الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قانون مجلس الأعمار: ملاحظات

أحمد إبريهي علي

2019 / 10 / 1
دراسات وابحاث قانونية


قانون مجلس الأعمار: ملاحظات
يوم 17 أيلول من عام 2019 وافق مجلس الوزراء على مشروع قانون مجلس الأعمار ورفعه الى مجلس النواب لأقراره. ويحظى القانون بدعم واسع لدى الأوساط المهتمة بالتنمية ومعالجة مشكلات عجز البنى التحتية. وورد أيضا ان الجهات المعنية إستشارت " العديد من الخبراء والكفاءات" لأعداد الصيغة المعروضة على السلطة التشريعية. لكن إقرار القانون المقترح، كما أرى، سيكون من الأخطاء غير المبررة. والذي ابينه في هذه المذكرة منه حقائق وقائعية وأخرى تستند الى معايير متعارف عليها في إدارة المالية العامة والأستثمار الحكومي إضافة على وجهات نظر لما ارى انه الأفضل. إن جميع الأهداف والوسائل التي تضمنها القانون لا تتطلب إستحداث "مجلس الأعمار" والذي يختلف تماما عن مجلس الأعمار في العهد الملكي لأن الأخير سلطة عليا لمنهاح الأعمار وهو منهاج الأستثمار الحكومي الذي تديره وزارة التخطيط في العهد الجمهوري. والتشريع المقترح، في حالة إقراره، يناقض مبادئ أساسية في المالية العامة وإدارة الأستثمار الحكومي.
القسم الأول:
ولنبدأ من الأحكام الختامية للقانون فقد ورد في المادة (31) "يُلغى قانون مجلس الأعمار ووزارة الأعمار رقم (27) لسنة 1953"!. لقد الغيت وزارة الأعمار عام 1959 واستحدثت وزارة التخطيط بدلها، وحتما أن الألغاء والأستحداث جاء بقانون، وإلاّ هل يعقل ان وزارة الأعمار لا زالت، من الناحية القانونية، موجودة في السلطة التنفيذية لكن الحكومات المتعاقبة قررت تغييبها بخلاف القانون.
وفي قانون السلطة التنفيذية رقم 74 لسنة 1959 في المادة التاسعة إستحدث مجلس التخطيط بدلا من مجلس الأعمار، وانتقلت سكرتارية مجلس الأعمار الى مجلس التخطيط. وفيما بعد شرع قانون لمجلس التخطيط وجرت عليه سلسلة من التعديلات. المهم ليس " الغاء قانون وزارة الأعمار ومجلس الأعمار" لكن الخلفية الفكرية للقانون الجديد. إذ يبدو من النص كما لو إن الدولة العراقية إنقطعت عن مزاولة الوظائف التي إستحدث مجلس الأعمار من أجلها ثم عادت إليها نهاية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين. مجلس الأعمار، ووزارة الأعمار، إشتغلا على الأستثمار الحكومي وهو موجود في كل الدول ، على الأطلاق، ومنها العراق وهذه أمور لا يجادل فيها العقلاء، كل ما في الأمر ان التسمية تغيرت المنهاج الأستثماري أو الموازنة الأستثمارية ... بدلا من منهاج الأعمار.
كما ان المشرع يريد التأسيس على مجلس الأعمار ووزارة الأعمار وليس على مجلس التخطيط ،أو الجهة التي أخذت صلاحياته، ووزارة التخطيط. وأخشى، ولهذه الخشية أساس، من تصور المشرع ان عمل محلس الأعمار ومنهاج الأعمار يختلف عن المنهاج الأستثماري. في حين ان منهاج الأعمار هو ذاته المنهاج الأستثماري والأستمرارية مؤكدة. ان مشاريع الأعمار إستمرت في العهد الجمهوري ولا تختلف التعليمات والصلاحيات، ومنهجية العمل، في الجوهر عما كانت عليه. والتزامات ومهام مجلس ووزارة الأعمار انتقلت الى مجلس ووزارة التخطيط. وأذكر جيدا ان وزارة التخطيط كانت تحتفظ حتى بتسجيلات صوتية لوقائع مجلس الأعمار لأن وزارة التخطيط هي الجهاز الفني لمجلس التخطيط وسكرتارية مجلس التخطيط، أخذت مهام سكرتارية مجلس الأعمار المرتبطة بديوان مجلس التخطيط وهي من دوائر وزارة التخطيط.
