الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تعليم الاحترام

محمد برازي
(Mohamed Brazi)

2019 / 9 / 27
التربية والتعليم والبحث العلمي


أكرم أباك وأمك لكي تطول أيامك على الأرض التي يعطيك الرب إلهك
كلنا نعرف وصية الكتاب المقدس التي تُعتبر ركن أساسي من أركان التربية، وهي: «أَكْرم أَبَاك َوأُمك». لكن ماذا تعني هذه الوصية؟ فعلى صعيد الأطفال إنها تعني بالتأكيد وبكل بساطة وجوب تعلّم الأطفال الاحترام. فالأب والأم في نظر الأطفال الصغار يرمزان إلى الله : فلو لم يكرموا آبائهم، فمن أين لهم أن يتعلموا إكرام الله؟ وأما على صعيد الآباء، فتضع هذه الوصية عبئا على كل والد ووالدة، وهو: مسؤولية التأكُّد من أن هذه الوصية تُطاع من قبل أولادهم.
أن الإكرام يبدأ باحترام السلطة الوالدية، المصحوب «بمخافة الله» وأيضا بما يشابهها «مخافة» الوالدين، لأنهما موجودان نيابة عن الله. ولا يعني هذا بطبيعة الحال أن على الأطفال أن يخافوا من الله أو من والديهم. وإنما يعني أنه يجب عليهم وهم يكبرون أن يتعلموا التغلب على الاستقلالية الأنانية الموروثة بالولادة والخضوع للآخرين عندما تستدعي الحاجة.
إلا أنه لو تحقق الاحترام بوسائل متسلطة ومهيمنة، فسوف ينتج عنها غضب وتمرد. فالأطفال عوضا عن ذلك يجب أن يخضعوا طوعيا للسلطة الوالدية المولودة من المحبة والوقار. ويتطلب هذا جهدا. فلن يتعلم الأطفال على الاحترام بدفعة واحدة وإنما تدريجيا، بالإضافة إلى أنه يجب رعايته في جو من المحبة والثقة.
ولما كان الاحترام عنصرا أساسيا في كل علاقة سليمة، صار من الضروري جدا البدء بتعليم الأطفال على الاحترام في عمر مبكر جدا. ّ ويجب أن يترسخ في خلال السنوات الأربع الأولى، وفقا لما رأيته من تجارب. ففي أغلب الأسر التي لديها أطفال صغار تقع مسؤولية تعليم الاحترام على عاتق الأم لكونها على الأرجح في البيت أثناء النهار. وبالتأكيد، يجب على الزوج أن يدعم زوجته دائما، لكن لابد للزوجة أيضا أن تؤسس سلطة والدية خاصة لها كأم؛ وإلا لن يطيعها أطفالها عندما تكون وحدها.
وفي بعض الأحيان يكون هذا الأمر سهلا: إما بتوجيه الطفل بكلمة لطيفة، وإما بمناشدة المحبة الفطرية التي في داخله، لكن من ناحية أخرى، يتطلب الأمر في بعض المرات صاعا. فيكون حينئذ من الضروري جدا خوض المعركة في هذا الصراع والفوز بها. أما ظاهرة عدم الاحترام عند الأطفال الصغار فيبدو أن معالجتها ممكنة – فيمكنك دائما استخدام أسلوب «أخرج خارج الغرفة» كقصاص لهم لغاية أن يسمعوا الكلام – لكن معالجتها عند المراهقين تكلّف نزاعا مريرا. وبالرغم من كل شيء، فلو بدت المعركة أمر لابد منه، فيجب مواجهتها وجها لوجه والقتال حتى النهاية.
ومع ذلك، فلابد للاحترام من أن يُكسب بالمودة وليس بالمطالبة به فقط. فعندما يفتقر الأطفال إلى الاحترام للكبار، فإنه عادة ما يرجع السبب إلى أن الكبار انفسهم يفتقرون في حياتهم إلى الاحترام لأطفالهم. فإن موقفك المتصلّب لفرض السلطة الوالدية سوف يأتي بنتائج عكسية حتى لو كنت تشعر بأنك تستحق احترام الطفل لك. ّ فسوف تتضرر علاقتك مع ولدك على المدى البعيد، ولن تحصد شيئا سوى تصلّب قلبه.
فقد كان لدى والدي شعور قوي بوجوب ترسخ السلطة الوالدية بالمحبة، فقد قال: «لو كنا نحن كآباء نحب الله من كل قلوبنا ومن كل نفوسنا لحصل أولادنا على توقي سليم نحونا، وحصلنا بالمقابل على توقي ّ نحو أولادنا ونحو ذلك السر العجيب عن كيفية تكوين الطفل في أحشاء أمه ومن ثم يولد ليصبح طفلا. فتوقي الروح القدس الذي يحيا ويتحرك بين الوالدين والطفل هو العنصر الأساسي للحياة الأسرية الحقيقية»
