الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقض مفهوم الدازاين لدى هيدجر

هيبت بافي حلبجة

2019 / 9 / 14
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


بعدما إنتقدنا هيدجر ( 1889 ـ 1976 ) في حلقتين سابقتين منفصلتين في ( نقض مفهوم الوجود ) و ( نقض مفهوم الإغتراب ) ها نحن نود أن ننتقده ، عبر مؤلفه الذائع الصيت ( الكينونة والزمن ) ، في أهم وأصعب وأقوى مقولة فلسفية وهي الدازاين ، والتي لايمكن أن نعي أبعادها ، ناهيكم عن جوهرها الصارم والدقيق ، إلا إذا ذهبنا أبعد من رؤيتنا في ( نقض مفهوم الوجود ) و ( نقض مفهوم الإغتراب ) ، وأدركنا حقيقة هذه القضايا التسعة :
القضية الأولى : لنبتعد قليلاٌ عن مفهوم الوجود والموجود والعلاقة فيما بينهما ، و لنشاهد إن هيدجر الذي أعجبته فكرة بارمنيدس عن الوجود ، طرح مفهومه الخاص به ، وهو هذا الدازاين المقذوف إلى ( ....) لنترك ذلك فراغاٌ ، ودون أن نسميه العالم أو الوجود ، أو نوسمه بالموجود أو الموجود الخاص ، وهذا الدازاين المقذوف إلى ( ....) هو منذ ولادته لدى هيدجر ، أي تشكله في فكره ، وتطوره شيئاٌ فشيئاٌ ، أصبح يمثل مفهوماٌ جديداٌ مستقلاٌ بخصائصه ، مفهوماٌ يجسد ماهو لذاته ولذاته وليس في ذاته ، وأكرر لذاته وليس في ذاته ، وهذه هي النقطة الجوهرية في فهم طبيعة الدازاين ، لذلك يفضل ويستحسن ( بضم اليائين ) أن نستخدمه في صيغته الألمانية كما هي أي الدازاين ـ كما فعل الفرنسيون وكما فعل الإنكليز لاحقاٌ ـ دون أن نترجمه ، لإن الترجمة ـ وأي ترجمة كانت ـ سوف تبتعد عن جوهره المقصود به ، ولذلك فإن الترجمة العربية ـ الآنية ، الوجود هناك ـ تعابير غير موفقة .
القضية الثانية : إن هذا الدازاين المقذوف والمرمي هناك هو علة الوجود الأصيل ، وعلة وجودنا الأصيل ، هو الذي يمنح العالم والآخر وجودهما الأصيل ، ولولا هذا الدازاين ماكنا ولاكانوا ولا أنا ولا أنت ، كوجود أصيل ، هذا من ناحية ومن ناحية ثانية ، إن الوجود ـ أي وجود أو موجود ـ خارج الدازاين هو إما مزيف ـ حسب هيدجر ـ أو إنه وجود مغترب ، وربما الأدق هو وجود مزيف مغترب ، والأصح عندي هو وجود مغترب أو وجود بحكم اللاوجود ، لإنه لايرتقي إلى مستوى الدازاين أو لايمكنه أصلاٌ أن يرتقي إلى مستواه ، لإن تعبير وجود مزيف أو مزور لايستقيم أصلاٌ ، فإذا كان وجوداٌ فهو ليس مزيفاٌ أو مزوراٌ ، وإذا كان مزيفاٌ فهو ليس وجوداٌ ، لإن عند الفرضية العكسية يكون السؤال هو ماهي علة الزيف ، وهي لاتوجد ، ولايمكن أن توجد . وهنا لامناص من الملاحظة التالية بصدد الدازاين الذي حسب هيدجر هو يتضمن مثل الأشكال الأخرى من الوجود ، وجود أصيل وكذلك وجود مزيف ، وهذه قمة الكارثة في منهجية هيدجر لذلك تجاوزناها وأكدنا على الفهم المطلوب من الدازاين أي فهمنا نحن لمقولة الدازاين ، فلو وجد دازاين زائف على شكل فضول ، كما يزعم هيدجر ، حتى لو على شكل وجود فردي ، لأنتفى الوجود بالمطلق ولأنتهى هيدجر كهيدجر .
