الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موقف عقيدة ( الحياة المعاصرة ) من مسألة نشأة الحياة وفكرة التطور والارتقاء / 1

رياض العصري
كاتب

(Riad Ala Sri Baghdadi)

2019 / 10 / 11
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بالنسبة لموقفنا من مسالة نشوء الحياة على كوكب الارض ، فالموضوع فيه جانبين ... جانب نشاة الخلية الحية الاولى وجانب الظروف التي ساعدت الخلية الحية على استمرارية حياتها ... بالنسبة لمسألة نشأة الخلية الحية الاولى فهي ماتزال لغزا لا نعرف حقيقته ويبقى لغزا الى ان يتمكن العلم من كشف حقيقته ... لا توجد لغاية اليوم نظرية تقدم تفسير معقول لكيفية نشوء الخلية الحية الاولى ... اما بالنسبة لمسألة الظروف فان كوكب الارض توفرت فيه الظروف المناسبة لاستمرارية الحياة والتي هي بالتحديد الحرارة والرطوبة والماء واشعة الشمس والتضاريس ، هذه الظروف توفرت بمحض الصدفة ... الارض فيها العوامل المناخية المساعدة على الحياة وهي عوامل توفرت بالصدفة نتيجة وقوعها على مسافة مناسبة من الشمس ... وفيها تربة ذات معادن تساعد على الحياة ، وفيها الماء بحالته السائلة ، وفيها الاوكسجين بحالته الغازية العنصر الضروري للحياة ، فهذه كلها توفرت بالمقادير المناسبة التي تناسب استمرارية الحياة
ظهرت الحياة على سطح الارض منذ 3500 مليون سنة .. وقد ظهرت منذ ذلك الوقت اعداد مهولة لا تحصى من الكائنات الحية بشتى انواعها .. بعضها انقرض وبعضها ما يزال على قيد الوجود .. وفقا لما هو متاح لدينا حاليا من المعارف ومن الوسائل العلمية فان نشوء ظاهرة الحياة على كوكب الارض مايزال لغزا محيرا عصيا على الفهم ، نعتقد بان الخلية الحية الاولى لم تكن نباتية ولا حيوانية ، وانها كانت تعتمد على التفاعلات الكيميائية للمواد الغذائية الداخلة اليها في حصولها على الطاقة اللازمة للبقاء حية وفي تكاثرها بطريقة الانقسام الذاتي .. ومع مرور الزمن ومع تكاثر هذه الخلية الى ملايين الكائنات الحية احادية الخلية بدأت تظهر الانواع التي تستفيد من ضوء الشمس في الحصول على الطاقة اللازمة لعملياتها الحيوية والتي هي اسلاف النباتات الحالية ... فكانت النباتات البدائية التي استفادت من غاز ثاني اوكسيد الكربون الموجود في الجو في صنع غذائها بمساعدة ضوء الشمس كمصدر للطاقة ... اما الاوكسجين فقد بدأ يتواجد بشكل عنصر حر بعد ان كثرت النباتات التي تطلق هذا الغاز اثناء صنعها لغذائها ذاتيا وهذا ما سهل ظهور الكائنات الحية التي تحتاج الى الاوكسجين في حرق الغذاء لانتاج الطاقة اللازمة والضرورية لبقائها على قيد الحياة ، كانت الحياة في البداية للنباتات فقط الى ان ظهرت عشوائيا كائنات حية يمكنها الاستفادة من الاوكسجين في الجو او في الماء في انجاز فعالياتها الحيوية فظهرت التغييرات بالتدريج الى ان اكتملت ، ظهور الخلية الحيوانية كان في مرحلة لاحقة لظهور الخلية النباتية بعد توفر عنصر الاوكسجين في الجو او في الماء بشكل غاز حر مستقل غير متحد ، فتوفرت الظروف الملائمة لظهور الكائنات الحيوانية ، في هذه الامور لا حاجة لوجود عقل ليقرر اتجاه التطور لان الطبيعة تنتج اشكال وانواع مختلفة من الكائنات الحية ، والبيئة بظروفها الجوية وبنوع تربتها وبنوع تضاريسها هي التي تقرر وهي التي تنتقي من الطبيعة المنتوجات الملائمة ( الطبيعة تنتج والبيئة تنتقي ) ... وان الكائن الذي يحظى بالقبول في اي بيئة فانه سوف يورث اجياله اللاحقة جيناته الوراثية التي تحمل المعلومات والصفات التي حصل عليها خلال حياته والتي اتاحت الفرصة له بالبقاء في هذه البيئة ، وفقا لمبدأ الاحتماليات يستحيل حدوث حدث مثل تكون الخلية الحية بتركيبتها الحالية عن طريق الصدفة ، ولكن رغم هذه القاعدة فانه من الممكن حدوث حدث نادر بالصدفة من خلال توفر ظرف معين او حدوث حدث معين ادى الى تكوين اول خلية بدائية حية ... نعتقد بان الخلية الحية البدائية لم تكن معقدة كما هي حاليا... الخلية البدائية ربما كانت خلية بسيطة جدا في مكوناتها وأقل تعقيدا مما هي عليه حاليا .... حتى مكونات الخلية مرت بعمليات التطور ، ونحن لا نعلم ما طبيعة الغازات التي كانت تغطي سطح الارض ، ولا نعلم ما طبيعة النيازك التي كانت تتساقط على الارض في ذلك الزمن البعيد جدا ، علما بان شرارة من الصواعق التي تسقط على الارض تستطيع احداث تفاعلات كيميائية مستمرة في خليط من المواد الكيميائية المتجمعة بالصدفة في مكان معين ... علما بان الحياة على كوكب الارض نشأت قبل 3500 مليون سنة نتيجة وجود الظروف المناسبة لظهور واستمرارية الحياة ، هذه الظروف توفرت بالصدفة وليس عن تخطيط مسبق ، ولكن تبقى المشكلة حول كيفية نشأة المكونات المعقدة للخلية الحية .. هل نشأت هذه المكونات من تلقاء ذاتها وفق آلية كيميائية معينة غامضة بوجود عوامل مساعدة لازمة للحياة توفرت بالصدفة بدون تخطيط او تصميم مسبق ؟ ام هي نشأت من تلقاء ذاتها كناتج عرضي لتفاعلات المواد الكيميائية التي تواجدت عن طريق الصدفة بنسب معينة وفي بيئة مناسبة ؟ ام ان مصدرها الاول من خارج كوكب الارض ؟
تحول المادة غير الحية الى مادة حية لاول مرة ما يزال لغزا محيرا للعقول ، وهناك رأيان رئيسيان في تفسير وجود المادة الحية على سطح الارض ... الاول يعزوها الى فعل فاعل ( اصحاب نظرية الخلق ) والرأي الثاني يستبعد وجود فاعل ( اصحاب نظرية التكوين الذاتي ) ، اصحاب الرأي الاول يبررون رأيهم بالتعقيد الكبير الذي تشتمل عليه مكونات الخلية الحية وانه من غير المعقول ان هذه التعقيدات نشأت من تلقاء ذاتها .. وبالتالي فان الاستنتاج المنطقي هو لابد من وجود عقل مصمم للخلية ولمكوناتها ، ولكن هذا الرأي يواجه بسؤال ما هي غاية هذا المصمم من خلقه للحياة ؟ وهذا السؤال لا جواب مقنع له ... فظاهرة الحياة ليست ضرورية في استقرار او توازن مجموعتنا الشمسية ، كما انها ليست ضرورية لغرض توازن واستقرار النظام الكوني ... وبناءا على عدم وجود الغاية او القصد كان هناك الرأي الاخر وهو استبعاد وجود فاعل او مصمم للحياة ، ونحن نميل الى القبول بهذا الراي ، الموضوع لا يمكن تفسيره برغبة خالق عظيم قرر بعد مرور 10 مليار سنة على خلقه للكون ان تكون هناك حياة في كوكب صغير جدا في احدى المجموعات النجمية في احدى المجرات من بين مليارات المجرات في الكون فجلس يشغل نفسه بخلق مكونات الخلية التي لا ترى بالعين البشرية لكي تبدأ رحلة الحياة على ذلك الكوكب الصغير الذي لا قيمة له ولا تأثير له على اي شيء في هذا الكون ... لا يمكن للحياة ان توجد من غير مصدر للطاقة ، مصادر الطاقة للاجسام الحية نوعين : الطاقة الشمسية المتمثلة بضوء الشمس ، او الطاقة الكيميائية المتمثلة بالغذاء ، طاقة ضوء الشمس يتم تحويلها الى طاقة كيميائية متمثلة بالغذاء ، والطاقة الكيميائية يتم تحويلها الى طاقة حرارية و طاقة كهربائية تسري داخل اجسام الكائنات الحية ، اجسام الحيوانات بحاجة الى الحرارة والى الكهرباء بشكل دائم لغرض استمرار تمتعها بالحياة ، وان وجود هذه الكائنات الحية التي تتقاتل في سبيل البقاء يجعلنا نرى بان الحياة لا يمكن ان تكون قد نشأت عن جدوى او هدف او غاية من قبل خالق الكون ، فاذا كانت الحياة قد خلقت خلقا من قبل المصمم او المهندس العظيم وفقا لبعض النظريات .. اذن لخلق مثلها في الكواكب الاخرى ايضا بقدرته الخارقة ولم يقتصر على كوكب الارض فقط .. وحيث انه لم نجد الحياة الا على سطح الارض فقط فذاك يعني ان هذه حدثت بمحض الصدفة ،هذا الكون ولد بانفجار عظيم نجهل كيفيه حدوثه ودوافع حدوثه .. ومع ذلك نحن نقر بوجود خالق له من الناحية المنطقية ، ليس لدينا اعتراض على مسألة وجود خالق للكون لان وجوده هو فرضية مقبولة منطقيا .. بالنسبة لموضوع الدقة المتناهية في النظام الكوني فان هذه لم تأتي الا بعد مليارات السنين من حدث الانفجار العظيم ، هذا الكون عبارة عن نظام مغلق وكل شيء فيه يتحرك وفق نظام ثابت .. من العشوائية في الانتشار نحو التوازن في الانتشار ، ومن مواقع الضغط العالي نحو مواقع الضغط الواطيء الى ان يتوازن الضغط ، كما تتحرك الطاقة من المصدر الاعلى طاقة نحو المصدر الاقل طاقة الى ان يتوازن توزيع الطاقة ، وتتحرك المادة من الموقع الاضعف جاذبية نحو الموقع الاقوى جاذبية ، ولكن بالنسبة لظاهرة الحياة على الارض هنا تكمن المشكلة ... لا يتوفر الدليل المنطقي على وجود فاعل او خالق لظاهرة الحياة ، لو كان هناك خالق فما هي غايته من خلقها وقد مضى عليها 3500 مليون سنة ؟ ما هي الغاية من هذه الاعداد الهائلة من انواع الكائنات الحية ؟ واذا كانت غايته هي الانسان فلماذا جعله نتاج سلسلة طويلة جدا من مراحل التطور للكائنات الحية وعلى مدة مئات الملايين من السنين بدلا من خلقه مباشرة وبمرحلة واحدة ؟ ما هي الغاية من كل تلك المراحل اذا كانت غايته الانسان ؟ .....
يتبع الجزء الثاني








