الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الامومه و الابوه في الفكر المسيحي

محمد برازي
(Mohamed Brazi)

2019 / 9 / 25
التربية والتعليم والبحث العلمي


تفكر الام الحقيقية ليلا ونهارا بخي يثني عليهم ويحرص على راحتهم، وهي أول من أطفالها. فهي أول من يسعى لحمايتهم أيضا عندما تشعر بأنهم قد يكونون في خطر. وهي التي حملتهم في بطنها وتحملت آلام الحمل والولادة، وتبقى تحملهم في قلبها إلى آخر لحظة. وغالبا ما تكون نباهتها أسرع وأوضح من زوجها، ولن تسمح لزوجها بالتقليل من شأن اهتماماتها أو محاولة طمأنتها بسهولة. وهي أيضا الأولى التي تلتجئ إلى الله متضرعة له نيابة عن طفلها. وربما هذا هو ما ألهم القول اليهودي القديم: «لا يقدر الله أن يكون في كل مكان في آن واحد، لذلك
ّ وهب لكل طفل أم.»
عندما يبكي الطفل في الليل، فعادة ما تكون الأم هي الأولى ّ بجانب سريره. فهي تحس بألم طفلها إحساسا غريزيا، ولن تتحمله مجرد كعبء مؤلم عليها فحسب بل أيضا كعمل مشرف لها ومفرح. ّ أن رهافة حس الأم ومحبتها لا حدود لهما. فتراها مستمرة في أملها بأولادها لمدة طويلة حتى لو قطع غيها الأمل فيهم بسرعة، وتصلي من أجلهم حتى لو أدانهم الجميع. بالإضافة إلى أنها تؤمن
بدلا عنهم عندما يفقدون إيمانهم. والأم الطيبة لا تكون قدوة لأسرتها فحسب بل أيضا قدوة لكل من تلتقيه. فتُ ِ سعد فرحتها الآخرين. ُ وبالحقيقة، فإن كل امرأة قد د ّ عيت لتكون أما للآخرين، سواء كانت ّ متزوجة أم عازبة، وسواء كانت تنجب أولادا أو لا تنجب. ثم إن الناس يلتفت انتباههم إلى المرأة التي تحب الله، التي يكون اهتمامها الأساسي هو خدمة الآخرين. ُ وأنا شخصيا لا أوفي أمي حقها مهما شكرت الله على محبتها، ولا ّ حتى على علاقتها العميقة مع أبي. وبالرغم من أن والدي لم يدعوهما الناس ب «متديّنين» على الإطلاق، إلا أن الأمر كان واضحا لنا نحن السبعة أولاد من أن والدينا كانا يحبان الله ويحب أحدهما الآخر ويحبان كل واحد منا. وبالرغم من أنه كان واضحا لنا أن والدنا هو رب الأسرة، لكنه من ناحية أخرى لم يتساهل مع أدنى تصرف فيه ّ ولو شيء قليل من عدم الاحترام يصدر منا تجاه والدتنا.
ونرى العديد من النساء في عصرنا يتمردن على الأمومة. فيَنسين ّ أن الأمومة ليست مجرد مهمة وهبها الله لهن فحسب بل أيضا ّ امتياز مشر ّ ف وهبه الله لهن. لقد كانت تُعتبر الأمومة سابقا من أسمى الدعوات الإلهية للمرأة؛ أما في الوقت الحاضر فقد تم إزاحتها ُ واستبدالها بمهنة «معتبرة»، وصار يُنظر إلى الأمومة على أنها غير مريحة ومصدر إزعاج أو حتى إحراج. وبالرغم من أن العديد من النساء يتمردن على ظلم أزواجهن وعلى فقدان المحبة لديهم، غير أن استيائهن – حتى لو كان مفهوما – لا يحقق إلا القليل في النهاية.
فالحلّ هو أننا ينبغي أن نعترف بالالتباسات أو عدم الوضوح الذي عندنا عن دور الرجل ودور المرأة في الأسرة، وينبغي أن نسعى إلى إعادة اكتشاف ترتيب الله لكل منهما وأن يأخذ كل من الزوج والزوجة أحدهما الآخر بعين الاعتبار بكامل الاحترام والمحبة لكي ُّ نحصل على تحسن في الحياة الأسرية.
أن الشيء المثي َ للإعجاب والتقدير هو أن النساء يشغلْن اليوم ِ مناصب مهمة ويستم ْرن بالعمل في وظائفهن لغاية مرحلة الولادة. إلا أنه عندما يتطلبهن الحمل والأطفال، فلابد لهن من إعطاء ّ الأولوية للأمومة في حياتهن دائما. فيجب عليهن أن يَ ُك َّن أمهات أولا وأخيا – ولن يَ ُك َّن طبيبات أو معلمات أو محاميات أو مديرات أو محاسبات إلا بعد القيام بدورهن الأمومي. وحاشا لهن أن ينظرن إلى الحمل على أنه أمر يُ َّ تأس ُف عليه أو يُستاء منه بل ينبغي عليهن أن ينظرن إلى الأمومة على أنها نعمة إلهية موهوبة لهن بقناعة تامة – وأيضا ينبغي عليهن الإيمان بأن في نظر الله لا شيء يستحق التضحية أكثر من الطفل.
