الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التناقضات الاميركية الاوروبية في نطاق تجارة الاسلحة

جورج حداد

2019 / 9 / 10
السياسة والعلاقات الدولية


جورج حداد*


يستطيع اي مراقب ان يرى حتى بالعين المجردة ان السياسة القائمة على نزعة الهيمنة الآحادية تقود اميركا ليس فقط الى معاداة الدول غير الصديقة والمنافسة والمعادية كروسيا والصين وايران وفينزويلا، بل وحتى الى منازعة الدول الحليفة تقليديا لاميركا والداخلة في اطار نفوذها. ويتجلى ذلك بشكل خاص في العلاقات الاميركية ـ الاوروبية. وقد جاء في تعليق لجريدة El Pais الاسبانية "ان الولايات المتحدة الاميركية تهدد الاتحاد الاوروبي بفرض عقوبات اقتصادية وسياسية، اذا استمر الاتحاد في تطوير مشاريعه الخاصة في قطاع الدفاع، التي تهدف الى اجتذاب اطراف ثالثة للمشاركة في المشاريع، ولكن فقط اذا احتفظ الاتحاد الاوروبي بحقوق الملكية الفكرية للابتكارات.
وفي هذا الصدد تستشهد الجريدة برسالة نائب وزير الخارجية الاميركي ألين لورد الى مفوضة الاتحاد الاوروبي للشؤون الخارجية والامنية فيديركا موغريني، التي يقول فيها ان البرامج الحالية لبروكسل تهدد الاندماج بين الدول الغربية، الذي تم تحقيقه خلال السنوات السبعين الماضية ولا سيما عبر حلف الناتو.
وجدير بالذكر ان الولايات المتحدة هي مستاءة جدا من لائحة شروط "الصندوق الاوروبي للدفاع"، التي تسمح لبلدان الاتحاد ان تدعو دولا ثالثة للمشاركة في برامجها العسكرية (والمقصود بذلك ليس فقط الولايات المتحدة الاميركية).
وبالاضافة الى ذلك تعرب اميركا عن الاستياء الشديد حيال شروط البرنامج الاوروبي الداخلي الخاص بـ"التعاون الدائم المؤسسي في حقل الدفاع" المسمى (PESCO)، الذي تعتبر المراجع الاميركية انه يكرر الانظمة العسكرية، التي تم تحقيقها بين الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي طوال العقود الماضية. وترى هذه المراجع ان ذلك سيولد منافسة غير ضرورية، وان هذا البرنامج يهدف الى تشجيع تعاون اوسع بين البلدان الاعضاء في الاتحاد الاوروبي على حساب التعاون مع الولايات المتحدة الاميركية.
وللخروج من هذا الوضع تقترح واشنطن اعادة النظر في شروط البرنامج، ولا سيما فيما يتعلق بالاحتفاظ الحصري للاتحاد الاوروبي بحقوق الملكية الفكرية وبحق الفيتو للدولة العضو في الاتحاد التي تقوم بتنفيذ المشروع الدفاعي المحدد.
وتبعا لرأي بعض المحللين فإن هذه التخوفات الاميركية هي ناشئة عن احتمالات خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، وهو ما يدفع المانيا مؤخرا لزيادة التعاون مع فرنسا في النطاق العسكري، بدلا عن انكلترا (الداعم التقليدي لاميركا).
فيما يرى محللون آخرون ان وراء الاستياء الذي تبديه اميركا حيال برامج الاتحاد الاوروبي لتطوير قطاعه الدفاعي الخاص، تختفي رغبة واشنطن في الاستمرار في "سياستها الاحتلالية" في اوروبا، التي تعود الى نهاية الحرب العالمية الثانية.
ومن المعلوم انه في نهاية 1945 تم تقسيم اوروبا الى قسمين: القسم الغربي وضع تحت نظام احتلالي اميركي، والشرقي وضع تحت سيطرة الاتحاد السوفياتي السابق. وبعد انهيار المنظومة السوفياتية في بداية التسعينات من القرن الماضي، انسحبت الجيوش السوفياتية من القسم الاوروبي الشرقي، وتخلت موسكو عن سياستها الاحتلالية في اوروبا. ولكن الولايات المتحدة لا تزال تطبق سياستها الاحتلالية في اوروبا الغربية وتضع تحت المراقبة الدورة المالية وشبكة الاتصالات في اوروبا، وهي تخشى ان تفقد نفوذها في القارة العجوز.
وبالنسبة لاميركا فإن استقلال اوروبا، المحمي بجيشها القوي الخاص، يعني ان تخسر اميركا الفوائد الاقتصادية والسياسية الكبيرة التي تجنيها من اوروبا الان. اذ انها لن تستطيع بعد ذلك ان تبيع لاوروبا الكميات ذاتها من الاسلحة التي تبيعها اياها الان ولا ان تملي على اوروبا المواقف التي يمكن ان تمليها عليها الان في السياسة الدولية. وهذا ما يفسر الضغط الذي تمارسه واشنطن على بروكسل في القطاع العسكري.
ومن المؤكد ان هذا النهج الذي تتبعه واشنطن لا يلائم حلفاءها الاوروبيين. ولكن التخلص من التبعية لاميركا ليس بالامر السهل. خصوصا وان قسما مرموقا من النخبة الاوروبية لا يزال يتشكل من انصار النفوذ الاميركي المكشوفين وغير المكشوفين. وفي رأي هؤلاء ان الولايات المتحدة الاميركية لا تزال تمثل عاملا ايجابيا لضمان امن اوروبا. هذا بالاضافة الى ان قطاعا واسعا من الاعلاميين والسياسيين ورجال المال والاعمال الاوروبيين هم شركاء او مرتبطون مصلحيا مع المؤسسات والاجهزة الاميركية.
