الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما الذي يحدث في مصر الآن؟

ناجح شاهين

2019 / 9 / 23
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


ما الذي يحدث في مصر الان؟
ناجح شاهين
وقعت انتخابات هزلية في تونس "الثورة" منذ أسبوع. وقد كانت النتيجة مذهلة بالفعل: لقد اختارت الجماهير مرشحاً مداناً بالفساد ويقضي حكماً بالسجن. والغريب أن أحداً لا يشكك في ضلوع الرئيس المحتمل بالفساد أو يشكك في نزاهة الحكم الذي أصدر بحقه.
في مصر اليوم تم تفجير صاعق الشارع ليدخل في الحراك عن طريق ممثل/مقاول كان شريكاً فعلياً لرأس النظام السيسي واختلف معه حول تقسيم الغنائم. إلى أين ستذهب مصر اليوم إن تمكنت تغريدات محمد علي من ملئ ميدان التحرير بالملايين مرة أخرى؟
لا بد أن الناس في بلادنا قد أحسوا بسعادة غامرة بعد أيام قليلة من قيام ذلك الشاب التونسي المعذب بإحراق نفسه بعد أن قامت شرطية حمقاء قد لا تكون حياتها أقل بؤساً بصفعه على الملأ. كان ذلك قبل عقد من الزمن على وجه التقريب. تدفقت الناس إلى الشوارع، وعاش الناس في تونس والوطن العربي كله حلماً وردياً لذيذاً. لقد جاءت الصحوة أخيراً، وستحمل معها الديمقراطية، والتقدم، والرفاه. كنت أتابع المشهد بسرور يشوبه قلق جوهري. أين هي القوة الاشتراكية أو الثورية أو الشعبوية على الأقل التي ستلتقط طرف الخيط وتعبر بالجماهير إلى بر الأمان؟ وعندما أدركت غياب تلك القوة أحسست بالكآبة الناجمة عن الرعب: لقد بدا واضحاً أن إعادة إنتاج الواقع بصورة من الصور هي الخيار الوحيد الممكن، ذلك لأن الديمقراطية ليست على أجندة التاريخ في محيط النظام العالمي بالمعنى الذي تعطيه مدرسة النظام العالمي لكلمة المحيط. لقد كان شعار الديمقراطية الذي رفعته الجماهير دليلاً دامغاً على عدم وجود أية ثورة بالمعنى الذي تعطيه ثيدا سكوكبول للكلمة (=ثورة اجتماعية/اقتصادية/سياسية عميقة).
بعد قليل تحرك المصريون بشكل لا مثيل له، وملأوا ميدان التحرير ومئات الساحات العامة. وفي زمن قياسي سقط حسني مبارك. كانت أصابع الجيش تشير إلى استباق ما. ومرة أخرى حدقت جيداً أبحث عن "الرافعة" التاريخية، وبحثت بالعدسات عن جموع تحرق العلم الإسرائيلي والأمريكي. ولكن هيهات، هيهات. كان المطلب الرئيس على ألسنة الناس هو المطلب الذي لا يمكن أن يتحقق: الديمقراطية الليبرالية. إن الأسئلة الخاطئة كما يقول ماركس تستدعي إجابات خاطئة. ومن هنا جاء طرح المسألة في سوريا من قبل بعض القوى حسنة النية بالجواب الذي شاهدناه على مر السبع سنوات الأخيرة. غني عن البيان أن جزءاً مهماً من القوى الناشطة في سوريا كان يريد هذا النوع من الإجابة، ولم يكن تعساً بالخراب الذي تعرضت له البلاد. في الأحوال كلها لم يعد صعباً علينا أن نتخيل المصير الذي كان ينتظر سوريا لو نجح "ربيع" سوريا مثلما نجح ربيع تونس وليبيا ومصر.
لكن لماذا هذا الإصرار من جانبنا على أن سؤال الديمقراطية سؤال خاطئ على الرغم من أن مفكرين بأهمية المفكر العربي صاحب كتاب "بيان ديمقراطي عربي" يعدونه عصب الأمر كله؟ لقد ذهب عزمي بشارة وبرهان غليون وغيرهما من "عمالقة" الفكر العربي المعاصر إلى أن معضلة الواقع العربي الأساس هي غياب الديمقراطية. بل إن مؤتمراً مزمعاً عقده قريباً في رام الله من جهة مؤسسة "مواطن" يكرس نفسه لمناقشة ضرورة الديمقراطية من أجل حل مشاكل العرب وفلسطين.
