الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نعم نريد إسقاط النظام

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2019 / 10 / 18
مواضيع وابحاث سياسية



البعض يتوجس أو يشيع الخوف من هذه العبارة وكأنها الجحيم الذي سيوجهاننا لو تحقق الشعار على أرض الواقع، ويشيعون أيضا أن مجرد رفع الشعار هو عملية تهديم لبنية الدولة والخروج من حالة الدولة القائمة بكل مؤسساتها إلى ما يقال عنه (حالة اللا دولة والفوضى)، مما يؤدي إلى إنهيار منظومة القانون والحكم والإنكشاف على حالة الخراب والتدمير، والبعض أيضا أقنعته هذه التبريرات فتحول من شعار (إسقاط النظام) إلى مصطلح إسقاط الحكومة والمجيئ بحكومة وحدة وطنية أو حكومة طوارئ أو أي قيادة حكومية جديدة يمكن أن تعالج الحالة ومن ثم الحفاظ على النظام والدولة، وبذلك نظمن التطور الطبيعي نحو الإصلاح والتغيير تحت سقف القانون والدستور ونجنب العراق حالة المجهول ونحفظ ما تبقى من شكل الدولة والمجتمع.
الحقيقة بالرغم من وجاهة الحجج المطروحة ولمعارضة لفكرة إسقاط النظام وقبولها لدى طيف واسع من الناس بمختلف التبريرات والأعذار، لكنها في الأخر نجدها بالحقيقة ليس أكثر من فكرة مخادعة وغير حقيقية، ولا يمكن أن يحدث أي تغيير جدي وإصلاح مرتجى ونحن نعيش تحت وطأة نظام عاجز عن أن يتغير ويتطور طبيعيا، ومنظومة فاسدة وغير صالحة أصلا لإنتاج ما يريده الشارع العراقي من أهداف وما يسعى له من نتيجة، فالنظام دستوريا وقانونيا يختلف كمفهوم ودلالة عن مفهوم الدولة، كما يختلف عن مفهوم الحكومة والسلطة والمؤسسات الحاكمة، النظام دستوريا هو الشكل الفعلي الناتج عن رؤية البناء القانوني الذي ينتجه الدستور كمنظومة عملية تفرض طبيعة العلاقات المتبادلة بين الحاكم والمحكوم، أما الدولة فهي الإطار الأساسي والمظهر الخارجي لشكل المجتمع بمفرداته الأساسية الشعب والأرض والنظام.
النظام كمفهوم يبدأ من الدستور وتصوراته والأسس التي يطرحها كرؤية للواقع شكلا ونتيجة ويمكن أن نستخلص من هذه الشكلية ليس فقط نظرية الحكم، بل أكثر من ذلك حين يسمح هذا النظام أو لا يسمح لأي شكل من أشكال الأستجابة لعوامل الحاجات الأساسية لتنفيذ واجبات وأهداف الدولة عموما والدستور خصوصا، والدولة تبدأ من تحقق مفردات الوجود الطبيعي لها على أرض الواقع بعيدا عن شكل النظام وفاعليته، لذلك نرى وجود قانوني ودستوري واحد للدولة في كل العالم مع أختلاف أنظمة الحكم وتنوعها دون أن يشكل ذلك تعارضا أو تمايزا في العلاقات الأساسية بين المواطن ودولته، ومن هذا الفرق المهم والجوهري الذي يجعل لكل منهم خصائص ومميزات ووجود مختلف نؤكد أن المخاوف والتبريرات التي تطلق والتحذيرات التي تشاع من الخوف من الشعار ومسألة تحققه ما هي إلا طوق نجاة للمرتبطين بحالة التغيير وخوفهم من فقدان الركائز الأساسية لوجودهم وبقائم محركات أساسية للنظام والأحتفاظ به ومن وراءه محصلات وأهداف خاصة لا تهم الشعب ولا تستجيب لتطلعاته.
هذا من الناحية النظرية ومن الفقه الدستوري مجردا عن التأويلات والتفسيرات من قبل أصحاب نظرية المؤامرة، أما من الناحية العملية فالأمر جد حقيقي وممكن وله تجارب حية على الواقع، فكثيرا من الدول والمجتمعات وحتى في العراق تحديدا كثيرا ما حصل تغيير النظام دون المس بالكيان الوجودي للدولة، طالما أنها تمتلك هذا الواقع حقيقة، فتغيير النظام يبدا من نقطة أساسية مع تهيئة البديل قبل ذلك أو على الأقل هناك جهوزية ورؤية سابقة للتغيير، من الأمثلة الجادة والقريبة جدا هو ما حدث في جمهورية السودان قبل أسابيع حين نجح الشعب بعد صراع ونضال طويل مع النظام الفاسد على تحقيق التحول والتغيير والإصلاح، بإزاحة النظام الحاكم ومؤسساته والفلسفة التي يقوم عليها مع صيانة وتعزيز وجود الدولة، بل ونجح في حمايتها وتعزيز دورها كجامع للشعب وقواه ومؤسساته، بأختيار تصور ورؤية جديدة قائمة على التخلص من أساسيات قوة النظام وسطوته على الشعب.
