الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دين الغرب الجديد وأنبياؤه وشهداؤه

ناجح العبيدي
اقتصادي وإعلامي مقيم في برلين

(Nagih Al-obaid)

2019 / 9 / 25
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر


دين الغرب الجديد وأنبياؤه وشهداؤه

"كيف تتجرؤون؟": بهذه الكلمات وبخت الناشطة السويدية غريتا تونبيرغ قادة العالم في قمة المناخ في نيويورك. إيمان المراهقة البالغة من العمر 16 عاما بنفسها وبأفكارها ومثلها العليا وبدورها في إنقاذ البشرية كان طاغيا على المشهد الذي ذكر بمشاهد مماثلة وردت في الكتب المقدسة. موسى ومحمد أيضا جمعا أسياد إسرائيل وقريش في مناسبات كثيرة وقاما بتوبيخهم على تصرفاتهم المناقضة لوصايا الرب.
معظم زعماء العالم ومنهم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وقبلهما الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، رددوا "آمين!" وهم يسمعون الوصايا المؤثرة للنبية الجديدة أثناء اجتماعاتهم بالمراهقة على هامش قمة المناخ. من الواضح أن سياسيين كثيرين حريصون على تلقي بركات قديسة المناخ لتلميع صورتهم ولإظهار اهتمامهم بقضية أصبحت تحتل الأولوية بالنسبة للراي العام ويمكن أن تحسم نتيجة الانتخابات في كثير من الدول الغربية. إلا أبو جهل العصر الحديث، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي غرّد أثناء قمة المناخ في نيويورك ساخرا من غريتا تونبيرغ ووصفها بأنها "شابة تبدو سعيدة" في إشارة ربما إلى معانتها من مرض التوحد. قوبل هذا "الكفر" بموجة استهجان عمت وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي والتي رأت في تصريحات ترامب دليلا جديدا على تشكيكه بالدين الجديد "التغير المناخي".
ليست النبوة البيئية ظاهرة جديدة في تاريخ الأديان. قبل القديسة غريتا التي حاولت إنقاذ العالم عندما عبرت المحيط الأطلسي بيخت شراعي، قام أول نبي للبيئة "نوح" بإنقاذ البشرية وبقية الكائنات الحية من الانقراض بسفينته الشهيرة التي حمل فيها من كل زوجين اثنين. لكن قوم نوح أغرقهم الله لأنهم كذبوا بالرسل. وهذا هو المصير الذي تُحذر منه غريتا وأنصارها والمؤمنون بها من السياسيين والصحفيين ويهددون به مكذبي التحول المناخي والساخرين منها. هذه الصورة نجدها أيضا في القرآن في سورة يونس عندما يخاطب قوم نوح :{ وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ}.
وكما كان نوح يحذر قومه من الطوفان فإن غريتا وحواريوها والصحابة من حولها يرسمون صورة قاتمة لما سيحدث جراء ارتفاع درجة حرارة الأرض وذوبان طبقة الجليد في القطبين الشمالي والجنوبي وارتفاع منسوب مياه البحر والذي يهدد بإغراق مساحات شاسعة من الأرض.
لا تقتصر أوجه التشابة بين دين المناخ الجديد وقصص الأنبياء في التوراة والإنجيل والقرآن على الوعد والوعيد، بل تشمل ايضا التكفير عن الذنوب. هنا لا يكفي الإقرار بالذنب والتوبة، وإنما يجب أيضا دفع الأموال على شكل صدقة. ولعل أكثر أشكال الصدقة ابتذالا هي صكوك الغفران التى كانت الكنيسة الكاثولوكية في القرون الوسطى تبيعها على مرتكبي الخطايا. اليوم يوجد ما يشبه صكوك غفران بيئية للتكفير عن الذنوب بحق المناخ. أسوأ الذنوب المناخية بحسب وجهة نظر النشطاء البيئيين هو السفر بالطائرة لأنه يتسبب بانبعاثات غاز الكربون بنسبة تعتبر الأكبر مقارنة بالأنشطة الأخرى. ومن أجل إراحة الضمير البيئي لدى المسافرين وتسهيل دخولهم الفردوس البيئي توصلت منظمات في بلد قديسة المناخ غريتا، السويد، إلى صاغة مفهوم جديد يدعى "عار الطيران" أو "خطيئة الطيران". ومن أجل تطهير هذا الذنب يُطالب المسافرون بالطائرة بدفع ضريبة طوعية على شكل مساهمة لحماية المناخ إلى منظمات غير حكومية تقوم باستثمار هذه الأموال في مشاريع بيئية أو تدعي ذلك على الأقل. ومع زيادة الوعي البيئي تتزاد أيضا إيرادات ونفوذ هذه الكنائس الجديدة في عدة بلدان أوروبية.
من الملفت للنظر أيضا أن إصابة غريتا بأحد اشكال مرض التوحد لم تؤثر على سمعتها ولم تقلل من الإيمان بقدراتها العقلية فحسب، بل ويبدو أنها أضفت عليها هالة من القدسية كما هو حال الكثير من القديسين والرسل. وقوفها وحيدة أمام البرلمان السويدي على مدى شهور للاحتجاج على تلوث البيئة وعجز السياسيين عن مواجهة ذلك يشبه إلى حد بعيد لجوء النبي محمد إلى غار حراء للتأمل في أحوال قريش. ومن المعروف كذلك أن شبهة الإصابة بالصرع تلاحق النبي محمد منذ البداية، وهذا ما أكده أيضا الشاعر العراقي معروف الرصافي في كتابه "الشخصية المحمدية".
مع دخول الناس أفواجا في الدين الجديد يبدو من المؤكد أن ظهور أجنحة متزمتة ومستعدة لاستخدام لعنف من أجل "إنقاذ البشرية" من مصيرها المحتم قضية وقت لا أكثر. ولا يستبعد أن مخابرات الدول الغربية تستعد لمثل هذا السيناريو، لا سيما وأن حماية المناخ تستقطب المزيد من الأجيال الشابة في الدول الغربية. والشباب بطبعهم متحمسون للأفكار المثالية ويميلون لفرض رؤيتهم المبسطة عن الخير والشر على المترددين والمشككين والمنافقين بالقوة إن لزم الأمر. وهذا ما تؤكده ليس فقط تجربة التطرف الديني على مر العصور، وإنما أيضا الأيدولوجيات الشمولية كالنازية والستالينية والماوية والبعثية وغيرها.
لكن ما يفتقر له دين المناخ حتى الآن هو الشهداء ولكن ذلك لا بد أن يأتي مع الزمن. حينها ستكتمل أركان العقيدة الجديدة وستتحول إلى أيدلوجية شمولية لا تتردد في تخليص البشرية رغم أنفها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس تواصلت مع دولتين على الأقل بالمنطقة حول انتقال قادتها ا


.. وسائل إعلام أميركية ترجح قيام إسرائيل بقصف -قاعدة كالسو- الت




.. من يقف خلف انفجار قاعدة كالسو العسكرية في بابل؟


.. إسرائيل والولايات المتحدة تنفيان أي علاقة لهما بانفجار بابل




.. مراسل العربية: غارة إسرائيلية على عيتا الشعب جنوبي لبنان