الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صدور كتاب -دائرة فيينا- للدكتور حميد لشهب

حميد لشهب

2019 / 9 / 23
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


عن "المركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية"، صدر للباحث المغربي المقيم في النمسا د. حميد لشهب كتاب "دائرة فيينا" ببيروت في إطار سلسلة مصطلحات معاصرة دئب المركز المذكور أعلاه على إصدارها منذ سنوات. ويُعتبر الكتاب أول بحث باللغة العربية تناول "دائرة فيينا" بالفحص والتحليل بشكل مستفيض ومعمق. ما يُميزه عما صدر في العالم العربي إلى حد الآن عن الموضوع هو أن المؤلف لم يكتف بعرض الدائرة وأقطابها ومواضيع اشتغالها، بل ركز أيضا على نقد الكثير من جوانب فلسفتها الوضعية وربط كل هذا بالنتائج التي تمخضت عن هذه الفلسفة، وبالخصوص على العالم العربي الإسلامي. أهدى الكاتب مؤلفه هذا لروح والده الذي وافته المنية قبل صدور الكتاب.

ظهرت "دائرة فيينا" بين الحرب العالميتين في العاصمة النمساوية، التي عُرفت آنذاك كمنصة أنتجت واستقبلت وصَدَّرت الكثير من المعارف في مختلف الميادين. وعلى الرغم من عمرها القصير، فإن فلسفة دائرة فيينا انتشرت بوتيرة سريعة جدا في القارة الأوروبية وأثناء الحرب العالمية الثانية في الولايات المتحدة الأمريكية وبلدان كثيرة في العالم، بما في ذلك العالم العربي. وقد نعتبر هذه الدائرة استمرارا لمحاولة النزعة العلمية فرض هيمنتها وفرض منطق علمي محض، بأدواته ومناهجه وطرق تحليليه لبياناته وتأويلاته للمعطيات. وتميزت هذه الهيمنة بإقصاء كل ما لا يدخل في العالم التجريبي المختبري والمنطق الرياضي من حضيرة العلم، بل فرضت على كل العلوم الأخرى، وبالخصوص العلم-إنسانية منها، "تأشيرة" دخول، بل ولربما رسوم دخول، متمثلة في لبس معطف الرياضيات والمنطق. كما أنها عملت على إقصاء و"نفي" الميتافيزيقا جملة وتفصيلا واتهامها بعدم الجدوى وغياب المعنى فيها.

توغل الباحث لشهب في دائرة فيينا، معتبرا إياها موضوع دراسة وليس "مفتاحا" سحريا قد يساعدنا لسد ثغرة ما في "تأخرنا" أو توفير لبنة من أجل بناء نهضة عربية مسلمة متعثرة منذ قرون. وبحكم معرفته الكافية باللغة الألمانية -لغة دائرة فيينا الأصلية-، فقد فُتحت له إمكانية التعامل مع الدائرة مباشرة ودون وسيط لغوي آخر، سواء أكان إنجليزيا أو فرنسيا. وهذه الإمكانية مهمة جدا، لم تتوفر في الغالبية العظمى ممن اهتموا وأنتجوا نصوصا عن الدائرة في العالم العربي الإسلامي. يُعايش المؤلف ويُعاين عن كثب في السنين الأخيرة صحوة دائرة فيينا، المتمثلة في دراسات عديدة عنها سواء في العالم الجرماني أو العالم الغربي بصفة عامة. فقد تمكن المرء من نشر نصوص لأقطاب هذه الدائرة لم تكن متوفرة أو إعادة نشر مؤلفات المشاهير منهم من جديد.

تتمثل "القيمة المضافة" التي آتى بها هذا الكتاب عن دائرة فيينا في كونه ربط منطلقات هذه الدائرة بمختلف التأثيرات التي مارستها في ميادين مختلفة، وتأمل نتائج هذا على الأمة العربية والمسلمة، بل "نجح" في وضع الأصبع على بعض ميكانيزمات اشتغال هذه الدائرة في تبسيط وتسهيل هيمنة صاحب القرار في الغرب على شعبه وعلى الشعوب الأخرى. بمعنى فهم بما فيه الكفاية ليس فقط تسخير الإتجاهات الفلسفية في الغرب لقضاء مآرب سياسية ذات نزعة مهيمنة، بل عرى على الإرتماء "المجاني" لدائرة فيينا في أحضان صاحب القرار، وبالخصوص في تأثير الدائرة في ميدان السياسة والإقتصاد والقانون. بمعنى أن الوضعية المنطقية، مُمثلة في دائرة فيينا، قدمت في تأثيرها البعيد المدى، لرجل السياسة وصاحب القرار تبريرات لممارساته الظالمة اتجاه شعبه والشعوب الأخرى. ويتجلى هذا بوضوح في التطورات الحالية لليبرالية (البنت الشرعية للوضعية والوضعية المنطقية).

