الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كان و ما زال العالم يحتاج الى الاطفال

محمد برازي
(Mohamed Brazi)

2019 / 10 / 2
التربية والتعليم والبحث العلمي


لو لم يكن لدينا تواصل مع الأطفال لأصبحنا مجرد مكائن للأكل وكسب الأموال. جون أبدايك
إنّ صرخة المولود الجديد تلمس القلب. إذ تقول: «أحبِبني. ساعدني. اِحمِني.» ونحن البالغين نحسب أنفسنا كمساعدين وحماة لهم. غير أنني كلما فكرت أكثر في الموضوع زادت قناعتي بأننا نحتاج إلى الأطفال أكثر من حاجتهم إلينا.
ويخبرنا الاختصاصيون أن الاكتظاظ السكاني يدمّر الأرض. أما أنا فلا أتفق معهم في هذا: إنّ ما يدمّر كوكب الأرض هو الجشع والأنانية وليس الأطفال. لأن الأطفال يولدون كمعطاءين وليسوا كآخذين. ولو كان عندنا شيئا من الحكمة لرؤية الحقّ الذي يجلبونه معهم إلينا، لأدركنا أنهم بالحقيقة يولدون أيضا كمعلمين لنا. وبالرغم من تعقيدات حياتنا – نحن الكبار – فيجب علينا أن نخصص وقتا لاستيعاب الدروس التي لا يُعلِّمها لنا سوى الأطفال.
أما الأطفال فيطالبوننا بالأمانة والبساطة. ويتوقعون منا أن يتطابق كلامنا مع أفعالنا. وبالرغم من أنهم يغضبون بسرعة إلا أنهم يسامحون بالسرعة نفسها، مقدمين للآخرين العطية العظيمة لبداية جديدة وفرصة جديدة. ولديهم إحساس قوي بالعدالة والإنصاف. ثم إنهم ينظرون إلى كل شيء بعيون جديدة، فيلفتون انتباهنا إلى جمال الطبيعة الرائعة التي من حولنا.
وفي أثناء ذلك، يجري تسليم قواعد وتوجيهات حكومية جديدة وغير مجرّبة إلى المعلمين والطلاب تهدد بدورها الأصالة الطفولية لطبيعة الأطفال وأيضا قابلياتهم. أما أصوات من يعارض تلك المقررات فنادرا ما تصل إلى مسامع صانعيها من السياسيين.
وفي أثناء ذلك، يجري تسليم قواعد وتوجيهات حكومية جديدة وغير مجرّبة إلى المعلمين والطلاب تهدد بدورها الأصالة الطفولية لطبيعة الأطفال وأيضا قابلياتهم. أما أصوات من يعارض تلك المقررات فنادرا ما تصل إلى مسامع صانعيها من السياسيين. الناس قائمة من مخاوف مماثلة وهي كالآتي: كثرة الوقت الذي يقضيه الأطفال في مشاهدة التلفزيون والإنترنت والألعاب الإلكترونية والموبايل، وكثرة تعرضهم للأفلام الجنسية الإباحية وللعنف، وافتقارهم إلى الوقت الأسري والحياة الأسرية وإلى وجبات الطعام الأسرية وحلول ظاهرة الأكل الانفرادي على عجل وكيفما اتفق، والإجهاد الناجم عن طموحات التفوق الأكاديمي، وقلة اهتمام الأطفال بقضاء بعض الوقت في حب الاستطلاع لما هو خارج الغرفة مثل اللعب في ملاعب الأطفال أو استكشاف الطبيعة أو زيارة الجيران وما شابه ذلك. غير أنني عندما كنت أسألهم فيما إذا كان لديهم أية أفكار بشأن الكيفية التي يمكن بها معالجة هذه القضايا، فكل واحد منهم كنت أكلمه كان يهزّ أكتافه باستياء وكأنه مغلوب على أمره وليس في يده أية حيلة.
قد يبدو الاستسلام ردّا مفهوما لهذه الشرور المتشابكة، لكنه ليس الردّ الوحيد. فلو بدت كل هذه المخاوف كبيرة جدا للتعامل معها في آن واحد، فيمكن لكل واحد منا أن يبدأ على الأقل برعاية الأطفال الذين نقابلهم كل يوم.
لقد رأينا لدى بعض الشعوب الأكثر فقرا في العالم أن الأطفال بالنسبة إليهم يُعتبرون كنزا وطنيا. فكان الأطفال يمثلون مستقبل الحضارة بأكملها وليس مجرد ورثة للقب الأسرة. وكان لدى القرى حتى الأكثرها حرمانا مدرسة في موقع مركزي للقرية، تم إنشاءها بجهود جماعية لمجتمع القرية وبما تيسر لهم من تجميع مواد قليلة بجهود جهيدة.
وكلما كنا نعود إلى أمريكا كنا نصطدم بالفارق الثقافي. وبالرغم من أن العالم الغربي مدجّج بالمال، غير أن مراكز رعاية الأطفال والمدارس فيه لا يدخلها سوى قلة من الأطفال نسبيا. فهل تُعتبر أماكن التعليم مركز حياة المجتمع عندنا؟ وهل يُعتبر الأطفال كنزا وطنيا لدينا؟ فمن حيث إنهم سيصبحون من ذوي الدخل في المستقبل وستكون لديهم قوة شرائية، فالجواب: نعم، لكن هل يُنظر إلى كل فرد من الأطفال على أنه إنسان فريد بحد ذاته وتنعقد الآمال عليه لتجديد الحضارة؟ فالجواب: لا، ليس كثيرا. وفي الحقيقة، فغالبا ما يتمحور النقاش كليّا حول تقدير الإيجابيات والسلبيات الناجمة عن إنجاب الأطفال، مثل: المجازفات المالية، والتكاليف الطبية المُكْلِفة، وأعباء التربية.
للأسف، عندما تخبرنا وسائل الإعلام وأيضا العالم الذي يحيط بنا، بأن «الطفل يكلف كذا» فإنّ هذا بحد ذاته يسلط ضغطا كبيرا على الناس ويسبب قلقا عارما في نفوسهم. فيجب أن يقولوا: «ما مقدار المحبة التي بإمكاني تقديمها؟» وليس: «كم لك من المال؟»

وعندما يرى أغلب الآباء مولودهم لأول مرة، فلا يقولون: «ردّه إلى مكانه» أو: «لا أريد المولود.» وسوف استصعب تخيّل وجود والد (أو والدة) لا يريد النظر إلى عيني مولوده والشعور بمحبة فورية، وبإحساس غامر بالفرح.