القضية الثالثة : في فهم طبيعة العلاقة مابين الوجود والماهية لدى هيدجر ، فإن الماهية لاتستطيع أصلأ ( حسب القضيتين الأولى والثانية ) أن تسبق الوجود ، أو أن تحدد طبيعته ، لإن عندها من ناحية يكون الوجود واحداٌ ، أو على الأقل ذي طبيعة واحدة ، وبالتالي سوف تنعدم أشكال الوجود ، أي لايمكن أن يوجد وجود أصيل ، ووجود زائف مقلد ، ومن ناحية أخرى يكون الوجود هو وجود في ذاته وليس لذاته ، الأمر الذي ينفرمنه هيدجر ، على الأقل في مستوى الدازاين .
القضية الرابعة : في فهم طبيعة الوجود الهيدجري وعلاقته مع الدازاين لامندوحة من أن نتمعن جيداٌ في مستوى العلاقة مابين هيدجر نفسه وتصوراته عن الوجود ، عندئذ نبصر ثلاثة أشكال تتداخل ، تتخالف هيدجرياٌ :
الأول الوجود المقارب ، وهوحيثية الوجود كوقائعية ، وهو كل الوجود ، وهو عين الموجود ، وهو كل الموجود ، وهو الوجود والموجود ، هو الوجود المبتذل ، وهو الوجود الأصيل ، هو الوجود من ناحية الفضول و الثرثرة والمشاركة ، وهو الوجود من ناحية الفهم والعناية والرعاية .
الثاني معنى الوجود ، وهو الدازاين نفسه ، الوجود الأصيل دون المزيف من حيث المبدأ الأصلي ، هو السائل عن الوجود وموضوع السؤال معاٌ أي هو السائل والمساءل ، هو علاقة الدازاين مع نفسه ، ومع العالم ، ومع الاخرين ، هو الوجود منذ الإرتقاء إلى مستوى الفهم والتفسير والتأويل وكذلك العناية والرعاية دون الفضول والثرثرة والمشاركة والحياة المبتذلة .
الثالث هو فكرة الوجود ، ذلك الوجود الذي يؤصل ( بارمنيدس ) في (هيدجر ) ، ويؤسس مابعد ( أرسطو ) في ( هيدجر ) ، ويلغي ( هيجل ) في ( هيدجر ) فيما يخص فكرة الوجود المحض ، ومن هنا تحديداٌ قلنا في حلقة سابقة عن هيدجر ( حول إشكالية الوجود ) إن الوجود الهيدجري يتماثل مع الميتاوجود لدى أرسطو .
القضية الخامسة : في علاقة توافقية مابين فكرة الوجود لدى بارمنيدس ومابين مفهومه في نقده للفلاسفة اليوناانيين الذين ـ حسبه ـ عالجوا موضوع الموجود عوضاٌ عن الوجود عند سؤالهم حول الوجود ، إستقدم هيدجر مفهوماٌ مميزاٌ مركباٌ من ثلاثة عناصر هي ، نحن ، المقذوفية ، إلى ، دون ان نشكل منها جملة لغوية لإنها ستسيل المعنى الأصيل وستذيبه :
فأولاٌ نحن هو ذاك الذي يتآلف من الكينونة ومن الوجود ومن الزمن ومن المشترك مابينها ، ومن ثم من الماهية ، وهو ـ أي هيدجر ـ يقصد من وراء نحن مفهوم الموجود الإنساني ، لكن هنا تحديداٌ فكرة الموجود الإنساني تحجب جزئياٌ قوة المعنى في نحن .