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ونحن نسايرهم بالخلق ولكن من خلق الخالق
نور الحرية ( 2019 / 10 / 12 - 19:36 )
اذا كان أصحاب الرأي الأول أي المتدينون يبررون رأيهم بالتعقيد الكبير الذي تشتمل عليه مكونات الخلية الحية وأنه من غير المعقول ان تكون تلك نشات من تلقاء نفسها فحري أن توجه هذه الحجة عليهم لا لهم فالحجة على الاكثر تعقيدا (الله )وليس الخلية الحية الاولى البسيطة


2 - رد على تعليق
رياض العصري ( 2019 / 10 / 13 - 18:44 )
تحية طيبة : اود ان ارد بأسم عقيدة الحياة المعاصرة وهي عقيدة علمية علمانية ، ولا علاقة لي بالفكر الديني ، فاقول بان الخلية الحية هي في متناول ادراك البشر ويمكن تفحصها وتقدير مدى التعقيد في تكوينها مما يجعل فكرة خلقها من تلقاء ذاتها فكرة صعبة جدا ، ورغم ذلك فنحن لا نميل الى فكرة وجود خالق لها للاسباب المذكورة في المقال ، ولهذا قلنا بان نشأة الخلية الحية لاول مرة مازال لغزا محيرا ، اما بالنسبة لخالق الكون فاننا نتقبل فرضية وجوده ولكننا نقر بجهلنا لطبيعته ومصدره لان هذه الامور خارج نطاق ادراك البشر ، وما هو خارج نطاق ادراك البشر يبقى في حكم المجهول ، نحن نفترض وجوده ولكننا نجهل طبيعته ، فرضيتنا هي ان خالق الكون هو خالق المادة والطاقة وواضع قوانين الكون ولكنه لا يخضع لهذه القوانين لان وجوده يقع خارج نطاق الكون حسب رؤيتنا ، تحياتي لك

اخر الافلام

.. تونس.. ا?لغاء الاحتفالات السنوية في كنيس الغريبة اليهودي بجز


.. اليهود الا?يرانيون في ا?سراي?يل.. بين الحنين والغضب




.. مزارع يتسلق سور المسجد ليتمايل مع المديح في احتفال مولد شبل


.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت




.. #shorts - Baqarah-53