بالطبع يذهب هؤلاء جميعاً مذاهب شتى في تأويل أسباب هذا العيب العربي الخطير. ويفكرون بالطبع في اجتراح الحلول الإبداعية المختلفة، ولكن الإجابات التاريخية تأتي ساخرة جداً. حركة النهضة والإخوان المسلمون وجبهة النصرة ومحمد علي ونبيل القروي التلميذ النجيب لبرلسكوني في علم الفساد والتهرب الضريبي وفنون الدعاية والإعلام، كل ذلك يمثل تعبيراً عن ابتسامة التاريخ اللطيفة. ولكن الإخوان بالطبع لا يمثلون الجماهير كلها، كما أنهم لا يمتلكون أية فكرة عن إجابة السؤال على واقع البطالة والفقر المتفشيان في آلاف الأحياء الفقيرة في المدن و"غلابا" النجوع والأرياف.
تمخص ربيع مصر عن فوز الإخوان المسلمين بسهولة ووصول الراحل محمد مرسي إلى كرسي الرئاسة. ولا بد أن الإخوان يمتلكون الإجابات على مشاكل السفور والاختلاط وكيفية الحد منها. أما تأمين المشافي، والمدارس، والخبز، والقطع مع الاستعمار العالمي فإنها أسئلة أكثر تعقيداً من فصل الجنسين في الساحات والمواصلات العامة. من هنا جاء خطاب الإخوان في مصر ناعماً تجاه هذه القضايا جميعاً. وليس المكتوب الذي أرسل إلى بيرس من قبل الرئيس الراحل محمد مرسي رئيس ما يفترض أنها أكبر دولة عربية إلا عنوان هذه النعومة مع القضايا الضخمة.
وإذن لا بد أن يغضب الناس، وقد غضبوا بالفعل ونزلوا للشوارع مرة أخرى. ثلاث سنوات من الحمل الذي لا يلد شيئاً لا لسبب إلا لأنه حمل كاذب. مرة أخرى سوف يرد التاريخ بابتسامة ساخرة على سؤال الديمقراطية، والجواب هذه المرة هو العودة لحكم العسكر. تفشل البرجوازية في أن تحكم الجمهور عبر خلق الهيمنة في نطاق المجتمع المدني فتتنازل عن القيادة السياسية للجيش وتختبئ وراءه. ليس هذا اكتشافاً من بنات أفكارنا. هذه هي حالة البرجوازية الطرفية. هي برجوازية ضعيفة وغبية ولا قبل لها بالإبداع والاستقلال والقدرة على القطع مع الماضي الذي يميز البرجوازية في المركز. البرجوازية في المركز نمت في سياق تاريخي مختلف: ولدت من خلال الصناعة والعلم والاكتشاف. ووأدت الإقطاع بنقده بنقده اقتصادياً وثقافياً. بل ربما ينبغي أن نقول بنقضه من الجذور. ولدت البرجوازية الأوروبية ديانة جديدة هي ديانة العقل وحرية الاقتصاد، وأثارت حركة مركبة عملاقة على امتداد القارة أنجبت آلاف المفكرين النقديين والنقضيين. البرجوازية في بلادنا ولدت قسراً على يد المستعمر لتكون وكيلاً –لكي لا نقول عميلاً- لأعمال الرأسمال المركزي. فهي ولدت بدون مخاض ولا جهود ولا نضال ولا مواهب. ومن هنا فهي لا تتقن غير فن السرقة والاختلاس. طبعاً ليس لديها من الأدوات ما يمكنها من تحقيق الهيمنة الطبقية، ولذلك لا بد من وجود العسكر ليستروا عوراتها في الوقت الذي يأخذون عمولة مجزية على الدور الذي يؤدونه.
من هنا كان لا بد من الاستعانة بعسكر السيسي من أجل "تصويب" المسيرة في ربيع مصر وإعادة الحكم إلى الجناح الليبرالي من البرجوازية بعد أن بدا واضحاً عجز محمد مرسي عن تقديم مقدار كاف من التسامح.