وفي نظري، فأن الأمثلة المفضلة للأمومة نجده في الكتاب َ المقدس في العهد القديم. فقد كانت ح َّن ُة، والدة النبي صموئيل، ّ عاقرة لسنوات طويلة لكنها نذرت للرب ُ إذا ر ّ زقت بطفل فستكرسه لله. وتحققت أمنيتها أخيا، وبالرغم من أنها رأت الموضوع صعبا جدا بالتأكيد، إلا أنها أوفت بنذرها وقدمت الصبي إلى الكاهن الذي كان اسمه عالي، ليبيه كخادم من خدام الله. فلم يكافأ إيمانها الطفولي البريء مرة واحدة فحسب بل عدة مرات: فقد رزقهما الله هي وزوجها الذي كان اسمه ألقانَة خمسة أطفال بعدئذ
البنون ٌ ميراث ِمن ّ الر ِّب، وثَمرةُ البطن ٌ ثواب ِمنه ُ . أبناء ِ الإنسان في ِ شبابه ِ كَسهام ِبيد َّ الجبار َ . هنيئاً لِمن َيملأُ ُجعبته ِمنهم المزمور 127
ان الله هو المثال المطلق للأبو وكبارا – ونحن أولاده. وليست هناك أية استثناءات. ة. فهو أب لنا جميعا – صغارا يقول يسوع المسيح: «لا تَ ْد ً عوا أحد ِ ا على الأرض َّ يا أبانا، لأن ُ لكم أبًا ً واحد َ ا هو ُ الآب َّ الس ُّ ماوي». (الإنجيل، متى )9 :23وعلى الرغم من انه يريد ان يكون أبانا، إلا أنه لن يفرض نفسه علينا أبدا. وبدلا من ذلك، يريد منا أن نشعر بحاجتنا له، واللجوء إليه طلبا للمساعدة.
ولهذا السبب تبدأ الصلاة الربانية بعبارة مهمة هي، «يا أبانا.» ويريد يسوع المسيح منا أن نعلم بأن الله ينتظرنا وسيساعدنا ُّ مهما كانت حاجاتنا. كما يقول في الإنجيل: «فأي ٍ أب ِمنكم إذا طَلب ِمنه ابنه َسمكة ُ أعطاه َ بد َل َّ السمكة َحيَّة؟ أو طلَب ِمنه بَيضة ُ أعطاه َ عقربًا؟ فإذا كُنتُم أنتُ ُم الأشرار تَعرفون َ كيف تحسنون َ العطاء لأبنائكم، فما أولى أباكُم َّ السماو ُّي ْ بأن َ يهب ُّ الروح ُ القد َس لِلَّذين يَسألونَ ُه»! (إنجيل لوقا 11).
فهذه الصورة التي نرى فيها الله النموذج المُحب – صورة الآب ّ – الذي نقتدي به في غاية الأهمية ولا نوفي حقها مهما شددنا عليها. فتتوق نفوس جميع الأولاد إلى الشعور بالأمان – إلى الأمان الداخلي والخارجي على حد سواء، أي بمعنى الأمان النفسي والحياتي. غير أن الرجل الذي يفتقر إلى شخصية أخلاقية أو تنقصه الثقة بالنفس يكون غي قادر على تقديم أمان حقيقي لأولاده. وعندما لا يحصل الأولاد على الأمان، فقد تكون العواقب وخيمة.
فكيف بمقدور الآباء أن يقدموا لأولادهم هذا الضمان على أفضل وجه؟ نقول لكل من يعتزم أن يصي أبا وينجب أطفالا إلى العالم بأن يعرف أولا أن أولاده سيتأثرون بشدة بطبيعة ونوع علاقته الشخصية مع الله. لأن الذين يبنون عائلاتهم على هذه العلاقة سيباركهم الله، أما الذين يؤسسونها بدون ذلك فستنهار بسرعة.
لأن الله هو الذي يهبنا الأبوة، وإننا الآباء مكلفون بقيادة زوجاتنا وأولادنا نيابة عن الله. لهذا السبب كان يُنظر إلى الآباء في القرون السابقة بأنهم ّ أشخاص لا يمكن الاستغناء عنهم أو استبدالهم. فقد تحملوا المسؤولية الكاملة عن خي أسرهم حتى لو لم يكونوا من مقدمي الرعاية الرئيسيين لأولادهم خلال النهار أو اليوم، إذ أن الأمهات َّ كُن يَقمن بذلك في الغالب.
غي أن الحال تغي بشكل كبي في المئة سنة الماضية. ففي القرن الذي اتسم بالحرب والاضطرابات وعدم الاستقرار وبتنقلات لم يسبق لها مثيل نرى أن أطفالا كثيين – وبأعداد غي مسبوقة – قد نشؤوا في بيوت ليس فيها آباء. أما الآن فالكثي من الناس يشككون فيما إذا كانت هناك حاجة للآباء بالأساس: فيقولون: «من تراه يحتاج إلى أب على أية حال؟ ولماذا لا يكون الحال مجرد أم؟ أو لما لا يكون اثنين من الأمهات؟» لكن المصي المحتوم لمثل هذا التغاضي
