الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اميركا بدأت بالتراجع امام روسيا وامام الصين وايران

جورج حداد

2019 / 9 / 5
السياسة والعلاقات الدولية


إعداد: جورج حداد*


بعد انهيار الاتحاد السوفياتي بفعل خيانة الستالينيين الجدد (الغورباتشوفيين)، ومجيء العميل بوريس يلتسين الى السلطة في روسيا السوفياتية سابقا، عمت فوضى عارمة في جميع نواحي الحياة في روسيا. وعملت الاحتكارات الرأسمالية العالمية وبالاخص اليهودية على تخريب روسيا ونهب ثروات وخيرات هذه البلاد العظيمة بهدف ارجاعها قرونا الى الوراء وتحويلها الى مستعمرة عالمثالثية يقوم وجودها على تزويد المتروبولات الغربية بالخامات الطبيعية والنفط والغاز، وتحويل شعبها الى شعب عبيد على النسق "الافريقي" و"الروماني القديم". ولكن الشعب الروسي سرعان ما نهض من كبوته، وشق التيار القومي الروسي بقيادة بوتين طريقه الى السلطة بشكل سلمي وحازم، مدعوما من الجيش وقوات الامن والمخابرات ومختلف التيارات الشعبية الروسية. وبدأت السلطة القومية "البوتينية" تعمل لبناء نظام "رأسمالية دولة" تحدّها وتوجهها ثلاث سيرورات تاريخية روسية هي:
الاولى ـ الجذور التاريخية الاورثوذوكسية العميقة والعريقة للشعب الروسي، وما ينشأ عنها من عنفوان قومي ـ حضاري، ونبذ العبودية للغرب، ودعوة صادقة للتآخي بين جميع الشعوب والاديان والاتنيات الشرقية الفقيرة والمظلومة.
الثانية ـ ان الشعب الروسي هو الشعب الذي قام بأعظم ثورة اشتراكية في التاريخ المعاصر سنة 1917، وقام بتجربة بناء النظام الاشتراكي وتغيير المسار التاريخي للعالم، وقدم التضحيات الجسام في هذا السبيل. واذا كانت تجربة بناء الاشتراكية قد فشلت في المرحلة التاريخية الراهنة، بفعل الحصار والمؤامرات الدولية، خارجيا، والانحرافات والخيانات الستالينية والنيوستالينية، داخليا، فهذا لا يلغي ابدا بل يؤكد ان الشعب الروسي هو مشبّع بالفكر الاشتراكي بكل تلاوينه.
والثالثة ـ ان الاتحاد السوفياتي السابق (وقلبه روسيا السلافية) تعرض لابشع وافظع عدوان استعماري واستعبادي غربي، بشخص المانيا النازية التي كانت ترفع شعار (المانيا فوق الجميع) والشعار الروماني القديم (السلافيون هم عبيدنا). وبالرغم من النكسة الكبرى التي مني بها الاتحاد السوفياتي في بداية الحرب بفعل الخيانة الموصوفة لستالين الذي ترك الحدود مفتوحة امام الجحافل الهتلرية، حيث قتل واصيب ملايين المواطنين وتم اسر ثلاثة ملايين جندي سوفياتي في الايام الاولى للحرب، فإن المارد الشعبي الروسي سرعان ما نهض من كبوته، ورد الهتلريين على اعقابهم واقتحم جحورهم ورفع علم النصر فوق الرايخستاغ الالماني واضطر هتلر ذاته للانتحار حتى لا يقع في ايدي الروس. ولكن ذلك تم بثمن غال جدا حيث استشهد ما لا يقل عن 26 ـ 30 مليون جندي ومحارب ومناضل ومواطن سوفياتي وروسي. ولا يوجد في روسيا بيت واحد ليس فيه شهيد واكثر. من هنا ان الشعب الروسي لا يمكن ان يتساهل ابدا مع "الثقافة" العنصرية الغربية التي تقسم العالم الى: اسياد وعبيد؛ الى دول سوبرمانية ودول دونية.
وفي العقد الاول من القرن 21 عملت "روسيا القومية" الجديدة بشكل حثيث على اعادة التوازن الى العلاقات الدولية، واستعادة دورها كدولة شرقية عظمى في الجيوستراتيجية الدولية.
ووجدت الدول الغربية انه ليس من مصلحتها، وليس في مقدورها، متابعة سياسة محاولة استعمار واستعباد دولة نووية عظمى كروسيا، تمتلك ليس فقط الاسلحة النووية بل والغواصات والطائرات الستراتيجية وشتى انواع الصواريخ الكفيلة بنقل وتفجير القنابل النووية في اي بقعة في العالم الغربي كله.
