الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من مختبرات الفحولة مع خالص حبي

روزا سيناترا

2020 / 6 / 11
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


بعد أسبوعين أتممُ عشر سنوات بالتمام والكمال بعيداً عن عائلتي وبيتي وبلدي، عائلتي التي لم أقابل أي فردٍ منها طوال السنوات الماضية فقط لأن أحدهم من هذا العالم قرر أن يحمل سكينه ويركض ورائي مثل كلبٍ مسعور محاولاً منعي من التنفس أو الحياة.
هذا القاتل موجودٌ في كل بيت عربي وفي كل حي، مرة نقابلهُ على شكل ذكر يتحفنا بشعارات دعوته المزيفة نحو التدين أو العفّة وكأن العفة مخلوقة بين رجليه وحسب ومرةً نراه على شكل ذكرٍ يقف على المنابر كي يقنعنا أنه الوحيد الذي يملك العلم اليقين ومرة يكون على شكل امرأةٍ غيورة من امرأة أخرى دُجنت منذ الصغر على أفكار الدونية لفكرٍ ظالم ومرةً نصادفه حتى في الشارع العام على شكل جارٍ أو خالٍ أو عم يبحث في كل فرصة عن التّدخل بأكثر تفاصيل حياتنا خصوصيةً كنساء وفي أحيانٍ أخرى قد نجده يسكن معنا في نفس البيت والمؤلم أننا كنساء نهب أحياناً كل حياتنا هديةً أو تبريراً أو طاعة ورغم ذلك نتعرض لأقسى أنواع التعذيب.
قد أكون من المحظوظات في الوطن العربي لأنني عشتُ طفولةً جميلة جداً تشبه طفولة سندريلا المدللة فعلاً وأنني حظيتُ بعائلة أحاطتني بالرعاية والحب من كل الجهات لكن ولأنني كبرتُ على حب الثقافة والأدب والتفكير والمنطق وزيارة معارض الرسم وأمسيات الشعر وثقافات الشعوب الأخرى والموسيقى الأصيلة نضجتُ قبل أواني لدرجة أن كل أصدقائي كانوا ومازالوا أكبر مني عمراً بعشر سنوات وأكثر.
الحروب أنواع منها الإجتماعية ومنها السياسية ومنها الشخصية وأبشع أنواع الحروب هي حروبنا مع ذاتنا في مرحلةٍ ما، هنالك حروب نختارها وأخرى هي التي تختارنا أما أنا فلا أذكر أنني اخترتُ حرباً ما في يومٍ من الأيام لأنني أعرفني جيداً امرأة سلام "جدعة بس قلبي قلب عصفور"، "قوية بس عبيطة ورومانسية".
عام 2010 بدأت كل الحروب علي من كل الجهات، الإجتماعية والدينية والشخصية وأقذرها كان الشخصية منها فالذين لم ينتصروا عليّ في كل حروبهم الساقطة لجأوا الى أبشع أنواع الهجوم الشخصي وتحريض الدنيا كلها عليّ .
ككاتبة وإذاعية لا أتذكر أن هنالك امرأة برقّتي تعرضت لهجوم مسعور من قبل من يسمون أنفسهم دعاة الفضيلة فقط لأنني تجرأتُ على أن أكون أنا بنسختي الأصلية دون رتوش أو كذبٍ أو نفاق وقرّائي ومتابعيني كذلك.
عام 2010 كانت المرة الأولى التي أخسر فيها ولكنها كانت حاسمة فقد خسرتُ كل شيء وخرجتُ من بيتي "بلا ولا شي"، فتاة في عمر الورد تخرج من بيتها في ليلة "ما فيها ضو قمر" لا تحمل شيئاً تحت أضلعها سوى الدموع، باليد اليمنى تتشبثُ بأصابع الشرطية وفي اليد اليسرى تحمل خيباتها أطناناً..
لم أقتل، لم أسرق، لم أتوحش ولم أوذِ أحداً وكل جريمتي أنني امرأة تفكر، تكتب وتحب الحياة .
كنتُ أكتب لقرائي في مرحلةٍ ما عن الكرز الذي أحب رغم أن ثلاجتي كانت فارغة وعن وجباتٍ كثيرةٍ تمنيتها ولم يكن معي ثمن شرائها وعن الدفء المخملي في حين لم أحظى بعناق وعن الرفق بالحيوان في الوقت الذي كانت تلمع فيه كدماتي كل ليلة ومن وجعي ظللتُ أنام على كرسي المكتب شهراً كاملاً دون أن أقدرَ على تحريك ظهري وأكتب كل شيء بالتفصيل في دفترٍ صغير قبل أن أضع السكين تحت مخدتي وأحاول النوم.
الغرباء يدوسون في أرضنا بأرجلٍ قذرة فلا نتأثر كثيراً، نشتمهم، نسبّهم ثم نمسح الأرضيةَ ونمضي
أما الذين اعتقدنا انهم أقرباء فهم يحفرون عميقاً ويزرعون مساميرهم ثقوباً في قلوبنا وهم يبتسمون.
خلال عشر سنوات كاملة كان عليّ أن أحارب الفقر الذي عشته بعد أن خسرتُ حياتي الكريمة مع أمي وأبي، كان عليّ أن أقرر هل استسلم وأسلّم أمري لموتٍ محقق أو أحارب الظلام وأنتصر..
