الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كردستان المفيدة

عبدو خليل

2019 / 10 / 16
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


لا يمكن تحليل ما يجري من صراع في منطقة شمال شرق سوريا. الجزيرة، بمعزل عن سياق تاريخي يمتد على أقل تقدير لمرحلة ما بعد اتفاقية سايكس بيكو. و لا يمكن رد جوانب هذا الصراع فقط للتنوع العرقي والثقافي وتصادمه داخلياً، ولا بسبب غنى المنطقة بالنفط والمياه. إنما نتيجة تأثرها المباشر بحكم الجغرافيا والتداخل الديموغرافي بين دول ثلاث. سوريا وتركيا والعراق، لذا يمكن اعتبارها من الناحية الجيوسياسية مركزاً للزلازل. تنشط و تتخامد وتصل ارتداداتها إلى كل من دمشق وأنقرة وبغداد، وراهناً وصلت أبعد من ذلك.
بالعودة إلى تأزم الوضع في شمال شرق سوريا على خلفية العملية العسكرية التركية المسماة " نبع السلام " ، وهذا التوصيف في واقع الحال تجميل قبيح للصراع السوري وللنوايا التركية التي افتضحت سريعاً وباتت محل استهجان أممي وعربي واسع النطاق، ونظراً لتداخل الأجندات الضالعة والفاعلة في الصراع السوري يمكن الوقوف على مجريات شرق الفرات من خلال ثلاثة نقاط أجدها محورية، ربما تقود لفهم التعقيدات التي تحيط بالملف.
النقطة الأولى والجوهرية لابد من القول وإلى حد ما أن الفخ الذي نصبه الروس لكل من تركيا وأمريكا. بغض النظر عن نتيجة عملية " نبع السلام " عسكرياً، قد حققت الهدف " الروسي" المرجو منها. منذ اللحظة الأولى لانطلاقتها، يمكن تلخيص ذلك من خلال جملة معطيات. إضعاف موقع تركيا في الملف السوري، وظهر هذا بوضوح من خلال تسارع إدانات المجتمع الدولي لـ " نبع السلام"، وبالتالي زيادة قربها من روسيا خاصة وأن كلا الدولتين لهما باع طويل في تبادل الأدوار والمواقع من خلال لقاءات الأستانة. كذلك زيادة الشرخ بين تركيا وحلف الناتو، ويبقى هذا تحصيل حاصل عملياً. أما الجانب الآخر والمهم بالنسبة للروس، وهو أن العملية قد تحقق هدفاً بعيداً يتعلق بعودة اللاجئين السوريين من بلاد النزوح، وهي وعود تركية معلنة وواضحة ضمن سياساتها الرامية لتغير ديموغرافية المنطقة، وتالياً تعيد إنتاج وتعويم النظام بطريقة ما وتضرب في جانب آخر التسوية السياسية عبر تحييد مطالب السوريين في الحرية والكرامة وخلق بيئة مقنعة تستند على أن ما يجري في سوريا لم يكن سوى تضارب مصالح إقليمية، و في أفضل الأحوال. فوضى عابرة، يجب السيطرة عليها. تجلى ذلك في موقف الجامعة العربية ومطالبة الكثير من دولها بعودة النظام السوري، و ربما كان هذا أحد أهم دوافع الروس لتمرير " نبع السلام "، وبنفس الوقت يمكن اعتبار الأمر بداية الخسارة الثانية والفادحة للمعارضة السورية. من بعد سقوط حلب، تلك المعارضة التي فقدت كلياً بعدها الوطني وصارت مجرد أدوات ضمن المشروع " السني " لحزب العدالة والتنمية التركي .
النقطة الثانية أبعدت عملية " نبع السلام " روسيا عن الدخول في مواجهة مباشرة مع الوجود الأمريكي على الأراضي السورية، لذلك كان لابد من دعم هذا الوكيل. أي تركيا، وجدنا كيف فشلت جلسة مجلس الأمن في تقويض أي تحرك جاد لوقف العملية العسكرية التركية، وهذه إحدى مفارقات الصراع السوري. روسيا التي استخدمت دزينة من الفيتويات لحماية النظام السوري. تضع ثقلها هذه المرة لخدمة تركيا، إيران بدورها التزمت الحياد وتجاهلت تفاقم الوضع في شرق الفرات .
النقطة الثالثة وسبق أن تطرقت لها في النقطة الاولى ولأهميتها لنا كـ سوريين كان الوقوف عندها واجباً، وتكمن في ضرب مصداقية الحراك الشعبي السوري السلمي قبل عسكرته من خلال عدم ممانعة " نبع السلام" ومن قبلها " غصن الزيتون" للتشويش والتغطية على أصالة مطالب الشعب السوري، هذه النقطة تهم روسيا والنظام وإيران بدرجة متساوية من حيث الأهمية. ليس فقط لأن التسوية السياسية أصلاً تستمد شرعيتها من بدايات هذا الحراك الشعبي، بل لزيادة تورط الميليشيات الراديكالية و المدعومة من قبل تركيا في ارتكاب المزيد من الجرائم والانتهاكات. كما هو الأمر في عفرين وريف حلب، وربما لا تجد روسيا وإيران حرجاً في أن تقضم تركيا بعض الجغرافيا السورية لقاء تحقيق مصالح محددة وتمرير صفقات قادمة. مثل إعادة الإعمار وترميم النظام.
وتبقى نقطة إضافية تتعلق بالتردد الأمريكي في الانسحاب من سوريا، و الناجم عن تضارب السياسات الأمريكية داخل البيت الأبيض، وهي سمة ظاهرة منذ حكم الرئيس ترامب. هذا التردد خلق فوضى تشبه الفوضى الخلاقة التي استعانت بها كونداليزا رايس في العراق، وربما هذه النقطة تكون الوحيدة المتبقية. عثرة، أمام المخطط الروسي في سوريا، سيما وأنها مؤخراً استطاعت قضم مناطق واسعة من إدلب بعدما تورطت تركيا بجبهة النصرة على مدار السنوات الماضية، تماماً كما تورطت أمريكا بحزب العمال الكردستاني لمحاربة الشر الأكبر، داعش.
أخيراً ورغم خشونة السياسة الروسية في الملف السوري إلا أنها اظهرت قدرة فائقة على رسم الاستراتيجيات والوصول إلى الأهداف في منعطفات حرجة ، وتأتي الصفقات التي تقوم بها روسيا خلال اليومين الماضيين للتوسط بين قسد الممولة أمريكياً والمرفوضة تركياً وبين النظام ضمن مساحة نقل الفوضى الأمريكية الخلاقة إلى عقر دار حلف الناتو والبيت الأبيض . أما العمال الكردستاني وهو الحامل الحقيقي لقوات قسد، وهي حقيقة قد لا ترضي البعض من الكرد. رغم أن امريكا بجلالة قدرها فشلت في تحوير وتطوير هذه المنظومة المحكمة الإغلاق إيديولوجياً. لذا بات العمال الكردستاني اليوم أقرب لمفهوم " سوريا المفيدة " الذي انتجه النظام عندما خسر ثلاثة أرباع سوريا، وصار همه الوحيد البحث عن مساحة صغيرة من الجغرافيا بحجم جبال قنديل. يمكن تسميتها بـ كردستان المفيدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي


.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا




.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024


.. Support For Zionism - To Your Left: Palestine | الدعم غير ال




.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري