الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحياة مَوقِفُ عِزٍ

مهند طلال الاخرس

2020 / 2 / 23
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


الحياة موقف عز

من لا يقرأ التاريخ لن يدرك الحقيقة ابدا. عقب احتلالهم سيناء اثر حرب 1967 حاول الإسرائيليون تحريض أهالي سيناء على الاستقلال بها، والإعلان عن دولة سيناء المستقلة، وحشدت إسرائيل في سبيل ذلك كل طاقاتها لتحقيق حلمها في نزع سيناء من مصريتها وعروبتها، وسعيا وراء الهدف التقى موشية ديان وزير الدفاع في إسرائيل آنذاك، عددا من مشايخ سيناء وأغدق عليهم بالهدايا والأموال لإقناعهم بفكرة تحويلها إلى دولة مستقلة.

في نفس الوقت علمت السلطات المصرية بتفاصيل المخطط الإسرائيلي، فقامت بتكليف الضابط السيناوي محمد اليماني بمتابعة القضية ، حيث طلب من المشايخ وفق تعليمات من القاهرة بمواصلة خداع ومجاراة إسرائيل في طلبها، وقام برصد تحركات العدو الصهيوني واتصالاته الدولية، في الوقت الذي وافقت فيه أمريكا وعدد من حلفائها على دعم القضية في حالة موافقة أهل سيناء على التدويل في مؤتمر عام يراه العالم كله.

ولان التاريخ لا ينسى ابطاله، ولان هكذا محطات تاريخية بحاجة لابطال تاريخيون يسطرون التاريخ بحروف من ذهب حتى تكتمل اركان القصة الرواية، فكان ان حمل القدر الينا الشيخ سالم الهرش ليتصدر القصة وليصبح بطلها الاشم.

بطلنا هو الشيخ سالم الهرش وهو بدويٌ مصريٌ ينتمي إلى قبيلة (البياضية)، القحطانية، هو شيخ أحد فروع هذه القبيلة الكبيرة، حيث تمتد هذه القبيلة من مصر إلى فلسطين والحجاز.

هذا البطل البدوي أفشل مؤامرة كبيرة، سعى الإسرائيليون لتنفيذها، بعد عدوان 1967م حينما أراد الإسرائيليون اقتطاع صحراء سيناء من مصر وبدأوا في نسج خيوط المؤامرة، بأن تغلغلوا داخل نسيج القبائل البدوية في سيناء، وظنوا وهم ينقلون الألبسة والطعام بالطائرات كهدايا لقبائل البدو أنهم نجحوا في شراء ولائهم!

اختارتْ المخابراتُ الإسرائيلية منهم شيخا، ظنوا أنه هو الرجل المناسب لتحقيق مؤامرتهم، كان هذا البدويُ شيخا بليغا، قويا، ذا شخصية مؤثرة!

اكتشفَ البدوي بحاسته الوطنية المؤامرةَ الصهيونية، اتصل بالمخابرات المصرية، أبلغها بالأمر، طلبتْ منه المخابراتُ المصريةُ أن يواصل تعاملَه معهم، ليكتشفوا المؤامرة، أرسلت له مصرُ مساعدين من المخابرات المصرية في زيِّ بدويٍ، وكأنهم من أفراد القبيلة، يوجهونه، ويساعدونه، طلبتُ منه أن يصنع وليمة كبيرة للقبائل، ليُثبت للإسرائيليين قدراتِه وكفاءَته!

حدَّد وزير ُالجيش الإسرائيلي، موشيه دايان، موعدا لتنفيذ بنود المؤامرة، مُستغلا صدمة العرب وإحباطهم بعد عدوان 1967 وانشغالهم بترميم خسائرهم فحشد المصورين والإعلاميين، من كل أنحاء العالم، ليشهدوا على تنفيذ المؤامرة، في مضارب البدو في سيناء، في منطقة، الحَسَنَة، في وسط سيناء، حيث يسكن البطل البدوي، الشيخ، سالم الهرش!!