كان عليّ أن أمحو عن قلبي كل الصفعات التي علّمت على وجهه، كل الدموع التي أغرقت دمي حتى صار مالحاً أكثر مما يجب، أن أتعلم من جديد كيف يتنفس البشر، كيف يعيشون، كيف يحاربون بذكاءٍ وهدوء، كيف يبنون مملكة نجاحهم لا قلاع رمالهم، كيف يغنون بصوتٍ رقيق ويقاومون الدم بالغناء..
بالمناسبة الغناء وسيلةٌ بطيئة لكنها رائعة، الغناء وسيلة مقاومة لا تذبح.
كان عليّ أن أحارب عالماً مجنوناً أرادني ضحية أخرى من ضحاياه وقصتي ليست القصة الأولى لإمرأة يحاربونها فقط لأنها تمتلك معظم معايير الجمال والثقافة والذكاء بحسب ادعاءاتهم، وكنتُ طوال الأعوام الماضية وفي كل ليلةٍ أسأل نفسي عن الجريمة التي ارتكبتها بحق البشر !
يؤلمني أصلاً أن مجتمعاتنا مازالت تعتقد أن كل امرأة جميلة هي بالضرورة يجب ان تكون غبية أو كل امرأة ذكية هي بالضرورة امرأة غير جميلة لأنها قاعدة تافهة لا علاقة لها بالواقع لأنه اساساً لا وجود لامرأة غير جميلة ، جمال الشكل نسبي أما القلب الكبير والروح الحلوة لا يتعوضان.
كان عليّ أن احارب ايضاً كل الأفكار السلبية التي كانت تحيطني من كل الجهات والمستقبل المجهول الذي كان يرعبني، ابتعادي عن كل العرب وعيشي في مجتمع أجنبي، اختلاف الثقافات والبيئة ونضالي الدائم نحو عدم نسيان هويتي الأصلية ولغتي العربية، الذكريات المؤلمة، الصور الحزينة التي لم تكن تفارق روحي، ومواجهتي للعنف مرة أخرى عام 2015 وأيضاً ويا لسخرية القدر في يونيو أيضاً هو نفس التاريخ الذي تعرضتُ فيه للعنف المرة الأولى وخسرتُ كل شيء بسبب "شقفة مقال" وحلقات من برنامجي في الإذاعة حول حرية المرأة.
خلال السنوات الماضية اضطررتُ للعمل 12 ساعة و14 ساعة كل يوم، ابتعدتُ قدر ما استطعت وأكثر عن كل تلك الجهات المتدينة المتطرفة التي حاولت ذبحي، غيرتُ إقامتي أكثر من خمس مرات في بلادٍ مختلفة، هربتُ من ملاحقات محققٍ خاص بسبب ذكر مهووس بي ومريض نفسياً، تحملت ما لم تتحمله جبال في صراعات البزنس أثناء ادارتي العامة لإحدى الشركات قبل أن أقدم استقالتي وأبني شركتي الخاصة .
في مشوار العشر سنوات هذه خضتُ الكثير من التجارب كي أتخلص من كل الآلام التي أثقلت كاهلي، منها تجارب لشفاء الجسد ومنها تجاربٌ لشفاء الروح وفعلاً شفيتُ تماما ولم يبق من تلك المرأة الحزينة سوى "أعضائها الداخلية" وعلى العكس تحولتُ الى امرأة مرحة تغني وتسرد النكات وتهدي العطور لموظفينها وتمارس الرياضة بشغف وعدتُ للكتابة بنهم ونجحتُ ببناء مملكتي المتواضعة في البزنس والتجارة وأعملُ الآن على كتابة كتابي الثاني والتجهيز لبرنامجي الإذاعي الثالث وخلال أسبوعين سيصدر لي كتابي الأول
" إعترافات امرأة عارية " الذي يبحثُ في مواضيع الجنس، طرق الشفاء من مشاكلنا المالية منها والنفسية، الغربة، الوحدة، النجاح وكيف نؤسس حياةً أكثر سعادة وراحة وثراء وآملُ أن ألتقي عائلتي قريباً.
في هذا الكتاب أتحدثُ عن كل التجارب الشخصية التي خضتها منذ 2010 وحتى هذه اللحظة.
لم أقل للغرباء يوماً أنني غريبة خشيةَ أن تعلقَ أنيابهم بفخذي ولكنني تعلمتُ جيداً كيف أرقصُ على إيقاع هذه الحياة بسعادة وأعتقد أنها أجمل مرحلة تحدث عنها نيكوس كازانتاكس على لسان بطله زوربا..حبيبي زوربا !
الفحولة ليست عضوا والرجولة ليست كذلك أيضاً والأنوثة أجمل ما فيها رقة الذكاء المتقد الذي لا ينطفئ أبداً.
ثقوا دائماً أنه مهما حصل هنالك دائماً نورٌ في آخر النفق .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مها أبو رسلان شقيقة شاب توفي تحت التعذيب


.. معرض --We Can صوت الأطفال النازحين من قطاع غزة




.. معلمات السويداء تشاركن في الصفوف الأولى للاحتجاجات


.. المحتجة إلهام ريدان




.. المعلمة المتقاعدة عفاف أبو إسماعيل