الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو الحق في الإبداع: رسالة عبد الرحمن طه إلى أهل الحكمة والفكر

رضى حليم
باحث وصحفي مغربي

(Rida Halim)

2019 / 10 / 22
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


يركز طه عبد الرحمن على الحوار، باعتباره "مفتاح" للخروج من التيه والشتات في عالم الأفكار داخل حواضر العالم العربي والإسلامي، وتبرز ملامح هذا الشتات والتيه في: "غياب سمة القرار"، و"ضبابية أفق المستقبل"، و"خصام أفراد الجيل الواحد" (غياب الحوار والتخاطب). فما الذي يقصده طه عبد الرحمن بالحق في الإبداع؟ وما هي السبل والوسائل للخروج من التيه والشتات في عالم الأفكار؟
إنّ دعوة عبد الرحمن طه إلى التفكير والحوار، تأتي من كون الحوار، متى دار على معرفة بقواعده وآدابه، من شأنه أن يورّث الفرد اتساع الأفق وتقليب النظر، ومنه يبرز المعيار المرتبط بالتسامح، الذي ينتج لنا بدوره مساحات واسعة في المجتمع، للتفكير فيما هو كائن، وفيما ينبغي أن يكون، ويمارس الناس فيها معتقداتهم وطرقهم في الحياة المختلفة والمتنوعة، عن طريق قبول الاختلاف، ونبذ التعصب.
ويستدل عبد الرحمن طه في ذلك، بفلاسفة كبار وأسماءً معروفة مثل "هابرماس" الذي يقول: "إننا نحتاج اليوم إلى عقلانية حوارية"، ويؤكد أن المقصود من كل كتاباته هو إنشاء فلسفة تواصلية، والديموقراطية، أصلا قائمة على هذا المبدأ، فعلى هذا نكون موصولين تاريخيا لو دخلنا الحوار المعاصر، ويكون دخولنا في حوار العصر بمثابة وسيلة تجعلنا غير منقطعين عن حاضرنا وتراثنا. (عبد الرحمن طه: الحوار أفقا للفكر، 2013، ص: 35).
إنّ عبد الرحمن طه يعلق أهمية بالغة على الحوار (العقلانية الحوارية)، ويعتبر أن "الأصل في الكلام هو الحوار، فحقيقة الكلام الذي تكلم به الانسان الأوّل كانت حقيقة حوارية، وهذا الحوار كان موصولا بالفطرة وموصولا بالوجود وموصولا بالروح"، (عبد الرحمن طه: الحوار أفقا للفكر، 2013، ص: 28). وبذلك يحتل الحوار في العصر الراهن أهميات عديدة، من أبرزها: "الأهمية الآلية" و"الأهمية الداخلية" و"الأهمية الخارجية"، ويفسرها عبد الرحمن طه على النحو الآتي:
الأهمية الآلية: للحوار حقوقا وواجبات، إذ يعطيك الحق في الاعتقاد والقول، ترى الرأي الذي تريد، ولك الحق في انتقاد الرأي والاعتقاد المخالف، كما يلزمك بواجبات، من اعتقد شيئا أو ادّعى دعوى لابد من أن يستدلّ عليها، ويتولى بنفسه تقديم الأدلة على صحة دعواه واعتقاده، كما أنه لابد للمنتقد الذي يطالب بالأدلة من أن يستمع أولا إلى أدلة المدّعي قبل الدخول في الاعتراض على دعواه، وعليه، "فإن الحوار هو مجال لممارسة القوة الاستدلالية للإنسان، فعن طريقه تستطيع أن تظهر قوتك العقلية وقدرتك الاستدلالية، وبقدر ما تستطيع تملّك آليات الاستدلال، فإنك تتملك سير الحوار(عبد الرحمن طه: الحوار أفقا للفكر، 2013، ص: 28-29).
الأهمية الداخلية: الحوار يعود بالفرد إلى الأصل، أي أنّ الإنسان ليس مفردا، بل هو جمع هو "ذات" و"غير" في الآن نفسه، بدليل أنّ الانسان قد يحاور ذاته كما يحاور غيره، فالعملية الحوارية متوافقة مع أصل الانسان من حيث إنه جمعٌ، وليس من حيث إنه فرد كما اشتهر وترسخّ في عقول المحدثين خاصة، فإذا الحوارية موجودة بوجود الجمع الإنساني في المظهر الفردي للواحد، "إنّ الحوار الذي أدخل فيه مع الآخرين، والذي يعطيني فرصة لتقوية الاستدلال وتنميته هو، في جوهره، ممارسة لمعرفة الذات نفسها، فحواري مع الآخرين هو حوار لمعرفة الذات" (عبد الرحمن طه: الحوار أفقا للفكر، 2013، ص: 29).
الأهمية الخارجية: تكمن في ضرورة الحوار مع الآخرين كيفما كانت آراؤهم ومعتقداتهم، إلا أن هناك من الناس من يرى ضرورة تضييق الحوار بما بجعله محصوراً في فئات متجانسة أو موضوعات متقاربة، بحجة اجتناب الجدل العقيم وتحصيل الفائدة، فالأصّح هو أن يكون الحوار واجب إنساني، يعم كل الفئات، أي كانت، وكل الموضوعات كيفما كانت، لكن شريطة التقيد بقواعده المقرّرة، لأن في تحقيق هذه الحوارية وتوسيعها مع جميع الأطراف وتعميمها على جميع الحالات زيادة على معرفة الذات، فضلا عن معرفة الآخر، تتحقق إنسانية الانسان، وتتنمى قوته الاستدلالية (عبد الرحمن طه: الحوار أفقا للفكر،2013، ص: 29-30).
