الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السلام سيرة حياة

عزيز سمعان دعيم

2020 / 6 / 12
سيرة ذاتية


بادر الطالب مصطفى جمال زبيدات بالمقابلة (وهو طالب في الصف الثامن في مدرسة مار يوحنا الإنجيلي الأسقفية في حيفا، أي على عتبة التخرّج) وذلك يوم 29.1.2018، وكانت المقابلة عبارة عن مهمة في اللغة العربية بإرشاد المربية نداء نصير، ثم تمت حتلنة المقابلة في الفترة الأخيرة (الآن، 6.2020، هو طالب في الصف العاشر في الكلية العربية الأرثوذكسية في حيفا).

المقدمة:
أستاذ عزيز دعيم هو شخص أفتخر وأعتز به وأنا محظوظ أنني أتعلم في مدرسته منذ الصف الأول.
أسّس طلابه على التربية، الثقافة والتعليم. قاد مدرستنا وجعلها من أفضل المدارس في حيفا. قام بالكثير من التغييرات والتطورات منذ أن استلم إدارة المدرسة، كل هدفه هو تقدّم ونجاح مدرسته وطلابه...
بعد موافقة المدير لإجراء المقابلة معه، توجهت إلى غرفته في اليوم التالي وكنت متوترًا، فقام بالترحيب بي وهدأ من ارتباكي، تبسّم بضحكته التي اعتدناها دائمًا ونحبها، وقال لي تفضل يا مصطفى بطرح أسئلتك كما تشاء...

بسمِ اللهِ نبدأ

المقابلة:

سؤال 1: أودُّ أن تعطيني نبذة قصيرة عن حياتك الشخصيّة والثقافيّة والتربويّة والمهنيّة منذُ الطفولة وحتى وصولك إلى الإدارة؟
وُلِدْتُ في قرية عبلين في الجليل، من مواليد 1964، درست في المرحلة الإعدادية والثانوية في قريتي، بين المرحلة الثانوية والجامعية عَمِلْتُ سنة واحدة، نصفها في مصنع بلاستيك في منطقة حيفا وكانت أول مرة أخرج يوميًا خارج قريتي، تلتها نصف سنة تقريبًا في فندق سونيستا في منطقة ايلات (وبالطبع اليوم الفندق يتبع منطقة طابا مصر)، خلال هذا العمل تعلمت الكثير من قيم العمل والجدّ والاجتهاد. لقد حصلت على الدعم من أهلي رغم صعوبة المعيشة حيث كنّا عائلة تتكون من عشرة أنفس، ثلاثة أخوة وخمس أخوات. أبي كان مربيًا لأجيال كثيرة وقد كان قدوة لي على مرّ السنين، كذلك كانت وما زالت أمي، ربّة بيت رائعة، إنسانة مُحبّة ومضحية لأبعد حدود. واليوم أشارك حياتي مع زوجتي رائدة وهي دكتورة متخصصة في مجال علم النفس العلاجي وتقوم بخدمة مجتمعية واسعة وهامة، ومعًا نعتني برعاية الرّبّ بأبنائنا ونفرح بتقدمهم: منار، يارا، سمعان وبشار.
درستُ في الجامعة العبريّة في القدس موضوع الكيمياء ضمن اللّقب الأوّل والكيمياء الصيدلية ضمن اللقب الثاني وحصلت أيضًا على شهادة تعليم. تلاها لاحقًا دراسة مجال الإدارة التربوية في جامعة حيفا، والاستشارة التنظيمية في كلية أورانيم، والتخصص في العلوم والتكنولوجيا في معهد التخنيون في حيفا، إضافة لدورات تعلميّة في مجالات متنوعة كل سنة كجزء من التطور المهنيّ. خلال مسيرتي الجامعية تعلمت قيمة احترام الآخر المختلف، وأهمية فحص الأمور وادراكها بعمق والاستفادة من الأمور البنّاءة الجديدة والإيجابيّة.
ابتدأت بممارسة مهنة التعليم كرسالة مهمّة لبناء أجيال، وفي مسيرتي التربوية علّمت مواضيع العلوم والكيمياء الموسعة والكيمياء الزراعية والتربية الروحية وجهزّت الطلاب لامتحانات البجروت لثلاث وخمس وحدات في الكيمياء، وفي سنة 2001 تعينّت مديرًا لمدرسة مار يوحنا في حيفا، حيث أخذتُ على عاتقي خدمة طلابها وطاقمها من خلال قيادة المدرسة وتطويرها للوصول بها إلى أعلى الإنجازات نحو الرؤيا وتحقيق الأهداف من ناحية تعليميّة، تربويّة وثقافيّة. كما وكنت شريكًا في تطوير منهاج الكيمياء لثلاث وحدات، وما زلت شريكًا في تطوير منهاج الدين المسيحي. في سنة 2016 أنهيت دراستي للقب الثالث (الدكتوراة) في مجال الإدارة التربوية في جامعة اليرموك في الأردن، وكان موضوع أطروحتي دور الإدارة المدرسية في نشر ثقافة السلام. كما وأنجزت في نفس العام مع طاقم المدرسة تغليف نتاجات منهجية ثقافة السلام، التي تشمل خزانة ومكتبة أدوات متنوعة قمنا بإصدارها وتفعيلها.