لقد أرسلت الى زملائي قبل مدة وثيقة هي الدراسة التي أعدها فريق البنك الدولي وسلمها لرئيس الوزراء عام 1952 وعنوانها التنمية الأقتصادية في العراق. وتناولت الوثيقة دراسة إقتصادية شاملة للعراق، آنذاك كان البنك الدولي يؤيد التنمية الأقتصادية بحماس ... إختلفت الأمور، والوثيقة أشارت في أكثر من مكان لمنهج أو منهاج الأعمار Development Programme أنذاك كانت التنمية تسمى إعمار، هي لغة لا أكثر ولا أقل. فالمقصود بمجلس الأعمار هو مجلس التنمية ومنهاج الأعمار منهاج التنمية. وفي العهد الجمهوري وجدوا ان منهاج الأعمار هو في الواقع منهاج إستثماري فسمي هكذا، وأرادوا التخطيط للتنمية فصارت تسمية مجلس الأعمار مجلس التخطيط. ومجلس الأعمار ايضا يخطط. والدراسة المشار اليها إقترحت برنامجا للتنمية " الأعمار" لمدة عشر سنوات بناء على طلب الحكومة.والتأسيس لا يكون على التسميات بل على المضمون. ماذا يقصد السابقون بالعمران ... تطور، تحضر، تنمية الإقتصاد ... وهكذا هي لغة.
في العهد الجمهوري صدرت الخطة الأقتصادية المؤقتة 1959- 1961 لتواصل العمل على مشاريع مجلس الأعمار وتضيف عليها. وفي عام 1961 الغيت الخطة المؤقتة،وصدرت الخطة الخمسية 1961-1962 الى 1965-1966 وقبل نهاية مدتها صدرت الخطة 1965- 1969 وهذه قوانين يمكن الرجوع اليها. والخطة التي صدرت عام 1961 تشير بالتفصيل الى وزارة التخطيط ومجلس التخطيط، وتذكر في نصوصها أيضا مجلس الأعمار الملغي ، أي تؤكد إلغاءه وهي قانون. وما بعد 1969 هو تاريخ قريب معروف للعديد من الأحياء والقراء. وحسب قناعتي ان الخطة 1965 – 1969 هي أكمل خطة من الناحية الفنية بل هي متفوقة حتى بالمستوى العالمي وقد بينت هذا في دراسة أعددتها عام 1983 واعدت نشرها قبل مدة.
الأدارة الأقتصادية لم تختلف في العهد الجمهوري عما كانت عليه في العهد الملكي، وحتى في العهد الملكي ، قبل استحداث مجلس الأعمار كانت الأعمال التي إضطلع بها المجلس، فيما بعد، تنفذ على باب الأعمال العمرانية في الموازنة العامة. ومع مجلس الأعمار انتقل العراق الى نظام الموازنتين، جارية واستثمارية كانت تسمى الأعمار أي ان باب الأعمال العمرانية صار موازنة مستقلة، واستمر النظام في العهد الجمهوري، بموازنتين الأولى تديرها وزارة المالية والثانية وزارة التخطيط ، والحسابات تتولاها وزارة المالية للأنفاق الجاري والأستثماري على نحو مستقل. حصلت اختلافات في السياسة الأقتصادية في العهد الجمهوري عن الملكي ، وبعد عام 1964 منذ التأميمات توسع القطاع العام، وارتفعت إيرادات النفط كثيرا بعد تأميمه عام 1973 ثم ارتفاع الأسعار. لكن اجهزة الأدارة الأقتصادية والقوانين والصلاحيات والأساليب الفنية من الناحية الجوهرية لم تتغير وبقيت على حالها بعد عام 2003، لأن الأستثمار العام، والحكومي بالذات، وظيفة دائمة ومستمرة لكل الدول، فعندما يصدر تشريع جديد له صلة بالأستثمار الحكومي يتعامل ، تعديلا أو إلغاءأ مع التشريعات النافذة في زمنه أي القوانين والأنظمة والتعليمات الحاكمة للمالية العامة والأستثمار الحكومي الذي يسمى المنهاج الأستثماري. ونود التذكير ان المفردات العربية في الأدارة المالية والتخطيط والأستثمار في العهد الملكي مترجمة عن الأنكليزية لأن الوثائق التأسيسية كانت بهذه اللغة. ولهذا السبب يحصل إلتباس أحيانا لأختلاف ترجمة نفس المفردات بين الدوائر وعبر الزمن . ولذلك يتصور الكثير من المهتمين ان الأعمار الملكي هو غير الأستثمار الجمهوري؛ أو أن "الأعمار" من مزايا "الزمن الجميل" نريد إستعادته عام 2019.
