الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مرحلة تنفيذ العقوبة

ماجد احمد الزاملي
باحث حر -الدنمارك

(Majid Ahmad Alzamli)

2019 / 10 / 3
دراسات وابحاث قانونية


مرحلة تنفيذ العقوبة
تمثل مرحلة تنفيذ الجزاء الجنائي حلقة هامة من حلقات السياسة الجنائية الحديثة، فأهداف الجزاء الجنائي يتم التخطيط لتحقيقها في المرحلة القضائية، وتسعى مختلف المؤسسات العقابية إلى وضعها موضع التنفيذ في مرحلة التنفيذ الجزائي لأجل القضاء على الخطورة الإجرامية الكامنة في شخصية الجناة.وقد كان مضمون التنفيذ العقابي في العصور القديمة والوسطى خاليا من الاعتبارات الإنسانية والاجتماعية اللازمة لإصلاح الجاني، حيث اصطبغت العقوبة بما يسمى ب: "الوظيفة الاستبعادية للعقوبة"، هذه الأخيرة مفادها أن كفاح الانسانية ضد الجريمة لا يكون إلا بإقصاء المجرم عن الحياة ككل، خاصة وان العقوبات السالبة للحرية طويلة المدة اوالمؤبدة لاتجدي نفعا لمنع الجريمة من هنا ازدادت أهمية عقوبة الإعدام لابعاد المحكوم عليه بهذه العقوبة عن المجتمع نهائيا. وإزاء العيوب التي ظهرت للوظيفة الاستبعادية للعقوبة لما لها من نتائج سلبية على المحكوم عليه ذاته وعلى أسرته وعدم تناسبها مع الجرائم القليلة الجسامة من وجهة النظر الاجتماعية، بدأ الاهتمام بغرض عقابي آخر للجزاء الجنائي ألا وهو غرض الردع الذي قد يتحقق بطريق التخويف أو بطريق الإصلاح، والذي تسعى إليه السياسة الجنائية الحديثة. وتقتضي عملية تأهيل و إصلاح المجرم إخضاعه إلى برامج علاجية عقابية تستوجب تدخل القضاء لاتخاذ القرارات المناسبة لكل حالة على حدة، وضمان حقوق المحكوم عليهم من تعسف الإدارة العقابية. تعكس السياسة الجنائية المصالح الواجب حمايتها في الدولة والقانون هو الذي يحدد المصلحة الجديرة بالحماية من بين المصالح المتناقضة ، ولما كانت السياسة الجنائية هي السياسة التشريعية في مجال القانون الجنائي و توجه المشرع في اختياره للمصلحة الواجب حمايتها ، فقد تأثرت السياسة الجنائية بالفكر الفلسفي الذي ساد كل مرحلة . فإذا كانت السياسة الكلاسيكية قد تأثرت بشكل كبير بنظريتي العقد الاجتماعي والمنفعة الاجتماعية . انعكس ذلك على معيار التجريم والعقاب، الذي كان قاصرا على حماية المصلحة الاجتماعية ، فإن السياسة النيوكلاسكية تأثرت بنظرية العدالة وخففت من حدة الجمود والتجريد التي ميزت السياسة الكلاسيكية(1). ولأجل دراسة الإشراف القضائي على التنفيذ في صورته الحديثة بصورة تكاملية يستوجب علينا معرفة الأسس الفقهية والتشريعية التي تحكم هذا المبدأ، ثم التعرف على تطبيقاته في مختلف الأنظمة المقارنة، لنصل في الأخير إلى تقصي النظام القانوني المعتمد من طرف المشرع المقارن عند أخذه بفكرة الإشراف القضائي في مرحلة التنفيذ. لقد عني اھتمام الدراسات الحدیثة المنبثقة من علم العقاب بمفھوم العقوبة، كجزاء جنائي تبنى على أساسھا كل سیاسة عقابیة تھدف إلى محاربة الظاھرة الإجرامیة وحمایة أكبر قدر ممكن من المصالح الفردیة والجماعیة الجوھریة، وكرد فعل اجتماعي أساسه سلوك المجرم المجرد عن شخص مرتكبه،والمنبوذ من الفرد والمجتمع. ومن ھنا فإن مفھوم العقوبة تغیر تأثرا بتطور البشریة، وباستمرار السلوك الإجرامي من عصر الانتقام الفردي والردع والتكفیر،إلى عصر الرحمة