سؤال 2: متى بدأت بممارسة كلّ من مهنة التعليم ومهنة إدارة مدرسة؟
بدأت بممارسة مهنة التربية والتعليم منذ سنة 1987، كمعلم للكيمياء والعلوم في مدرسة الرامة الزراعية (أول تسع سنوات من بداية عملي)، ومدرسة الفرنسيسكان في الناصرة (من بداية عملي حتى انتقالي للإدارة في حيفا)، ومدرسة المخلص في الناصرة (إذ قمت بفتح فرع تخصص الكيمياء لعدة سنوات حتى انتقالي إلى حيفا)، كما وعملت سنة واحدة (سنة 2000) كمعلم ومرشد للمركزين في المدرسة المعمدانية في الناصرة. في سنة 2001 كانت بداية ممارستي لمهنة الإدارة التربوية، إذ عُينت مديرًا لمدرسة مار يوحنا الإنجيلي الأسقفية في حيفا.

سؤال 3: ماذا كنت تطمح في صغرك وهل كنت تتوقّع الوصول إلى هذه المكانة؟
غالبًا ما نستخف بقدراتنا وإمكانياتنا التي وهبنا إياها الله، لكني تعلّمتُ على مرّ السنين أنَّ تحقيق الذات من خلال الإنجاز والاجتهاد في الحياة لا حدود له. بإمكان كلّ إنسان أن يُحقق إنجازات هامة في كل مجال عمل وتعلّم، إن وضع صوب نظره أهدافًا واضحة، وثابر بمجهود خاص على تحقيقها دون كلل أو ملل، ومع تخطيط وتطبيق ومتابعة وتقييم ما يقوم به وتقويمه وتطويره وفق الحاجة. الأمر لا يتعلق بمركز أو منصب بل بتقديم خدمة في المجال الذي تحبه وتتقنه مهما كان ساميًا أو متواضعًا.
فاختياري لرسالة التربية والتعليم ومحبتي لهذه المهنة ناجم عن قدوة والدي لي في هذا المجال. لم أندم يومًا على كوني معلمًا ومربيًا، وذلك بالرغم من عدم تقدير المجتمع للعاملين في سلك التربية والتعليم بما يوفيهم حقهم، ولكن يكفي ابتسامة طالب واحد في لحظة واحدة، لتضمن لك أن عملك لم يذهب سُدىً، فمهنة التربية والتعليم هي المهنة الأكثر تأثيرًا على الإطلاق في المجتمع. حقًا في كلّ يوم ومع كل إشراقِ جديد للشمس، يزداد حبي وفخري واعتزازي بهذه المهنة.

