الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة تشرين تقيل حكومة المحاصصة...وماذا بعد؟

فراس ناجي
باحث و ناشط مدني

(Firas Naji)

2019 / 12 / 4
ملف: الحراك الجماهيري والثوري في العالم العربي، موقف ودور القوى اليسارية والديمقراطية


على الرغم من اضطرار رئيس مجلس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي للاستقالة بعد شهرين من بدأ حركة الإحتجاجات الشبابية التي طالبت بتغيير نظام ما بعد 2003، وعلى الرغم من وجود نوع من الإجماع حول حتمية التغيير السياسي في العراق والذي كانت أوضح إشارة اليه من قبل المرجعية الدينية الشيعية العليا في النجف من أن العراق "لن يكون ما بعد هذه الإحتجاجات كما كان قبلها في كل الأحوال"، غير إن الآراء لا تزال تتضارب حول ديمومة حركة الإحتجاج ونجاحها في تحقيق إصلاح حقيقي وفعّال في النظام السياسي العراقي عند الأخذ بنظر الإعتبار تعددية المجتمع العراقي والدور الأقليمي والدولي المتشابك على الساحة العراقية.
بدءاً يمكن إعتبار ثورة تشرين العراقية بكونها حركة إحتجاجات شبابية حدثت خارج نطاق المؤسسات السياسية للدولة العراقية، وتضمنت التحشيد والعمل الجماعي ضد الممارسات والقيم السياسية لطبقة الأحزاب المكوناتية المحتكرة للسلطة. فقد إتبعت الثورة إسلوب المواجهة لرفع يد أحزاب السلطة عن الدولة من أجل تغيير الطبقة السياسية ثم الشروع في بناء نظام سياسي جديد يخدم مصالح طبقات مجتمعية واسعة تختلف عن الطبقة الضيقة المحتكرة للسلطة. في الوقت نفسه تصرّ أحزاب السلطة على تجاوز عاصفة الإحتجاجات هذه وإيجاد مخرج لهم للبقاء كفاعلين مؤثرين في الحياة السياسية العراقية من أجل حماية مصالحم المتجذرة في بنية النظام السياسي الحالي.
إن الطابع الغالب لهذه المواجهة لحد اليوم هو المطالبة بالتغيير عن طريق هيكلية الدولة الإدارية والسياسية والذي يمكن أن يمثل الحل الأمثل لخروج العراق من هذه الأزمة السياسية الخانقة بأقل الخسائر، مع التأسيس لمرحلة قادمة من الإستقرار السياسي الذي يمكن أن يضمن إستقرار مجتمعي ورفاهية للشعب العراقي. ضمن هذا السياق يمكن إعتبار أن ثورة تشرين تمر بثلاثة أطوار: التحشيد، والصدام، ثم التفاوض لتحقيق التغيير المنشود عن طريق طرف ضامن ثالث.
أمّا الطور الأول وهو التحشيد – أو بنية الفرصة السياسية كما يدعى في أدبيات العلوم السياسية – فيتعلق بقدرة حركة الإحتجاج الشبابية على إستثمار ظروف العراق الراهنة والنجاح في تحشيد الجماهير من حولهم لإسناد الثورة عبر إقناعهم بأرجحية نجاحها في تغيير الواقع السياسي في العراق. وهنا نجد أن شباب وسط وجنوب العراق، وعلى الرغم من إفتقادهم لنخبة قيادية وضبابية مطاليبهم الأولية، فإنهم نجحوا في توسيع القاعدة الشعبية للإحتجاجات عبر إستثمار نقمة شرائح متعددة من المجتمع العراقي على أحزاب السلطة، وعبر تمسكهم بالعلم العراقي وبالنشيد الوطني العراقي كرموز للهوية الوطنية العراقية الجامعة. فقد ضمت حركة الإحتجاج طيفاً وطنياً عريضاً شمل نقابات مهمة مثل نقابتي المحامين والمعلمين ومنظمات المجتمع المدني