وثانياٌ وأما المقذوفية فهي فكرة إننا نعرف إننا موجودون ، لكننا لاندرك وجودنا ولاندرك سر وجودنا ، ولا العلاقة مابينهما لإنها بحكم الغائب بطبيعة الحال ، أي نحن نعرف إننا هناك ، لكن أي هناك ، مجرد هناك ، وهذه الجملة ( نحن نعرف إننا هناك ) لا تؤدي إلى معناها الهيدجري إلا إذا حذفنا الكلمات الثلاثة التالية ، هناك ، إننا ، نحن ، وأستبقينا على كلمة ( نعرف ) لإن بدونها إنعدام بحت .
وثالثاٌ وأما ( إلى ) فهي دلالة عن إنعدام محتوى المكان ، ومن هنا تحديداٌ ركز على العلاقة الصميمية أي الأصيلة مابين الكينونة والزمن ، فلاكينونة بدون زمن ، ولازمن بدون كينونة ، وبالمعاكسة الرياضية ، لاكينونة في مكان ، ولازمن في مكان ، وهذا مايمنح قوة وصلابة الإفهوم للدازاين .
القضية السادسة : في قضية هيدجرية صرفة ، يؤالف هيدجر مابين أساس الإمكانية الوجودية ومحتوى الإختيار الوجودي وموضوع المسؤولية الوجودية ومفهوم الموت الوجودي ، فمنذ الولادة الطبيعية تنكشف الإمكانية للدازاين أو هنا للموجود البشري ، أي تنكشف لي ، وبدوري أنا أنكشف للإمكانية من خلال الإختيار ، ولايمكنني أن أقوم بعملية الإختيار إلا إذا شعرت بالقلق ، القلق الوجودي ، وشعوري بالقلق هو ناجم هنا بداءة عن شعوري بالمسؤولية ، لإنني أختار لنفسي وكذلك للآخر وكذلك لماهيتي ومن ثم لكينونتي ولزمني ، ولولا شعوري بالقلق لايوجد لا إختيار ولا إمكانية ، فالقلق هو الذي يؤالف حقيقة مابين تلك المفاهيم الأربعة ، وإذا أنعدم الأول إنعدمت الأخريات أيضاٌ ، وكلما تمكنت أنا من إختيار الإمكانية ، أي إخترت إمكانية واحدة مابين عدة إمكانيات ، تشكلت ماهيتي وتشكل موجودي الإنساني معاٌ ، أي أنكشفت أنا لماهيتي ، وأنكشفت هي لي من خلال كينونتي ومن خلال زمني ، وهكذا نحن إزاء سيل من المكاشفات التي تبدأ من لحظة الولادة ـ حسب هيدجر ـ وتنتهي بالموت ، وبمقدوري أن أختار طالما أنا هناك ضمن معادلة ( هناك ولا هناك ) لإن موجودي البشري هو قد إنكشف للوجود ، كما إنكشف هذا الإخير لي ، وأما الدازاين فهو لاينكشف إلا لنفسه . والموت هي إمكانية اللاإمكانية أي إنعدام لكل الإمكانيات الأخرى ، وهي تواكب الموجود البشري منذ لحظة الولادة الطبيعية ، وبمقدورها أن تتحقق في كل لحظة ، ولايمكن للموجود البشري أن يختار إلا من خلال الشعور المطلق بالقلق التام ، وفي الحقيقة إن الموت والدازايان لاينكشفان إلا من خلال القلق ، فلولا القلق ماكان (هيدجر) ، ولولا الثالوث القلق ـ الموت ـ الدازايان ماكان ( هيدجر ) ، فالأول هو السر الكاشف للموجود البشري ، والثاني هو إمكانية اللاإمكانية ، والثالث هو سر الوجود .