سؤال 4: ماذا كان شعورك في أوّل يوم لك كمدير للمدرسة؟
في أول يوم كنتُ مُتحمسًا ومرتبكًا. صاحب حلم لتحقيق الأفضل لهذه المؤسسة، وقيادة القادة التربويين في المدرسة لنصل معًا إلى أبعاد تربوية –تعليمية جديدة، ومن جانب آخر كُنت حذرًا من التغيير السريع ومُرتبكًا بعض الشيء في كيفيّة ووتيرة عمل التغييرات، إضافة لضرورة التعرف والتواصل مع كل الأطراف الشريكة للمدرسة، وقد أحسست في بعض الأحيان أنني تائه أو غريب. واعتبرت الأمر بداية عادية وضرورية في متابعة شقّ طريق التقدم والنجاح والتألق للمدرسة، فالنجاح والتقدم غالبًا لا يتم فجأة إنما هو ثمر رؤيا اقترنت بمجهود مدروس وبمثابرة لا تكل، وبالطبع عند الحديث عن نجاح مؤسسة فلا يمكنك أن تنجح لوحدك، النجاح هو عمل شركاء، وبالتالي من الضروري تجنيد شركاء يدركون أهمية الرؤيا ويتبنون فكرتها ويجتهدون معًا في تحقيقها كلّ في مجاله وفي دوره.

سؤال 5: ما هي التغييرات التي قمت بها خلال إدارتك للمدرسة؟ وما هي الصعوبات التي واجهتها في سبيل هذه التغييرات؟
خلال سنوات الإدارة ساهمت، بدعم مجلس الإدارة وبشراكة طاقم المدرسة من معلمين وموظفين، في تطوير المدرسة في مختلف الجوانب، فعلى سبيل المثال في مجال تطوير المرافق والبنى التحتيّة قمنا بالعديد من المشاريع منها تطوير الساحات ومرافق مثل مختبر العلوم الحديث وغرفة حاسوب متطورة ومكتبة محوسبة عصريّة، كما سبقنا الوزارة بخصوص ربط كل غرف الصفوف والمرافق بمكيفات الهواء وبشبكة الانترنت، مما ساهم في إضافة نوعية للحياة المدرسية من تطوير جو وإقليم تربوي - تعليمي، إضافة للعمل على تمكين وصيانة وتطوير مبنى سانت لوكس التاريخيّ وقد كان مُهملًا، مما مكننا من تقديم خدمة لعدد طلاب أكثر في المدرسة. كنا دائمًا ننظر قُدمًا حتى ولو كانت الميزانيات شحيحة، ولكن بإدارة وتخطيط حكيم للميزانيات وبالاتكال على الله أمكننا تحقيق أمور كثيرة وعظيمة.
وفي الجانب التربويّ-التعليميّ كنت مهتمًا في تقدم المعلمين والطاقم من خلال تشجيعهم على التطور المهني في الاستكمالات خارج المدرسة والاستكمالات المدرسية وفي التقدم الأكاديمي، إضافة لتمكينهم من خلال مهام وإدارة مجالات بمساحة حريّة تُنعش الابداع، مع تقديم الارشاد والمشورة والتوجيه وتوزيع المهام وفقًا للتخصص أو التوجه والدعم والتقويم وفق الحاجة. حقيقة أعتز بطاقم المعلمين والموظفين فهم روعة في الإنسانية والمهنية، وهم من ساهموا في تحقيق الإنجازات ورفع التحصيل ورفع شأن المدرسة في الوزارة والبلدة وبين مدارس الدولة كافةً في جميع المجالات.
وفي جانب البرامج والمشاريع، قمنا بالعديد من الأنشطة والفعاليات والتي تكللت بعد مثابرة ودراسة ومجهود وشراكة طواقم ومرشدين دام أكثر من عقد من الزمن، فأثمرت منهجية متكاملة لثقافة السلام بهدف تدعيم هدأة البال وتعزيز الامتياز، وكل هذا مُجَسّم في موديل (نموذج) مميز ومكتبة أدوات غنيّة بالمواد والتفعيلات لجميع الأجيال.
وأكثر ما يُسعدني هو تحوّل المدرسة لمركز تربويّ-تعليميّ تجمع في داخلها فسيفساء اجتماعي-ثقافي ولا أجمل، طلابًا وطالبات من أكثر من عشرين بلدة من حيفا والجليل والمثلث. فكم أستمتع بالحوار مع مجموعات الطلاب (مجموعات تركيز)، أختارهم أحيانا من نفس البلدة وغالبًا من مزيج بلدات، ونتناول وجهات نظرهم في قضايا ومضامين تربوية وتعليمية.

