الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حديث الكآبة ..

مصطفى بودغية

2019 / 9 / 13
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


ما الذي يشعرنا بالكآبة ؟؟.. لماذا نكتئب ؟؟.. هل الاكتئاب مرض العصر أم أنه كان موجودا ولم يتم الكشف عنه إلا مع ولادة "علم النفس" ؟؟.. هل نكتئب لأننا فقراء ؟؟.. هل نكتئب لأننا غير أحرار ؟؟.. أم نكتئب لأننا نشعر بعدم الرضى عن حالنا ؟؟..
أكيد أن للاكتئاب أسباباً متعددة ومتداخلة.. ليس سبب الاكتئاب الفقر أو انعدام الحرية أو الشعور بعدم الرضى.. قد نجد أغنياء مكتئبين أو أحراراً مكتئبين أو راضين عن حالهم مكتئبين..
قد تكون هناك أسباب وجودية عميقة مثل التفكير في الموت أو غياب الحب أو فقدان الاحترام.. لا يمكن أن نوقف تهديد الموت.. ولا أحد له القدرة على إكراه الآخرين على حبه أو احترامه.. قد يخافون منه أو يهابونه.. لكنهم غير ملزمين بحب أو احترام أحد لا يحبونه ولا يحترمونه..
كثيرا ما نشعر بالاكتئاب ولا نعرف أسبابه.. قد ننام فرحين سعداء.. ونصحو مكتئبين حزينين دون أن نعرف ما حدث في دواخلنا ونحن نغط في نوم عميق.. أو قد يتعكر صفو مزاجنا وينقلب من المرح إلى الكآبة لسبب تافه لا يستحق حتى الالتفات إليه. .حتى أننا في ثقافتنا الشعبية عندما نضحك كثيرا..وكثيرا ما نضحك بجنون.. نقول "الله يخرج العاقبة بخير!". .هل للضحك علاقة بالاكتئاب ؟؟.. هل الضحك مقاومة للاكتئاب ؟؟..قال أحد الفلاسفة..أظن أنه الفرنسي "هنري برغسون"..إن "الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يضحك..لأنه يعرف أنه سوف يموت".. أتذكر سنة 1979..في الحي الجامعي بفاس..حالتَـيْ انتحار لشابين كانا مرحين لا يكفان عن الضحك .. أحدهما تجرع "حامض الأسيد" (الما القاطع).. والآخر انتظر القطار على سكته.. وعند اقترابه ارتمى نحوه بعد أن ترك رسالة لأهله..
مما شك فيه أن إدراكنا الحسي الذي يمدنا بصور سمعية وبصرية و ذوقية وشمية ملوثة عن وسط متخلف عابث ومُزْرٍ.. نحيا فيه.. له دور أساس في تغلغل الكآبة في كياننا.. قد يكون وعينا بالعنف المتعدد الألوان المسلط على البشر بوجوهه المادية والمعنوية..وعينا بالاستبداد العنيف الدامي في صوره المحلية والإقليمية والعالمية.. إدراكنا للفوضى الشاملة التي نحيا وسطها من أوساخ وأزبال وغش متناثر ومتعدد ونفاق متلون ولا مبالاة مستشرية وألوان من الارتزاق الإعلامي والسياسي مع طغيان الأنانية وأشكال من "الضحك على الذقون".. الوعي باسترخاصنا في وطننا وفي العالم واغتصاب كرامتنا وقيمتنا كبشر.. العنف الممارس علينا يوميا لإكراهنا على العيش في أوضاع لا نرضاها..الكم الهائل من التفاهات والعبث والأضاليل والأوهام التي تبثها الفضائيات..الوعي بتعميم الذوق الفني الرخيص التافه ودعمه بالمال الوفير والدعاية المكثفة..الوعي بانتشار الكراهية والعنصرية والعدوانية ضد قيم التسامح والعدل والمحبة..كل هذه الأمور قد تكون مصادر قوية للاكتئاب..لكنها غير مباشرة ولا تمسنا مباشرة..لكن تضرب في الصميم شعورنا الفطري بالغيرية وضرورة الإحساس بالغير وبغياب الجمالية والتناسق في الوسط الذي أجبرنا على العيش فيه..صدق "نتشه" حين قال إن "المعرفة مصدر كآبة وحزن وليست مصدر سعادة أبدا".. وقد سبقه بزمن بعيد "أبو الطيب المتنبي" حين قال : وذو العقل يشقى في النعيم بعقله .. وأخو الجهالة في الشقاوة ينعمُ..
لكن ربما يكون كل هذا الذي ذكرناه لا يعني بعض الكائنات المصفحة بالأنانية واحتقار الآخرين وتقبيل أيدي "الأقوياء" والاسترزاق في البشر والشجر والحجر.. ربما لها اكتئابها الخاص بها يلائم وضعها الوجودي الخاص..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا خصّ الرئيس السنغالي موريتانيا بأول زيارة خارجية له؟


.. الجزائر تقدم 15 مليون دولار مساهمة استثنائية للأونروا




.. تونس: كيف كان رد فعل الصحفي محمد بوغلاّب على الحكم بسجنه ؟


.. تونس: إفراج وشيك عن الموقوفين في قضية التآمر على أمن الدولة؟




.. ما هي العقوبات الأميركية المفروضة على إيران؟ وكيف يمكن فرض ا