الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماهية العام الميلادي الحبشي

خالد حسن يوسف

2019 / 9 / 14
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


# ماهية العام الميلادي الحبشي.

العام الميلادي الحبشي خاص بقوميات التجري والأمهرة وتجرينيا اريتيريا، والذين يدينون بالمذهب الأرتدوكسي المسيحي ومعهم الكنائس الشرقية الأرتدوكسية، وخلال توسع الأحباش تمكنوا من التبشير في أوساط العديد من قوميات القرن الافريقي وأبرزها قومية الأورومو، ومع توغل البعثات التبشيرية الأوروبية لاسيما الكنائس الكاثوليكية والبروتستانتية، أتبع الكثير من الأحباش بدورهم تلك المذاهب المسيحية.

في حين أنهم يمثلون أحد المكونات المسيحية الرئيسية في القارة الأفريقية، حيث اتخذوا المذهب الأرتدوكسي المسيحي منذ القرن الرابع الميلادي، وذلك مع اعتناق الملك التجرواي عيزانا للمسيحية، إلا أن اؤلئك المؤمنيين اتخذوا لذاتهم رؤية خاصة بهم تجاه المسيح وميلاده وأطلقوا على أنفسهم الموحدين.

ففي حين ترى طوائف مسيحية أخرى وتحديدا الكنيسة الكاثوليكية بتقويم زمني ميلادي خاص بالمسيح، ترى الكنيسة الأرثوذكسية الحبشية بالإضافة إلى شركائها في الكنائس الشرقية الأمر بصورة أخرى، فالمسيح لديهم غير مولود وفق التقويم الكاثوليكي، وأن تاريخ ميلاده قد جاء متأخرا ثمانية أعوام عن نظيره الروماني.

ولا شك أن حدة الصراع الايطالي- الحبشي فيما بعد كانت لها صلة بذلك النزاع العقدي التاريخي، والاحتفال بمناسبة معركة عدوة مع إيطاليا، والتي شهدت هزيمتها في عام ١٨٨٦ تحمل في طياتها ما هو أبعد من ذلك الصراع السياسي، وتشمل بعد عقائدي، إن ذاكرة مجمع خلقدونيا في عام ٤٥١ ميلادية ظلت حاضرة ولم تغيب.

كما أن معركة عدوة والتقويم الميلادي الحبشي لا يعنيان شعوب القرن الافريقي، بقدر ما أن صلتهم مرتبطة بقوميتي الأمهرة والتجراي، إلا أن التبشير وواقع التنصير الذي قاموا بممارسته ضد القوميات في بلاد المنخفضات، كاوروميا،جامبيلا،بني شنقول وشعوب منطقة سيدامو وغيرها، أسفر عن إنتشار المذهب الأرثوذكسي الحبشي في أوساط تلك الشعوب.

الدولة الحبشية الأولى قامت في مناطق المرتفعات والتي عرفت باكسوم وهي موطن قوميات الأمهرة والتجراي بفرعيهم الإثيوبي الحالي والاريتيري المسمى التجرينيا في مناطق سراي وحماسين وغيرها، وظل الأخيرين جزء من الوطن الحبشي وصولا إلى زمن الملك التجراوي يوحنا.

ومع حلول الملك الأمهري منيليك الثاني، بدأ الشعور الوطني والتوجه نحو التميز يصاحب مسيحيي اريتيريا، والذين رأوا ذاتهم كشعب مستقل عن الحبشة، وبالمحصلة مع حضور منيليك الثاني بدأ التأسيس الفعلي لدولة الإثيوبية في عام ١٩١٦، حيث تم ضم شعوب الأورومو،بني شنقول،جامبيلا،العفر،الصوماليين،سيدامو،جوراجي وغيرها.

وقد شهدت ولادة الدولة الجديدة تكريس كل من اللغة الأمهرية والتقويم الميلادي المسيحي الارتدوكسي كمقومات لهوية اجتماعية وسياسية جديدة، وبذلك وجدت الشعوب الخاضعة لدولة الإثيوبية ذاتها تحتفل بثلاثة أعياد، ليس انطلاقا من واقع الاندماج بل بفعل الاستبداد السياسي والديني.

