الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التبنّي

محمد برازي
(Mohamed Brazi)

2019 / 9 / 22
التربية والتعليم والبحث العلمي


إلى جانب الملايين من الأرواح التي تُزهق سنويا بالإجهاض، فهناك عدة آلاف من الأطفال الذين يولدون ومن ثم يصبحون غير مرغوب فيهم. وبعض منهم يرفضهم آبائهم بسبب عدم قدرة الآباء على مواجهة مطالب إطعام طفل آخر؛ والبعض الآخر يهجرهم آبائهم لأنهم إما مشوهون أو معاقون. ولا يجري نبذ هؤلاء الأطفال الرضع في المستشفيات والعيادات الطبية فقط. فهناك أعداد متزايدة منهم يجري تركهم في صناديق فضلات الأطعمة وحاويات النفايات من قِبل مراهقين لا يقدرون على تدبير الموقف والاهتمام بهم، أو من قبل أشخاص بالغين مسيئي المعاملة أو مدمنين على الكحول والمخدرات أو لا يمكنهم ببساطة تغطية نفقات معيشتهم.
بالتأكيد أن القسط الأكبر من المسؤولية ملقى على عاتق والدي مثل هؤلاء الأطفال. إلا أنه في الوقت نفسه، يُعتبر نبذ الأطفال الرضع والأطفال الصغار هو اتهام موجه إلينا كلنا. فطالما كانت هناك أحياء فقيرة – واستغلال وبطالة – فسوف نتحمل نحن الذين ننعم بالضمان الاقتصادي الذنب أيضا.
فكيف يمكننا مساعدة نساء أتعبتهن الحياة إلى درجة أنهن يرفضن رعاية طفلهن الرضيع الذي حَبِلْن به شخصيا؟ وقد صرّح جدي – الذي كان معارضا تماما للإجهاض – أنه لا يصح الاحتجاج على الإجهاض من دون أن نقدم للنساء وللأسر بدائلا عملية. وعلى المنوال نفسه، فلا يحق لنا إدانة الأشخاص الذين نبذوا أو تخلوا عن أطفالهم ما لم نعالج تلك الضغوط الحقيقية عليهم التي دفعتهم إلى اتخاذ مثل هذه الخيارات الوحشية. وسوف لا تكون هذه المهمة سهلة، لكن الشيء الواضح الذي نفهمه هو أن الكنائس والملاجئ والعيادات الطبية وموظفي الخدمات الاجتماعية لا يقدمون بما فيه الكفاية.
إن عملية تبني أي طفل، قد صارت معقدة قانونيا وتستغرق سنوات عديدة وتحتاج إلى آلاف الدولارات لكي تحصل، بالإضافة إلى أن عملية التنسيق والتوفيق بين آباء واعدين وأطفال منبوذين قد تكون عملية صعبة للغاية. ويعود السبب في بعض الحالات إلى أن الطفل لا يتوافق مع المستوى العالي والمعايير العالية للآباء الذين يريدون التبني أو مع بعض الرغبات المعينة لهم؛ وفي حالات أخرى، يجري فرض تشديدات في شروط التبني على مديريات الحكومة الاجتماعية لحماية الأسر التي تريد التبني من عمليات غير قانونية، لكن من الواضح أنه لابد من إجراء تغييرات جذرية لجعل عملية التبني أسهل وذات عبء اقتصادي أخف، وفي الوقت نفسه يبقى تنظيمها أمينا.
غير أن تربية طفل بالتبني ليست سهلة حتى لو تم التصديق قانونيا على التبني. فالكثير من هؤلاء الأطفال يصبحون ضحايا إساءة المعاملة والإهمال، أو نرى أن الظروف التي كانت تصاحب ولادتهم تخلف آثارا أليمة في نفوسهم وأرواحهم. وقد يحصلون أيضا على مشاكل صحية دفينة سواء كانت جسدية أو نفسية.