وفيما يلي بعض المآخذ على مشروع القانون:
1- في الفقرة رابعا من المادة الأولى تمول مشاريع المجلس من " نسبة المجلس من الأيرادات المدرجة في الموازنة العامة أومن القطاع الخاص أو من كليهما..." . وفي المواد اللاحقة ينص القانون على تحويل تخصيصات المشاريع التي يديرها من الموازنة العامة اليه. ويتصور المشرع ثمة خطة بالمشاريع ويقال هذه تمول من الحكومة وتلك من القطاع الخاص وأخرى مختلطة ... وهكذا. مجلس الأعمار سلطة حكومية كيف لها ان تتصرف باموال القطاع الخاص؛ إذا أرادت الحكومة المشاركة مع القطاع الخاص في مشاريع فتستطيع مثل أي مستثمر، ويجري هذا بناءا على مقترح من الوزارة القطاعية ويأخذ طريقه الأعتيادي الى وزارة التخطيط ثم المالية وتدرج هذه المشاركات في الموازنة المالية العامة السنوية. وهل توجد موانع قانوية أعاقت مثل تلك المشاركات في الماضي، إن وجدت فعلا يمكن معالجة الأمر بسهولة. لماذا كانت الدولة غافلة عن هذه المسألة فاستيقضت فجأة للتعاون مع القطاع الخاص بهذه الطريقة بالذات.
2- وحول نسبة المجلس من إيرادات الموازنة ... ، وتحويل تخصيصات المشاريع اليه، هذا التعبير ينطوي على مشاكل جمة منها: سوف يتجزأ الأنفاق على المشاريع العامة بين المنهاج الأستثماري، وهو جزء من الموازنة تحكم إدارته إعدادا وتنفيذا ضوابط وتعليمات إستنادا الى القوانين النافذة، ومنهاج آخر أوكلت مهمته الى " مجلس الأعمار" يدار باستقلال. وهو تحول مربك لا يساعد على التطوير فعلا. فأما ان يلتزم العراق بالموازنة الموحدة او يعود الى نظام الموازنتين، جارية واستثمارية، كما كان معمولا به منذ مطلع الخمسينات وحتى عام 2003. التصرف بالأموال العامة عادة يكون من خلال الموازنة بالمصطلح المتعارف عليه بكل ما يتضمنه من ضوابط وتقاليد تعارفت عليها الحكومات. أما ان تقتطع أموال من الموازنة العامة وتدار بهذه الطريقة الغامضة فلا يمثل خطوة في ترصين البناء المؤسسي للدولة بل هروب من إستحقاقات إعادة البناء عبر إيجاد سلطة مالية موازية. كان الأفضل للحكومة التعامل مباشرة مع أوجه القصور والتقصير التي حالت دون ترصين إدارة البرنامج الأستثماري الحكومي وكرست معوقات تطوير البنى التجتية في العراق بدلا من هذا المجلس، وتوجد مقترحات محددة وعملية في هذا المجال لم تلتفت اليها الدوائر المعنية.
3- العودة الى البرنامج الأستثماري الحكومي وتطوير جميع الحلقات وضمان الأداء الكفوء والنزيه في إعداد وتنفيذ المشاريع العامة هو الضروري والذي لا غنى عنه. وليس النكوص عن المهمة المؤجلة باستحداث جهاز موازي.
4- ربما، وهو الأرجح، ان الحكومة أرادت معالجة الخلل في الدوائر والأقسام والشعب المسؤولة عن عقود المشاريع فاختارت هذه الطريقة. نعم كانت أكثر الخروقات وهدر الأموال العامة في التعاقد على تنفيذ المشاريع وعقود التجهيزات. وكان الأولى بالحكومة تحمل مسؤليتها في إعادة هيكلة تلك الدوائر جميعها نحو وحدات بديلة تؤسس على مبادئ جديدة. ماهي تلك الوحدات؟ وما هي تلك المبادئ؟ وكيف تؤسس؟ توجد أجوبة على هذه التساؤلات، أوعلى الأقل إن كانت الأجوبة المطروحة ليست مقنعة للحكومة تستطيع ان تتحرى غيرها مثلما إستشارت " العديد من الخبراء والكفاءات" في قانونها هذا.
