الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كل يوم كتاب؛ 60 مليون زهرة

مهند طلال الاخرس

2020 / 5 / 2
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


#كل يوم كتاب
60 مليون زهرة
رواية لمروان عبدالعال تقع على متن 287 صفحة من القطع المتوسط وهي من اصدارات دار الفارابي 2016.

الرواية بطلها المكان، والمكان هنا قطاع غزة، ومحور ادارة الحديث ورمزيته مقام ونُصب الجندي المجهول، فالجندي المجهول عصب المكان في غزة فهو ايضا عصب الحدث في الرواية، فحوله يجتمع الناس وتتعدد الالسن والوجوه والاحاديث حوله، يأتيه الناس من كل حدب وصوب، كل له حكايته ووجهته السائر اليها. منهم من يجيئه ليضع اكليلا من الورد عليه، ومنهم من جاء ليلتقط صورة معه، ومنهم من ينظر اليه بنظرة عتاب، ومنهم من يتأمل بقصة هذا الجندي المجهول وتاريخه وحكايته مع كل امة من الامم، حتى ان الاموات لهم ذكريات مع الجندي المجهول يجيئونه سائلين عن كيفية الاحوال من بعدهم والى اين سارت الامور وهل هي على ما يرام؟

في قادم الايام ستصبح الجماهير المحتشدة امام الجندي المجهول لها مطالب وامنيات جديدة، لم يعهدها الجندي المجهول من قبل، ستشهد ساحته وقفات احتجاجية تطالب بالحرية ،ليس من المحتل هذه المرة.....، سيشهد الجندي المجهول وقفات متكررة ومتعددة لاسباب لم يعهدها ولم يقف هنا لأجلها، سيشهد وقفات ضد غلاء الاسعار وضد جرائم الشرف وضد الانقسام وضد الانقلاب، وضد كل شيء ومع كل شيء....احدى تلك الوقفات كانت احتجاجا على اغلاق طريق الورد في وجوههم وتسكير المعابر، استمر الاغلاق، لم يستطع الجندي ان يأتيهم بفرمان يسمح لهم بتصدير زهورهم، جائت الجموع تحتج من جديد، هكذا ظن الجندي المجهول، لكنها تلك الوقفة لم تكن كسابقاتها، كان المحتجون يعلنون رسميا نعي موسم الزهور وموت 60 مليون زهرة.

كل تلك الوقفات اوجعت قلب ذلك الجندي المجهول، لم يعد لديه ما يعطيه لهم، لقد اخذت منه الايام اجمل ما فيه واعطته وردة، ومن ثقل تلك الورود كاد ان يقع ذلك الرشاش من يديه... قهرته الايام، لكنها لم تهزمه بعد.

الجندي المجهول الواقف هناك في غزة بكل شموخ والقابض على الجمر والمستعد دوما وابدا، الحامل بندقيته الكارل غوستاف بيده، هو الشاهد على كل المارين والمارقين والغاصبين الذين مروا او عبروا من هنا، هو الشاهد على الويلات والحروب التي كابدها القطاع وعلى الحصار والاستبداد الجديد وظلم ذوي القربى، دون ان ينسى تلك الصور المجيدة للثورة، والحياة البائسة ايضا، ودون ان يغفل عن طرح بعض المشاكل الاجتماعية الناجمة عن الحصار.

الجندي المجهول مركز الحدث في الرواية، وعنده تجتمع كل خيوط الرواية، وكل تلك القصص والحوادث التي تدور حوله لا ترتبط مع بعضها إلا بإلتقائها عند ذلك الجندي وهي تحمل في رأسها هدفا واحدا وهو كيفية الخروج من كل تلك العقد، قسم آخر من الناس كانوا صريحين، كانت لهم اسبابهم للتفكير والهروب من غزة، ولكل اسبابه ومبرراته.

لن يخفى على احد دلالة ورمزية الجندي المجهول واختياره مركزا للرواية وعصب الاحداث فيها، وعزز هذه الدلالة تعدد الشخصيات والمقاطع والصور الزمنية التي يتم استحضارها وتوظيفها في الرواية؛ فالجندي المجهول هو الشاهد على احد اهم الوجوه التي ميزت غزة، ففيها الانفة والعزة والتضحية التي امتاز بها القطاع، وفيها الموت الذي رافقها على طول العمر، وفيها الحب، وفيها اصحاب اللحى واتباعهم من مريدي الدين الجديد، وفيها الادمان والمخدرات، وفيها العبث وفيها القهر، والحرب الطاحنة والدموية التي يشنها الاحتلال دوما على القطاع، وفيها ايضا الحب وهو الاهم واحد اسباب البقاء والنصر القادم.