والطلبة والفنانين الذين حوّلوا ساحات الإحتجاج الى كرنفالات من الفن والثقافة وبمشاركة نسائية فعالة، بالإضافة الى مشاركات رجال الدين من مختلف الأديان والطوائف ورجال وشيوخ العشائر. وعمل هذا الإسناد الشعبي على توفير الدعم المالي والسياسي والمعنوي للإحتجاجات من خارج القائمين الرئيسيين، كما هيأ الفرصة للتفاعل الفكري والسياسي وعقد تحالفات مهمة ضمن الحركة الإحتجاجية لتشمل قطاعات إجتماعية متعددة. وهكذا تحولت حركة الشباب الإحتجاجية الى ثورة شعبية تضم قطاعات مجتمعية واسعة ذات مطالب محددة تتلخص بقانون إنتخابات عادل، ومفوضية إنتخابات مستقلة ونزيهة، وحكومة مستقلين جديدة تقوم بإجراء إنتخابات مبكرة لتغيير الطبقة السياسية تحت إشراف القضاء والأمم المتحدة.
في المقابل كان هناك تخبط عند أحزاب السلطة خاصة خلال المرحلة الأولى تجلّى بتناقض مواقفهم بين المخوّن للإحتجاجات وإعتبارها جزء من مؤامرة إقليمية-دولية ضمن "صفقة القرن" وآخرون حاولوا ركوب الموجة ليضمنوا إستمرار مستقبلهم السياسي بعد تيقنهم من حتمية التغيير. غير أن أحزاب السلطة حاولت إستعادة تماسكها بعد الدعم الإيراني لهم وبشتى الوسائل العلنية والخفية، و كذلك بعد السكوت الدولي عن الجرائم التي إقترفتها الحكومة العراقية ضد المتظاهرين العزل والذي يمكن أن يعزى الى القلق الدولي من إحتمالية إعادة إنبعاث داعش، خاصة بعد تشتت منظومة التعاون الدولي العسكري ضد داعش في سوريا.
فتجاوزت أحزاب السلطة مرحلة إمتصاص الصدمة وتناست بأطرافها الشيعية والكردية والسنية خلافاتها السابقة وتراصفت فيما بينها – بموالاتها و معارضتها – في محاولة للوصول الى حلول تضمن بقاؤهم ولو النسبي في السلطة. فوّقعت إتفاقاً سياسياً فيما بينها يعطي مساحة محدودة لفرص التغيير السياسي مع بقاء زمام إدارة الشأن السياسي بيد أحزاب السلطة. وهذا ما عكسه موقفهم بعد إتفاقهم السياسي من التمسك بالحكومة وإقتراح قانون إنتخابات يتضمن 50% نظام قوائم حزبية لصالحهم مقابل 50% نظام قوائم فردية للفائز بأعلى الأصوات. وتزامن ذلك مع زيادة القمع المفرط ضد المتظاهرين خاصة في بغداد والنجف وكربلاء والناصرية لإقناعهم بقبول التنازل للحصول على حل وسط.
غير إن هذا التحول في ديناميات المواجهة بين الطرفين يمكن أن يمثل نقطة فاصلة بين طور التحشيد للثورة الشعبية والطور الثاني للمواجهة وهو مرحلة الصدام بين أحزاب السلطة ومناصري الثورة، ومحاولة كل طرف تكبيد الطرف الآخر خسائر لا يتحملها لكي تتم عملية التسوية لصالح الطرف الرابح. وقد شمل هذا التصعيد – الذي تفاقم بسبب تحول العراق الى ساحة للصراع الجيوسياسي في منطقة الشرق الأوسط – محاولة الحكومة إزالة السواتر الأمامية للمتظاهرين بالقوة المفرطة فيما رد المتظاهرون بقطع الطرق وحرق مقرات أحزاب السلطة والقنصليات الإيرانية في كربلاء والنجف.