لقد كان مرسي عاجزاً "موضوعياً" على الأرجح عن القيام بأي شيء ثوري سياسياً (ضد إسرائيل والاستعمار خصوصاً أنه كان بالضرورة جزءاً من معسكر قطر: يا للبؤس) أو اقتصادياً أو علمياً..الخ إذن لا بد من إصلاح أمور الدين والأخلاق ومراقبة الأنشطة الفاسقة. باختصار لا بد من التضييق على الحريات الفردية التي تعشقها البرجوازية بما فيها قطاع الفنانين المتنفذ في مصر.
ربما يفسر ذلك تلك الأغنية التي طبخت على عجل في فترة التمهيد للسيسي ليرتقي كرسي السلطة فمجدت الجيش، والأدوار التي يقوم بها. كان عنوانها "تسلم الأيادي" وشارك فيها نحو عشرة من "كبار" الفنانين. هذا الجزء الأكثر استنارة من الطبقة البرجوازية يستعين بالجيش العظيم الذي صنع النصر الأسطوري من أجل أن يخلصه من مضايقات الإخوان ورئيسهم
إذن لسنا في زمن مو ليير والموسوعيين، وروبسبير الرهيب وإنما في زمن المفكر القومي عزمي بشارة، والفنانات هيفا وهبي ونجلاء صديقة الحصان. وبالطبع هناك خطاب إقليمي سقفه محاولة المحافظة على تجانس مكونات القطر الإقليمي من قبيل الأقباط والمسلمين. الأفق القومي لا محل له في هذا الخطاب، فالبرجوازية لم تعد تطمح إلى توحيد السوق القومي أبداً.
وقد نزل الناس إلى الشارع مرة أخرى، إلى أين ستتجه مصر اليوم؟ إلى الحكم الديمقراطي؟ أم إلى ثورة تسقط النخب الفاسدة وتعود بالمكاسب على الغالبية الساحقة من بؤساء مصر وتعيد مصر إلى دورها القومي المقاوم للاستعمار؟
ليس النظام الديمقراطي إلا حالة خاصة من الهيمنة الطبقية التي تميز المجتمعات الرأسمالية الصناعية التي نمت بشكل تدريجي وتحقق فيها سيطرة طبقية تستند إلى الهيمنة الأيديولوجية وليس إلى سلطة العسكر. وهذه الحالة غير قابلة للتكرار على ما يبدو في بقاع أخرى من العالم. ومن هنا نرى إلى أن إمكان ولادة هذا النظام في بلادنا تستدعي تحقيق الإنجازات التي حققتها الرأسمالية في المركز. ولكن بما أن هذا غير ممكن بسبب علاقة التبعية البنيوية التي تربط الرأسمالية الطرفية بنظيرتها المركزية، فإن الخيار الوحيد أمام شعوب الجنوب والدول العربية منها هو الاشتراكية، أو على الأقل الدول الشعبوية مثل فنزويلا وإيران التي تقطع بدرجة أو بأخرى مع النظام الرأسمالي العالمي. وللأسف فإن أي كلام عن الديمقراطية في الواقع الراهن هو مجرد خطاب أماني لا مكان له في الواقع يمكن أن يسهل هيمنة الثقافة الغربية وأوهامها الأيديولوجية، ويبقي جهد الجماهير الشجاعة يرواح مكانه كما الحمل الكاذب، فنظل ننتظر الولادة إلى أجل غير مسمى، لكن الحمل الكاذب بالطبع لا يحتوي أجنة، ولا حتى أجنة ميتة..
من هنا لا يمكن لنا أن نتأمل خيراً في حراك مصر اليوم ما لم نبصر اللافتات تخفق صراحة بمطالب الفقراء ومناهضة الصهيوينة والاستعمار الأمريكي مع اتجاه صريح إلى تبني الهموم القومية. خلاف ذلك ستنجح الحركة الراهنة في إيصال الفنان/المقاول محمد علي إلى الحكم أو أحد أصدقائه من ضباط الجيش الطموحين








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري


.. عمران خان: زيادة الأغنياء ثراء لمساعدة الفقراء لا تجدي نفعا




.. Zionism - To Your Left: Palestine | الأيديولوجية الصهيونية.


.. القاهرة تتجاوز 30 درجة.. الا?رصاد الجوية تكشف حالة الطقس الي




.. صباح العربية | الثلاثاء 16 أبريل 2024