ولان تلك الوجوه والالسن الملتقية حول الجندي المجهول تحمل في طياتها شهادتها على كل شيء وتمثل كل المراحل، من تلك الاصوات ما تمثل المقاومة التي انطلقت من غزة منذ مصطفى حافظ الى مجموعات العمل الثوري في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات ومجموعات البطل جيفارا غزة دون ان ينسى الكاتب ان يستحضر ايضا كثيرا من الصور الثورية لغزة وصولا الى صورة تلك المجموعة الاخيرة التي شهدت ختام الرواية وتكفلت بأحداثها والتي اسماها الكاتب بابناء العنقاء، ولم يفت الكاتب ايضا ان يستحضر صورا تبرز مواقف بعض العملاء وتذكيرهم بأن الجندي المجهول ليس لهم فهو نقيضهم ويشاهدهم ويشهد عليهم.

في الصفحة 195 يعبر الجندي المجهول عن نفسه فيقول:" انا لست كما خيّل لكم، لست صنما كي اعبد، انا الجندي الذي يحتضن حشدا من ارواح خالدة وعتيقة مجتمعة في داخلي، كلها تغرد في اعماقي كطائر العنقاء، لم اعد اشعر بالامان حين تصبح الاماكن غريبة عني وعن الناس الذين لا يسكنوني.. لا اجد نفسي إلا ضميري وحيث انتمي. جندي مجهول يراقب بوابة السماء، ويعد خيوط الشمس وهي تسكب اشعتها الذهبية على مدى الرمل والبحر، ارواحهم كشجرة باسقة دائمة الخضرة، معمدة بزهرة الحلم التي لا تشيخ ولا تموت".

ولان الزهر اختبار الحرية، فمن المستحيل ان ترى ربيعا دون زهور، ولا الحرب لاتكتمل صورتها إلا بالموت والدمار، كانت الزهور تشكل على الدوام الوجه الآخر لها، ويحمل ظهور الزهور وتصدرها للحدث احدى امرين، فإما ان تستخدم كما جرت العادة بوضعها كأكليل من الزهور على مقام الجندي المجهول بما يحمل ذلك العمل في طياته من دلالات الوفاء والعرفان والعهد والاستمرار لمن قضى وقدم وضحى، او ان تستخدم لما جرت العادة عليه في استخدام الزهور كهدايا بين المتحابين.

لكن في غزة وحيث كثيرا ما يجتمع الحب والحرب فيحتاجان الورود لهذا السبب او ذاك، الا ان غزة عند ذكر سيرة الورد واغراضه، فيكون الاستدلال فيه له رمزيته وخصوصيته التي استحضر في الرواية لاجلها.

60 مليون زهرة تصدرها غزة الى العالم في كل عام! نعم 60 مليون زهرة كانت تصدرها غزة للعالم، لم يكن عيد الحب في اي بقعة من العالم يخلو من حضور غزة بأحلى واجمل الصور، كانت غزة تؤرق الكثيرين، لأنها قِبلة الاحرار وقُبلة المحبين، تلك الصورة وذلك الحضور لم يعجب الكثيرين، اولهم الاحتلال، وثانيهم كل من يكره الحب وعيد الفالنتاين ويعتبره رجس من عمل الشيطان.

تصحو غزة على مهل، لا شيء يدعوها للاستعجال او القلق، تتفقد ابنائها واشيائها، جاء صوت صراخ من بعيد: لقد تحرك الجندي المجهول من مكانه، لقد تحرك الجندي المجهول من مكانه، تبعه صوت آخر: انه يصعد شمالا، انه يصعد شمالا...
الى اين، الى اين؟
قال احدهم : ليحرس حقول الورد من بسطار الجيش.
قال آخر: لا ، لا ليس الامر كذلك، انه ذاهب ليقتلع الموت من ارضنا ويحرس ما تبقى من دماء الشهداء...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انفجارات أصفهان.. قلق وغموض وتساؤلات | المسائية


.. تركيا تحذر من خطر نشوب -نزاع دائم- وأردوغان يرفض تحميل المسؤ




.. ctإسرائيل لطهران .. لدينا القدرة على ضرب العمق الإيراني |#غر


.. المفاوضات بين حماس وإسرائيل بشأن تبادل المحتجزين أمام طريق م




.. خيبة أمل فلسطينية من الفيتو الأميركي على مشروع عضويتها | #مر