نعم نريد إسقاط النظام الذي أنتجه واقع ما بعد 2003 لأن الشعب لم يكن أمامه أي مجال للخيار الحر والطبيعي المبني على فلسفة المصلحة الوطنية الجامعة، وعدم تركيزها على مصالح الجماهير فيما ركز الدستور على مصالح الفئويات والأحزاب والقوى التي سيطرت على تشريعه وطرحه، وتحت حراب المحتل وتغير في نظام ومنظومة لم تدع لأحد مجال التفكر والتعبير وأختيار القرار بحرية وديمقراطية، حتى المحتل الأمريكي يعرف هذه الإشكالية وقد أقر بها علنا وتصريحا وأعتبرها أحد الأخطاء التاريخية الكبرى، كما لم ينجح في تغيير مجريات الأحداث بعد أن رسخ النظام الجديد منظومته مستغلا هشاشة وضعف والتسرع في صياغة الدستور وطرحه على الشعب، ولا يمكنه إنكار أن المعالجة في حينها لتداعيات تغيير النظرية وما نتج عنها من نظام لأن الدستور الذي هو أساس المشكلة غير قابل للتغيير والتغيير في عملية شبه مغلقة ومحالة في ظل ظروف السيطرة السياسية لسادة النظام على كل مفاصل الدولة ومؤسساتها التشريعية والتنفيذية والقانونية والقضائية.
من هنا ولأجل التغيير لا بد من إسقاط النظام وتغييره وقد نضجت كل الظروف والمقدمات والمعطيات اللازمة للتغيير مع أتساع وتعاظم صوت الشعب الذي كان هو أول وأكثر الخاسرين من وجود النظام وأستمراره، فقد عرف الشعب أن كل محاولات الترقيع والمطالبة به ومحاولة العبور بسلام نحن دولة المؤسسات وحق المواطنة أصبح حلما بعيد المنال بل وقد واجهة القمع والتجاهل والرفض من قبل رموز النظام مؤسساته، فلم يعد يملك أي قناعة أو لدية فرصة أخرى للتغيير والتصحيح خارج عملية إسقاط النظام وأستبداله بمنظومة أكثر قدرة وقابلية على صنع التحول والتغيير الذي يؤمن مصالحه وتطلعاته المشروعة، ومع تغول وأنتشار الفساد ورعايته من قبل أحزاب وقوى وحركات منحرفة وأجندات وعلاقات خارجية ضاغطة ومؤثرة في صنع القرار داخل النظام وتدخلها الفج والفض في كل شيء، وهي التي ولدت قسريا وتحت متطلبات واقع غير حقيقي ومبني على أنحرافات وقصر وعدم فاعلية الدستور الذي هو ملاذ النظام وأداته في مواجهة الأستحقاقات الوطنية الكبرى.
قد يسأل سائل هل الوضع العراقي بكل إشكالياته والمخاطر المحيطة بالدولة والمجتمع قادر الآن وبالنتيجة على تغيير النظام كليا مع الحفاظ على وحدة الدولة ومؤسساته والروابط التي تجمع أبنائه؟ الجواب وبكل بساطة نعم وهو الأقرب والأكثر ضرورية وملحة من أي وقت أخر، حينما تفرض جماهير الشعب إرادتها الوطنية الحرة على النظام وتدفعه للزوال والتغيير، ولو بشكل مرحلي وتدريجي ينتهي كليا بتغيير الدستور وإعادة بنية الدولة ومؤسساتها من خلال جهد مشترك قانوني ودستوري وسياسي وأجتماعي، يبدأ من قاعدة (أن الشعب هو مصدر السلطات ولا مصدر أخر غيره) يمكنه أن يمنح المشروعية للنظام ورموزه ومؤسساته، لا المؤسسة الدينية وقوتها وفعلها يمكنها أن تغير الواقع أو تصلح ما أفسدته هي بتدخلاتها ولا حتى المؤسسة القضائية الدستورية التي وقفت حارسا ومبررا للنظام وعناوينه، حتى الدستور ذاته لا يمكن أن يكون عصيا على التغيير والتطور وكأنه كتاب مقدس أو منزل من السماء، وأن كل شيء أو تشريع أو واقع يخالف هذه المصدرية المشروعية لا يمكن أن يعطل الحل والتغيير وتحت أي عنوان.
المهم في كل ذلك أن نبقى على الشعار وأن لا نتراجع عن مطالبنا الأساسية في تغيير النظام وإسقاطه، فهو كالأساس الذي تبنى عليه كل النتائج النهائية تعتمد على صلاحية الأساس وشكله، ولا يمكن أن تكون النتائج بأي شكل من الأشكال تخالف المقدمات والأسس التي أنتجته، من هنا كان التركيز على إسقاط الأساس وتغييره وإعداد الخارطة الجديدة من قبل قوى جامعة وطنية تمثل كل الشعب وتعبر عن مصالحه، فلا الأحزاب الدينية والمذهبية والطائفية والقومية العنصرية يمكنها أن تنتج نظاما وطنيا جامعا قادر على انتشال الدولة والمجتمع من حضيض الواقع الذي صنعته ورسخته بأفكارها وتصرفاتها، ولا حتى المؤسسات التي أنتجها النظام وعبرت عنه قادرة على ذلك، فمن لا يملك الشيء ولا يمكنه أن يكون قادرا على أن يمنحه لغيره، وحتى النظام الذي وصل إلى مرحلة العجز التام والنفق المغلق الذي لا منفذ منه يمكنه أن يتغير أو يتطور بما يلاءم ويناسب متطلبات الجماهير وأهدافه ومصالحه، وكل الدعوات التي تنطلق منه هي مجرد محاولة للهروب إلى أمام لكسب الوقت والمغانم الممكنة دون أن تقدم حلا... إذن لا بد للشعب أن يطلب بإسقاط النظام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمطار غزيرة تضرب منطقة الخليج وتغرق الإمارات والبحرين وعمان


.. حمم ملتهبة وصواعق برق اخترقت سحبا سوداء.. شاهد لحظة ثوران بر




.. لبنان يشير إلى تورط الموساد في قتل محمد سرور المعاقب أميركيا


.. تركيا تعلن موافقة حماس على حل جناحها العسكري حال إقامة دولة




.. مندوب إسرائيل بمجلس الأمن: بحث عضوية فلسطين الكاملة بالمجلس