5- أو لنقل ان الحكومة أرادت مركزة صلاحيات إدارة وتنفيذ المشاريع لأنها تعتقد بعدم كفاءة المستويات الوزارية والتي دونها، حسنا تستطيع ذلك ،بالتأكيد، دون الحاجة الى إستحداث جهاز جديد. ومن المعروف لموظفي الدولة في الدوائر المالية والهندسية ان الصلاحيات أصلا متدرجة فلماذا لم يستخدم مجلس الوزراء تلك الصلاحيات لوضع الأمور في نصابها، ليأتي بعد هذه المدة الطويلة مكتشفا الحل عبر إستحداث دائرة تتولى إدارة مشاريع مختارة. بينما الأفضل مراجعة آليات عمل الدوائر المختصة في الوزارات القطاعية ووزارتي التخطيط والمالية واللجنة الأقتصادية لمجلس الوزراء و الخبراء والمستشارين لأكتشاف مواطن الخلل وتصحيحه وتحميل هذه الجهات ومجلس الوزراء المسؤولية في كل الأحوال.
6- في الفصل الثاني المادة الثالثة أولا مما يقوم به المجلس " تهيئة وتصميم وتنفيذ وتسهيل وإدارة والأشراف على مشاريع المجلس وتحديد أولوياتها والتعاقد عليها وإحالتها الى التنفيذ والتشغيل مباشرة أو بالتنسيق ..." في هذا النص تعدى المجلس كونه سلطة مالية موازية بل أصبح دولة موازية. ماذا تعمل الوزارات القطاعية إذن، وهل سيتولى المجلس، مثلا، الدور المباشر في تشغيل محطات الكهرباء والمصافي ومصانع البتروكيمياويات ... والمدن الصناعية ... بعد إنجاز المشاريع. وبالأشارة الى رابعا، من المادة اولا، كيف يتحمل مسؤولية تشغيل شركات القطاع الخاص التي تؤسس على مشاريعه المدرجة في الموازنة المفترضة للمجلس والتي تمول بالكيفية المبينة آنفا ، وعلى الأغلب لا يقصد مجلس الوزراء ذلك لكن نصوص القانون هذا ما يفهم منها.
7- في نفس الفصل والمادة المهام الواردة من ثانيا الى تاسعا كلها واجبات فرضها الدستور والقوانين على مجلس الوزراء والوزارات ودوائر معروفة لماذا لا تؤدى بالأجهزة القائمة وهي كثيرة. ولا بد من الأيضاح بأية صفة يقوم المجلس بهذه المهام ، بديلا عن مجلس الوزراء أم بصفة استشارية إن كان بديلا عن مجلس الوزراء لماذا، وإذا بصفة إستشارية فما أكثرها دوائر التخطيط والدراسات ومراكز الأبحاث وهيئة المستشارين ووزارتي التخطيط والمالية ... وغيرها. الأفضل أن جميع وزارات ودوائر الدولة تؤدي واجباتها المنوطة بها بموجب تكليفها القانوني وصلاحياتها، وهوالمقصود بالأصلاج الذي وعدت به الأحزاب والحكومات وليس نفض اليد مما هو قائم والتعويل على مستحدث جديد. كانت الكثير من الأفكار المتداولة في دوائر القرار اوقريبا منها مع تشذيب وتهذيب، هنا وهناك، وليس التوسع الأفقي في قمة الهرم الأداري. المطلوب استيعاب منتسبي أجهزة الدولة، لكافة مستوياتها ووظائفها، وتشغيلهم بكفاءة أعلى وبعدد أقل من مناصب الدرجات الخاصة لتركيز الجهود والخبرات وتحديد المسؤولية. أما استحداث أجهزة ودوائر جديدة فهو مناقض لشعارات الأصلاح بالصميم.
8- الفصل الثالث، المادة الرابعة، تشكيلات المجلس: المدير التنفيذي بدرجة وزير وهو نائب رئيس المجلس الذي هو رئيس الوزراء. وأعضاء في المجلس ثلاثة وزراء، المالية والتخطيط والنفط وأمين عام مجلس الوزراء ، و" خمسة أعضاء من القطاع الخاص ...". على أي اساس من العرف أو التقليد أو المبادئ التي يُحتَكم اليها في الوظائف السيادية أن يكون في المجلس أعضاء من القطاع الخاص !، فالمجلس سلطة عليا وسياسية بطبيعته. فكيف يشارك أفراد من القطاع الخاص في هذه السلطة، هي حكومية بالتعريف. وهل يجوز لرئيس الوزراء إدارة مجلس نصف أعضائه من القطاع الخاص، وما معنى قراراته في هذه الحالة. يمكن ان يقال خبراء وحسب، أو أعضاء لا بشغلون عملا في الحكومة أو الأجهزة التابعة للدولة، أما تسميتهم من القطاع الخاص قطعا هذا لا يجوز، فضلا عن دلالاته الأخرى والتي تنطوي على الكثير من الأشكالات.
