الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إِلَى أَيْن يَقُوْدُنَا حَمْدوك ؟!

فيصل عوض حسن

2019 / 9 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


إِلَى أَيْن يَقُوْدُنَا حَمْدوك ؟!

فيصل عوض حسن

التَزَمَ الدكتور حمدوك، فور إعلانه رئيساً للوُزراء، بمُعالجةِ التَرَهُّلِ الإداري واعتماد (الكفاءة) معياراً للاسْتِوْزَار، وتحقيق التَوَازُن (الاسْتِوْزَاري) بين مناطق/أقاليم السُّودان، وتعزيز الشفافِيَّة ومُحاربة الفساد وبناء دولة القانون والعدالة، وتحسين الأوضاع المعيشيَّة وإصلاح الخدمة المَدَنِيَّة، وتهيئة اقتصاد يقوم على الإنتاج وليس القروض/الودائع والهِبَات، حين قطع بعدم تصدير المواد الخام إلا بعد تصنيعها، وهذه جميعاً تصريحاتٌ مُوثَّقةٌ ولا يُمكن إنكارها.
عملياً، لم يُنَفِّذ حمدوك أياً من التزاماته أعلاه، فالجهاز الإداري للدولة ما يزال مُتضخِّماً، وقراراته/اختصاصاته مُتضاربة، ويستنزف مواردنا الشحيحة أصلاً، ويتعارض مع ما رَشَحَ من أنباءٍ في الأسافير، بشأن عمل الدكتور حمدوك في إدارة الموارد والأنظمة الديمقراطِيَّة، وإصلاح القطاع العام وبرامج التَكيُّف الهيكلي والحوكمة، ولا أدري متى سنرى هذه المضامين بالسُّودان؟! كما لم يلتزم حمدوك بمعيار (الكفاءة/التَخصُّص) للاسْتِوْزَار، ولو أخذنا وزارة الصناعة كمثال، نجدها تُشكِّل مُفارقة كبيرة، وتعكس (تَنَاقُضاً مُركَّباً)، حيث (عَوَّلَ) حمدوك على القطاع الصناعي في تعزيز نهضتنا المُرتقبة، ومع هذا اختار وزيراً للصناعة يفتقد أبسط مُتطلَّبات/مُقوِّمات المنصب! وهناك وزارة التنمية الاجتماعِيَّة، وهي المَعْنِيَّة برَتْقِ النَّسيج الاجتماعي والإنساني، واحتواء أزمة القَبَلِيَّة/الجَهوِيَّة والعُنصُرِيَّة، التي رَسَّخها المُتأسلمون عبر وزارة التخطيط الاجتماعي، ويتطلَّب التعاطي مع هذه التحديات (تَخَصُّصات) أكاديميَّة/مِهَنِيَّة مُحدَّدة، قادرة على إعداد استراتيجيات وخطط عمل/وبرامج المُعالجة والتطوير، و(خبرات) عَمِلِيَّة واحتكاك كبير بالمُجتمعات المحلِيَّة وثقافاتها، وهذه مُتطلَّبات لا تتوفَّر في من أُخْتِيْرَ لهذه الوزارة، ولا أدري لماذا (يَتَهَرَّب) حمدوك من تنفيذ التزاماته، خاصَّة وأنَّ البدائل (المُتخصِّصة/الكفوءة) موجودة! حتَّى لو افترضنا حُسن النِيَّة، بأنَّه سعى (للمُحاصصة) الحِزبِيَّة والمناطِقِيَّة، فهو عذرٌ مردود، لأنَّ العَسْكَر وجماعة قحت رفضوا مبدأ (المُحاصصات) من أساسه، بجانب (تأكيدات) حمدوك المُتكرِّرة بشأن الكفاءة/التخصُّص، وفي المُحصِّلة أمامنا واقع يُؤكِّد عدم استفادتنا من (الكفاءات) الحقيقيَّة من جهة، وتفاقُم الصراعات الجَهَوِيَّة/المناطِقِيَّة أكثر مما كان عليه من جهةٍ ثانية!