والإنسانیة والاتجاه نحو النظرة الإصلاحیة والاھتمام بشخصیته الإجرامیة ( 2) ، مما وجه الأنظار إلى إعادة صیاغة شاملة للعقوبة حتى تحقق أھدافھا في محاربة الجریمة. أما الشخص المجرم الذي دفعته الظروف لارتكاب الجریمة، فقد غیرت السیاسة العقابیة الحدیثة نظرتھا نحوه، من مذنب یستحق أكبر قدر من الإیلام إلى مریض یتطلب العلاج. ولما كان أسلوب علاج المجرم ھو العقوبة ، كان من الضروري أن تتماشى مع وضع المریض في كل مرحلة ، فقد تتغیر طرق العلاج وقد تتلاءم لیعرف المریض طریقه نحو التجاوب بتقبله للعلاج وتحسن حاله، وھذا ما یعرف بمبدأ تكییف العقوبة ( 3) الذي لا یأتى إلا بإخضاع العقوبة للتعدیل، بما یتماشى والتطور الإیجابي الذي عرفته حالة المحكوم علیه بعد إخضاعه لعلاج عقابي مما یسھم بشكل فعال في القضاء على أسباب إجرامه وتلاشي خطورته الإجرامیة ، وقد تتطور درجة إصلاحه لیكون أكثر استعدادا للاندماج في المجتمع. والتكییف عبارة مرنة في القانون ، فأول مسألة تطرح على القاضي الجزائي ھي مسألة تكییف الوقائع وتكییف الجریمة حتى یتم تحدید الجزاء الجنائي المناسب وفقا لعملیة التكییف التي تبدأ منذ النطق بالعقوبة إما بتخفیفھا أو تشدیدھا تبعا لاعتبارات عدة، منھا شخصیة المجرم وظروف ارتكابه الجریمة وتستمر لمرحلة تنفیذ العقوبة، ھذه المرحلة التي یتم فیھا تكییف العقوبة على المحكوم علیه بعقوبة سالبة للحریة وعلیه قامت فلسفة القرن الثامن عشر على تحكیم العقل في بحث كافة الأمور الاجتماعیة من جھة واستخدام العاطفة الإنسانیة من جھة أخرى فأدى ذلك إلى النظر إلى العقوبات بمنظار یختلف عما عھد في العصور السابقة, وھذه الفلسفة المبنیة على التسامح والرحمة في المسائل الجنائیة كانت بمثابة ثورة على قسوة العقوبات عامة وعلى التوسع في تطبیق عقوبة الإعدام خاصة , حیث كان لھذه الثورة دورا بارزا في دفع التشریعات إلى إلغاء عقوبة الإعدام أو التقلیل من عدد الجرائم المعاقب علیھا بالإعدام. ومع التطور الحاصل في المجتمعات تغیرت وجھات النظر خاصة مع اشتداد حركة حقوق الإنسان والمدافعین عنھا ازدادت الحركات المطالبة بضرورة إلغاء عقوبة الإعدام باعتبارھا تمس بكرامة الإنسان وتعد إھدارا واضحا لأھم حق وھو الحق في الحیاة ,لذلك أضحت عقوبة الإعدام مسألة لا تتجزأ عن حقوق الإنسان ھذا یعني أن المناداة بإلغائھا ھو الآخر لا ینفصل عن مسالة الدفاع عن حقوقه. خاصة بعدما أصبح العالم بأسره یشھد عملیات إعدام كثیرة وعلى فئات عدیدة حیث لم یستثنى منھا لا النساء الحوامل ولا حتى الأحداث ھذه الفئة التي تشمل الأشخاص الذین لم تتجاوز اعمارھم 18 سنة وعليه یجب أن تولى اھتماما خاصا ورعایة تختلف عن تلك المقدمة للبالغین , لذلك تبنت العدید من منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الحقوقیة والمنظمات الدولیة مسألة الدعوة إلى إلغاء العقوبة أو العمل على وقف تطبیقھا. لقد كانت عقوبة الإعدام لفترة طویلة موضوعا یخص الدول وحدھا باعتبارھا من الشؤون الداخلیة التي لا یجوز التدخل فیھا وھذا في إطار ما یسمى ب " مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلیة للدولة" ولذلك فھي مسالة تنظمھا التشریعات الداخلیة فھي جزء لا یتجزأ من التشریع الجنائي لكل دولة فھي بذلك ترفض التدخل بشان حریتھا في التعامل مع عقوبة الإعدام سواء بالإبقاء أو الإلغاء , لكن الاھتمام بھا تعدى إلى المستوى الدولي إذ لاقت اھتمام شرّاح القانون الدولي و نشاط المنظمات الدولیة وبذلك اكتسى موضوع إلغاء عقوبة الإعدام بعدا دولیا.