ولكن في الوقت نفسه، وكما اثبتت انتخابات البرلمان الاوروبي الموحد التي جرت مؤخرا، فإن قطاع النخبة الاوروبية المعارض للهيمنة الاميركية يتوسع باستمرار. ويلح هذا القطاع على انتهاج سياسة اوروبية مستقلة، بما في ذلك في حقل الدفاع، اي تحرير اوروبا من السياسة الاحتلالية الاميركية المستمرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وفي رأي غالبية الخبراء فإن هذا التوجه الاستقلالي هو الذي سيتفوق في النهاية وان طال الوقت.
ومنذ وقت غير بعيد تقدمت المفوضية الاوروبية للسياسة الدولية والامن باقتراح مشروع ميزانية اوروبية للسنوات 2021 ـ 2027، يرفع فيه الاتحاد الاوروبي التوظيفات في حقل الامن والدفاع بنسبة 40%، كما ينشئ ما يسمى "الصندوق الاوروبي للدفاع". ويتوقع الخبراء انه بمساعدة التوظيفات من هذا الصندوق فإن الاتحاد سيتحول الى احد اربعة كبار المستثمرين في قطاع الابحاث العسكرية والتكنولوجية في اوروبا. ويجري التخطيط لكي يتم من خلال هذه الميزانية توظيف 4.1 مليار يورو في تمويل "مشاريع ابحاث مشتركة ذات قدرة تنافسية". وبالاضافة الى ذلك، والى جانب التوظيفات التي تقدمها الدول الاعضاء في الاتحاد، سيتم تخصيص 9،8 مليار يورو لتمويل صناعة النماذج الاولية وما يرتبط بها من التجارب ومنح الشهادات في القطاع الدفاعي.
وعلى هذه الخلفية فإن الولايات المتحدة تواصل استخدام الناتو كأداة من اجل توسيع نطاق عمليات البيزنس للمجمع الصناعي الحربي الاميركي. وهكذا فهي لا تكتفي بالضغط على تركيا لمنعها من شراء منظومة S-400 الروسية، بل هي تضغط ايضا على الاوروبيين لمنعهم من تقديم عروض بديلة لتركيا. ونخص بالذكر منظومة الدفاع الجوي المسماة SAMP-T والتي ينتجها الكونسرسيوم الحربي الفرنسي ـ الايطالي المسمى Eurosam. في حين تواصل واشنطن الضغط على انقرة لشراء منظومة Patriot التي انكشف فشلها حتى في مواجهة صواريخ المقاومة الفلسطينية محلية الصنع في غزة.
وفي شهر ايار الماضي فإن السفير الاميركي لدى الاتحاد الاوروبي غوردون سوندلاند حذر الاتحاد من ان مشاريع توسيع التعاون العسكري في اطار الاتحاد الاوروبي بمعزل عن الولايات المتحدة الاميركية سيؤدي الى تآكل التعاون عبر الاطلسي الذي تم تحقيقه طوال عقود وسيؤدي الى الاضرار بالناتو. وتنتقد واشنطن بشكل خاص المشاريع التي يمكن لها ان تستبعد المجمع الصناعي الحربي الاميركي من السوق الاوروبية للاسلحة. وهدد سوندلاند انه يمكن في هذه الحالة ان يتعرض الاتحاد الاوروبي للعقوبات الاميركية.
ومن الواضح ان القلق الاميركي الحالي يتأتى من صندوق الصناعة الحربية الاوروبية بميزانيته البالغة 13 مليار دولار، والذي تمت المصادقة عليه من قبل البرلمان الاوروبي الموحد في نيسان 2019، بالاضافة الى ميثاق الاتحاد الاوروبي الخاص بـ"التعاون المؤسسي الدائم في حقل الدفاع" المسمى (PESCO).
ان الحرب الباردة التي تتعمد اميركا تسعيرها، وبؤر التوتر والنزاعات التي تستثيرها اميركا وكتلتها الغربية، تجعل من تجارة الاسلحة والمجمع الصناعي الحربي لكل من اميركا واوروبا المحور الرئيسي للصناعة ولمجمل الدورة الاقتصادية ـ المالية والحياة السياسية للقطبين الغربيين. وفي ظروف الفشل الاميركي ـ الغربي في مواجهة الخصوم كروسيا والصين وايران وفينزويلا، فإن كل الدلائل تشير الى ان العلاقات بين القطاع الحربي لكل من اميركا واوروبا تسير ليس نحو التعاون والتكامل والاندماج، بل نحو المزيد من التفكك والمزاحمة والنزاع. ويرى بعض المحللين ان ذلك يحمل في طياته خطر نشوب نزاعات مسلحة بشكل حروب هجينة يتصارع فيها القطبان الاميركي والاوروبي لاجل النفوذ السياسي وتأمين مصالح الاحتكارات الرأسمالية الكبرى في كل منهما.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -حسبنا الله في كل من خذلنا-.. نازح فلسطين يقول إن الاحتلال ت


.. بالخريطة التفاعلية.. كل ما تريد معرفته عن قصف أصفهان وما حدث




.. بوركينا فاسو تطرد دبلوماسيين فرنسيين في خطوات لتصفية الوجود


.. الرئيس الإيراني: عملية الوعد الصادق كانت خطوة ضرورية وتعتبر




.. لماذا غرقت دبي في الفيضانات؟