سؤال 6: في السنوات الأخيرة حصلت المدرسة على عدّة جوائز، ما هي هذه الجوائز؟ وكيف حصلتم عليها؟
بنعمة الرّب وبمشاركة الطاقم الرائعة حصلت المدرسة على جوائز وشهادات تقدير في مجالات متنوعة تتسم بالتنوع والتخصص، منها: البحث العلمي، مسيرة الكتاب الخاصة بالمطالعة المُوجّهة، ومسابقات قطرية في اللغة الإنكليزية والعربية والرياضيات، إضافة لتقدير على أعمال تطوعيّة وخدمات وإنجازات تربويّة وتعليميّة، فيما يلي ملخص لبعض الانجازات:
في سنة 2003 حصلت المدرسة على شهادة نخبة المئة من نقابة المعلمين العامة، تقديرًا للعرض المحوسب الذي أظهر بإبداع الجذور التاريخيّة والتربويّة لها.
في سنة 2008 حصلت المدرسة على جائزة المدرسة المتفوّقة ومديرها من قبل وزارة التربية وبلدية حيفا.
في سنة 2009 حصلت المدرسة على جائزة استقلالية الطاقم (الأوتونوميا) من نقابة المعلمين العامة، تقديرًا للعمل والإدارة الاستقلالية المُتاحة للطاقم التربويّ-التعليمي وانتماء الطاقم المتميز للمدرسة. في سنة 2011 حصلت المدرسة على شهادة مصادقة على أنها مدرسة معزّزة للصحة* (نجمة واحدة) بمصادقة وزارتي الصحة والتربية.
في سنة 2013 حصلت المدرسة على مصادقة بأنها مدرسة خضراء بمصادقة كل من وزارتي البيئة والتربيّة.
في سنة 2013 تمّ قبول مبادرة "ثقافة السلام" التي قدمتها المدرسة لقسم المبادرات والتجارب التربوية في وزارة التربية وصودق على المدرسة بكونها مدرسة تجريبية من قبل وزارة التربية، وقد كان في فريق المرشدين أهالي طلبة من ذوي الأسماء المرموقة في التعليم العالي والبحث العلمي ومنهم: بروفسور حسام حايك، دكتورة هالة خوري بشارات، دكتور خليل ريناوي.
في سنة 2015 حصلت المدرسة على شهادة مصادقة على أنها مدرسة معزّزة للصحة** (نجمتان) بمصادقة وزارتي الصحة والتربية.
في سنة 2017 حصلت المدرسة على شهادة تقدير من رئيس الدولة لدورها في الحياة المشتركة من تعارف ومشاركة فعالة بين طلابنا وطلاب مدارس عديدة من مختلف الخلفيات.
في سنة 2018 تمّ "تغليف" منتج "مبادرة ثقافة السلام" ضمن "مدرسة تجريبية" إذ تحولت المبادرة التربوية إلى منهجية ومكتبة أدوات لجميع الأجيال وبعدة لغات، دعيت بـــ "منهجية ثقافة السلام" وتهدف لتدعيم هدأة البال وتعزيز الامتياز، وقد نالت اعجاب ومصادقة وزارة التربية والتعليم.
في سنة 2018 أنشأت وزارة التربية والتعليم شبكة مدارس دُعيت "شبكة مدارس مُولّدة للحداثة" وقد كانت مدرستنا من أوائل المدارس التي ضمتها الوزارة لهذه النخبة، واستلمت شخصيًا شهادة مصادقة باسمي كعضو مؤسس في هذه الشبكة.
في سنة 2019 حصلت المدرسة على شهادة مصادقة على أنها مدرسة معزّزة للصحة*** (ثلاث نجم) بمصادقة وزارتي الصحة والتربية.
في سنة 2019 حصلت المدرسة على مصادقة بأنها مدرسة خضراء دائمة بمصادقة كل من وزارتي البيئة والتربيّة.
في سنة 2019 اشتركت المدرسة في مشروع "مسارات سباق"، وقامت المدرسة بتطوير مبادرة جديدة مع قسم المبادرات التربوية في الوزارة، بعنوان "يوميات متنامية رقمية"، وقد نالت تقدير المسؤولين وتمّ ضمها سنة 2020 ضمن كتاب شمل أهم 40 مبادرة تربوية في البلاد.
في سنة 2019 صودق على المدرسة من قبل وزارة التربية كمدرسة "متميزة" مع شبكة المدارس المسيحية في البلاد.

