الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين الرأسمالية والاشتراكية

محمد العرجوني
كاتب

(Mohammed El Arjouni)

2020 / 6 / 1
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات


******
إذا أردنا مقارنة بين نظامي الرأسمالية والاشتراكية، على إثر هذه الأزمة الناتجة عن جائحة كوفيد 19، بناء على الاستراتيجيات التي تبنتها مختلف البلدان التي تبنت أحد النظامين، لابد من التذكير أولا أن الأمر يتعلق بنظريتين مفكرٍ فيهما من قبل الإنسان لتنظيم حياته الاجتماعية سياسيا واقتصاديا. وبما أن الأمر يتعلق بنظريتين، يعني أننا لا زلنا على مستوى ما هو نظري، متابعين بطريقة لانهائية الصيرورة التاريخية. بمعنى آخر، يمكننا طرح تساؤل مشروع بعد الاطلاع على تجارب تهم النظامين، كيف يمكن أن تكون الرأسمالية في مفهومها المطلق؟ وكيف يمكن للاشتراكية أن تكون هي أيضا، في مفهومها المطلق؟ إن النظرية، كيفما كانت، تظل دائمة الانتظار إلى جواب "بومرنج" أي ارتدادي. وهذا الجواب بطبيعة الحال تقترحه التجارب الواقعية. فما تعيشه إذن الدول التي ننعتها كذلك أو نلصق بها هذا النعت، ألا يمكن اعتباره مستوى، لا زال دون غاية هاتين النظريتين؟ علما أن كلتا النظامين يقدمان لنا تطبيقات وتجارب مختلفة ومتعددة وليس تطبيق واحد نهائي، كما تأمله بدون شك كل نظرية في مفهومها المطلق. بمعنى، وإلى حدود الساعة، ولا دولة واحدة عاشت تجربتها تحت نظامها المختار بشكل عميق، لكي تستنتج منها الماهية الحقة لهذا النظام أو ذلك. لهذا السبب ربما نجد بأن الحرية التي تشهرها الرأسمالية على حساب الجانب الاجتماعي، تتمدد أو تتقزم من دولة إلى أخرى ومن دورة اقتصادية إلى أخرى، حينما يتعلق الأمر بالبلدان "الرأسمالية"؛ ولهذا السبب ربما أيضا تتشظى العدالة الاجتماعية وتتعرى على حساب الحرية الفردية، حينما يتعلق الأمر بالبلدان "الاشتراكية". فإذا اكتفينا بهذين المثالين اللذان يعتبران نواة كل نظام على حدة، هل في استطاعتنا إذن التضحية بالعدالة الاجتماعية من أجل حرية قاتلة؟ أو هل في استطاعتنا التضحية بالحرية من أجل عدالة اجتماعية ضاغطة على الفرد؟
هكذا، لا زلنا دائما على مستوى ما هو نظري، لأن التاريخ يواصل سيره والتجارب ليست نهائية، بل ربما لن تصل أبدا إلى نهايتها. هي عبارة عن قفزات لولبية خاضعة لديالكتيك، تعيد تشكيل الفكرتين: النظري والتطبيقي. محفزة هكذا الحاجة في اتقاد نحو إجابة كم هي محبوبة ومرغوبة، عالقة في قمة المطلق الذي تؤجله دائما تلك الفكرة النقيضة، أي النسبية.
من هنا وجب القول إن الاشتراكية لم تمت أبدا كما يعتقد من اعتنقوا فكرة فوكوياما الملتوية (والذي بالمناسبة بدأ يتراجع عن فكرته مؤخرا، من خلال حوار على إثر الجائحة 1*)، التي تتحدث عن نهاية التاريخ. نهاية معتقدة، تمحو في مخيالها الاشتراكية من محور ديالكتيك التاريخ من غير أن تنجز عدالتها الاجتماعية، مقدمة هكذا التماعة مغشوشة للرأسمالية. لكن الرأسمالية، نفسها بصفتها مثال مفكرٍ فيه من قبل الإنسان، هذا الإنسان بصفته شخصية التاريخ الأولى، ومحركا لصيرورته، لا يمكنها، أي الرأسمالية، أن تتفادى دورة الديالكتيك التي تساهم في سموها بشكل لولبي، اللهم إذا خرجت من مجرة اللبانة، وخرجت من التاريخ الأرضي. بمعنى أن هذا النظام لا زال يتعرض إلى مطاعن التطبيق، أي لازال في مداره النسبي.
فلنتذكر، في حديثنا عن الاقتصاد، الفيلسوف والباحث في علم الاقتصاد آدم سميث ومفهومه للاقتصاد القريب مما هو اجتماعي لأنه كان يأخذ بعين الاعتبار القوة العاملة، المسؤولة عن الثروة من خلال تحويل وإنتاج المواد الخام. إنه مفهوم ظهر مع فلسفة الأنوار وترجم على أرض الواقع مع الثورة الصناعية التي ألهمت الاشتراكية بطريقة أو بأخرى، وذلك عبر تأسيس النقابات التي ساهمت في ضمان نوع من التوازن بين رب المعمل أي الرأسمالية وبين العمال أي الاشتراكية. فبفضل القوة في عالم صناعي مبني على قانون الإنتاج، أصبح العمال بصفتهم منتجين ومستهلكين، ذوي قيمة عالية أكثر من الذهب الذي بدونهم لا يساوي شيئا. فيما اليوم، ومنذ البيريسترويكا والجلاسنوت، أي منذ الهجوم على تجربة اشتراكية وتفكيك معقلها، لا نتحدث إلا عن الاقتصاد المالي وخاصة