الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شِدّتها أول خمسين سنة

ماجد الحيدر
شاعر وقاص ومترجم

(Majid Alhydar)

2019 / 9 / 17
كتابات ساخرة


طبق الأصل

يحكى أن عراقيا مكرزدا (بالكاف الأعجمية) ذهب الى "فتاح فأل" معروف ليقرأ له طالعه وما ينتظره في قابل الأيام. قام فتاح الفأل بحركاته وحساباته المعتادة ثم تطلع في وجه المسكين وقال:
- أمامك سبع سنوات من الفقر.
- نعم، وماذا بعدها؟
- أمامك بعدها سبع سنوات من المرض.
- أوكي. وماذا بعدها.
- أمامك بعدها سبعة أعوام من العذاب.
- هم ميخالف. وماذا بعدها؟
- بعدها تتعود، ولن تعود تشتكي من شيء!
أتذكر هذه النكتة السوداء وأنا أستعيد ذكرى تلك الأيام الأولى التي أعقبت الحدث المزلزل الذي حظي بعدد يحسد عليه من التسميات المختلفة باختلاف الآراء: سقوط النظام، سقوط بغداد، سقوط صدام، الحواسم، الاحتلال، التحرير، التحريلال، أو باختصار: السقوط وبس!
كنا، أنا وصديقي الذي يكبرني بعشرين عاما وصديق آخر يصغرني بعشرة أعوام نسير في سوق المدينة الصغيرة الراقدة تحت أقدام تلال حمرين ونحن نتفرج على الانقلاب العجيب الذي حدث فيها بين ليلة وضحاها: كانت الفوضى العارمة تضرب أطنابها في كل مكان، مئات من باعة المواد المسروقة من مؤسسات الدولة ومخازنها يفترشون الشوارع والساحات: كومبيوترات، أحذية رياضية، أجهزة طبية ومنزلية، معلبات وأجبان لم يرها الفقراء منذ سنين، كرات تنس، ملابس عسكرية، أدوات احتياطية، قرطاسية، رشاشات جديدة (بالباكيت)، قاذفات صواريخ وهاونات بسعر التراب والأهم من ذلك الغياب الكامل للرفاق الزيتونيين وصور قائدهم الضرورة!
كان صديقي الأصغر مني فاغرا فمه من المشهد الفنظازي الغريب، ويتوقف بين فترة وأخرى ليسأل عن سعر هذه الحاجة أو تلك بينما كنت أرى الوجوم والحزن على وجه صديقي الأكبر. سألته: ما بك يا أستاذي، وما هذا الحزن البادي عليك؟
- العراق ضاع! ضاع الى الأبد!
أما أنا، شبه المتفائل حينها، فقد كنت أهون عليه الخطب. قلت له تأمل كل هذه الشوارع البائسة والمباني القديمة والفقر البادي على الوجوه. هذا كله سيتغير، وخلال سنوات قليلة ستنهض العمارات وتنتشر الحدائق والمعامل والمدارس الجديدة. المهم أن شعبنا قد تحرر من الغول الجاثم على صدره.
- والأمريكان؟
- الأمريكان لن يبقوا الى الأبد ويوما ما ستكون علاقتنا معهم مثل علاقة ألمانيا واليابان بهم.
- وهذه الحشود من الغوغاء والسراق والجهلة والمفرهدين؟
- هذه كلها ظواهر متوقعة لكنها زائلة لامحالة. (ولكي أخفف عنه وألاطفه أضفت بين الجد والمزاح) ينرادلها شوية صبر. شدّتها بس أول سبع سنين!
لماذا لم يحدث شيء مما كنت أتوقعه وأتمناه؟ لماذا ازددنا شقاء وعنفا وخلافا وفقرا وفسادا؟ لماذا نهضت اليابان وألمانيا وكوريا من صدمات الحروب وآثار الاحتلال وصارت معجزات اقتصادية وعلمية بعد سنوات قلائل من تلك الأحداث ولم نفعل نحن؟ وإذا كانت "يد أمريكا بيها الشفاء" كما دأب صيقي على القول في تلك الأيام قبل 16 عاماً فلماذا لم تعمل عصاها السحرية معنا؟
كان العراقيون وما زالوا يلوكون العشرات من الردود والتبريرات: ما عدهم نفط، ما عدهم جيران مثل جيراننه، ما عدهم سنة وشيعة، ما عدهم حضارة سبعتالف سنة، ما عدهم حرامية مثلنا، احنه مو خوش شعب، كله صوج إيران، كله صوج سوريا، كله صوج السعودية، مؤامرة ماسونية، مخطط إسرائيلي، إبحث عن أبو ناجي، هاي حوبة الملك فيصل، هاي حوبة عبد الكريم، هاي حوبة السيد، احنه ابتعدنه عن الإسلام، هيه هاي الديمقراطية، مظلومية الشيعة، إقصاء وتهميش السنة، طاح حظ أمريكا الجابتهم، لا بابا لا همه جابوا أمريكا!
أما أنا فأعترف بشيئين: أولهما أنني لم أعد أفهم شيئا بل ولا أحاول أن أفهم شيئا،. أما الثاني فهو أنني كنت متفائلا قليلا.. لا ليس قليلا، ربما قليلا كثيرا! وعليه قررت أن "أعدل من سقف توقعاتي" كما يقول أهل الصنعة وأعلن بكل ثقة واطمئنان: لا تهنوا ولا تحزنوا يا سيداتي وسادتي.. تحلوا بالصبر الجميل واجلسوا في بيوتكم بانتظار المنقذ أو المعجزة التالية. بسيطة.. شدتها أول خمسين سنة!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاعلكم الحلقة كاملة | الفنان محمد عبده يطمئن جمهوره على صحت


.. كلمة أخيرة - ندمت على القرارات دي.. غادة عبد الرازق: لو رجع




.. تفاعلكم | 200 فنان يتضامنون لإنقاذ العالم من موسيقى الذكاء ا


.. أبرزهم شقو وعالماشي واحدهم وصل 38 مليون .. 4 أفلام تتنافس ف




.. شبيه عادل ا?مام يظهر فى عزاء الفنانة شيرين سيف النصر