الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل فهم الرفاق حقا تجربة الاتحاد السوفياتي؟

جمال البزويقي

2020 / 4 / 23
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


ناضلت أجيال باستماتة لتسقط الأقنعة و تخط باللينينية خط العبور الثوري، وقد كان هذا الأمر يلزم فاهميه بتكثيف مجمل الجهود من أجل هذا العبور، على غرار الرَّقْدَةِ التي رقدها كثيرون قدسوا ألف باء التاريخ على حساب بقية الأبجديات، بحساسية مفرطة تكن عداءاً مستحكم للنقد و الوضوح، مبدلة اياهما بالدسيسة و التخوين، صانعة سقيفةً يحرم تجاوزها تستظل بها، مما عاد بانقطاعات تراكمت في خبرات و تجارب الأجيال المتعاقبة، انقطاعات كبّلت زخم الممارسة السياسية مبطلةً الطفرة فيها، عائدة بالمكتسبات المادية والمطلبية الى تكرار موسمي يؤول الى الاستسلام.

لا مجال للحركة المحورية للصراع الطبقي (الانجذابية) أن تعود الى الصفر، وان كان الجزرمداوما على صيرورتها، فللفكر و التمرس انغراس في النضج والتقدم حتى في تراجع دينامية الحركة، بيد أن المستوى التنظيمي للوحدات المصغرة و التنظيمات النقابية محكوم بعودته الى الصفر فعليا، خاصة حين تكون الأولوية للحركة الانتباذية في الصراع، وهو تنضيد ونتيجة للمحاولة الهادفة الى خلق وهم أيديولوجي داخل هذه الوحدات يشغلها عن برامجها وأولوياتها، وَهْمٌ خلق ثقافةً دخيلة تكتفي بالحفاظ على نفسها ميدانيا، و تبرر يائسة في الشق السياسي.
يساور المرء في كنف الوقائع انطباع: كأن هناك مكتبة للنسخ بجوار كل ميدان (بالأخص الطلابية منها) تسهر على نسخ أخطاء و هفوات سابقة معيدةً بيعها بشعار تسويقي مفاده "لقد بدأ الأمر لتوه"، والعديد يشاطر ذات الانطباع -وبلغة الاقتصاد الكلاسيكي- بأن في السوق يدا خفية تتحكم بوقائع مفصلية، حيث جعل المدركين لهذا الأمر لأجيال ينعزلون لسببين:- فاما أن يُنظر للأمر كهرطقة و حلقة مفرغة تحرق الذوات، لتُنتقد بلذاعةٍ تحرض هذه "المكتبات" كي تعزل وتطرد العارفين بخبايا الخدعة السحرية من صالة العرض - واما يكتفون بتثقيف ذواتهم وتبادل الأفكار مع من يقربهم، لكن وكونها عملية تفكير خارج البنية الفكرية المرسومة فالمكتبة ملزمة بتصفية أي "براديغم" يجعلها تبدوا غبية، مأكولٌ مأكولْ.

ولغياب التنظيم و التعبير السياسي دور في خلق البيئة المساعدة لانتشار طفيليات اليسارية الطفولية، الجاعلة من تكتيك الالتصاق بأجساد و روافد تستدفئ بها عقيدةً متوارثة، المجهريات محكومة بالهلاك كلما ارتفع زخم الجسد و زادت حرارته، لذلك يطغى القتال في سبيل الجمود و الركود و الخمول على طابع هذه الطفيليات..
لقد انعكس ذلك في مجمل الحركات الاجتماعية و الانتفاضات الشعبية خاصة الأخيرة، حيث صَعُبَ التمييز بين آراء "الرفاق" ومواقفهم و آراء الشوفيني و الاصلاحي و الظلامي ... في تحفظ شديد للاستخدام المصوغ لمفردة الرفاق هنا، مُدخِلاً في سماهَا من ليس أهلاً لِحِماها، قاصدا بها شكلها الفضفاض و العام لأسباب تتعلق بالبسملة الوديعة للمقال، ولنتسائل هنا اذا: هل فهم الرفاق "كمفردة عامة" ما خبِرَهُ الرفاق "كمفهوم خاص"؟ أو بصياغةٍ أقل حَذْلَقَة: هل فهم الرفاق حقا تجربة الاتحاد السوفياتي؟

