الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
هل استقال عبد المهدي ؟
اسماعيل شاكر الرفاعي
2019 / 12 / 1ملف: الحراك الجماهيري والثوري في العالم العربي، موقف ودور القوى اليسارية والديمقراطية
اذا صح هذا الخبر ، فان رئيس الحكومة المستقيل يكون قد رسخ اركان نظام سياسي في العراق ، يشبه الى حد كبير النظام السياسي المَلَكي الذي ثبت اركانه الجنرال بكر صدقي بمذابحه الدموية التي اوقعها بثوار الوسط والجنوب ، وبالاشوريين المطالبين بحقهم في حكم انفسهم ذاتياً وفقاً لوعود بريطانيا لهم ، فاوقع بهم مجزرة سميل عام ١٩٣٣ . أوجد النظام السياسي الحالي : ما حدث من تغيير بعد حرب الهزيمة والاحتلال عام ٢٠٠٣ ، ولكنه لم يثبت اركانه . فقط عبد المهدي بمجازره الدموية في الوسط والجنوب ثبت اركانه ومنحه ديمومة البقاء . قاد هذا النظام ـ قبل ثورة الاول من اكتوبر ٢٠١٩ ـ مجموعة من اللصوص ملأت فراغاته الوظيفية ورؤوسها محشوة بمخططات كيفية نهب المال العام . وكان الامام الذي ترسموا خطواته في عملية النهب المنظمة هـذه : الجعفري وخاصة المالكي وممن كان يدور في فلكهم ممن يسمون برؤساء الكتل والاحزاب وقادة الميليشيات كهادي العامري وقيس الخزعلي والمهندس والفياض واللاحكيم واياد علاوي وحيدر العبادي وسليم الجبوري واسامة النجيفي واخرين يعرفهم القراء اكثر مني ، وهكذا بلور رئيس الوزراء المستقيل ملامح نظام سياسي في العراق وظيفته الاساسية : صناعة طبقة ارستقراطية : منفصلة عن الجمهور العراقي ومتعالية عليه بما تستحوذ عليه من رواتب وامتيازات . وهذه المهمة ( التاريخية ) لا تختلف في جوهرها عن جوهر النظام السياسي الملكي ( ١٩٢١ ـ ١٩٥٨ ) الذي خصصت له الامبراطورية البريطانية وقتها دوراً محدداً يتمثل بصناعة طبقة اقطاعية في العراق . وهكذا يتبين لنا بان الانظمة الاوليغاركية الطائفية والعائلية لا تعبر عن كينونتها بوضوح الا حين تمارس القتل الجماعي ، والا بعد ان ينمو حواليها وبالقرب منها : لفيف من االاعشاب السامة ممن يسمون بالمنظرين والمحللين السياسيين : الذين سيتحدثون عن الفوضى وعن المجهول الـذي تقود اليه الثورات والانتفاضات الشعبية التي يحركها ( التامر الخارجي )، فيستمر القتل الجماعي ويستمر نصب اعواد المشانق ضد الثوار ، وتستمر حمامات الدم التي ينفذها حكام هكذا انظمة سياسية ، تنفيـذاً للاوامر البريطانية في النصف الاول من القرن العشرين ، وطاعة عمياء لاوامر الجنرال الايراني قاسم سليماني وفتاوى الولي الفقيه : اية الله خامنئي في الربع الاول من القرن الواحد والعشرين .
اذاً ، سيظل شبح عبد المهدي ـ بعد استقالته ـ ماثلاً في عمل اليات مؤسسات هذا النظام السياسي ، مسترشدة بالمبدأ الـذي ثبته خلال سنة حكمه من ان : الامن والنظام لا يستتب الا بتعميده بدم الثوار . فاستقالة عبد المهدي لن تجر ورائها استقالة هـذه الاجهزة من اايقاع القتل بالمتظاهرين والمعتصمين والثوار : فبعد اقل من ٢٤ ساعة على استقالته استمرت ماكنة الدولة تطحن بالثوار حتى بلغ عددهم الخمسين .
لم تنحن قامة عبد المهدي للشعب العراقي الــذي طالبه بترك الحكم ، بعد ان اكتشفت طلائع الشعب : سعيه الحثيث الى تثبيت اركان هذا النظام السياسي : شديد الامعان بسرقة حق الاكثرية بالعيش الكريم . وسبب انصياعه الى نداء مرجعية الشيعة يعود الى السعي نفسه : سعي التشويش على المفهومات الحديثة عن الامة والشعب وعن الية تمثيلهما ، وهي المفاهيم التي تعبر عن نضوج الامة حين تختار : التداول السلمي للسلطة بتحكيم صنوق الاقتراع . يؤيد ذلك اان عبد المهدي لم يوجد كرئيس وزراء من داخل العملية الانتخابية التي لم يشارك فيها : مرشحاً أو ناخباً ، وانما جاء من خارجها فارضاً نفسه كرئيس وزراء ليس كصاحب اكثر الاصوات في البرلمان ، وانما نتيجة صفقات سياسية مع هادي العامري ومقداد الصدر صاحبي اكبر كتلتين برلمانيتين ، ونتيجة توافق امريكي ـ ايراني .
داس عبد المهدي اذاً ، بحوافره على معنى الدولة الحديثة التي لا معنى لها من غير اكثرية واقلية واحترام قواعد لعبة التداول السلمي للسلطة ، وقد ارتكب حماقاته هذه انطلاقاً من خلفياته الفكرية الاقطاعية ويستقيل بناء على نداء من مرجعية الشيعة الدينية .
وقد مارس في اسراعه الى تلبيته نداء المرجعية بالاستقالة ، تزييفاً عميقاً للوعي السياسي لا يقل تشويشاً عما أحدثه بمجيئه لرئاسة الوزراء من خارج الاطر القانونية التي وضعها دستور العراق ، وذلك بان وضع امر استقالته : في عب المرجعية وتحت وسادتها او تحت مخدتها . نكاية بالفيدرالية ، وبالبرلمان الـذي ستتحول موافقته على الاستقالة الى موافقة شكلية ، ولكي يعمق التعصب الطائفي بايحائه للسنة بانه لا رأي لهم في الامر . انه توريط للمرجعية بممارسة دور ليس من اختصاصها ، ذلك لان السياسة فعل دنيوي ، علماني ، متغير وغير ثابت كما هي الحال عادة مع افعال البشر التي تتميز باللاثبات ، وهي افعال لا تشبه لا من قريب ولا من بعيد مهمة الفقهاء في الحفاظ على خلود الدين ، وهي مهمة يمسها الكثير من الضعف وتترنح اذا تدخلت في الرمال المتحركة للممارسة السياسية .
مع هذه الاستقالة التي تشبه استقالة وعزل الملوك والسلاطين والخلفاء يفقد التغيير اي معنى لانه ياتي من فوق وليس من تحت ٫ من ثلة من الخواص وليس من الاكثرية الثائرة ، فيتحول التغيير الى استبدال طاغية باخر : لن يفي باي وعد ، ولن يقدم على اصلاح اي شيء .
لويزيانا الامريكية
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. تمييز وعنصرية...هل تتحول ألمانيا لبلد طارد للكفاءات الأجنبية
.. غزة - مصر: ما تداعيات -استبدال- معبر رفح على النفوذ المصري؟
.. الرئيس الأوكراني يطالب حلفاءه بتسريع تسليم بلاده مقاتلات إف-
.. انتخابات بلدية في تركيا.. لماذا قد يغير الناخب خياراته؟
.. النيجر تؤكد أن الولايات المتحدة ستقدم -مشروعا- بشأن -ترتيب ا