الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكورونا والخارج

محمد البوزيدي

2020 / 5 / 16
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات


لقد أعادت فترة "الكورونا" تمثلات الناس في العديد من المفاهيم، وقلبت تصوراتهم لقيم ومصطلحات شتى أصبح توصيفها يحيل على اعتبارات مختلفة لم ولن يبق موازيا له الآن أو فيما بعد. ومن أبرز العبارات التي تغير التمثل لها كلمة *الخارج *.
فقبل الكورونا كانت طموحات العديد من الشباب هو السفر لخارج أرض الوطن من أجل تنزيل أحلام وتحقيق طموحات اقتصادية في غالبها ونفسية في جزء منها حسب طبيعة الشخص والمنطقة التي توجه إليها سياحة أو عملا أو إقامة ،أو هجرة سرية .
لكن مالذي وقع في زمن الكورونا لمصطلح *الخارج*؟
فكما تابع الجميع عبر وسائل التواصل الاجتماعي،فإن العالقين في الخارج يكافحون ويحتجون بقوة للرجوع إلى بلدهم مقدمين كل الضمانات التي سيلتزمون بها فور دخولهم للبلد . فلقد كانوا شهود عيان على عجز كلي أو نسبي لمختلف الدول في التكفل بالحق في الصحة لمختلف المواطنين،حيث سجلت درجات خطيرة في أرقام الوفيات التي لا تتوقف منذ مارس الماضي،بل هل هناك من يتخيل أن يتخذ الأطباء القرار في تحديد الأحق بالعلاج والذي يقتضي ضمنيا ترك الميؤوس من حالتهم لقدرهم الحتمي؟ .
لقد لاحظ الجميع أن الموت اختطف أعدادا هائلة من الضحايا، ولم يتمكن الذين كانوا هناك من الهروب من العدوى والالتحاق بالوطن الذي لم تصل نسبة الفتك فيه مستويات عليا مقارنة مع البلد الذي علقوا فيه ،وذلك لحالة الإغلاق التي تضع احتمال نقل الوافدين للعدوى بعد الرجوع للبلاد.
كثيرون كذلك أصبح حلمهم الأقصى في الحياة الرجوع من الخارج ليودعوا حبيبا توفي في زخمة هذا الزمن بسبب الوباء أو بدونه.
كثيرون حلموا أن يواروا جثمانهم تراب وطنهم بعيدا عن غربة مقابر الخارج خاصة أن أكثر من 500 مغربي توفوا بسبب الكورونا .
وفي نفس الوقت الذي يطالب الناس للدخول من الخارج ،هناك العديدون الذين يحلمون بالخروج للخارج .
فقد فرضت حالة الطوارئ الصحية بالبلاد وما ارتبط بها من التزام بالحجر الصحي بالمنازل على الناس عدم الخروج إلا بإذن ووثيقة موقعة تبرز هدف الخروج وإلا كان هدفا للتوقيف واحتمال دخول السجن.
لكن طال الزمان وامتد في وقت لم يكن متوقعا ،فأصبح المطلب هو ولوج الخارج ،لكن خارج المنزل فقط
لقد أدت الأوضاع الداخلية للمنازل مع ما يرتبط بها من إكراهات فضاء السكن إلى ظهور ظواهر اقتصادية ونفسية واجتماعية متعددة ،فأصبح الكل يحلم بالخارج ليسترد حرية متوقفة حتى إشعار آخر .
كذلك بددت حالة الطوارئ إجراءات أصبح معها أقصى حلم الإنسان في الحياة الخروج فقط لقضاء غرض مصيري لا يتكرر مرة أخرى،وإلا كيف يستوعب شخص عدم تمكنه من توديع أبيه أو أمه الذي توفي بعيدا عنه بكيلومترات عدة ،وكيف لم يسمح له بحضور جنازته أو تلقي العزاء فيه ،خاصة أن منزل الفقيد ظل مفتوحا للآخرين لسنوات مضت ؟
كيف يمنع شخص نفسه من الاقتراب من أبيه أو أمه خشية أن يكون سببا في إصابتهم بالفيروس مع استحضار نقص المناعة للعجزة.
هو هكذا، الكورونا قلب المفاهيم وفرض على الجميع إعادة النظر في حياتهم، وترتيب أولوياتهم ومنهجيتهم وأساليبهم،وأبرز أن الفيروس أصبح شأنا مجتمعيا فرض على الكل برمجة حياته وفق منطلقات محينة قد تتغير من لحظة لأخرى.
أكيد بعد الكورونا سيأتي الذين هم في الخارج إلى الداخل ليحكوا قصص حزن كانوا من شهودها ،وسيعيدون النظر في مفهومهم ونظرتهم للخارج، وأكيد أن الذين هنا بالداخل سيأخذون تجربتهم بعين الاعتبار قبل أي مغامرة لرسم أولى خطوات الولوج للحلم الأوروبي.
كذلك، سيخرج الناس هنا للشوارع والساحات، وسينتقمون لأنفسهم بالبقاء أكبر مدة من الزمن وهم يستنشقون الهواء الجميل بعيدا عن ضيق الجدران الأربعة .
والجميع في الداخل أو الخارج ، سيعيدون في نهاية المطاف النظر في قيمة وأهمية الخارج لديه، سواء الذين علقوا هناك في دول المهجر عملا أو سياحة ،أو تعلقوا هنا للخروج للخارج .
ترى متى نخرج للخارج فعلا ؟ لكن خارج منزلنا فقط ...سلوكنا الجمعي يحدد التاريخ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استقطاب طلابي في الجامعات الأمريكية بين مؤيد لغزة ومناهض لمع


.. العملية البرية الإسرائيلية في رفح قد تستغرق 6 أسابيع ومسؤولو




.. حزب الله اللبناني استهداف مبنى يتواجد فيه جنود إسرائيليون في


.. مجلس الجامعة العربية يبحث الانتهاكات الإسرائيلية في غزة والض




.. أوكرانيا.. انفراجة في الدعم الغربي | #الظهيرة