ويقول يسوع المسيح: «لَيس لأَحد ُحب أَعظم ِمن أَن يَبذل نَفَسه في سبيل احبَّائِه». (الإنجيل، يوحنا ) فينبغي أن يسي الوالد أسرته بمثل هذه المحبة وهذا الاحترام، ويجب أن يكون على استعداد للموت من أجل زوجته وأولاده. وسوف تنعكس مواقف الوالد المُ ِحبّة على الأولاد فيتباركون بها ويقومون بدورهم بإكرامه وإكرام والدتهم تلقائيا.
يتوقف كل شيء في حياة الطفل على احترام الأب والأم. فمثل هذا الموقف يولّد احترام الإنسان لذاته بالإضافة إلى احترامه للآخرين، والذي بدوره سيأخذ الطفل إلى خدمة الله والبشر.
اسمع يا ابني تأديب أبيك، ولا ترفض شريعة أمك، لأنهما إكليل نعمة لرأسك، وقلائد لعنقك.
في زماننا المعاصر الذي صار فيه الناس ينظرون إلى موضوع التأديب بشتى أنواعه وكأنه اعتداء على الأطفال، كانت النتيجة أننا أصبحنا نميل بسرعة إلى إلغاء موضوع التأديب بأشمله وأن نتغاضى عن تحذير الكتاب المقدس لنا من مغبة ترك العصا الذي يؤدي إلى تخريب وإفساد الطفل كما ورد في سفر الأمثال. غي أننا حتى لو كنا نرفض العقوبة البدنية، كما أرفضها أنا أيضا، إلا أننا ومع ذلك يمكننا الحصول على النصائح التربوية في الآيات التي تتكلم عن التأديب بمعناه العام.
ولو علم الأطفال بأن في وسعهم أن يفعلوا أي شيء غي صحيح من دون أية تبعات أو محاسبة من جانب أولياء الأمور، فسوف يتعلمون درسا سيئا ويفسدون. وقد تكون سيئات الأطفال صغية عندما يكونون صغارا، لكن لو لم تتم مجابهتهم ومحاسبتهم آنذاك، فسوف تؤدي إلى سلوك أسوأ بكثي في المستقبل. لذلك نرى أن الطفل الذي بعمر ست سنوات الذي لم تجر محاسبته على اختلاس حفنة من الدراهم من خزانة والديه على سبيل المثال فسوف يسرق على الأرجح من المحلات التجارية عندما يصبح بعمر ست عشرة سنة. غي أن التأديب يعني أكثر من مجرد ضبط الأطفال وهم يتلبسون بالسيئات، كما أنه لا يعني قمع إرادتهم وترجيح إرادتنا. فهو يعني إرشادهم ومخاطبة ضمائرهم لاختيار الصح بدلا من الخطأ. ويعني أيضا تعليمهم على فضيلة نكران الذات باعتبارها شيمة نفيسة، بدلا من استخدام أسلوب عقوبة الحرمان القديمة. أن التأديب المؤثر يبدأ منذ الصغر. ففي الأشهر الأولى، يكتشف الأطفال الرضع أن بكاءهم يجذب الانتباه والاهتمام لهم. فالأم التي تستجيب لكل بكاء وعويل تكون قد خسرت المعركة سلفا. وبطبيعة الحال يحتاج جميع الأطفال إلى تهدئة لكنهم لا يحتاجون إلى رفعهم وحملهم عند كل مرة يبكون فيها. فلو لم يتعلموا نكران الذات في السنوات المبكرة، فمتى سيتعلمونه؟
أن رفع أو حضن أو حمل الطفل عنوة وباستمرار وبعكس إرادته تزعجه وتضايقه في أغلب الأحيان. غي أن الآباء والأمهات الذين يفضلون الراحة على بذل جهود التأديب التربوي سوف يرون ِ أن أطفالهم على المدى البعيد سوف يصبحون متعبين أكثر بكثي من السابق. ومما لا شك فيه أن جميع الأطفال يعاندون في البداية ويقاومون الانصياع للوالدين، لكنهم في النهاية سوف يتحسنون َّ عندما يتأقلمون على روتين معين يرسمه لهم أهلهم. فكيف يتأدب
الطفل إذن؟ أن انتهار الأولاد وزجرهم باستمرار والتشكي الدائم ّ منهم غالبا ما يزيد من حدة خصلة قلة الصبر والتضجر والغضب، بالأخص عندما يكون التوبيخ في حالات طفيفة من الطيش الصبياني، ٍ وبالتالي ينتهي الأمر بكل من الأهل والأولاد بجدال حام من الصياح والصراخ. وعلى المنوال نفسه، فعندما يحاول الوالدين أن يشرحوا لأولادهم ويدافعوا عن سبب كل إجراء يتخذونه فسوف ينهك الوالدان بالنهاية ولا يكونان واثقين من نفسيهما.
فبدلا من كل ذلك، ينبغي على الآباء اختيار الأفعال وليس الكلام والحكي. فهناك أسلوب من أبسط أشكال التأديب التربوي وهو أسلوب «اخرج من الغرفة» – الذي يعني إرسال الطفل الذي أساء التصرف إلى غرفة أخرى لبضع دقائق. فالطفل الذي يعاقَب بهذه الطريقة يشعر بالملل أو الوحدة ويرغب في العودة من أجل اللعب؛ وعندما يهدأ هو أو هي، فلابد من مسامحة ما جرى وقلب صفحة جديدة لتستمر الحياة.