سؤال 7: تُعتبر المدرسة من المدارس الرائدة في حيفا، كيف لكم أن تُحافظوا على هذا النجاح؟
هنالك ثقافة تنظيميّة تتمتع بها المدرسة وتُؤثر في كل واحد من طاقمها. روح هذه الثقافة مُؤسس على محبتنا لله ومحبتنا للإنسان، وذلك من خلال بناء روابط لعلاقات ايجابية وتعميق الثقة وتوثيق الاحترام المتبادل ومشاركة الإنجازات والاستفادة من الخبرات المتبادلة، وتمكين وتطوير عمل الفريق بين أعضاء الطاقم. كلّ هذه تساهم معًا في الاهتمام بكل طالب وطالبة في كل المجالات، إن كانت صحيّة، عائليّة، اجتماعيّة، سلوكيّة، تحصيليّة وتربويّة.

سؤال 8: ما هو حسب رأيك دور الطلاب في نجاح منهجية ثقافة السلام؟
للطلاب دور هام في إنجاح منهجيّة ثقافة السلام، فهي أصلًا وقبل كلّ شيء مُخصصة لهم، لأجل تدعيم هدأة البال في حياتهم وتعزيز ورفع مستوى الامتياز لتحقيق ذواتهم من خلال بلورة الرؤيا الذاتية لكل منهم، والمثابرة في التصويب نحو المستقبل لإدراك أهدافهم بنجاعة وفاعلية. من خلال تجاوب الطلاب وتفاعلهم مع فكر وأدوات منهجية ثقافة السلام وسماع انطباعاتهم وملاحظاتهم ومقترحاتهم للتطوير والتحسين والملاءمة بما يساهم في تحقيق أهدافها للأجيال المختلفة.

سؤال 9: هل لك أن تُعرفنا باختصار على منهجية ثقافة السلام؟
منهجية ثقافة السلام تهدف لتدعيم هدأة البال لدى الفرد وتعزيز الامتياز العملي. تمّ تطوير المنهجيّة كبرنامج شامل ليتضمن مكونات أساسيّة تمس كل مجالات حياتنا ومجتمعنا. فهي ليست بصدد مشروعًا يستخدم لفترة محددة، إنما منهجيّة متكاملة يتم تفعيلها من خلال عملية وحلقات حلزونية تتسع بشموليتها لتحتوي على مراحل عديدة من: دراسة وتخطيط وتطبيق وتقييم وتقويم للبرامج والفعاليات والمشاريع والأنشطة المتنوعة التي تساعد على تفهم مضامين وقيم وتوجهات ومهارات ثقافة السلام، وتساهم في التأثير الايجابيّ على تصرفات كل منا: طاقم مدرسي، طلاب، أهالٍ ومجتمع، لعيش حياة أفضل ولمستقبل مبشِّر بالخير والرقيّ. نعلم أن التربية للسلام تؤثر إيجابيًا على كل من هدأة البال والامتياز لدى من يتبناها ويتدرّب على العيش بموجبها.
التربية للسلام لا تقتصر على عدم وجود الحروب أو العنف، بل هي تربية متكاملة لنمو الإنسان وتطوره من ناحية ذاتيّة واجتماعيّة ومجتمعيّة وروحيّة حتى يكون شخصًا نافعًا وداعمًا لسيرورة السلام الشامل في مجتمعه وعالمه. من لا يوجد سلام في داخله لا يمكنه صُنع سلام، ومن هذا المنطلق نهتم بالسلام الداخليّ للإنسان، فعندما أحب ذاتي وأقدر نفسي، أي الشخص الذي "هو أنا"، وأدرك أنّ لله خطة رائعة لحياتي ولمستقبلي، عندها أستطيع أن أحب الآخر أيًّا كان، في الدوائر الحياتيّة المختلفة، وأمارس ذلك بعلاقات سليمة.