9- في نفس المسألة آنفا ، المدير التنفيذي بدرجة وزير، يرأس وزراء. عادة الوزير يرأسه نائب لرئيس الوزراء إن لم يكن رئيس الوزراء ، ويمكن أن يرأس الوزير وزراء آخرين بحكم الأختصاص، مثلا لجنة وزارية مختصة بشأن أصلا هو لوزارة المالية أو التخطيط في هذه الحالة يجوز لوزير المالية أو التخطيط رئاسة تلك اللجنة بحكم الأختصاص. أما موظف بدرجة وزير يرأس وزراء فهو خطأ، وربما يقال هذا إهتمام بالشكليات ومتى لم تكن الشكليات مهمة في الدولة. وأيضا المدير التنفيذي يعين من مجلس الوزراء ثم يصدر مرسوم جمهوري لأقرار التعيين، وهذا خطأ آخر كيف لشاغل موقع يرأس وزراء لا يصادق مجلس النواب على تعيينه. لماذا إذن الأنتخابات وما معنى الديمقراطية وهذا التطاحن بين الأحزاب.
القسم الثاني:
بموجب القانون المقترح تنتقل الى "مجلس الأعمار" جميع واجبات الدوائر المختصة بالأستثمار الحكومي وبصلاحيات أوسع للمشاريع التي يضطلع بها. ويتعين، عند احترام نصوص القانون، تشكيل دوائر جديدة متكاملة ما يضيف أعباءا مالية ليست ضرورية. في حين يحتاج العراق الى خفض تكاليف الأدارة الحكومية؛ والمنتظر من مجلس الوزراء المباشرة بتطوير كافة منظومات العمل على مفردات المنهاج الأستثماري بدلا من تأسيس نسخة أخرى للقيام بجزء من مهام المنهاج. ويركز القانون على المشاريع الكبرى، إن لم يقتصر عليها، لكن معالجة عجز البنى التحتية ليست دائما بمشاريع تكاليفها أكثر من 250 مليار دينار، بل أكثرها صغيرة: مدرسة؛ مركز صحي؛ ملحق لبناية جامعة؛ شبكة صرف صحي جزئية أو لمدينة صغيرة ؛ تعبيد طريق بكلفة لا تزيد عن 25 مليار دينار؛ دائرة حكومية؛ والبرامج الأستثمارية الكبرى تجزأ عادة مثل شبكات الأرواء والمبازل... وغيرها.
كان الأمل في الأهتمام بحقائق الواقع، والمبادرة بفحص حلقات الأستثمار الحكومي وتنظيفها من ركام السنين وسموم النزاع على المواقع والمكاسب والأدوار، ومعها دوائر عقود التجهيزات، وليس تشكيل حكومة موازية. إستحداث وحدات الرقابة الهندسية- الكلفوية على المشاريع وليس مجلس إعمار. تكوين شركات متكاملة هندسيا، إداريا، ماليا، ذات إمكانات كبيرة واضحة تنتشر على كافة محافظات العراق، شركات كببرى متخصصة في البناء والأنشاء وتطوير البنى التحتية. إثنان أو ثلاثة من هذه الشركات لبناء المدارس تتشرف بها الحكومة أمام شعبها وترضي الوجدان النزيه. واخرى مثلها للصرف الصحي؛ و للطرق والجسور ... وغيرها في بقية البنى التحتية، دون الأستجابة الى مقترحات مثل تشكيل مجلس إعمار.
في النفط والغاز، عماد الأقتصاد والموازنة والعملة الصعبة، تعمل على خفض التكاليف، تكاليف التطوير والأستخراج. تتأكد من تكاليف مشاريع الكهرباء وتصفية النفط والعديد من المشاريع التي انفقت عليها مبالغ طائلة. تتأكد لأكتشاف الخلل لأنه موجود وتصحّح وتُغّير وتُطوّر لبناء الثقة المفقودة. وليس استحداث مجلس إعمار، الا يكفي مجلس الوزراء ودوائره بهذه الضخامة ومن يضمن ان المجلس المستحدث الذي ينوب عن الوزارات والدوائر سيعمل بطريقة أفضل.