أما العقوبة البدنية فلا مكان لها هنا. وقد أطلق عليها جدي، الذي كان تربويا، تسمية «إعلان الإفلاس الأخلاقي»، ورأى أنها ليست مؤذية فحسب بل لا تجدي نفعا أيضا. والسبب هو أن التأديب التربوي لن يكون مؤثرا ومثمرا ما لم تصاحبه المحبة. فمن دون حرارة قلب وحنان، ومن دون احترام، فإن أي شكل من أشكال التأديب التربوي سوف يؤدي إلى التمرد عاجلا أو آجلا.
لذلك فالتأديب التربوي السليم يعتمد على الثقة بين الوالد والطفل أو الوالدة والطفل. وأشكر الله على أنني مع إخوتي كان لنا مثل هذه العلاقة مع والدينا. وعندما كنت في الثامن من العمر، أغضبت مرة والدي كثيا لدرجة انه شعر انه بحاجة لمعاقبتي بشدة. وبينما كان هو على وشك أن يصفعني، نظرت إليه وقلت له: «بابا، أنا آسف. افعل ما يجب أن تفعله. لكنني أعلم أنك ما تزال تحبني».
ولدهشتي، انحنى أبي نحوي وعانقني وقال: «يا بني، سامحتك». فقد ّ جردته كلماتي من الغضب كليا. وقد علمتني تلك الحادثة درسا لن أنساه أبدا وهو كالآتي: لا تخافوا من تأديب أطفالكم، لكن في اللحظة التي تشعرون فيها بالندم من جانبهم، يجب عليكم أن تسامحوهم.
والموضوع المهم الآخر هو توافق وانسجام المواقف لدى الوالدين فله دور رئيسي أيضا. فلو لم تتفق مع زوجتك (أو لم تتفقي مع زوجك) في كيفية التعامل مع أحد المواقف، فلا تتناقشا فيه أمام أطفالكما – وإلا تراهم سوف يبدؤون على الفور بالتلاعب بكما ّ ويجعلون أحدكما ضد الآخر. ولا تغيا أسلوبكما لمجرد أن غرفة َ المعيشة مليئة بالضيوف، لكن ع َّضا الشفاه ولا تتفوها بأية كلمة واصبرا وتصرفا بصورة طبيعية، وقوما بما يجب عليكما القيام به من ضيافة؛ وعلى أية حال، ينبغي عليكما التعامل مع مشكلة طفلكما بعد ذهاب الضيوف، لأن علاقتكما مع طفلكما على المدى البعيد أهم بكثي من الانطباع الجيد الذي تسعيان إلى أن تقدمانه للآخرين.
ولا يمكننا أن نتوقع من الأطفال أن يطيعوا كل أوامرنا بلا تردد ومن دون أية تساؤلات، فقد يكون من الضروري أن نشرح لهم بعض الأشياء. وينبغي على الطفل، بصورة عامة، أن لا يكون له أي خيار سوى الطاعة. ولو حصل أي خلاف مباشر، لتحتم عليكما كوالدين أن تنتصرا. فالشيء الرئيسي هو أنكما كوالدين يجب أن تكونا من يضع الحدود للتصرفات والسلوك ولا تدعا أطفالكما يضعونها لكما. فلو تمكنتما من إلزامهم بإطاعة حدود السلوك بشكل حازم وبمحبة، لتمكنوا عاجلا أو آجلا من وضع حدود لسلوكهم بأنفسهم.
ومهما كان عدد المرات التي تحتاجانها لتأديب أطفالكما، فلا تُذلا َّ هم أو تَ ُحطَّا من قدرهم أبدا. ولا تتكلما عن نقاط ضعفهم أو عن أخطائهم ومساوئهم أمام غيكما من الكبار، ولا تقارناهم أبدا مع غيهم من الأطفال. ومن السهل جدا أن يصف المرء الطفل ِ بأنه طفل «متعب»، لكن عمره ما كان هذا الأمر صحيحا ولا عادلا.
ويجب علينا أن نفعل مثلما يفعل الأطفال، وهو أن لا نسامح الأخطاء التي فعلوها قبل ساعة أو قبل يوم فحسب بل أيضا أن ننساها كليا، ونقلب صفحة جديدة في كل يوم. ويجب علينا أن نؤمن بالهدف الإيجابي للتأديب التربوي، مثلما يقول سفر الأمثال في الكتاب المقدس فصل 19عدد 18ببلاغة كبية: «أدب َ ابنك َّ لأن هناك َ أملاً ِفي أن يَتَغير»








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القناة 12 الإسرائيلية: اجتماع أمني تشهده وزارة الدفاع حاليا


.. القسام تعلن تفجير فتحتي نفقين في قوات الهندسة الإسرائيلية




.. وكالة إيرانية: الدفاع الجوي أسقط ثلاث مسيرات صغيرة في أجواء


.. لقطات درون تظهر أدخنة متصادة من غابات موريلوس بعد اشتعال الن




.. موقع Flightradar24 يظهر تحويل الطائرات لمسارها بعيداً عن إير