ويبدو إن تطور الإشتباكات بين الطرفين الى حد "كسر العظم" خاصة بعد حمامات الدم في الناصرية والنجف ، قد أحرج جهتين متنفذتين في المشهد السياسي العراقي: التيار الصدري والمرجعية الدينية الشيعية العليا، وكلاهما لا يملكان البقاء على الحياد في هذه المواجهة من دون خسارة قواعدهما الشعبية. فصعّد التيار الصدري من فعالية مشاركته في الصراع ضد أحزاب السلطة، وهو الذي كان قد نزل متأخراً لساحات الإعتصام، فيما تولت سرايا السلام التابعة له حماية هذه الساحات. كما صعدّت مرجعية النجف من خطابها ضد أحزاب السلطة بعد طول مراقبة وتحذير في خطب الجمعة لتدعو بصورة غير مواربة الى إستقالة حكومة عادل عبد المهدي وتشريع قوانين إنتخابات "بما يكون مرضياً للشعب".
والآن مع إستقالة عبد المهدي يبدو أن أحزاب السلطة قد بدأت بخسارة معركة الصدام ضد المتظاهرين على الأقل ضمن نطاق أحزاب السلطة الشيعية، وأن الموقف في المواجهة قد بدأ يميل في الوقت الآني لصالح خطة التغيير السياسي الذي طالبت به الثورة الشبابية رغم ان هذه الإستقالة لا تمثل الّا الخطوة الأولى في عملية التغيير المنشودة. وهذا سيمضي بثورة تشرين و بالعراق الى مرحلة تحديات جديدة ذات آليات تختلف عن تلك التي حكمت أطوار المواجهة السابقة. حيث تعكس هذه المرحلة الجديدة – و التي يمكن تعريفها بطور التفاوض – إنتقال المواجهة من النطاق الشيعي الى النطاق الوطني و ما يتضمنه ذلك من أبعاد جديدة تتعلق بالمكونين السني والكردي، وبملفات أكثر تعقيداً تتعلق بالنازحين وحقوق الأقليات والمناطق المتنازع عليها ونفط إقليم كردستان وهيمنة الأحزاب الكردية على الحياة السياسية في الأقليم. يضاف إلى ذلك القوى الإقليمية والدولية التي لم تحسم موقفها بعد من التغيرات المحتملة، وتأثير ذلك على بقاء القوات الأمريكية والتركية وقوات حزب العمال الكردستاني في العراق، وكذلك على النزاع الإيراني – الأمريكي (وحلفائهم).
إن مرحلة التفاوض هذه لا تتعلق فقط بإيجاد حالة تسوية مع أحزاب السلطة المكوناتية على طول الفضاء السياسي الوطني ، وانما – و هو الأكثر أهمية – التفاوض مع القوى السياسية و مؤسسات المجتمع المدني ذات الرؤية المشتركة مع حركة الإحتجاجات الشبابية من أجل تشكيل جبهة وطنية واسعة يمكن أن تكون عاملا حاسما في نجاح ثورة تشرين نحو التغيير السياسي و المجتمعي في العراق نحو الأفضل. إن هذه المرحلة – على تعقيداتها واحتمالات السير الى المجهول التي تبقى قائمة خلالها – يمكن إعتبارها من المتطلبات الأساسية من أجل إنجاز الإستحقاقات السياسية لحركة الإحتجاج الشعبية و عدم هدر سيل التضحيات التي جاد بها شباب العراق و بقية الشعب العراقي المساند لهم. كما أن ثورة تشرين تبقى فرصة فريدة لمعالجة هذه الملفات المعقدة التي تعد من أهم أسباب عدم الإستقرار السياسي المزمن في العراق والذي كانت أسباب ثورة تشرين إحدى نتائجه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الطائرات من دون طيار الفاعل الرئيسي الجديد في الحروب


.. سيول جارفة ضرب ولاية قريات في سلطنة عُمان




.. دمار مربع سكني بمخيم المغازي جراء القصف على غزة


.. المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي: سنرد على إيران وقاعدة نيفاتيم




.. بايدن ينشغل بساعته الذكية أثناء حديث السوداني عن العلاقة بين