لماذا تركت الحكومة الشُعَب والأقسام والمديريات التي زاولت إعداد المشاريع ومواصفاتها وتصاميمها وإدارة تنفيذها وراحت تستحدث جهازا جديدا. بدلا من هذا المجلس كان الأولى تشكيل فرق عمل مؤهلة بشرف المقاصد وعلو الهمة تعمل مع الدوائر لأعادة تنظيمها ومنهجيات إدارة عمياتها، وعلى مستوى المديرية العامة لأنها الوحدة الأساسية لنظام الدولة، وليس هناك في قمة هرم السلطة، هذا هو الحل، وبخلاف العمل على بناء أجهزة دولة فعالة لا أمل في تنمية إقتصادية جادة.
المتوقع من وزارة التخطيط الحفاظ على وحدة نظام الأستثمار العام، هذا واجبها، لأنها مبدئيا مسؤولة عن تنمية الأقتصاد على المستوى الكلي، وإلاّ ما معنى خطة التنمية القومية، فلماذا ترضى أن تسلب منها أهم أدواتها المتمثلة بالبرنامج الأستثماري. وزارة المالية عادة تؤكد وحدة النظام المالي للدولة، ومبدئيا المطلوب منها الاّ توافق حتى على نظام الموازنتين ناهيك عن هذه الترتيبات الغامضة. لأن الدولة تعمل بمبدأ التدقيق والموازنة Check and Balance إلى جانب التخصص وتقسيم العمل. وزارة التخطيط لا تعترض على تجزئة المنهاج الأستثماري! ووزارة المالية المسؤولة عن التوازن المالي لا يهمها أن تؤخذ "نسبة من الأيرادات" وإضافة أخرى عليها كي يتصرف بها جهاز موازي للتخطيط والمالية ومجلس الوزراء وكثير من الدوائر الأخرى على ضخامة نفقاتها ودرجات مسؤوليها!.
ونستكمل في هذه القسم ملاحظات على بعض الفقرات:
1- في الفصل الرابع ، مهام المجلس، رابعا وخامسا: "توفير تمويل أو ضمانت تمويل أو تسهيلات مالية للمشاريع المشمولة بأحكامه بالتنسيق مع المؤسسات المالية العراقية والأجنبية"؛ " ... ضمان سيادي بموافقة مجلس الوزراء ". هذا يعني ان المجلس سوف يقترض لتمويل المشاريع وهي سياسة خطرة لأن وحدة إدارة الدين الحكومي ضرورية وتتولاها وزارة المالية. وهي ثغرة أخرى، يأخذ المجلس نسبة من الموازنة العامة ومخصصات المشاريع التي يريد تنفيذها من المنهاج الأستثماري ثم يقترض. إن عجز الموازنة العامة واضح وسوف يتسع في المستقبل القريب لأن السياسة التي تقود نحو حل جذري لم تبدأ بعد. والأقتراض يضيف مشكلات جمة. المفترض تركيز الحكومة على خفض التكاليف عموما والأقتراض يكون من خلال الموازنة العامة فقط.
2- يبدو ان المشكلة الأساسية لم تكن ضاغطة في الدوائر العليا، العجز المزدوج، في الموازنة العامة وميزان المدفوعات الخارجية، منه فعلي ومنه محتمل، ولغة قانون مجلس الأعمار واهتماماته بعيدة عن حل المشكلة.
3- في الواقع العملي لا توجد العديد من السبل للنهوض بالأقتصاد العراقي. وعلى الأغلب قد توجد رزمة سياسات واحدة ربما تؤدي الى نجاح، ولذلك يقتضي الواجب التحري المضني عن الحل. بين عامي 1980 و 2016 فقط ست دول نامية إستطاعت إجتياز عتبة 50% من متوسط الناتج المحلي الأمريكي للفرد، فلا يغركم هذا الأنشاء المرسل، فالمهمة في غاية الصعوبة، ولا بد من الأنتباه جيدا لخطورة إقصاء الراي آلآخر، على قصد أو دونه، فقد يكون في هذا الرأي المزعج، وهو عادة لا يأتي من ذوي الصلة الوثيقة بدوائر القرار، خير للعراق وشعبه.
4- في المادة الثامنة من الفصل الرابع " للمجلس صلاحيات هيئة الأستثمار الوطنية ..." وهيئة الأستثمار الوطنية باقية؛ وقد أخذ المجلس، أيضا، الصلاحيات المتعلققة بالمنهاج الأستثماري لجميع مراحل إعداد وتنفيذ المشاريع وأضاف اليها تشغيلها، في تعريف الأهداف. الأفضل إدماج هيئة الأستثمار بوزارة التخطيط وتطوير جذري لنظام المنهاج الأستثماري وتقوية وزارة التخطيط وإجراءات أخرى معروفة... وهكذا. المشكلة ان المسؤولين في غالبيتهم ومستشاريهم ومساعديهم بدأوا عملهم في مواقع القيادة العليا وتصوراتهم عن عمل دوائر الدولة وإدارة عملياتها إسطورية.
