الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
خطاب رسمي
ضيا اسكندر
2019 / 9 / 17كتابات ساخرة
ذات يوم أثناء عملي في شركة الكهرباء باللاذقية، دخل إلى مكتبي أحد الزملاء الذي شارف على الستّين من عمره، وطلب منّي أن أكتب له معروضاً للمدير العام يطلب فيه تمديد خدمته الوظيفية عاماً آخر. وافقتُ مرحّباً فهو إضافةً إلى أنه دمِثٌ ومرِحٌ وفهيم ومن العمّال المهرة في اختصاصه، فقد جمعتني معه رفقة حلوة لسنوات عديدة.. قلتُ له: «تكرم عيونك يا أبا سامر، ألف طلب مثل هذا الطلب». استللتُ قلمي وكتبتُ التالي:
«السيد المدير العام ع / ط التسلسل: لمّا كنتُ قد اقتربتُ من سنّ الإحالة إلى التقاعد، وحيث أن صحّتي جيدة والحمد لله وما زلتُ أتمتّع بلياقتي البدنية ولا أشكو من أية حالة مرضية، فإنني أجد في نفسي القدرة على الاستمرار في مزاولتي لعملي بذات الكفاءة التي عرفتموني بها.. لذا أطلب من سيادتكم التفضّل بالموافقة على تمديد خدمتي الوظيفية سنة أخرى ولكم فائق التقدير.»
عندما قرأ أبو سامر ما كتبتُ، نظر صوبي معاتباً وقال:
- هل يُعقل يا أستاذ أن تكتب كتاباً كهذا؟!
سألته وأنا أداري استغرابي بالابتسام:
- هل أخطأتُ بشيء؟
هرش فروة رأسه بامتعاض وقال متبرّماً بسرعة وكأنه أعدّ الإجابة:
- لا.. لكن لم تذكر شيئاً عن حاجتي الماسّة وعن ظروفي المادّية الصعبة التي دفعتني لتمديد خدمتي.. أرجوك أن تضيف أنني فقير ومعيل لأسرة كبيرة ومدْيون.. يعني عبارات من هذا القبيل حتى يوافق السيد المدير.
قلت له مفنّداً وأنا العارف بأحواله:
- لكنك يا عزيزي لستَ فقيراً والحمد لله، ولا تعيل أحداً؛ فأولادك جميعهم كبار وقد تزوجوا وبعضهم أنجب. وزوجتك ما زالت على رأس عملها. وتسكن في شقة مُلكٍ لك.. يعني باختصار أحوالك عال العال قياساً بغيرك.
حكُّ صدغَه بشيء من الارتباك، وتكوّنَ تجعّدٌ خفيفٌ ما بين حاجبيه، وأجاب بما يشبه الدفاع عن نفسه:
- يا أستاذ أنت خير العارفين، لقد تعوّدنا أن نستجدي المسؤول ونتضرّع له للوصول إلى حقّنا.. (وغمز بعينه مضيفاً) أعتقد أنك فهمتَ عليّ.
فجأةً غمرني وهجٌ دافئ من المودّة تجاهه. وبدأت تتقاذفني مشاعر متناقضة. ركنتُ القلم والورقة جانباً وسرح خيالي إلى الترسانة الملوّثة من موروثنا الثقافي والاجتماعي والدّيني، التي تحضّنا على التظاهر بالدّونيّة والعبوديّة والمسْكنة تجاه السلطة، أيّة سلطة، لكسبِ رضاها. حاولتُ أن أتكلّم، لكنني شعرت أن الكلمات تكلّست في حنجرتي كشاعرٍ بائسٍ فَقدَ الإلهام. فآثرتُ الصمت.
نقر زميلي بعقلات أصابع يده على طاولة المكتب منبّهاً:
- أيه أستاذ! ما بك؟ أَلَن تعيد كتابة المعروض؟
سؤاله أيقظني من شرودي ووضعني في منطقة الحيرة. لم أكن في مزاج الخضوع لأيّ نقاش.. نهضتُ من وراء المكتب مقترباً منه ووضعتُ راحتيّ على كتفيه مواسياً بحنان، وقلت له وقد جهزّتُ إجابة حاسمة:
- آسف يا أبا سامر، اعذرني، لا طاقة لي لكتابة ما ذكرت من عبارات التوسّل.. يمكنك الاستعانة بغيري وما أكثرهم. أتمنى لك التوفيق.
هزّ رأسه متفهّماً مُفلتاً طيف ابتسامة وكأنه استشعر عِزّةَ نفسي. ثم غادر بتسليمٍ وهو يتمتم بما يشبه النصيحة:
- إلامَ ستبقى حاملاً السلّمَ بالعرض.. إلامَ؟ إن البثورَ والندوبَ التي غطّت أجسادنا وأرواحنا وذاكرتنا.. لن يزيلها إلاّ ربّ العالمين.
قلت له بصوتٍ قويّ قبل أن يغلق الباب خلفه:
- لا تنسَ يا أبا سامر، «إن الحياة وقفة عزّ».
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. حديث السوشال | الفنانة -نجوى كرم- تثير الجدل برؤيتها المسيح
.. هذا ما قالته الممثلة مي سحاب عن سبب عدم لعبها أدواراً رئيسية
.. -مساء العربية- يفتح صندوق أسرار النجم سعيد العويران.. وقصة ح
.. بيع -الباب الطافي- الذي حدد نهاية فيلم تيتانيك بسعر خيالي
.. الفنان #محمد_عطية ضيف #قبل_وبعد Podcast مع الاعلامي دومينيك