فما نفع أن يكون الإنسان فرحانا لو لم يكن لديه شخص يشاركه الفرحة؟ فهل يستطيع الإنسان الحصول على فرح بمفرده – أي بمعنى فرح أناني؟ إذ أنه من المفترض إهداء الفرح إلى الآخرين؛ فكلما زاد عدد أولاد الأسرة زاد مقدار الفرح الذي يمكنها نشره إلى أولئك الذين من حواليها ومن ثم مضاعفته.
وبطبيعة الحال، هناك العديد من الناس المعتادين على تقديم التضحيات، والعمل في ظروف صعبة أو في وظائف خطرة بدون مقابل أو بأجور زهيدة لا تُذكر. وقد نتوقع منهم أن يجادلوننا بأنه من الصعب جدا حماية طفل في عالم مخيف ومحفوف بالمخاطر مثل عالمنا الحالي وذلك لأن الطفل هو مجرد إنسان ضعيف وعاجز. غير أن محادثة لي مع أحد رجال الشرطة الشباب كانت تتحدى هذا الافتراض أيضا.
كنا نفكر باستمرار في الإنجاب. غير أن مخاوفنا الرئيسية هي عن مستقبلهم. فهل سيعيشون في عالم من الفوضى، غير قادرين على الاستمتاع بنشأتهم، وخائفين دائما على أرواحهم؟ وما نسبة النجاة في المستقبل؟ وأدركنا ضرورة تنشئة الأولاد على الأخلاق الحميدة والسلوك الصحيح – «جنود الغد.» إنّ المسألة متروكة لنا لتنشئة أولادنا ليصبحوا مثلما نريد للعالم أن يصبح. ومساهمتي ليوم الغد وللمستقبل هي أن أعلّم ابني القيم، مثل تعليمه الفرق بين الصح والغلط. وعلى الرغم من الوضع المرعب للعالم الذي ينحدر نحو الجحيم فيمكنني تقديم شيء نافع لإنسان واحد على الأقل.
كم مرة انحرفنا نحن كشعب عن هذه الرؤية! فبالرغم من أن تنشئة الأطفال وتربيتهم تحتاج إلى شجاعة، إلا أننا نحصد بالمقابل ثمارا رائعة ومجازاة عظيمة. ويمكن للآباء والمعلمين أن يتركوا إرثا لا يُنسى. غير أن عملنا يجب أن لا يتوقف عند هذا الحدّ. فيلزمنا أن نتكلم جهرا خارج جدران المنزل أو الفصول الدراسية.
ونيابة عن جميع الأطفال، يلزمنا أن نقلب الأولويات الوطنية في بلادنا رأسا على عقب، وذلك بجعل الإنفاق على الأطفال في الجزء العلوي، والبنادق والقنابل في الجزء السفلي – هذا لو أبقينا الأسلحة بالأساس. فيمكن مضاعفة عدد المدارس الجديدة في جميع أنحاء البلاد، وليس مضاعفة عدد السجون الجديدة، ويمكن للسياسيين أن يفوزوا بالانتخابات على أساس أفضل موضوع يطرحونه من على منصاتهم الانتخابية ألا وهو عن موضوع التربية والتعليم، وليس عن أصعب نهج للتعامل مع الجرائم أو عن أشرس نهج للسياسة الخارجية.
فالعالم بحاجة إلى الأطفال، ولكنهم يحتاجون إلينا أيضا. ونحن مدينون لهم بأكثر من مجرد إبقائهم على قيد الحياة. كما عبّر عن ذلك الشاعر الهندي رابندرانات طاغور إنّ الأطفال هم كائنات حية – وأكثر حيوية من البالغين، الذين تقوقعوا بأساليب محددة متحجرة. لذلك فإنه من الضروري جدا لصحة الأطفال النفسية ولنموهم أن لا يكون لديهم مدارس لدروسهم فحسب، بل حتى عالم كامل تتسم روحيّته الإرشادية بالمحبة الشخصية لهم.
في كل يوم يولد أطفال جدد في عالمنا، وكما كتب طاغور فإنّ كل طفل يجلب معه إلينا، «الرسالة المتجددة أن الله لم يَيأسْ من البشر ولم يتخلَّ عنهم.» إنها فكرة عجيبة لكنها تحمل تحديا أيضا. فلو لم يفقد الخالق أمله في جنسنا البشري، فمن نكون نحن لنفعل ذلك؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أصفهان... موطن المنشآت النووية الإيرانية | الأخبار


.. الرئيس الإيراني يعتبر عملية الوعد الصادق ضد إسرائيل مصدر فخر




.. بعد سقوط آخر الخطوط الحمراءالأميركية .. ما حدود ومستقبل المو


.. هل انتهت الجولة الأولى من الضربات المباشرة بين إسرائيل وإيرا




.. قراءة عسكرية.. ما الاستراتيجية التي يحاول جيش الاحتلال أن يت