یعتبر إلغاء عقوبة الإعدام من المواضیع المستحدثة في القانون الدولي حیث لاقت اھتماما كبیرا في مجال المھتمین بحقوق الإنسان وخاصة من قبل المدافعین عنه لاسیما أنھا تجسد إھدارا لأھم الحقوق وھو " الحق في الحیاة" , وبذلك لم تعد مسألة مقتصرة على التشریعات الداخلیة وحدھا التي طالما رفضت أي تدخل بشان تقریر إلغائھا أو إبقائھا ،نظرا للأھمیة الكبرى للموضوع وما نتج عنه من جدال بین مؤید للإلغاء ومؤید للإبقاء. في ظل الجدل القائم حول عقوبة الإعدام بین مؤید لتطبیقھا ومعارض لھذا التطبیق ,ما ھو موقف التشریعات الوطنیة من عقوبة الإعدام وكیف تجسد الاھتمام الدولي بھا و إلى أي مدى اتجھت التشریعات الوطنیة إلى السیر في نفس المنحى الذي اتخذه القانون الدولي بشان ھذه العقوبة طبقا لقواعد الأمم المتحدة النموذجیة الدنیا لإدارة شؤون قضاء الأحداث فھو طفل أو شخص صغیر السن تجوز بموجب النظم القانونیة ذات العلاقة مسائلته عن جرم بطریقة تختلف عن طریقة مسائلة الكبار ,أما المجرم الحدث فھو طفل او شخص صغیر السن تنسب إلیه تھمة ارتكاب جرم أو ثبت ارتكابه له. ان ما تثیره عقوبة الإعدام في الوقت الحاضر من جدالا ونقاشا حادا حول مدى جدواھا بین فقھاء القانون وعلماء الإجرام والعقاب من جھة ودعاة حقوق الإنسان من جھة أخرى. كما یعد موضوع عقوبة الإعدام من المواضیع وثیقة الصلة بحقوق الإنسان نظرا لاعتباره انتھاكا صارخا للكرامة الإنسانیة و إھدارا للحقوق , لذلك یستوجب البحث فیه و في مدى اھتمام المجتمع الدولي بإلغاء ھذه العقوبة من خلال التعرف على المواثیق و الاتفاقیات المختلفة على الصعیدین الدولي والجھوي التي تناھض ھذه العقوبة و تحث على ذلك. في السنوات العشر أو الخمس عشرة الأخیرة ومع تنامي حركة حقوق الإنسان في الوطن العربي وظھور المنظمات والھیئات غیر الحكومیة ومنظمات المجتمع المدني والتي من ضمنھا المنظمات العاملة بحقوق الإنسان فقد بدا العالم العربي یشھد تطورا في مفاھیم حقوق الإنسان والدفاع عنھا ولا شك من أن الحدیث عن عقوبة الإعدام ھو من أھم المواضیع المطروحة في الوطن العربي .بالإضافة إلى الحركة الالغائیة التي یشھدھا العالم والاھتمام الكبیر الذي یولیه المجتمع الدولي بالعمل على إلغاء عقوبة الإعدام أو وقف استخدامھا . وقد يعهد إلى القاضي الذي أصدر حكمه في الدعوى المرفوعة على المدعى عليه بمهمة الإشراف على تنفيذ هذا الحكم,لان القاضي الذي أتيحت له دراسة ظروف المحكوم عليه من خلال دراسته للقضية يسهل عليه تحديد أفضل أساليب التنفيذ التي تحقق تأهيل المحكوم عليه ولكن يعيبه أن قاضي الحكم الذي لا يتفرغ للإشراف على التنفيذ قد لايسمح له وقته بأداء المهمة على أكمل وجه. ومن التشريعات التي أخذت بهذا الأسلوب التشريع التشيكوسلوفاكي وكذلك التشريع المصري. تعتبر مراقبة السجون أهم صلاحية يضطلع بها قاضي تطبيق العقوبات في جميع الأنظمة القانونية التي تبنت الإشراف القضائي في شكله المتخصص، وذلك للوصول الى الهدف الجنائي من العقوبة والمتمثل في تأهيل المحكوم عليهم وإصلاحهم من خلال انضباط المعاملة العقابية لأحكام نظام السجون، وبذلك يكون دور القضاء لا ينتهي بتقرير العقوبة الملائمة فقط وإنما يمتد لتتبع وتقييم اثر العقوبة الصادرة على مستوى إصلاح المحكوم عليهم عن طريق التدخل في تعديلها أو تقليصها أو استبدالها أو إلغائها. وإذا كان من الطبيعي أن يقوم المشرع والقاضي بمهمة تفريد العقوبة دون خشية على حقوق المتقاضين فان الحال ليس كذلك بالنسبة للجهاز الإداري الذي لن يكون في مستوى الحياد اللازم، ومن هنا برزت أهمية بل ضرورة حماية ما تبقى للمحكوم عليه بعقوبة سالبة للحرية خاصة إذا ما علمنا أن الحرية هي الأصل والقيد هو الاستثناء.