مع تطور التكنولوجيا التي ساهمت كثيرا في المضاربات الافتراضية، وتفننت حتى في خلق عملة افتراضية: البيتكوين. هذه المضاربات التي تسمح بالثروة الفاحشة من غير إنتاج بالمفهوم الأولي للرأسمالية، علما أن الإنتاج كان في زمن مضى هو سبب الثروة. مضاربة ملهوفة، هدفها الثروة وإنتاجية خارج السياق الإنساني. وهكذا أصبحنا أمام ثروة مالية تتكدس من غير حاجة إلى مراعاة الجانب الإنساني، ومن دون أن تخلق أي عوامل إيجابية تعود بالنفع على الاقتصاد في خدمته للإنسان، كما كان الشأن مع مفهوم الاقتصاد، في بدايته مع مفكرين تنويريين. الحرية، بمفهومها الرأسمالي أدت إذن إلى آلام متعددة تعاني منها الشعوب، إذا استحضرنا مثلا حرية السوق والعولمة وتهجير المعامل إلى أماكن أخرى، بحثا عن يد عاملة رخيصة واستغلالها في ظروف لا إنسانية. هذه إذن تعاملات تعكس أخطر العواقب الناتجة عن الرأسمالية التي تتباهى بالحرية، والتي اتضح على أنها توأم الفسق المالي والأخلاقي. لهذا وجب القول إن الثروة لا يمكن تحقيقها خارج ما هو إنساني.
تلقى إذن هذا المفهوم للثروة ضربة قوية مع الحجر الصحي، وقد أدى التهاون "الديمقراطي" الناتج عن حرية قاتلة إلى انتشار الجائحة بسرعة مخلفة آثارا بالغة وسط البلدان الرأسمالية. في الجانب الآخر، أي عند البلدان "الاشتراكية" المبنية على مفهوم الأسبقية للجماعة أولا، حيث تتمركز القرارات في أيدي الدولة التي تدبر الشأن العام، فقد أبانت هذه الدول عن جانب إنساني، مغلبة هكذا فكرة الكائن البشري على فكرة الثروة. كل هذا، من دون شك، حسب معطيات أولية ملموسة منذ البداية، سوف يؤدي لا محالة إلى مراجعة فكرة البحث عن الثروة في غياب أو على حساب الإنسان وفضائه، أي الطبيعة، ما يعطي الصلاحية لمفهوم الاقتصاد المدبر من قبل الدولة بعيدا عن فوضى الخصخصة، أي ضد هذه الحرية المالية الفوضوية الناهبة للإنسان والطبيعة بدون حسيب ولا رقيب. وهكذا يتم الرجوع إلى تدخل الدولة فيما هو اقتصادي، لكن ليس بمفهوم الدولة العناية "الربانية"، وإنما كاختيار استراتيجي معقلن آخذ بعين الاعتبار كل الظروف ومحفزا العوامل الإيجابية في تكامل تام مع النظام البيئي. لأن الدولة تنهار إذا انهار الإنسان مكونها الأساسي.
في ظل هذا الصخب التمعني حول النظرية في علاقتها بالتطبيق، على مستوى نظامين متضادين، بكنف تاريخ، يبدو أنه غير عالمي، ما مصيرنا نحن الذين نُعتبر لا تاريخيين أو المقصيين من كل التجارب الفكرية والفلسفية؟
بصفتنا بلدانا خارج المعيار، كما يمكن القول، تابعين لهذا أو ذاك وتلعب بنا رياح الصراعات بين "الكبار"، نجد أنفسنا ببعد تاريخي آخر، ربما. بما أننا ملحقين في الغالب كرها لضعف ما، بأحد هذين النظامين، من غير أن نكون فاعلين فيهما، اكتشفنا ربما على أنه لا يمكن أن نعتمد إلا على أنفسنا أولا في علاقتنا بالآخر الذي يشبهنا ثانيا في حالة ضعفنا وتطلعنا، ثم في علاقتنا بالآخر القوي، وليس العكس. ربما الديالكتيك التاريخي قد يخصنا بدور مهم نلعبه لنحقق الطرح الثالث للديالكتيك أي التأليف أو التركيب. و بفضل خصائصنا الثقافية التي لا زلنا نمتلكها، أي بتشبثنا بالقيم الإنسانية التي لا زالت بكرا وخالصة بمجتمعاتنا "المتخلفة" اقتصاديا وعلميا، ألا يمكننا لعب هذا الدور الأساسي الذي تبين بالملموس أن الإنسانية في حاجة ماسة إليه، على كوكب مشمئز بسبب جشع فوبشري (فوق بشري)؟ وذلك بمراجعة أنفسنا على ضوء ما نمتلكه لتطويره إيجابيا لصالح الإنسانية باعتمادنا على إيجابيات العلم والاقتصاد والسياسة.
- 1* https://www.alquds.co.uk/%D9%81%D9%88%D9%83%D9%88%D9%8A%D8%A7%D9%85%D8%A7-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%A8%D8%A7%D8%A1-%D8%B9%D9%88%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9-%D8%B6%D8%B1%D9%88%D8%B1%D8%A9/
تحت الحجر الصحي 31-5-2020








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن


.. الشرطة الفرنسية تعتقل شخصا اقتحم قنصلية إيران بباريس




.. جيش الاحتلال يقصف مربعا سكنيا في منطقة الدعوة شمال مخيم النص


.. مسعف يفاجأ باستشهاد طفله برصاص الاحتلال في طولكرم




.. قوات الاحتلال تعتقل شبانا من مخيم نور شمس شرق طولكرم