ومنه يقر طه عبد الرحمن، على أنّه لا شيء من أفعال الانسان أو أوصافه يمكن وصفها بالمطلقة، "ولا وجود لإنسان مطلق، وإلا استحق أن ينزل منزلة الألوهية، ولذلك وجب على كل فرد طلب الحقيقة ولو من وراء حدود العقل، مادامت المنطقيات لها حدود، وما دامت الفلسفة تقتضي سبر الأغوار (عبد الرحمن طه: الحوار أفقا للفكر، 2013، ص: 20). وبالتالي يجب تجاوز تلك الحدود ومعرفة ما وراءها، لأن الحقيقة التي نطلبها دائما أمامنا، وليست بين يدينا، ولا هي في ملكنا، بل هي في أفقنا، فينبغي أن نلاحق ذلك الأفق بكل ما أوتيّنا من السبل، وأن نستبدل سبيلا بآخر حتى نقترب شيئا فشيئا إلى هذه الحقيقة التي ننشدها (عبد الرحمن طه: الحوار أفقا للفكر، 2013، ص: 35).
فكثير من الفلاسفة اهتموا بالعقليات المجردة واختصوا فيها، ثم انتقلوا منها إلى الجماليات...فهذا لوديفيغ فيتغنشتاين" الفيلسوف النمساوي الأصل، مرسخ أسس المنطق، وخصوصا باب "منطق القضايا"، فقد كان تكوينه تكوينا رياضاً، و"تعد كتبه من الناحية العقلية من "المستغلقات"، ولا يستطيع أن يفكّ ألغازها إلا المختصون في الرياضيات، فهذا الرجل لم يكن في حياته عالماً أو مفكراً فقط، بل كان روحانيا ذوّاقا لكل الأحوال التي يمكن أن ترقى بعقل الانسان إلى ما وراء طور العقلانيات المجّردّة، وكان يقرأ أشعار كبار الصوفية من الغربين ومن غيرهم (عبد الرحمن طه: الحوار أفقا للفكر، 2013، ص: 22).
وكما أضحت مسألة حدود العقل اليوم، مسألة رياضية بامتياز، فهناك نظريات رياضية معلومة توصّل إليها علماء رياضيون مشهورون من أمثال "كورت غودل" تبرهن على وجود هذه الحدود، وحتى أقرّب شيئا من ذلك للجمهور بصورة مجملة، فلا يمكن للعقل أن يحيط بكل شيء، ذلك لأن العقل هو نفسه جزء من هذا الكل، فكيف بالجزء أن يحيط بالكل! كما أنه لا يمكن للعقل أن يبرهن على نفسه، لأنه يحتاج إلى عقل فوقه له وسائل أقوى، وإذا أردنا أن نبرهن على العقل الثاني نحتاج إلى عقل فوقه، وهكذا دواليك في تسلسل لا ينتهي (عبد الرحمن طه: الحوار أفقا للفكر، 2013، ص: 24).
وأيضا بالنسبة للقدماء، فقد قالوا بمسألة حدود العقل، ولكن بلغة أخرى، "إما عّقدية أو فقهية باعتبار أن العقل لا يصل إلى معرفة العالم الغيبي، أو بلغة روحية أو صوفية باعتبار أن للعقل أطواراً لا يمكن أن يتجاوزها، أو بلغة فيزيائية أو طبيعية باعتبار أن العقل لا ينظر إلا في عالم الظواهر، أما ما سوى هذا العالم الظاهر فهو غير قادر عليه، لأنه خارج حدود نظره" (عبد الرحمن طه: الحوار أفقا للفكر، 2013، ص: 32-24).
ويستنتج طه عبد الرحمن أن التصور الذي يجعل الفلسفة نتاج العقل الخالص فقط، يحول دون تمكين المتفلسف العربي من أن ينتج فكراً خالصا، له ارتباط بتخيّلاته واستعاراته وبمجازات وقيمه الخاصة، وأن لا ينقل الحداثة الغربية كما هي، بل سيبدع ويبتكر في تشكيل وتطوير الحداثة، ويقول عبد الرحمن طه في هذا السياق: "إلا أنه لا يكون لنا من الحداثة والمعاصرة إلا مالنا من القدرة على الإبداع والمبادرة" عبد الرحمن طه: حوارات من أجل المستقبل، 2011، ص: 33) وخصوصا أنه من أهم العناصر التي تشكّل لبّ الحداثة، فعل "الإبداع"، "مع العلم بأن الفعل لا يكون إبداعا، حتى يرتقي بالإنسان درجة، أما إذا نزل به إلى رتبة دنيا، فلا يكون إبداعا، وإنما ابتداعا (عبد الرحمن طه، الحداثة والمقاومة، 2007، ص: 14).
وعلى هذا الأساس ستساوى جميع الأمم الحضارية في الانتساب إلى الحداثة متى أخذت بمبادئها الثلاثة وهي: "الرشد" و"النقد" و"الشمول"، شريطة أن يكون "كل أمر مأصول مسلمٌ به، حتى يثبت بالدليل فساده" وعاملا على التثبت النقدي، الفاحص والمسؤول، من كل أمر منقول، إذ "كل أمر منقول معترضٌ عليه، حتى نثبت بالدليل صحته (عبد الرحمن طه، روح الحداثة، مساهمة في تأسيس الحداثة الإسلامية، 2006، ص: 14-13).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الفرنسية توقف رجلاً هدد بتفجير نفسه في القنصلية الإير


.. نتنياهو يرفع صوته ضد وزيرة الخارجية الألمانية




.. مراسلنا: دمار كبير في موقع عسكري تابع لفصائل مسلحة في منطقة


.. إيران تقلل من شأن الهجوم الذي تعرضت له وتتجاهل الإشارة لمسؤو




.. أصوات انفجارات في محافظة بابل العراقية وسط تقارير عن هجوم بط