إلا أنه وبالرغم من كل ذلك يجب أن يجري الترحيب بهم بمحبة غير مشروطة. وقد قدّم القسيس الألماني بلومهارت قبل مئة عام نصيحة ما تزال سارية المفعول حتى في يومنا هذا، فقال:
إن كل من يتبنى أطفالا يجب عليه أن يقبلهم بالرغم من نكران الجميل الذي عندهم، وإلا لن يسير كل شيء على ما يرام. لأنكم عندما تأخذون الأطفال وتتوقعون منهم أن يشكرونكم فهذه مسألة غير طبيعية. فالأطفال لا يظهرون أبدا شكرهم أو امتنانهم بشكل استثنائي وغير معتاد لأولئك الذين أطعموهم وكسوهم، فيما عدا إظهار المحبة بالأسلوب الطفولي الذي يقومون به كأطفال. فهم يعتبرون مساعدتنا لهم وعدم تركنا إياهم جياع أو عراة مسألة بديهية، وبأننا لن نرضى بتقديم الحد الأدنى لهم لو كان بوسعنا أن نخدمهم أكثر. وهم يرون أن ذلك هو من حقهم أيا كان ولي أمرهم.
غير أن الكثير من الذين يتبنون الأطفال يظنون أن هؤلاء الأطفال ينبغي عليهم أن يعبروا عن شكرهم لهم - وينبغي عليهم أن يكنّوا المهابة والاحترام لعملية التبني حينما يتبناهم بدافع الشفقة ناس غير مدينين لهم بأي شيء. إلا أن هذا بالتحديد هو ما لا يشعر به الأطفال، لذلك ينبغي علينا أن لا نطالبهم به. فأحبُّوهم من دون أن تتوقعوا أي شكر منهم، حتى لو سببوا لكم المتاعب؛ فيجب عليكم أن تقبلوهم مع أفعالهم الصبيانية. وسوف يشعرون بهذا ويقدّرونه وسوف يحبونكم بفضله، لكن بدون التعبير عن ذلك بالكلمات.
غالبا ما يجري تقديم كل ما يحتاج إليه أطفال التبني، لكن المشكلة هي أن ذلك يحصل بدون محبة، ويحاولون تحسيس الأطفال بهذا الفضل حتى عن طريق الكلام. وهذا ما يؤلمهم بعمق حتى أنه قد يستدرج إلى إثارة الكراهية في قلوبهم ...
ولا يريد أطفال التبني أن يكون لهم امتيازات أقل من الأطفال الذين يعيشون معهم؛ فلديهم عيون ثاقبة، ولو رأوا وجود اختلاف في التعامل، فسوف يتألمون بشكل رهيب. لماذا؟ لأنهم ببساطة أطفال، ولا يفهمون لماذا يجب أن يحصل أحد الأطفال على شيء أكثر من الآخر.
فلو تبنَّيتم أطفالا، فتبنَّوهم بصورة كاملة بحيث تعطونهم الحرية الكاملة ليكونوا ببساطة أطفالا وليكون في وسعهم أن يطلبون منكم أي مطلب طفولي.
يا حبذا لو تذكرنا كلام السيد المسيح عندما قال:
فالدِّيانَةُ الطّاهِرَةُ النَّقيَّةُ عِندَ اللهِ أبينا هِيَ أنْ يَعتَنيَ الإنسانُ بِالأيتامِ والأراملِ في ضِيقَتِهِم. (اقتباس من الإنجيل، رسالة يعقوب 1: 27)
ومَنْ قَبِلَ طِفلاً مِثلَهُ باَسمي يكونُ قبِلَني. (متى 18: 5)
بالتأكيد أن هذا الوعد الرائع ينطبق على آباء التبني - وينطبق على كل زوجين يرحبان بأي طفل في بيتهما.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دعوات في بريطانيا لبناء دفاع جوي يصُدُّ الصواريخ والمسيَّرات


.. جندي إسرائيلي يحطم كاميرا مراقبة خلال اقتحامه قلقيلية




.. ما تداعيات توسيع الاحتلال الإسرائيلي عملياته وسط قطاع غزة؟


.. ستعود غزة أفضل مما كانت-.. رسالة فلسطيني من وسط الدمار-




.. نجاة رجلين بأعجوبة من حادثة سقوط شجرة في فرجينيا