الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحلقة الثالثة من لغز الثقوب السوداء في الكون المرئي والكون اللامرئي

جواد بشارة
كاتب ومحلل سياسي وباحث علمي في مجال الكوسمولوجيا وناقد سينمائي وإعلامي

(Bashara Jawad)

2019 / 9 / 19
الطب , والعلوم


الحلقة الثالثة من لغز الثقوب السوداء في الكون المرئي والكون اللامرئي

لغز الثقوب السوداء في الكون المرئي والكون اللامرئي – 3-
د. جواد بشارة

هناك جوانب أخرى أكثر دهشة في مجال الثقوب السوداء وهي أن هناك ثقوب سوداء ساخنة كما تنبأ بها ستيفن هوكينغ، وهناك ثقوب سوداء باردة، سنتطرق لها لاحقاً. وهناك الموجات الثقالية التي يثبت نوع منها وجود الثقوب السوداء وهي ناجمة، ربما من دوران ثقبين سوداوين أحدهما حول الآخر بسرعة هائلة قد تصل إلى نصف سرعة الضوء ، وفجأة يحصل بينهما اندماج أو تصادم وتسمى هذه الظاهرة coalescence حيث نجد أن كمية الطاقة المتولدة جراء عملية الاندماج عملاقة على المستوى الكوني وتفوق عشرات المرات مجموع الضوء المنبعث من جميع نجوم الكون المرئية في لحظة الاندماج. وهي حادثة كارثية على نطاق الكون ما أتاح لنا رصدها بالرغم من بعدها الكبير جداً عنا. وفي الحقيقة لم يرصدها العلماء كما هي على نحو مباشر بل رصدوا الموجات المتولدة منها التي هي عبارة عن تذبذبات مكانية ــ للفضاء لأن الفضاء أو المكان يتحرك كباقي مكونات الكون. وهذه نتيجة مباشرة من خواص ديناميكية الفضاء أو المكان الكوني وارتباطه بالمادة فهو يهتز ويتذبذب لأن الثقبين الأسودين اللذين يدوران مرتبطين بالمكان ــ الفضاء المحيط بهما حيث تمكن العلماء أخيراً قبل أشهر من رصد تلك الموجات الثقالية بفضل أجهزة ومعدات متقدمة تقنياً أي بفضل تكنولوجيا متطورة سمحت لنا بمراقبة ورصد الفضاء نفسه حيث بات بالإمكان رصد كل مايحدث فيه حتى لو كان فارغاً، كرؤيتنا لاهتزازاته وتردداته أو ذبذباته. إذ أن الثقبين الأسودين اللذين رصدناهما يقعان بعيدين عنا بمسافة مليار سنة ضوئية والسنة الضوئية تساوي 10 مليار كلم ، ورغم هذه المسافة البعيدة ، وبفعل قوتها، وصلت أصدائها وآثارها إلى الأرض وشاهدناها من الأرض، أي رصدنا حركة الفضاء وذبذباته والثقبين الأسودين اللذين ولدا تلك الذبذبات على شكل موجات ثقالية.
لا ينبغي أن نخاف من الثقوب السوداء فنحن لن نسقط يوماً ما في وسط الثقب الأسود الفائق العملاق الذي يحتل مركز مجرتنا درب التبانة. والحقيقة أنه يوجد ربما أكثر من مائة مليون ثقب أسود أقرب إلينا من الثقب الأسود العملاق الموجود في مركز المجرة. لكن منظومتنا الشمسية تدور حول مركز المجرة، أي حول الثقب الأسود العملاق المركزي لكننا بعيدين جداً عنه، ونحن مجبرون على الدوران لأن الفضاء محدب فالثقب الأسود يحدب الفضاء الذي يغدو مدوراً، وسنستمر في الدوران في مدار ثابت ومحدد وآمن كما تدور أرضنا حول الشمس و لا تبتلعنا هذه الأخيرة رغم جاذبيتها الكبيرة.
عندما بدأ مسرع ومصادم الجسيمات الأولية العملاق LHC على الحدود السويسرية الفرنسية نشاطه وقام بتصادم الجسيمات الأولية بسرعة تقرب من سرعة الضوء تساءل كثيرون حول ما إذا كان بإمكان هذه الآلة العملاقة أن تخلق ثقوباً سوداء يمكنها أن تبتلع الأرض لو فلتت من السيطرة؟ الجواب هو بالنفي فليس من السهولة خلق ثقب أسود فالأمر غير مستحيل من الناحية النظرية لكنه شبه مستحيل من الناحية العلمية في الوقت الحاضر، وإن تجارب المسرع والمصادم الشهير ليست خطيرة فالطبيعة تقوم بذلك يومياً. فهناك مليارات الجسيمات الأولية الناجمة عن انفجار النجوم تأتي وتصطدم بالأرض وبطاقة تفوق طاقة آلة مسرع ومصادم الجسيمات، فلو كانت هذه الآلة خطيرة لتسببت باختفاء الأرض منذ عقد من الزمن فكل شيء يحدث تحت السيطرة والحسابات الدقيقة. ولو زدنا طاقة المسرع والمصادم فليس هناك ما يمنع من خلق ثقوب سوداء مجهرية حيث سنتمكن من مشاهدتها عن قرب لكنها سرعان ما ستتبخر كما تنبأ ستيفن كوينغ نظرياً ورياضياتياً. أما في النطاق الماكروسكوبي أي على مستوى المجرات والنجوم والثقوب