كذلك، لم يلتزم حمدوك برفض الدعم الخارجي، إذ سُرعان ما أعْلَنَ عن حاجتنا لـ10 مليارات دولار (مُساعدات أجنبيَّة)، 8 مليارات لتغطية الواردات وتسهيل بناء الاقتصاد، ومليارين كاحتياطي بالبنك المركزي، لإيقاف تدهور سعر صرف الجنيه، وكَشَف (فجأةً) عن مُحادثاتٍ له مع صندوق النقد والبنك الدَوْلِيَيْن لـ(هيكلة) ديوننا، ومع ما وصفها بالدول (الصديقة) وهيئات التمويل (بشأن المُساعدات)! ثُمَّ أطلقَ العَنان لوزير ماليته، الذي تَحدَّثَ كثيراً عَمَّا أسماه برنامج اقتصادي يبدأ بمرحلة (إسعافِيَّة) سريعة لتخفيف مُعاناة المُواطنين، تليها مرحلة دعم السلام بالانتقال من العون الإنساني للتنمية المُستدامة، ثُمَّ مرحلة تَقْوِية مُؤسَّسات إدارة الاقتصاد وتحقيق موارد للدولة، عبر مشروعات صادر الماشية وإنشاء المسالخ وتصنيع الزيوت وتعمير الزراعة المَرْوِيَّة، وانتهت تصريحاته الغريبة بفتحهم حساب (الوديعة الدولاريَّة)!
جَوْهَر تَوَجُّهات/تصريحات حمدوك ووزير ماليته، ضارٌّ جداً ويزيد مشاكلنا تعقيداً، فقد وضع حمدوك ووزير ماليته السُّودان ومُقدَّراته، في طبقٍ من ذهب أمام الطَّامعين/المَانِحين، خاصةً صندوق النقد الدولي، الذي تتحاشاه جميع الدول المُحترمة، ولم يثبت (أبداً) نجاح أي دولة، لجأت إليه أو اتَّبعت سياساته، وخرجت من بَراثنه سالِمة، وكمثال وليس الحصر، زامبيا وغانا على الصعيد الأفريقي، وبيرو بأمريكا اللاتينيَّة واليونان في أوروبا والقائمة تطول. وفي المُقابل، فإنَّ جميع الدول التي ابتعدت عن صندوق النقد، بعد لجوئها إليه، حَقَّقت نجاحات اقتصادِيَّة/تنمويَّة مشهودة، كبولندا وماليزيا وتركيا وغيرها، وهذه أمورٌ معلومة لطُلَّاب الفرقة الأولى اقتصاد، دعك حمدوك ووزير ماليته. وأمَّا الدول الموصوفة بـ(الصديقة)، فقد رأيناهم جميعاً (ينهشون) مُقدَّراتنا ويلتهمونها بالتعاوُن مع المُتأسلمين، مما يُثير القلق/الرِّيبة والتساؤُل حول مَرامي حمدوك ووزير ماليته (الحقيقيَّة) من ترويجهما الجُنوني لصندوق النقد، وارتمائهما في أحضان الدول التي غَدَرَت بنا ولا تزال؟! ولماذا (يُناقِض) نفسه و(يتَنصَّل) من التزامه برفض الدعم الخارجي، ومتى بدأ مُحادثاته المزعومة مع تلك الجهات، وعلى أي أساس، وما المُقابل المفروض علينا تقديمه؟! ومتى وضع/أعدَّ وزير المالِيَّة برنامجه المزعوم؟ وما هي مُؤشِّرات تحديد مُوجِّهاته/محاوره؟ وكيف وضعها وحَدَّد ملامحها قبل جلوسه في مكتبه، والإطلاع على أوضاع البلد والوزارة ميدانياً؟ ولو قال بأنَّه برنامجٌ جاهز، فمن قام بتجهيزه وما هي مصلحته في ذلك، وهل ارتكز على مُؤشِّرات (افتراضِيَّة) لوضعه؟ ولماذا لم يُشرِك العاملين بالوزارة، أو الخُبراء السُّودانيين الموثوقين بالدَّاخل (وهم كُثُر) في هذا العمل (الحَسَّاس)؟! وهل فُوْضِلَ البرنامج المزعوم مع بدائل أُخرى، وما هي أُسُس/معايير المُفاضلة لو كانت إجابته بنعم، ولو لم يفعل تُصبح (مُصيبة)! وهل يملك حمدوك ووزير ماليته فوائض نقديَّة كافية، لتسيير/تمويل وتنفيذ هذا البرنامج بمكوِّناته، خاصَّة ما يتعلَّق بالشباب والحُكم الرَّاشد وإصحاح البيئة والتنمية المُستدامة، وغيرها من القضايا والأماني (الخيالِيَّة)؟
أكثر الأمور غرابةً، حديث حمدوك ووزير ماليته (المُتواصل) عن إعفاء الديون، رغم عِلمهما الأكيد باستحالة ذلك، خاصةً القروض خارج منظومة صندوق النقد، وهي الجُزء الأعظم والأخطر. حيث نَالَ المُتأسلمين قروضاً ضخمة باتفاقياتٍ (مُريبة)، وفوائدٍ أعلى من المعمول بها، وقَدَّموا مُقدَّراتنا كضماناتٍ يصعُب استردادها، إلا بسداد الأقساط التي امتنع عنه المُتأسلمين، وسَلَّموا الدَّائنين عدداً من مُقدَّراتنا المرهونة بحِجَّة الاستثمار، كالصين التي التهمت مساحات واسعة من مشروع الجزيرة والرَّهد والسُّوكي، وبكردفان والنيل الأبيض وأراضي الحبوب الزيتيَّة وغيرها، وهناك مُحاولات الإمارات لابتلاع ميناء بورتسودان، بجانب الأراضي التي تستغلَّها بالجزيرة والشمالِيَّة ونهر النيل، وقائمةُ الدَّائنين تطول. وما يزيدُ الرِّيبة، تَجَاهُل حمدوك ووزير ماليته (المُتعمَّد) لاسترداد أموالنا المنهوبة، وهي تكفي تماماً لاحتواء الأزمة وإعادة بناء الاقتصاد، ولقد ذكرتُ في مقالتي (اَلْسُّوْدَاْنُ وَتَحَدِّيَاْتُ اَلْبَقَاْء) بتاريخ 14 أغسطس 2019، أنَّ عوض الجاز وحده يملك (64 مليار دولار)، بحسب جريدة "المدينة" في 26 أبريل 2019، نقلاً عن ويكليكس، وهذا مبلغٌ يُسدِّد جميع ديون السُّودان ويفيض! وهنا نتساءل: لماذا لم يستغل حمدوك ووزير ماليته علاقاتهما الدولِيَّة/الإقليميَّة (المزعومة)، لاسترداد أموالنا، بدلاً عن إغراقنا في المزيد من الديون و(استجداء) الدَّائنين لإعفائها؟ علماً بأنَّ الوقت/الجهد المُستَهْلَك لاسترداد الأموال المنهوبة، أقلَّ بكثير من جولات المُفاوضات مع صندوق النقد أو بقيَّة الدَّائنين ونتائجها، مع ضمان سيادتنا واستقلالنا السياسي والاقتصادي!