يمكننا القول إن المشرع الجنائي في التشريعات الحديثة أراد أن يجعل من مؤسسة قاضي تطبيق العقوبة محور العدالة الجنائية واساس للسياسة الجنائية , والتشريعات الحديثة تتبنى مبدأ التدخل القضائي في مرحلة التنفيذ العقابي، إلا أن تلك الإرادة لم تتجسد من خلال النصوص المتعلقة بقاضي تطبيق العقوبة مما يمكن من خلاله الوقوف بين الفرق الشاسع بين الغاية من إحداثها وهي الغاية المستمدة عموما تحديث المنظومة الجنائية لتتماشى مع التغيرات الجنائية الحديثة التي ترتكز على فلسفة الاصلاح والتأهيل وجعل العقوبة علاجية في كل إبعادها، وبين الصلاحيات التي أعطيت لهذا القاضي وهي صلاحيات خجولة لا تخرج عن مهام إدارية بحتة تنحصر في الرقابة والملاحظة والرقابة دون أي سلطة فعلية أو تدخلية فاعلة في مجال التنفيذ.
وقد تقدمت المجتمعات البشرية وتطورت مع الزمن من مجتمعات بدائية حيث ساد نظام العائلة، فنظام العشيرة، ونظام القبيلة إلى أن عرفت المجتمعات نظام الدولة بمفهومها السياسي، وصارت هناك سلطة تستأثر بفرض العقوبة، وتنفيذها وهذا يعني أن الحق في العقاب، والحق في توقيعه على من يعتدي على أمن المجتمع، هو حكر على الدولة(4). ومن هنا بدأ تحليل السلوك الإجرامي يخضع لتحليلات قانونية موضوعية تقنن كل عمل إجرامي مع تحديد"السعر" الواجب أداؤه للمجتمع، وذلك في شكل عقوبات محددة سلفا لتتجه فيما بعد إلى النظر إلى الجريمة بكونها ظاهرة طبيعية "أبدية" ملازمة لكل مجتمع بشري، ترتبط في جزئها الأكبر بالعوامل الاقتصادية ، و الاجتماعية، والثقافية، يقابلها الجزاء. وتكريس المشرع لمبدأ شرعية التجريم و العقاب و الشرعية الإجرائية،هي فروع لمبدأ عام و هو الشرعية الجنائية الذي يحمي الحقوق ،و شرعية تنفيذ العقوبات و الحريات الفردية و يحقق فكرة الردع العام و الردع الخاص ، و تطبيقاته تسمح في الكثير ومن هنا يظهر دور مبدأ الشرعية في مراقبة قانونية التنفيذ من تسريح المتهم وعدم مسائلته . من أهم المبادئ التي تقوم عليها السياسة العقابية الحديثة مبدأ تناسب العقوبة والجريمة المرتكبة ، ولذلك هناك علاقة وثيقة بين سياسة التفريد العقابي وتناسب العقوبة مع الجريمة. حيث أن المشرع يحاول قدر المستطاع أن تكون العقوبات التي يقررها لكل جريمة متناسبة من حيث نوعها ومقدارها مع خطورة الجريمة ذاتها من ناحية ، ومع مدى خطورة الجاني المستمدة من أخلاقه وثقافته وماضيه وبيئته والدوافع التي دفعته إلى ارتكاب الجريمة والغايات التي استهدفها من ورائها ، وغير ذلك من الظروف الشخصية الخاصة من ناحية.

1-أحمد فتحي سرور ، أصول السياسة الجنائية ، دار النهضة العربية 1972 ص 42 إلى 49
-2- جندي عبد الملك، الموسوعة الجنائیة، الجزء الخامس، الطبعة الثانیة، دار العلم للجمیع، بیروت، لبنا عربي، دار المشرق، بیروت، لبنان، طبعة 1972
بارش سلیمان، مبدأ الشرعیة في قانون العقوبات الجزائري، دار الھدى، الجزائر، طبعة 2006 ، -3
4-عبد العظيم مرسي وزير؛ دور القضاء في تنفيذ الجزاءات الجنائية دراسة مقارنة،دار النهضة العربية القاهرة؛1978








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحقيق مستقل: إسرائيل لم تقدم إلى الآن أدلة على انتماء موظفين


.. البرلمان البريطاني يقر قانونا مثيرا للجدل يتيح ترحيل المهاجر




.. كاريس بشار: العنصرية ضد السوريين في لبنان موجودة لدى البعض..


.. مشاهد لاعتقال العشرات من اعتصام تضامني مع غزة بجامعة نيويورك




.. قانون ترحيل طالبي اللجوء من بريطانيا لرواندا ينتظر مصادقة ال