ان عملية فهم التأثير البرجوازي و البرجوازي الصغير في الأوساط الثورية ودراسة بواعثه، يرجعنا الى مرحلة خاصة جدا في تاريخ الاتحاد السوفياتي، المرحلة حيث تفشت الانحرافات اليمينية و التصفوية المُبَشّرة بالتعاون الطبقي و البرلمانية البرجوازية الداعية الى التخلي عن النضال الثوري في الأحزاب الشيوعية و التنظيمات الثورية، كالوضع الذي تعيشه الحركة الثورية راهنيا جراء نسخ الدروس الغير مُدْرَكَة وتكريرها. لقد شكلت الحرب السوفياتية العظمى بقيادة العظيم ستالين ضد الفاشية وقتها، نقطة تحول في جدول أعمال الأحزاب الشيوعية العالمية التي كانت تضع في أولويتها الصراع الأيديولوجي والسياسي ضد الانتهازية بمختلف تجلياتها، فوضعية الحرب ألزم الأحزاب الشيوعية و القوى البرجوازية الديمقراطية بالاحتكاك والتحالف فيما بينها، لضرورة التحالف و صحته لتحقيق النصر على الفاشية، مما أضعف جاهزية الأحزاب الأيديولوجية و السياسية للتصدي للانحرافات اليمينية، خالقا مناخا عاما من التراخي وضعف اليقظة ازاء أعمال التخريب و المؤامرات الامبريالية، و هذا ما دفع بستالين بناء أساس متين لحملة واسعة ضد "التحريفية المعاصرة" التي برزت على نطاق واسع في الحركة الشيوعية العالمية، ابتداءا من ما قبل المؤتمر التاسع عشر للحزب البلشفي حيث نشر في أكتوبر 1952 "القضايا الاقتصادية الاشتراكية"، مرورا بخطاب ألقاه في الاجتماع الموسع للجنة المركزية للحزب البلشفي في 16 تشرين الأول سنة 1952، و العديد من الاجرات التي قد يطول تبيانها والتي تستبين هول الهجوم التحريفي ضد البلاشفة ومستويات تغلغلها، وهو صراع علينا أن نفهم كيف يمتد الى يومنا هذا، ألم تُستَغل حرب السوفيات ضد النازية كفرصة جمعت خطين ما كانا ليجتمعا أبدا؟ هاهي الحركة الطلابية(مثلا) تعيش على وقع حروب فصائلية تختار وقتا تطورت في الممارسة السياسية في تنظيم سياسي معين بشكل ميز بين ممارسة ثورية و ممارسة رجعية انتهازية، وافتعال حرب طاحنة تكتيك كفيل بجمع شمل الممارستين لتذوبا معا، أما في غياب عنصر النقيض الميداني فالأسلوب الخروتشوفي في تصفية الأفراد و عزلهم قد يفي بالغرض، وهو تكتيك ان فهمنا جدليته و كنهه سنراه في جل القطاعات التي تعيش ذات الكر و الفر.

ان اعتماد المزاجية في فهم تعاليم الماركسية اللينينية هو سير حثيث نحو النكسات والانكسارات والانعراجات نحو مستنقع الانتهازية، فقلة الكتابات في هذا الباب خلقت هوةً أسجل فيها نقطتين كسببين: الأولى، أن التطرق لهذه المسألة قد يخلق تصورا حول الكاتب كمتضايق أو مستاء أو غير متقبل لفكرة "على الحزب أن يصفي ذاته من الانتهازية"، و الثانية، أن الكتابة في هذا الباب قد ينظر اليها كتثمين لعناصر لا تستحق أدنى مجهود للحديث عنها، وقد يكون ذلك صوابا لولا تغير الظرف السياسي المثمن لضرورة فهم الظاهرة، فالسقوط في المستنقع يلطخ معه مدارس و خطوط جذرية بالطين، كان الساقطون بالأمس يمثلون فيها انعكاسا سياسيا، وهي ضربات سياسية، تطبخ تعويذة عودة الوضع التنظيمي (كما سبق الاشارة) الى الصفر..