سؤال 10: هل لك أن تُحدّثنا عن مساهمة أحسست فيها أنّك حصّلت نجاحًا كبيرًا للمدرسة؟
منذ بداية عملي في مدرسة مار يوحنا كان يُشغلني السؤال: ماذا يُميّز مدرسة مار يوحنا؟ ما هو الأمر الخاص بها والطابع المُميز لها؟ بالطبع لمدرسة مار يوحنا على مرّ العصور دور هام في مجتمعنا وبلادنا، ومساهمة إداراتها وطواقمها كانت وما زالت رائعة في تصميم وتطوير المسيرة التربويّة التعليميّة الرائدة، فوجود واستمرارية المدرسة في تأدية رسالتها ورؤيتها وحتلنة أهدافها وفق الرؤيا والمتغيرات والمستجدات من أجل تحضير طلابنا وأبناء مجتمعنا لمستقبل أفضل، هي أكبر إنجاز ومساهمة نوعية. وإذا حاولنا التخصيص، بلا شك أن تطوير منهجية ثقافة السلام لتدعيم هدأة البال لدى الطلاب وتعزيز الامتياز لديهم هي عمل تربوي – إبداعي بدرجة أولى، فهذه المنهجية شكّلت وبلورة توجه المدرسة كمركز لصنع السلام، ولونت التربية عمومًا بإشعاعات زاهية تشع منها لمؤسسات تربويّة أخرى وللمجتمع كافةً.

سؤال 11: ما هو سرّ استقطاب المدرسة لطلاب من أماكن بعيدة؟
ببساطة السرّ في نعمة الله التي تعمل فينا، بالرغم من الإمكانيّات القليلة والموارد الضئيلة والبنى التحتيّة غير العصرية، فالله بارك هذه المدرسة باختيار طاقم رائع يتبنّى تربية تنظيميّة إنسانيّة روحيّة مهنيّة، تُساهم في استقطاب الكثيرين من عائلات الطلاب من بلدان عديدة، إذ يطلبون مؤسسة تربوية تعمل على تطوير شخصيّة أولادهم وتساعد طلابها على تحقيق ذواتهم وتحضرهم للمستقبل.

سؤال 12: حسب رأيك، ما هي شروط النجاح التي يجب أن تتوفّر لدى مدير المدرسة؟
إدارة مؤسسة تربوية ليست بالأمر السهل، ومع ذلك فالعمل الإداري وأن تطلب الكثير من الوقت في القيام بالمهام اليومية والتحضيرات الأسبوعيّة والتقييمات الفصلية أو السنويّة، لكنه يبقى الجانب الرسمي، في حين أنّ الجانب الأساسي والمركزي وأساس كل نجاح في التقدم والتطور والانطلاق هو الجانب القياديّ، وهو جانب مختلفًا كليًا عن الجانب الإداريّ، ويتطلب مهارات خاصة ومميزة. إنّ التحدّي الأكبر لمدير المدرسة هو أن يكون قائدًا تربويًّا يتميّز بمحبته لمن هو مُوكّل عليهم، من طاقم تربوي وموظفين وطلاب، واهتمامه بكل منهم وإيصال رسالة ورؤيا واضحة للطاقم لتمريرها للطلاب، وأن يكون هو أوّلًا نموذجًا للقائد الخادم وأن يُطور قادة لخدمة طلابهم. من المهم أن يتحلى المدير بمهارات ومؤهلات تجعله يجمع ما بين المحبة والحزم باتزان حكيم، ليساهم هذا الأمر في صقل التربية التنظيمية للمؤسسة وتطوير شخصيته هو وشخصية الطاقم وبالتالي شخصية الطلاب، وكم تكون الفائدة رائعة إن امتد الأمر للأهالي والمجتمع.