القضية السابعة : إن العدم لدى هيدجر هو ليس شرط تناقضي ضد مفهوم الوجود بل هو شرط مقوم له ، أي إن العدم هو من مقومات الوجود لدى هيدجر ، ولاعدم ولاوجود إلا من خلال الزمن ، ولذلك فإن قضية الزمن ، ومن هنا أسم مؤلفه الكينونة والزمن ، هي شرط الضرورة في العلاقة مابين العدم والوجود من خلال مقولة التناهي ، والتناهي هو الذي يحدد المعنى الوجودي للتعالي ، لكن ليس التعالي الشاقولي الذي يفضي إلى الإله كما لدى الفلاسفة الوجوديين المؤمنيين ، إنما هو التعالي الأفقي ، كما لدى الفلاسفة الوجوديين الملحدين ، وحركة التعالي هذه هي التي تنبثق من المحتوى الحقيقي لمفهوم المستقبل الذي هو العمود الفقري للزمن لدى هيدجر ، فهو ينطلق من أنبثاقية المستقبل ثم إلى الماضي ثم إلى الحاضر ، وهو في الحقيقة يذهب من المستقبل إلى المستقبل عبر الماضي ثم الحاضر ، وهذا هو مفهوم إنبثاقية المثول لديه ، أي الإنبثاقية الزمنية الرابعة ، وهي التي تحدد تماماٌ شرط الإنتقال الإفقي ، شرط الضرورة ، من الوجود الفردي إلى الوجود العام ، ذلك الوجود الذي كان من المفروض ان يكتب فيه هيدجر ، كما وعد ، مؤلفاٌ مكملاٌ للكينونة والزمن ، لكن ذلك لم يحدث طيلة تسعة وأربعين سنة ، من عام نشر الكتاب 1927 إلى عام وفاته 1976 .
القضية الثامنة : في عملية إبداعية حقيقية يطرح هيدجر محتوى وحدة الكينونة التي هي مصدر وأس التجلي في مفهوم ( نحن ، المقذوفية ، إلى ) ، وهي التي تمنح المعنى الوجودي للعدم في علاقته بالوجود والزمن ، ولولا ذلك لكانت المقذوفية والعدم مفهومان خارج النسق الفكري لهيدجر ، هذا من ناحية ومن ناحية ثانية ، فإنها ، أي وحدة الكينونة لاتعني مطلقاٌ الكينونة الواحدة ، أو الكينونة كما هي ، أو الكينونة في ذاتها ، إنما هي دلالة بنيوية مرتبطة بالدازاين ، بالعالم ، بالآخر ، بالإغتراب . ولولا وحدة الكينونة لما كان ثمة إغتراب حقيقي في فلسفة هيدجر ، ولكان إغتراباٌ إعتباطياٌ خارج الذات وخارج الزمن بل حتى خارج العلاقة مابين نحن وهم . وفي الفعل ، لكي تصدق وحدة الكينونة لامحيض من أن تصدق وحدة ( الزمن ، العدم ، الوجود ) ، ولكي تصدق هذه الأخيرة لامناص من أن تصدق الماهية مع الإمكانيات ، ولكي تصدق هذه الأخيرة لامحيص من أن يصدق القلق مع الموت .
القضية التاسعة : إن شرط الحرية هو الشرط العكسي للإغتراب هو شرط الضرورة ، لكنها ضرورة تكوينية ، ولها علاقة وجودية مع كل من مفهوم ( هم ) ومفهوم ( المقذوفية ) على النحو التالي :
أولاٌ مع مفهوم ( هم ) ، إذ كلما رضخنا للشرط الوجودي ل ( هم ) كلما فقدنا حريتنا الوجودية وفقدنا ( نحن ) في ( نحن ) ، وكلما أدركنا نحن مفهوم ( نحن ) كلما كسرنا حاجز ال (هم ) كلما تجلت حريتنا وأصبحنا أسياد ذواتنا بالمعنى الهيدجري لمفهوم ( الفهم والتفسير والتأويل ) .