إضافة إلى هذا ينادي د. لشهب إلى ضرورة توسيع دراسة دائرة فيينا في العالم العربي الإسلامي لفهم شامل وصحيح لمنطلقاتها ونتائجها وتقويم سبل التعامل مع الفكر الغربي في أوطاننا تقويما جديدا، لأن الموضوعانية والموضوعية والحياد الذي يوهمنا المرء بأن هذه العلوم تتمتع بها، يُخفي في ثناياه أيديولوجيات تكون نتائجها خطيرة علينا وعلى مشاريعنا النهضوية. كان مفعول الوضعية المنطقية الجديدة، الذي مثلته دائرة فيينا كبيرا على الساحة الفكرية والثقافية العربية والإسلامية، ولم يكن اهتمام رجالات فكرنا بهذه الفلسفة بروح من المسؤولية اتجاه هويتنا الثقافية واستبيان ما قد يُضمره من مخاطر على ثقافتنا، بقدر ما كان يعبر عن حماس مغالى فيه للكثير من مفكرينا ومحاولة "غرس" شجرة دائرة فيينا، دون الإنتباه إلى شروط هذا الغرس ومخاطره. فليس هناك فلسفة غربية لا تحمل في طياتها أيديولوجيات معينة، بل تخدم أَجَنْدَات كولونيالية محددة، حتى وإن أعلنت رسميا محايدتها ورغبتها في "الإلتزام" بالموضوعية.

أما الغرض العام لتقديم دائرة فيينا، فإن الكاتب يمركزه في النداء إلى التعامل مع الفكر الغربي في عالمنا العربي والمسلم كفكر فقط، وليس كـ "منقذ من الظلال" والجهل والظلم والديكتاتوريات، بل بوعي كونه في الكثير من جوانبه سببا في ظلالنا وجهلنا وديكتاتورياتنا. لا ينفي بأن هناك الكثير من المفكرين الغربيين من أصحاب النيات الحسنة، يستحقون التنويه والشكر في نظره، لكنه يُنبه إلى أن أصواتهم مكتومة في أوطانهم الأصلية، بل يعاني الكثير منهم من التهميش والمراقبة المباشرة أو غير المباشرة، في بلدان تتغنى بحرية التعبير. والغرض من هذا القول هو، كما يقول لشهب، التأكيد بأن مشروعنا النهضوي متوقف إلى حد كبير على وعي أبناء الأمة المسلمة قاطبة بأن الغرب لن يقدم لنا أبدا أدوات هذه النهضة، سواء أكانت فكرية أو تقنية، بقدر ما علينا ركوب المخاطر والتحلي بروح التحدي وبناء جسور بيننا والإنتباه إلى أن الأغلبية العظمى للسلطات القائمة في الدول العربية والمسلمة هي ذيول للإستعمار الغربي الجديد، بل أدوات طيعة في يده "يحلبها" كما ومتى أراد. ليس من الضروري اعتبار الفلسفات والفكر الغربيين نموذجا لإقلاعنا الحضاري، بل لابد أن نفهم بأنها إلى حد كبير تُفرمِل نهضتنا بكل الوسائل. ليس من الضروري كذلك أن نبقى مكتوفي الأيادي منبهرين لما حققه ويحققه الغرب من تقنيات تساهم في استيلابنا يوميا، بقدر ما يجب أن نفهم بأن نهضتنا كامنة في إعادة إشعال فتيل لم ينطفأ بعد، فتيل يأخذ بعين الإعتبار الجانب المادي والروحي للإنسان، ويركز على مسؤوليته. لا يمكن للحضارة التقنية الإستمرار في هذا الإتجاه وبنفس الوثيرة، فكل المؤشرات توشي بأنها آيلة للزوال، لأنها بكل بساطة مؤسسة على الظلم وعلى إحلال عبادة الآلة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماكرون يستعرض رؤية فرنسا لأوروبا -القوة- قبيل الانتخابات الأ


.. تصعيد غير مسبوق على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية مع تزايد




.. ذا غارديان.. حشد القوات الإسرائيلية ونصب خيام الإيواء يشير إ


.. الأردن.. حقوقيون يطالبون بالإفراج عن موقوفين شاركوا في احتجا




.. القناة 12 الإسرائيلية: الاتفاق على صفقة جديدة مع حماس قد يؤد