أولها عيد ميلاد المسيح وفق رؤية الكنيسة الحبشية، الثاني ميلاد المسيح الكاثوليكي، والذي يدين به قسم لا بأس به من الإثيوبيين الحاليين، أما الثالث فهو التقويم الهجري الاسلامي والذي يشكل فعليا تقويم غالبية الشعوب الخاضعة لدولة الإثيوبية من أورومو،صوماليين،عفر،سيدامو،بني شنقول،جراجي،مسلمي الأمهرة والتجراي أيضا.

وفي حين أن القوميات المسلمة تشكل الغالبية المهمشة من السكان، فإن عيدها ذاته مهمش سياسيا، وذلك بحكم سيطرة الكنيسة الأرثوذكسية الحبشية على الدولة الإثيوبية، حيث أن هناك تماهي تام بين الكنيسة والدولة والتي أخذت بالتقويم الميلادي الحبشي، وفرضته على عموم قوميات الدولة رسميا، بغض النظر عن عدم صلتهم به.

وفي ذلك دلالة تأكيد أن الأحباش والمسيحيين عموما يمثلون غالبية سكان الدولة.
وانطلاقا من تلك السيطرة فإن تعاطي القوميات الأخرى مع العيد الديني والوطني للأحباش، أصبح واقعا لا يمكن تجاوزه وتحتفل به مؤسسات الدولة، ويشكل التقويم الرسمي لها، ورغم إحتفال القوميات المسلمة الخاضعة لدولة الإثيوبية بعامها الهجري، إلا أنها تجد ذاتها تحتفل بعيد ليست لها به صلة دينية، في حين لا يعير الأحباش المسيحيين وغيرهم اهتماما به.

وفي ظل سيطرة إثيوبيا على اريتيريا فرض العام الميلادي عليها، وتحديدا مسلميها وذلك بحكم خضوع الدولة للكنيسة الحبشية، فرض العيد على القوميات الاريتيرية المسلمة، ومع تحرير اريتيريا في عام ١٩٩١ نجت من الإحتفال بعيد الأحباش، وقد عزز ذلك استقلالية الكنيسة الحبشية الاريتيرية عن نظيرتها الإثيوبية، ناهيك عن أن القوميات الاسلامية تمثل ندا اجتماعيا، رغم التغول السياسي للنخبة الاريتيرية التجرينيا المسيحية والمنحدرة من أصول حبشية.

وفي المحصلة فإن التقويم الحبشي أصبح سياسي وتم صياغته بقالب اجتماعي، وهو ينال بصورة مباشرة من هويات الشعوب الغير معنية به والخاضعة لدولة الإثيوبية، والتي لا تستطيع غالبيتها كعنصر سكاني لدولة من تكريس هويتها، وتجد ذاتها تتماهى عنوتا مع الكنيسة والنخب السياسية الحبشية المسيطرة على الدولة.

وماهية العام الميلادي الحبشي، تشمل ١٣ شهرا يضم كل منها ٣٠ يوما، ويشمل الشهر الثالث عشر ٥ أيام، وهو يأتي تاريخا بعد التقويم الميلادي الكاثوليكي والبروتستانتي بثمانية أعوام، كما أن طقوسه الدينية تتباين مع تلك الكنائس والكنيسة الأرثوذكسية الشرقية أيضا، والنتيجة أن الكنيسة الحبشية قائمة بحد ذاتها، وفي عام ٢٠١٩ تحتفل بعيدها الميلادي الخاص لعام ٢٠١٢، وفي حين يشكل الشهر الثالث عشر عاما قائما بحد ذاته، كما يوافق تاريخ الميلاد اليوم ١١ أو ١٢ من سبتمبر من كل عام، وبذلك سجلت الأرتدوكسية الحبشية أنها كنيسة عريقة وضاربة بجذورها التاريخية.

خالد حسن يوسف








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزب الله اللبناني يوسع عملياته داخل إسرائيل ويستهدف قواعد عس


.. حزب الله يعلن استهداف -مقر قيادة لواء غولاني- الإسرائيلي شما




.. تونس.. شبان ضحايا لوعود وهمية للعمل في السوق الأوروبية


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية.. وطلاب معهد




.. #الأوروبيون يستفزون #بوتين.. فكيف سيرد وأين قد يدور النزال ا