سؤال 13: من هو المعلّم الناجح برأيك؟
المعلّم الناجح هو المعلّم الذي يحب مهنته ويصقُلها برسالة انسانية-تربوية، ويتخصص فيها ويداوم على التطور المهني له، فيتمكن من إدارة الصف بالشكل الرائع من خلال معرفته المتعمقة في موضوع التعليم وأساليب واستراتيجيّات التعليم والقيادة الصفية.
من المهم ان يكون المعلم قبل كل شيء مربيًا، يزرع القيم الانسانية، ومحبة الله والانسان، ويشجع المواقف والسلوكيات البناءة من خلال دمجها في عملية التعليم، وبذلك يساهم في بناء مجتمع سلمي يخدم المصلحة العامة ويجعل الحياة فيه نعمة وبركة.
كذلك من الضروري أن يمتهن المعلم مهنته ويتقنها، فالتعليم مهنة سامية، لها مضامينها وأدواتها ومبادئها وتوجهاتها. يجب أن يكون التعليم مشوّقًا وذا معنى، وأن يمس حاجة واهتمام الطالب ويترك لديه أثرًا خاصًا، فالتعليم ليس مجرد حفظ أو اكتساب معلومات، بل مساهمة في تطوير الذات وتحضير الطالب في مسار الإنسانية، وصقل شخصيّة تعيش حياتها اليوميّة بسلام وامتياز وتحقيق الذات.

سؤال 14: من هو الطالب الناجح بحسب رأيك؟
الطالب الناجح هو من يدرك أن التعلّم هو مهنته الأساسية في هذه المرحلة من حياته، فهو غير مُطالب بتسديد حاجاته، إذ هنالك من يُمَكّن له هذه الموارد، وبالتالي عليه أن يستثمر وقته ويُركز على التعلّم باهتمام وانتباه واجتهاد لا يكّل ولا يملّ. مهم أن يتدرب ويطور مهارات الفهم والاصغاء والتركيز وطرح الأسئلة والتلخيص والمشاركة، وتطوير وتحفيز عقله في التدرب على حلّ المشاكل والصعوبات المرتبطة بالمواضيع التعليميّة، والتعمّق والتوسّع في مضامين تهمّه والإبحار في العمل الإبداعي والمبادرات، وأن يعمل كلّ ذلك باستمتاع، فما دمت مضطرًا على فعل مهامك فاعملها بمتعة.

في الختام شكرتُ المدير كثيرًا، هرولتُ مُسرعًا إلى الصف من شدّة الفرح والسعادة لأنني تعلّمتُ الكثير من أستاذي الرائع، فهو إنسان قبل أن يكون مسؤولًا ومديرًا. مدرستنا محظوظة أنّ لديها مديرًا مثله، فبعد سماع كلامه تشجعت في عمل الكثير من الأمور. حقًا أنا أفتخر وأعتز به، وتمنّيتُ في سرّي أن يكون جميع مديري المدراس مثله.
علمتُ أنني لم أكن على خطأ عند اختياري له لإجراء المقابلة، وفي النهاية كانت رسالته لكل طالب: أنت إنسان قبل كل شيء، صغيرًا كنت أم كبيرًا. لكَ كيانكَ، ولكَ حضوركَ، ولك اهتماماتك وجوانب قوتك وضعفك. خُلقت لتحلق في فضاء أحلامك، وخالقك رتب لك أفضل خطة لحياتك لتكتشفها وتعيشها وتحققها. فعش في مخافة الله ومحبّة الإنسان، وكُن أروع ما تستطيع، كُن ذاتك.
لكَ منّي أستاذي العزيز كل التقدير والاحترام!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القادة الأوروبيون يبحثون في بروكسل الهجوم الإيراني على إسرائ


.. حراك تركي في ملف الوساطة الهادفة الى وقف اطلاق النار في غزة




.. رغم الحرب.. شاطئ بحر غزة يكتظ بالمواطنين الهاربين من الحر


.. شهادات نازحين استهدفهم الاحتلال شرق مدينة رفح




.. متظاهرون يتهمون بايدن بالإبادة الجماعية في بنسلفانيا