ولكن مع هذا التراجع فإن الدول الغربية وعلى رأسها اميركا لم تتخل عن سياستها الامبريالية المعادية لجميع شعوب العالم. بل هي غيرت تاكتيكها في التعامل مع روسيا، ووضعت نصب عينيها العمل لاستمالة روسيا للانضمام الى السياسة الامبريالية للدول الغربية وان تصبح شريكتها في هذه السياسة، وتحصل على حصتها "الشرعية" من فوائد وعوائد السياسة الامبريالية الدولية في مواجهة شعوب الصين والهند والشرق الاقصى والشرق الاوسط وافريقيا واميركا اللاتينية. ولهذه الغاية تم دعوة روسيا لارسال ممثلين دائمين من قبلها لدى حلف الناتو والاتحاد الاوروبي، وأنشئت لهذا الغرض لجنة تنسيق دائمة ناتوية ـ روسية، ولجنة اخرى اتحاد اوروبية ـ روسية. وتم ضم روسيا الى مجموعة الـ20 الكبار G-20 ومجموعة الـ7 الكبار G-7 التي تحولت الى الـ8 الكبار G-8 بعد ضم روسيا اليها. واتيح لروسيا ان تترأس مرتين مجموعة الـ8 الكبار G-8، وطرحت على جدول الاعمال مسألة ضم روسيا الى "منظمة التجارة العالمية". واعلنت اميركا، ولو ظاهريا،، امتناعها عن تطبيق برنامج نشر شبكة الصواريخ المضادة للصواريخ في اوروبا الشرقية، مما يهدد الامن القومي الروسي.
ولكن سياسة الملاينة هذه لم تؤد الى استمالة روسيا لتنضم الى نادي الدول الامبريالية وتغدو شريكا للكتلة الغربية بزعامة الامبريالية الاميركية واليهودية العالمية.
وحينذاك رفعت اميركا وكتلتها الغربية البطاقة الحمراء في وجه روسيا، وبدأ استبعادها من هيئات التنسيق المشتركة، وتجددت الحرب الباردة، ونظم الانقلاب الاوكراني الفاشستي المعادي للروس ولروسيا مما ألزم روسيا بقبول عودة القرم للانضمام اليها بعد اجراء استفتاء شعبي قررت فيه الاغلبية الساحقة من سكان القرم العودة الى احضان الوطن الام روسيا. ووقف العالم على شفير اندلاع الحرب العالمية الثالثة حينما ارسلت اميركا والناتو الغواصات والسفن الحربية الى البحر الاسود لاسترجاع شبه جزيرة القرم بالقوة. ولكن سفن الاسطول الحربي الروسي وقفت امامها بثبات وكاد الحديد يقرع الحديد، وجاء الطيران الستراتيجي الروسي وحلق فوق حوض البحر الاسود وأمر جميع الغواصات والسفن الحربية الاميركية بالصعود الى سطح الماء وأمر بحارتها بالصعود الى سطوح غواصاتهم وسفنهم والا... فنفذ الاميركيون ما طلب منهم صاغرين، وهم لا يصدقون انهم سينفدون بجلودهم.
على اثر ذلك بدأت اميركا تطبيق سياسة المقاطعة والحصار وفرض العقوبات الاقتصادية والمالية الشديدة ضد روسيا، كما هو الحال ضد ايران. وطبعا انه جرى استبعاد روسيا من مجموعة الـ8 الكبار G-8 التي عادت الى صيغتها السابقة الـ7 الكبار G-7 وهي: بريطانيا، المانيا، ايطاليا، كندا، اميركا، فرنسا واليابان.
وفي الوقت ذاته بدأت اميركا حربا تجارية قاسية ضد الصين. كما قامت حكومة جبل طارق الخاضعة لبريطانيا باحتجاز غير مشروع لناقلة نفط ايرانية بناء لطلب اميركي.
ولكن ماذا جنت اميركا من هذه السياسة الامبريالية الرعناء؟
انها لم تجن سوى الفشل. حيث بدأت الهيبة الدولية لاميركا في الترنح واقتصادها يتزعزع. وقد اضطرت أخيرا لاغماض العين عن الافراج عن ناقلة النفط الايرانية في جبل طارق.
وفي الاجتماع الاخير لمجموعة الـ7 الكبار G-7 الذي عقد مؤخرا في فرنسا، اعلن عن رغبة اميركا في التفاوض مع ايران وتجديد المفاوضات التجارية مع الصين. وعبر الرئيس الاميركي ترامب عن تأييده لاعادة ضم روسيا الى مجموعة الـ7 الكبار، والعودة الى صيغة مجموعة الثمانية الكبار G-8. واعلن ترامب عن اعتقاده ان المشكلات العالمية لا يمكن حلها بدون روسيا. وصرح وزير الخارجية الروسي سيرغيي لافروف ان روسيا لا تتمسك بصيغة الـ8 الكبار. وانها تدعم فكرة توسيع هذه الصيغة لتضم ايضا الصين والهند لما لهما من اقتصاد كبير وتأثير كبير على السياسة الدولية.
ويرى بعض المحللين ان اميركا انما تهدف من وراء العودة الى استمالة روسيا الى دق اسفين بينها وبين الصين. في حين ترى غالبية المحللين ان هذه علامة اخرى من علامات تراجع اميركا امام الصلابة التي ابدتها كل من روسيا والصين وايران بوجه السياسة العدائية لاميركا وكتلتها الغربية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أهلا بكم في أسعد -أتعس دولة في العالم-!| الأخبار


.. الهند في عهد مودي.. قوة يستهان بها؟ | بتوقيت برلين




.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تزداد في الجامعات الأمريكية..


.. فرنسا.. إعاقات لا تراها العين • فرانس 24 / FRANCE 24




.. أميركا تستفز روسيا بإرسال صورايخ سراً إلى أوكراينا.. فكيف ير