فالمزاجية التي غيرت النظريات و قدّتها على مقاسات برجوازية بدل أن يغير الفكر طابع ذويها، قد وضع العوامل الخصبة لنمو طابع تحريفي بذيئ، وخلق نوعا من مزمزة النظريات وتغييرها، من باب أهم القضايا و الأطروحات، موغلة في قصها قصّا، كقضية المرأة المراد فهمها على أنها مداخلة لأنثى، والمسألة الثقافية كمدخل لتجزئة الأممية و توفير جو قَبَلي يلائم التزاوج القومي، وضرب الأفق المعرفي و السياسي باختزال الثقل الأنطلوجي في أوعية الكراهية والرفض اللامبرر عن طريق التفكيري الهُوَوِي ... حيث يستحيل بعدها الانتماء للفضاء الانساني.

لقد فهم زمرة من العملاء و الانتهازيين اللعبة جيدا، أكثر حتى من عدد من المناضلين، فالفهم و ان كان المحدد الغالب في الانعراج يمينا أو السير بشجاعة للأمام، فبواعث و أسباب أخرى غير الفهم تحدد للفرد تموقعه في المعادلة (غيرالمحدد الاقتصادي)، وهنا يومئ لنا الصراع الذي يخوضه علم النفس عله يصعد جنبا الى جنب مع علوم مثل السياسة و الاقتصاد... اذ تمخض عن تطور علم النفس مدارس مهمة كعلم النفس السياسي و علم النفس الجماهيري.. واجتهادات مهمة لتطوير علم النفس الماركسي من قبل مفكرين و علماء سُفْيِيتْ ونذكرمنهمiven pitrovitsh (الحاصل على جائزة نوبل في الفيزيولوجيا والطب عام1904)،piktriv (ليننغراد1927 -1857) وهو مؤسس معهد علم الأعصاب النفسي،alexander remanovich (كازان1902 – موسكو1978) figotsky (أورشا1896 – موسكو1934) alexiv necolov (موسكو1903 – موسكو1979) وهم مفكرين وباحثين التقوا لنين و أسسوا لعلم النفس السوفياتي، علما يدرس دوافع الأفراد و الادراكات الحسية، ودور الحززات النفسية والعامل النفسي في الخلافات السياسية، فالمتذبذ مثلا عند جان بياجيه هو انسان فقد الثقة في ذاته وارتكزت تربيته على الملائمة والألفة، والصفيق الساخر عند فرويد هو فرد عان في صغره من ظاهرة التنمر... حيث يعتبر علم النفس مرحلة الطفولة كتشكل كامل للاوعي (الطفل يتقبل أي فكرة كانت)، وقد نقول هنا أن المنظومة التربوية و التعليمية مصممة لخلق نماذج محددة من الأشخاص، لغايات سياسية استراتيجية، لقد استثمرهذا العلم جيدا من لدن المخابرات و البوليس السياسي، المعتمدة اياه في التجنيد و العمالة و نخر الحركات الثورية، وهو موضوع طويل نخصص له توطئته المستقلة متى استطعنا....).

ان كانت الثورة بوطننا لم تدخل غمار انتقالها السياسي بعد، فانه و بالمؤكد و في الخطوط الأمامية لملحمة الفكر الثوري فالمعركة قد بدأت بالفعل منذ الثورة الروسية، وهذا منوط بفهمنا للمادية التاريخية جيدا، وحيث ساهم البلاشفة في تقدم البشرية لازال التاريخ عالقا مترددا، لن يحسم تقدمه الا تشخيص المعضلة و استئصالها الانتهازية اليمينية منها واليسارية، وعزل أفكارها وبصماتها ... فان كان فهم التجربة البلشفية ملحاحا فالفهم درجات، يبقى في أدناها دافعي العربات، ينَظِّرون لتغيير العجلات..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفكيك حماس واستعادة المحتجزين ومنع التهديد.. 3 أهداف لإسرائي


.. صور أقمار صناعية تظهر مجمعا جديدا من الخيام يتم إنشاؤه بالقر




.. إعلام إسرائيلي: نتنياهو يرغب في تأخير اجتياح رفح لأسباب حزبي


.. بعد إلقاء القبض على 4 جواسيس.. السفارة الصينية في برلين تدخل




.. الاستخبارات البريطانية: روسيا فقدت قدرتها على التجسس في أورو