ثانياٌ مع مفهوم المقذوفية ، إذ كلما أستطعنا أن نتخطى محتوى المقذوفية في العلاقة مابين ( نحن ، المقذوفية ، إلى ) ، كلما أدركنا محتوى حقيقة الموت ، كلما أبتعدنا عن الخوف وبلغنا مرحلة القلق ، كلما كانت علاقة الماهية و الإمكانيات صادقة ، وهكذا فإن شرط الحرية هو شرط القلق الوجودي .
وهكذا فإن ، في معركة الكينونة وفي معركة الماهية والإمكانيات ، لا تنتصر الحرية ولاينتصر الإغتراب ، لإن إنتصار أحدهما يعني نهاية هيدجر نفسه ، لذلك فإن القلق هو الوحيد الذي يتجلى في عمق هذا ( هيدجر ) وفي عمق هذا الصراع من خلال محتوى ( نحن ، المقذوفية ، إلى ) ، وهكذا يستمر الدازاين في دائرة ( هيدجر ) ، وهكذا نستمر ( نحن ) في ( نحن ) ويستمر ( هم ) في (هم ).
والآن لابد من أن نبدي جملة من الإعتراضات :
الإعتراض الأول : يؤكد هيدجر في مؤلفه ( الكينونة والزمن ) إن كل تلك الإطروحات و المصطلحات هي تخص الوجود الفردي والموجود الإنساني ، وإنه سوف يؤلف كتاباٌ آخراٌ يخص الوجود العام لكن ذلك لم يحدث خلال تسعة وأربعين سنة ، وفي رأينا كان من المستحيل أن يحدث ، لإنه لو كتب عن الوجود العام ، لكان قد تحدث عن الوجود العام بصيغة قريبة جداٌ عن مفهوم الوجود لدى بارمنيدس ، ذلك الوجود الذي يناقض معظم إطروحات هيدجر في مؤلفه ( الكينونة والزمن ) ، سيما موضوع المقذوفية وكذلك موضوع الثالوث ( نحن ، المقذوفية ، إلى ) وكذلك مفهوم الدازاين ، ناهيكم عن الوجود المزيف في العالم ، وفي الآخرين ومعاٌ وهم ، وفي الدازاين وإمكانياته ، وفي مفهوم المستقبل ، وفي مفهوم الماضي وكذلك الحاضر . هذا من ناحية ومن ناحية ثانية عندما يؤكد إنه سوف يعالج موضوع الوجود العام في مؤلف آخر فهذا يعني تماماٌ إن رؤيته عن الوجود كما هو في مؤلفه ( الكينونة والوجود ) ناقصة ، وهذا النقص هو نقص في مصطلحات وإطروحات وجودية وليس نقصاٌ تشخيصياٌ أو تحليلياٌ .
الإعتراض الثاني : يؤكد هيدجر إن الماهية هي ماهيت(ه) هو ، ماهية الوجود الإنساني ، ماهية الوجود الفردي ، ماهية الدازاين ، تلك الماهية التي تبدأ منذ لحظة الولادة إلى لحظة الموت حيث تكون عندها قد إكتملت ، وإذا كانت الماهية هي ماهيته هو ، فإن الإمكانيات هي إمكانياته هو ، وإذا كانت الإمكانيات هي إمكانياته هو ، فإن القلق هو قلقه هو ، لكن قد يكون ( هو ) وجوداٌ زائفاٌ أو وجودأ أصيلاٌ ، كما وجودك وكما وجودي ، كما وجود هيدجر ، وإذا كان وجود هيدجر مزيفاٌ ، فهذا يعني إنتفاء القلق ، ومن ثم إنتفاء الإمكانيات ، ومن ثم إنتفاء الماهية ، ومن ثم إنتفاء المعنى وكذلك الفكر وكذلك الفهم والتفسير والتأويل ، وبإنتفاء تلك المفاهيم تتمظهر مفاهيم أخرى معاكسة لها وهي الفضول والإنشغال وهدر الوقت والثرثرة .
