الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السلطوية الانتخابية

محمد ضريف

2020 / 3 / 17
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


شكلت الموجة الثالثة من الدمقرطة مع مطلع السبعينات من القرن الماضي لحظة تفكير وجدل جماعي بين الباحثين في حقل العلوم السياسية حول العلاقة الطردية بين الديمقراطية والانتخابات، فهذه الأخيرة في نظر العديد من المنظرين السياسيين تبقى المحرك الأساسي للتحول والتطور الديمقراطي مستدلين بذلك من خلال التجربة التاريخية والسياسية لبلدان أوروبا الوسطى، أوراسيا وأمريكا اللاتينية..لكن في المقابل، هناك من الباحثين من اعتبر الموجة الثالثة من الديمقراطية التي أعلن عنها المفكر السياسي الأمريكي"صاموئيل هانتنغتون" تحتوي على العديد من المظاهر غير الديمقراطية.
ليست كل الانتخابات التي تشهدها دول العالم المعاصر ديمقراطية، إذ طور الحكام أساليب عدة للتلاعب في الانتخابات لتحقيق مقاصد غير تلك التي ترجى من وراء الانتخابات الديمقراطية؛ لذلك لم تكن الموجة الثالثة من الدمقرطة لحظة تحول كاملة للأنظمة السلطوية، ففي بعض السياقات السياسية برزت نظم سياسية أخرى متحايلة على الديمقراطية، ومن هنا ظهر مفهوم "السلطوية الانتخابية" "Electoral Autoritarisme " ويقصد بها تلك الأنساق السياسية التي تنتج تعددية حزبية على المستويين المحلي والقومي، في حين أنها تجرد الانتخابات من أي فعالية ممكنة لها؛ وتفرز بذلك نظاما انتخابيا سلطويا. فالأنظمة السلطوية تمارس سلطويتها من وراء مؤسسات الواجهة للديمقراطية التمثيلية؛ فبداخلها يتم تنظيم انتخابات بتعددية حزبية؛ لكن مع انتهاك للحد الأدنى من المعايير الديمقراطية الليبرالية بأكثر طرق عمقا ونسقية.
فرغم أن الديمقراطية أصبحت ترتبط ارتباطا وثيقا بالانتخابات؛ إلا أن هناك خطورة بدأت تزحف على الديمقراطية التمثيلية في التاريخ الحديث وهي قصة التلاعب السلطوي بالانتخابات؛ فالأنظمة السلطوية تسعى إلى تنظيم انتخابات دورية للحصول على مظاهر الشرعية الديمقراطية وإرسال رسائل للجهات الداخلية والخارجية على أمل إرضائها، كما تسعى في الوقت نفسه إلى وضع هذه الانتخابات تحت مراقبة الضوابط السلطوية الصارمة، التي تسعى من خلالها إلى السيطرة على السلطة، لأن هدف هذه الأنظمة من تنظيمها للانتخابات هو جني ثمار الشرعية الانتخابية، دون تعريض أنظمتها إلى مخاطر اللايقين الديمقراطي.
فضلا عن ذلك، هناك أنظمة سلطوية استطعت التكيف مع الانتخابات ذات التعددية الحزبية، لكن دون أن تبلغ مقومات الديمقراطية كالانتقال إلى الديمقراطية أو الفشل الديمقراطي؛ فهذه الأنظمة ذات الانتخابات السلطوية يسعى مدبروها باستمرار إلى توظيف أساليب سلطوية وغير شفافة لتقليص حظوظ معارضيهم للفوز بالانتخابات؛ وذلك لكونها لها منطقها الخاص، فهي أداة قوية في يد الحكم السلطوي وللنخب الحاكمة لإفراغ الانتخابات من بعدها الديمقراطي من أجل الهيمنة والبقاء في السلطة.
تعيش الأنظمة السلطوية بحكم طبيعة مواقفها وتصوراتها للحكم و للسياسية قلقا مستمرا، فالخوف من انهيار أنظمتها الهشة يجعلها محكومة باللايقين، لأن شرعيتها لا تحصد من التمثيل الشعبي والمساءلة الديمقراطية، ولكن من خلال دعم النخب والمؤسسات الأمنية. لذلك، يبقى هذا النوع من الدعم محفوف بالمخاطر للغاية، لكونه لا يخضع لقواعد مؤسساتية وسياسية صلبة؛ وهو ما يجعل من النهايات الفوضوية أمرا ممكنا كالانقلابات والثورات والاحتجاجات. لهذا، كثيرا ما تكون الانتخابات صمام أمان لإدارة التهديدات المحتملة.
وأخيرا، تسعى السلطوية الانتخابية من تنظيم هذا النوع من الانتخابات إلى منح "هدية" للرؤساء لتحييد الزعماء السياسيين الأقوياء الذين يمكن أن يظهروا كتهديد لهم-حتى ولو لم يظهروا ذلك- والقيام بتعديل وزراء الحكومة بشكل مستمر، لإيهام الشعب بأن إعادة التعيين جارية، وإلقاء اللوم على الوزراء المعزولين بسبب فشلهم في حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية وليس على من يتحكم في مفاتيح القرار السياسي الحقيقي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الهجوم الإيراني على إسرائيل.. هل يغير الشرق الأوسط؟| المسائي


.. وزارة الصحة في قطاع غزة تحصي 33797 قتيلا فلسطينيا منذ بدء ال




.. سلطنة عمان.. غرق طلاب بسبب السيول يثير موجة من الغضب


.. مقتل شابين فلسطينيين برصاص مستوطنين إسرائيليين في الضفة الغر




.. أستراليا: صور من الاعتداء -الإرهابي- بسكين خلال قداس في كنيس