السوداء الكبيرة والفائقة أو العملاقة فلايمكن لأي شيء أن يفلت منها حتى ولا الضوء وهي تبتلع كل شيء يقترب منها بحدود ماوراء أفق الأحداث. ولكن بالنسبة للثقوب السوداء المجهرية في النطاق الميكروسكوبي فهي تتبخر لأن عالم اللامتناهي في الصغر ومادون الذري ، الجسيمات الأولية والذرات والجزيئات، لاتوصف بموجب وبنفس قوانين العالم الماكروسكوبي، فهناك فيزياء أخرى هي التي تتعاطى معها وهي فيزياء الكوانتوم أو الكموم والتي تجعل المستحيل ممكناً. فالفيزياء الطبيعية في اللامتناهي في الكبر تقول أن من المستحيل ان تخترق يدي سطح الطاولة الصلد، في حين تقول الفيزياء الكمومية أو الكوانتية أن هناك إحتمال أن تتمكن يدي من اختراق الطاولة لكن نسبة الاحتمال هي بعد كل ألف مليار المليار المليار محاولة قد تتمكن يدي من اختراق الطاولة. وبالتالي فإن عملية التبخر للمادة الموجودة في قلب الثقوب السوداء الصغيرة أو المجهرية يمكن أن تخرج على شكل بخار بموجب فيزياء الكموم أو الكوانتوم .
النسبية العامة تختص بموضوع الثقوب السوداء الكبيرة والعملاقة الفائقة بينما تختص الكوانتوم بالثقوب السوداء الصغيرة أو المجهرية. النظريتان تعملان بشكل جيد ولكن منفصلتين كما أثبتت ذلك التجارب العملية والمختبرية لكننا لا نعرف كيف يمكننا استخدامهما معاً أو نوحدهما . فمنذ قرن يحاول العلماء الأفذاذ ذلك بلا طائل ولم ينجح أحد بصياغة النظرية الشاملة والموحدة أي نظرية كل شيء، والتي تسمى نظرية الثقالة الكمومية أو الكوانتية La théorie de la gravitation quantique وهي ضرورية لفهم ومعرفة حقيقة وماهية الثقوب السوداء وما يوجد في داخلها خاصة معضلة " الفرادة singularité" في قلب ومركز الثقب الأسود . ويوجد لدينا اليوم نظريتين تتنافسان على تحقيق هذا الهدف وهما نظرية الأوتار الفائقة la théorie des supercordes ونظرية الثقالة الكمومية الحلقية أو العروية la gravitation quantique à boucles. نظرية الأوتار الفائقة تقول بتعدد الأبعاد المكانية وتعدد الأكوان، وهي مثيرة ومدهشة رياضياتياً ، معقدة وأنيقة جداً ، وتتحدث عن أوتار تتذبذب ، وحسب نوع الذبذبات تتولد مختلف الجسيمات الأولية التي نعرفها والتي نجهلها، وهي تسعى لأن تكون نظرية توحيدية بين فيزياء النسبية العامة وميكانيك الكموم الكوانتي، وتسهم في فهم أفضل للثقوب السوداء. النظرية المنافسة لها في تحقيق هدف التوحيد هي نظرية الثقالة الكمومية الحلقية أو العروية وهي ذات مقاربة منافسة للأوتار الفائقة. رغم كونها أقل طموحاً من نظرية الأوتار إلا أنها ابسط وأقل افتراضية ويبدو الفضاء فيها مكوناً من ذرات أولية لكنها ليست ذرات مادية بل ذرات هندسية أو كينونات رياضياتية حيث الثقوب السوداء ليست كما نعتقدها بل هي عبارة أجسام وكينونات في حالة تقلص أو انكماش لتخلق ثقوب سوداء أو حالة نفور rebon-dir- لتخلق ثقوب بيضاء وهي النظير التماثلي للثقوب السوداء إذ لايمكننا أن نخرج من الثقب الأسود و لايمكننا الولوج إلى الثقب الأبيض وهذا الأخير حالة افتراضية نجمت عن حلول المعادلات رياضياتياً . لا يوجد لدينا إثبات علمي على وجود الثقوب البيضاء عكس ما هو الحال مع الثقوب السوداء، حيث توفرت الإثباتات على وجودها وتم تصوير أحدها مؤخراً. هناك من يفترض أن الثقوب البيضاء هي طرق أو دروب وممرات مختصرة على غرار الثقوب الدودية، قد تفضي إلى مناطق أخرى بعيدة جداً في الكون أو بوابات دخول لأكوان أخرى . وقد تكون مخارج لثقوب سوداء تخرج منها محتويات مادية ابتلعتها الثقوب السوداء، ولفظتها على شكل ثقوب بيضاء، وكل ذلك مجرد فرضيات افتراضية نظرية.
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -إيران تهدد بمهاجمة محطات الطاقة النووية الإسرائيلية-


.. بسبب احتجاجهم على عقد مع إسرائيل.. غوغل تفصل 28 موظفا




.. الجفاف يقيد حياة الكولومبيين ويدفع السلطات لتقنين المياه


.. المتحدث باسم منظمة الفضاء الإيرانية: الدفاعات الجوية أسقطت ع




.. سندوتش بالتنمية البشرية.. ماما دهب بعتبر كل زبون جزء منى و