5- في الفصل العاشر، المادة العاشرة، سادسا : " توزع أرباح الأسهم المملوكة للمجلس في مشاريعه للمواطنين... وخلال مدة ..."، وفي 19 من الفصل الخامس " توزع الأرباح المتحققة من مشاريع المجلس على المواطنين العراقيين وفقا لنظام يصدره المجلس". هي ارباح لمنشآت عامة تعامل مثل غيرها، لماذا هذا الأستثناء. ثم هل ان أموال الموازنة العامة ليست للمواطنين!!. وكم ستكون هذه الأرباح في تقدير المشرع، وأغلبها على الظاهر بنى تحتية تقدم خدماتها مجانا لكل الناس، اما التي تبيع سلعا وخدمات على اسس تجارية لنفترض ان مجموع رأسمالها أصبح 20 مليار دولار بعد عشر سنوات، وليكن العائد على راس المال 15%، فماذا يعني توزيع ثلاثة مليار دولار على 50 مليون مواطن. وايضا، اين وحدة النظام المالي، والضبط المالي، وأين وزارة المالية من هذا كله.
6- في سابعا لنفس الفصل والمادة ذكر القانون أساليب للتعاقد " اسلوب التشييد والتشغيل ونقل الملكية( BOT) او اسلوب التشييد والتملك والتشغيل ونقل الملكية (BOOT )"، تفترض تلك العقود ان المشاريع تؤسس أنشطة تبيع خدماتها للمواطنين لأسترداد نفقاتها والعوائد المطلوبة على راس المال من تلك الأيرادات، مدة الأمتياز، وفي النهاية تعود للدولة. وفي المشاريع التي تقدم خدماتها مجانا تدفع الدولة الى صاحب المشروع مبالغ يتفق عليها للانتفاع من خدمات المشروع، في مثل هذه الحالة يكون التعاقد مكافئا لأقتراض بعيد الأمد يسدد عبر المدفوعات السنوية، الأيجار، او اقيام الخدمات المقدمة للمنتفعين مجانا. والأفضل، ايضا، ان تندرج هذه في قوام الأدارة الأقتصادية والمالية الأعتيادية دون أن توكل لتدابير استثنائية. نعم، يقال ان الوزارات والدوائر تتردد، لا تريد تحمل مسؤولية تعاقدات من هذا الطراز، الحل بسيط، يشارك مجلس الوزراء الدوائر المعنية هذه المسؤولية. او يخشى مجلس الوزراء خروقات الفساد لنعود الى نقطة البدء ولماذا الهروب من مهمة إغلاق منافذ الفساد في دوائر وإجراءات التعاقد عبر إعادة الهيكلة.
7- المادة 13، ثالثا، " يدير كل مكتب ... مدير ذو خبرة وكفاءة عاليتين بمستويات عالمية وإجادة إحدى اللغات الحية... " والمقصود بهذا خريجي الجامعات الأجنبية وعندما تضاف الخبرة الى الكفاءة بمستويات عالمية فهم عادة، الذين لديهم تجربة عمل، مدّعاة، في مكان آخر من العالم فهي خبرة "عالمية" ... وفي عصرنا هذا ثمة مقاييس للرصانة المهنية هي التي تُعتمد دون التحيز الثقافي المسبق لأنه معيب. فلا توجد هندسة عراقية وأخرى عالمية او فيزياء أو محاسبة عراقية وأخرى دولية. من الضروري التحرر من الأحكام المسبقة وأن تأخذ المعايير المستقلة، عن التحيز الذاتي والنشأة الثقافية، مجراها. ان التحيز يضيّع على الأنسان فرص الوصول الى الحقيقة، إن كانت هي ما يبتغيه. ويتكرر هذا المنحى في سابعا من المادة 14 " إعتماد أنظمة عالمية رصينة لقياس الأداء والتعاقد مع الجهات المختصة بالتقويم والتحقق والتحقيق من غير الجهات الرسمية" هذه المقصود بها أيضا جهات أجنبية. وفي ثانيا من المادة 17 " للمجلس الأستعانة بشركات محاسبة وتدقيق عالمية ... وهكذا. التنمية ليست تكديس كونكريت على الأرض، إنما الأرتقاء بالمهنية العراقية، وتكوين شركات ومنظمات ودوائر عراقية تنهض بالعراق، التطور لا يشترى من الأجانب لأن المجتمع هو الذي يتطور، أما الحفاظ على صورة المجتمع المسكين يشتري التنمية من الأجانب بدولارات النفط، هذه مشكلة كبيرة.
