبها ده كان متخلف أو مجنون وهو طفل لما كان بيعمل الحركات دي! وإن مثلا ما ينفعش ده يبقى طبيب أو دكتور أو مدير أو وزير لما يكبر!!)..

وعندما يعجب أحدهم بممثل معين (كوميدي مثلا) لا يعرف اسمه، يسأل الناس (بإعجاب): "مين الفقري ده؟! اسمه إيه؟!" وفي حالة النسب (مثلا) عندما يسألون عن أسرة أو عائلة العريس، قد يعبر البعض عن صلاح حال هذه العائلة وهدوئهم (غلبانيين وفي حالهم)، قد يقول البعض: "دول ناس فقارى (جمع فقري) وزنين (كويسين يعني)"! وعندما يصاب أحدهم بالدهشة في موقف ما (أو من سلوك ما)، يسارع إلى القول: "إيه الفقر ده؟" وقس على ذلك مئات الأمثلة والشواهد..وأود أن أختم برسالة إلى هؤلاء:
أعزائي..طالما أنكم لازمتم هذه الكلمة، سيكون لكم نصيب (كبير منها)..فالمتمارض (مدعي المرض)، حتما سيمرض ويموت..فأتذكر أني سمعت حديثا عن المصطفى (صلى الله عليه وسلم) ينهى عن التمارض: "لا تتمارضوا..فتمرضوا..فتموتوا"..ويقول الله (سبحانه وتعالى) في حديث قدسي: "أنا عند ظن عبدي بي"..فمن ظن في الخير، سيجد الخير (قانون إلهي أذلي)..ومن ظن شرا، فلن يجد غير ذلك..ومن لزم الفقر (والغلب والفاقة والسأم والحزن)، فسيكون قرينه في دنياه (وربما في آخرته)..ومن طمع فيما في أيدي الناس، عاقبه الله بالحرمان من نعمه (التي لا تعد ولا تحصى)..أنتم اخرتم الفقر (والمعاناة) وطوعتم اللغة وحرفتموها كي تواكب هذه المشاعر السلبية (البغيضة) التي ستظلون سجناء فيها (ولها) إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها..ستنعمون بالفقر (الذي استعاذ منه الرسول – صلى الله عليه وسلم – ولعنه مولانا الإمام علي بن أبي طالب – رضي الله عنه وكرم الله وجهه "والله لو كان الفقر رجلا، لقتلته!") طالما لزمتم هذه الكلمة..وسينصرف عنكم الرزق ويجري بعيدا كلما رآكم – كما تجري غزال من قسورة! يعني بالبلدي كده، لو إنت اخترت (الفقر) ولزمته، خليك في حالك..وسيب الناس (المتخلفة بالنسبالك) تعيش في حالها..وطالما إنك اعترضت على حكمة ربنا وعدله في خلقه، هتجري (جري الوحوش) وفي الآخر مش هتصيب غير إللي كتبهولك ربنا..ولو مشاعرك من الناس كلها غيرة وحقد وطمع، ربك هيديلك على قد نيتك (وعلى نياتكم ترزقون)! فـــــ إمتى بقى الناس هتتحرر من الأسر ده وتفتح مخها شوية علشان تعرف تعيش حياتها من غير كلمة "فقر-فقري"؟؟ يمكن طول ما هو كان وسطيكم، كان فعلا "عيل فقري"..ربنا ما أكرموش وأنعم عليه غير لما كبر وسافر ولف وشاف واتحرر من الأسر (والعقد) دي بتاعتكم!!
خالص تحياتي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزب الله ينتقم لمقتل 3 من قادته وإسرائيل تحشد ألوية عسكرية ع


.. التصعيد الإسرائيلي الإيراني يسحب اهتمام الغرب من حرب غزة




.. الأردن يؤكد أن اعتراضه للمقذوفات الإيرانية دفاعا عن سيادته و


.. رئيس وزراء قطر: محادثات وقف إطلاق نار بغزة تمر بمرحلة حساسة




.. تساؤلات حول أهلية -المنظومة الإسرائيلية الحالية- في اتخاذ قر