الإعتراض الثالث : إذا كانت المفاهيم ( العناية ، الرعاية ، الفهم والتفسير والتأويل ، والمعنى والفكر ) تمثل الوجود الأصيل ، وإذا كانت المفاهيم ( الفضول ، والإنشغال ، وهدر الوقت ، والثرثرة ) تمثل الوجود الزائف ، فإن الدازاين الواحد ، أي الوجود الفردي ، قد يكون في المجال الأول وقد يكون في المجال الثاني وقد يكون في المجالين معاٌ في ذات اللحظة في المستوى الأفقي ، وقد يكون في المجالين مع دازاين آخر في المستوى الشاقولي ، وقد يكون دازاينه هو في المجالين معاٌ ، مع دازايني ، ومع دازاينك ، وهكذا فإن الإشكالية ، في الحقيقة ، هي إشكالية سوسيولوجية ( على فرض صدق الطرح الهيدجري ) وليست إشكالية وجودية .
الإعتراض الرابع : ماهو المعيار الوجودي لدى دازاين(ي) أنا في التمايز مابين مفاهيم الوجود الإصيل ومفاهيم الوجود الزائف ، وماهو المعيار الوجودي لدى دازاين(ي) في إدراك إنه أمام دازاين(هم) ، ثم في الحقيقة كيف أدرك هيدجر إنه أمام دازاين(ه) هو ؟؟
الإعتراض الخامس : يؤكد هيدجر إننا لن نبلغ مطلقاٌ الحرية الكاملة لإن الشرط الوجودي لحريتنا راضخة للشرط الوجودي ل(هم) ، وللشرط الوجودي للوجود ـ هناك ( المقذوفية ) ضمن مفهوم التحرر من الشرطين الأخيرين ، وفي الحقيقة لو كان هيدجر صادقاٌ مع نفسه ومع نسقه الفكري ، لأكد إن الدمج الوجودي مابين تلك الشروط الوجودية الثلاثة هي التي تفضي إلى مفهوم الحرية الوجودية الأصيلة ، لإن من خلال هذا المفهوم الآخير تتجلى حقيقة القلق الوجودي وحقيقة الموت الوجودي ، وتتمظهر بالتالي العلاقة الوجودية مابين الثالوث ( الحرية ، القلق ، الموت ) ، وتتضح جوهر العلاقة مابين هذا الثالوث وهيدجر ، وهذا هو هيدجر الوقائعي .
أسمحوا لي الآن أن أقدم لكم أسطورة هي المصدر الفعلي لكل تلك المعاني لدى هيدجر ، بإقتضاب وجيز : تقول الإسطورة إن القلق كان يسير على شاطىء نهر ، فإذا به يعثر على كومة من التراب الموحل ، ورغب أن يجعل منه شكلاٌ معيناٌ ، وإذا بجوبيتر ، آلهة رومانية تماثل زيوس إله إغريقي ، يظهر ، فيقول لها القلق أن ينفخ فيها من روحها ، وهكذا تم ذلك ، وهكذا كان آدم ، وبعدها بدأ صراع حقيقي مابين القلق والأرض وجوبيتر على ملكية هذا المخلوق ، فظهر الزمن ، وحكم مابين الجميع كالتالي : للأرض جثته بعد موته ودفنه ، ولجوبيتر روحه بعد موته ، وأما القلق فله السيطرة على هذا المخلوق مادام على قيد الحياة . وإلى اللقاء في الحلقة الثامنة والسبعين ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التصعيد بين إيران وإسرائيل .. ما هي الارتدادات في غزة؟ |#غرف


.. وزراء خارجية دول مجموعة الـ7 يدعون إلى خفض التصعيد في الشرق




.. كاميرا مراقبة توثق لحظة استشهاد طفل برصاص الاحتلال في طولكرم


.. شهداء بينهم قائد بسرايا القدس إثر اقتحام قوات الاحتلال شرق ط




.. دكتور أردني يبكي خلال حديثه عن واقع المصابين في قطاع غزة