ليت الأمر تَوَقَّفَ على ذلك، فقد أضاف حمدوك مُؤخَّراً قُنبلةً جديدة، حينما (التزم) بعدم وجود (سقف) لدفع فاتورة واستحقاقات السلام، (مُتجاهلاً) تبعات هذا (الالتزام)، في ظل التحديات الخطيرة التي نحياها، كالاحتلال وتَغَيُّرِ التركيبة السُكَّانِيَّة وتفشِّي الجَهَوِيَّة/القَبَلِيَّة وغيرها، وإمكانِيَّة تكرار نيفاشا بصورةٍ أبشع، تُفضي لتذويب ما تَبقَّى من البلاد والعِبَاد، بخلاف الجدل الدَّائر بشأن (التضليل) المُصاحب لقراره الخاص بتشكيل لجنة التحقيق، ولا يسع المجال لتفصيله! وللأسف هناك من يُنادي بالانتظار ويستميتون في تقديم التبريرات، وهذا خطيرٌ جداً لأنَّ ما استعرضناه من مُمارسات وتَوجُّهات تقود لمآلاتٍ كارثيَّة، يصعُب علاجها لو استمرَّت أكثر، والرَّقابةُ الرَّصينة (تتلافى) الأخطاء، ولا تنتظرها لتتعاظم وتستفحل. والمُعادلاتُ الرياضيَّةُ (تُحَلْ) بخطواتٍ معلومةٍ ومُتسلسلة، ولن نصل للحل الصحيح لو أغفلنا أياً منها.
لقد خَرَجَ السُّودانِيُّون بالآلاف للشوارعِ، بعدما يئسوا من كياناتنا الفاشلة و(قادَتِهَا) المُتَكَلِّسين، ومن معهم من مُغامرين ونُخَبٍ مُتسلِّقةٍ تائهةٍ وأنانيَّةٍ وناكرةٍ للوطن والعَشِيرة، وكان هدفهم الأساسي (إسقاط) العصابة الإسْلَامَوِيَّة بالكامل، واقتلاعها من الجذور بعقليتها ومفاهيمها الصَفَوِيَّة ومُمارساتها الانتهازِيَّة. وتَحَمَّلَ السُّودانِيُّون أبشع صور البقمع والتنكيل، سعياً للحُرِّيَّةِ والانعتاق و(إنقاذ) بلادنا وسِيادتنا الوطنيَّة التي أهدرها المُتأسلمون وتُجَّار الحرب والنضال، ومن غير المنطقي بعد كل تلك التضحيات، تسليم ما تَبقَّى من بلادنا لصندوق النقد وغيره من الطَّامعين. والحقيقة التي علينا معرفتها/إدراكها، أنَّ حمدوك وبعض وزرائه/مُعاونيه، خاصةً وزير الماليَّة، (مُرتبطون) مِهَنياً وفكرياً بصندوق النقد ومُؤسَّساته، وسيُنفِّذون ما يُؤمرون بلا تَرَدُّد، ودون مُراعاةٍ لاستقلال السُّودان وسلامة أهله، فلنترك الحديث عن شئونهم الأكاديميَّة/العمليَّة و(الشَكلِيَّة)، ولنُراقِب تَوجُّهاتهم/مُمارساتهم الفَعْلِيَّة، خاصَّةً وأنَّها تبدو (مُتعمَّدة)، ونحسم أي تَجاوُزات/أخطار مُبكِّراً وبسرعة.
ولنتذكَّر بأنَّ التعويل على (الأٍشخاص) في إنجاح العمل العام، وتضخيمهم بنحوٍ غير واقعي، يضرُّ بنا وبهم، ولا يُحقِّق الديمقراطِيَّة التي تحتاج الوعي والإدراك، وإعمال العقل بمعزلٍ عن العواطف/المُجاملات، وفي إطارٍ من القانون والمبادئ الأخلاقِيَّة والإنسانِيَّة، دون مَساسٍ بحقوق الآخرين.. وللحديث بقيَّة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما الهدف وراء الضربة الإسرائيلية المحدودة في إيران؟|#عاجل


.. مصادر: إسرائيل أخطرت أميركا بالرد على إيران قبلها بثلاثة أيا




.. قبيل الضربة على إيران إسرائيل تستهدف كتيبة الرادارات بجنوب س


.. لماذا أعلنت قطر إعادة -تقييم- وساطتها بين إسرائيل وحماس؟




.. هل وصلت رسالة إسرائيل بأنها قادرة على استهداف الداخل الإيران