المادة 14 ، خامسا إعداد موازنة إستثمارية لأدراجها ضمن الموازنة العامة، وهذه تحتاج تنسيق مع المادة الأولى رابعا. وفي خامسا من المادة 14 إعداد موازنة تشغيلية، وحسب، دون الأشارة الى الموازنة العامة.
8- إختصت المواد 22 و 23 من الأحكام الختامية بتهيئة الأرض لمشاريع المجلس بلهجة حازمة، ومشكلة الأرض تعترض اغلب المشاريع الأستثمارية. والمطلوب إنهاء هذه المشكلة جذريا، وليس لمشاريع المجلس فقط. ثمة حاجة ماسة لقواعد عامة تحكم استخدام الأرض والتصرف بالأرض الحكومية. وتلك مشكلة قديمة ومؤجلة، مثل هذا الحماس من مجلس الوزراء مطلوب لجميع مشاريع المنهاج الأستثماري. وايضا، لقد تأخرت الجهات المعنية عن إعادة تصميم المدن ضمن نطاق توسعها المحتمل لأستيعاب الواقع القائم ومعالجة ما لا يمكن استيعابه. إن إعادة التصاميم والتسوية العادلة للتجاوز على حقوق الملكية ضرورية، إلى جانب إنصاف الضعفاء وحل مشكلة السكن للفقراء هذه متلازمات. ومن الممكن وخلال مدة لا تزيد على سنتين إعادة تصميم المدن وانهاء التجاوزات بعقلانية وعدالة. والحرص على كل ما هو مشيد على الأرض لأنه ثروة وطنية، ولا بد من المبادرة بتكييف القوانين والضوابط لأجل المعالجة العادلة والحريصة على المصلحة العامة. لا تزال العديد من دوائر الحكومة وكأنها روبوتات تشتغل على برامج قديمة لم تتغير من عشرات السنين. والحل ليس تركها على حالها ويناء مدينة فاضلة على جزء من الدولة، هذه الأنتقائية ليست لمجلس الوزراء.
الأسباب الموجبة للقانون هي واجبات الحكومة والوزارات المركزية، التخطيط والمالية، والوزارات القطاعية. وان وجد مجلس الوزراء عدم استطاعته فعلا المباشرة بمعالجة الخلل في أجهزة الدولة كي تؤدي واجباتها، فالحل لا يكون في "مجلس الأعمار". المطلوب إعادة تنظيم أجهزة الدولة للأرتقاء بالأداء . وإذا كانت قناعة مجلس الوزراء انه لا يستطيع إدارة الأستثمار الحكومي بالترتيبات الحالية فيمكنه تشذيب دوائره بما في ذلك اللجنة الأقتصادية، وإذا تيقن فعلا من وجوب استحداث آليات عمل جديدة فلتكن لكل البرنامج الأستثماري، ووفق تراتبية السلطة التنفيذية ذاتها ، وليس عبر سلطة موازية. وأشهد ان إعادة العمل بنظام مجلس التخطيط وهيئته التوجيهية أفضل بكثير من " مجلس الأعمار" ،إذا تأكدت الحاجة، عند الحكومة ومجلس النواب، الى منظومة إضافية، ولا أرى حاجة لذلك . كما يمكن استثناء مشاريع معينة من ضوابط وتعليمات التنفيذ، أو مركزة بعض الصلاحيات. أما هذا المجلس فلا ينفع في إصلاح ولا يحقق للحكومة مكاسب سياسية سوى لمدة قصيرة، لأن الناس إعتادت على الأنبهار باللغة والتعلق بالأوهام، والتي سرعان ماتزول و صافي النتيجة فقدان الثقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تواصل الاستعدادات لاقتحام رفح.. هل أصبحت خطة إجلاء ا


.. احتجوا على عقد مع إسرائيل.. اعتقالات تطال موظفين في غوغل




.. -فيتو- أميركي يترصد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة | #رادار


.. مؤتمر صحفي مشترك لوزيري خارجية الأردن ومالطا والمفوض العام ل




.. ليبيا - الأمم المتحدة: بعد استقالة باتيلي.. من خذل من؟