كانت المؤامرة تنصُّ على إعلان سيناء دولة مستقلة، تحت رعاية الأمم المتحدة، بإجماع القبائل البدوية من أهل سيناء، لغرض فصلها عن مصر، اختار، دايان يوم 31-10-1968م موعدا للإعلان عن ولادة هذا الكيان الجديد!

خلال مؤتمر الحسنة وهو المؤتمر الذي أقامته السلطات الإسرائيلية في مدينة الحسنة بشمال سيناء في 31 أكتوبر عام 1968 عقب احتلالها لشبه جزيرة سيناء، حاول الإسرائيليون تحريض أهالي سيناء على الاستقلال بها وإعلانها دولة مستقلة للقضاء على تبعيتها لمصر وإثبات عدم أحقيتها في استرداد سيناء مرة أخرى ، ولكن بعد أن أتفقت مع مشايخ سيناء الذين بدورهم كانوا قد رتبو وبالسر امورهم مع دولتهم المصرية ومخابراتها، فقاموا بخداع الإسرائيليين وقام الشيخ سالم الهرش بإثبات تبعية سيناء لمصر في المؤتمر، مما تسبب في صدمة شديدة وفشل في المساعي الإسرائيلية.

جلس موشيه دايان، وإلى جواره، الشيخ البطل البدوي سالم الهرش، وكان قد استعدَّ لهذا اليوم، صعد الشيخ سالم إلى المنصة، قال:
"هل تثقون وتوافقون على ما سأقوله لكم؟!" هزَّ موشيه دايان رأسه موافقا، ابتسم بسمة انتصار، ظهرت واضحة على الرغم من العصابة فوق عينه اليُسرى، نظر إلى الصحفيين والضيوف، يستحثهم على التصفيق والتقاط الصور، واصل الشيخ سالم الهرش الخطاب قائلا:
"نحن المصريين، سكان سيناء نُقرُّ ونعترف بأن سيناءَ أرضٌ مصرية، لا مكان فيها للاحتلال الإسرائيلي، أنتم محتلون، نرفض تدويل سيناء، إن قرار سيناء حصريٌ في يد المصريين، لن نفرط بها"!!

انفضَّ هذا المهرجان بسرعة البرق، بعد ان ابتلع الإسرائيليون ألسنتهم، أخفى المصورون كاميراتِهم، اعتقلوا يومها أكثر من 120 من البدو، بدأ المحتلون الإسرائيليون يُنفذون مسلسلا جديدا ضد بدو سيناء، كانت الضحية الأولى هي قبيلة البياضية، قبيلة الشيخ سالم، هدموا بيوتهم، شردوهم، قتلوا كثيرين، حاصروا القبائل!

لم يتخلَ المصريون عن هذا البطل، بقيادة أبطالٍ مصريين آخرين ظلوا يُلازمون الشيخ سالم الهرش ، على رأسهم العميد، محمد اليماني، مكنوه من الهرب، هو وأسرتُه إلى الأردن، ثم كرَّمه الرئيس الراحل، جمال عبد الناصر، ومنحهُ، وسام الشرف الأول للجمهورية العربية المتحدة.
توفي البطلُ عام 1980، وظلَّ الجيشُ المصريُ يحتفلُ بهذه الذكرى في كل عامٍ، يوم 31 أكتوبر.

لاجل ذلك كله قالوا قديما حكمة اصيلة وخالدة: من لا يقرا التاريخ لن يدرك الحقيقة ابدا"، وعليه سنبقى نردد على مدى الايام: جرِّدوا الأمم من تاريخها، تسْهُل هزيمتُها!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن


.. الشرطة الفرنسية تعتقل شخصا اقتحم قنصلية إيران بباريس




.. جيش الاحتلال يقصف مربعا سكنيا في منطقة الدعوة شمال مخيم النص


.. مسعف يفاجأ باستشهاد طفله برصاص الاحتلال في طولكرم




.. قوات الاحتلال تعتقل شبانا من مخيم نور شمس شرق طولكرم