عن ترتيب الله له عواقبه الوخيمة، ليس لأطفالنا نحن فحسب بل لأطفال العالم كله أيضا.
وتستلزم الأبوة الحقيقية بطبيعة الحال أكثر بكثي من مجرد التواجد في حياة الطفل. فهناك الكثي من الآباء ممن هم غائبون نفسيّا حتى لو كانوا يعيشون في البيت نفسه وذلك لافتقارهم إلى ٍ علاقة مع أولادهم. وكم أب توهم والتبس عليه الأمر ولم يميز بين تعطش أولاده لمحبته ولاهتمامه بهم وبين الرغبة في الأشياء المادية. ففي كثي من الأحيان، وفي محاولة للتعويض عن الغياب الطويل عن
البيت أو لتهدئة الضمي المذنب، يشتري الآباء مودتهم لأطفالهم عن طريق الهدايا، في حين أن ما يحتاجه أولادهم هو انتباه واهتمام والدهم – مثل معانقتهم أو تقديم ابتسامة أو قراءة قصة قبل أرسالهم إلى النوم.
وفي السنوات الخمس الأولى من حياتي، أبعد العمل والدي عن بيتنا لمدة أمدها ثلاث سنوات. وعلى الرغم من أني أعرف أن ذلك كان له بعض الآثار السلبية على طفولتي المبكرة، لكنني لم أشك ّ مطلقا بمحبة والدي. فقد تم فصلنا جسديا، لكنه ظلّ يمثل وجودا إيجابيا في حياتي، ولم أشكك مطلقا، لا أنا ولا شقيقاتي، في إخلاصه لوالدتنا ولنا. ثم أننا لم نستغل غيابه كذريعة لسوء السلوك، لكن، بدلا من ذلك، فقد ساعدتنا الأشياء التي كان قد غرسها في نفوسنا على أن نمضي قدما في حياتنا، وحفزتنا لنستمر في دعم والدتنا. ّ وينبغي لهذه التجربة أن تشجع الآباء الآخرين الذين يقضون أياما أو أسابيعا بعيدا عن أولادهم: فالذي سيتذكره أولادك هو النوعية وليست الكمية. ولا يجوز بطبيعة الحال استخدام هذا المبدأ كذريعة أنانية أبدا. فمن المهم جدا أن يقضي الآباء وقتا مع أبنائهم وبناتهم كلما كان في وسعهم عمل ذلك. وغالبا ما يتفاجأ الأب الحريص بمدى انفتاح ولده وسماعه لأكثر الأشياء المدهشة منه في أوقات غي متوقعة وقد تبدو لا فائدة منها مثل جلوسهما لساعات طويلة أثناء قيادة السيارة أو ما شابه ذلك.
بالطبع، تبدأ الأبوة حتى من قبل ولادة الطفل. فينبغي على ُّ الزوج أن يتحمل أعباء زوجته الحامل وذلك بإظهار المحبة والتفهم ّ لها – وليس بإغاظتها – عندما تحس بالغثيان أو بالتعب أو بالحزن والدموع تنهمر من عينيها. وإذا احتاجت إلى الراحة في الفراش، فإنه يجب عليه أن يكون مستعدا لتحمل أعباء أمور أكثر، والمساعدة في الأعمال المنزلية ورعاية الأطفال الموجودين. ويجب علينا نحن الأزواج أن نكون مصدرا للتشجيع المبهج والطمأنينة، وأن نصلي
معها عندما يسيطر عليها الخوف أو القلق.
ْ وينتهي الحمل أحيانا بالإسقاط أو بولادة جنين ميت، فمن الواجب على الزوج حينئذ أن يتحلى بكثي ُّ من الصبر والتفهم. وربما يشعر الأب بقدرته على نسيان الموضوع بسرعة نوعا ما والبدء من جديد، لكن شعور الأم بفقدان الجنين هو مثل شعورها بفقدان طفل كامل – وحتى لو كان بالإمكان مساعدتها على قبول هذا كجزء من قضاء الله، فلا بد من الاعتراف بحزنها واحترامه، ولا يجوز التقليل من شأنه بأية طريقة كانت. وعند ولادة طفل سليم، فينبغي على الأب ألا ينسى أن يسوع ْ المسيح – وهو الرجل الحقيقي الوحيد – لم يخف أن يشبِّه نفسه ّ بالدجاجة التي تجمع فراخها تحت جناحيها. لذلك يجب على الأب أن يعيش في جميع الأوقات بطريقة تليق بالرب يسوع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هجوم إسرائيل -المحدود- داخل إيران.. هل يأتي مقابل سماح واشنط


.. الرد والرد المضاد.. كيف تلعب إيران وإسرائيل بأعصاب العالم؟ و




.. روايات متضاربة حول مصدر الضربة الإسرائيلية لإيران تتحول لماد


.. بودكاست تك كاست | تسريبات وشائعات المنتجات.. الشركات تجس الن




.. إسرائيل تستهدف إيران…فماذا يوجد في اصفهان؟ | #التاسعة