الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بمناسبة اليوم العالمي للاجئين، أو عندما تَقَرَّرَ حِرمانُنا من الحق في الوطن

عبد الله يعلى

2020 / 6 / 28
سيرة ذاتية


حينما اشتد القتال ضد شعب الريف، والتَفَّ حبل الإستعمار على عنق قائد المقاومة المسلحة، صرَّح الخطابي قائلا: "إذا تناهى إلى أسماعكم أن الإستعمار أسرني أو قتلني أو بعثر جسمي كما يُبعثر تراب هذه الأرض، فاعلموا أنني حي وسأعود". هكذا نحن الريفيون، إذا بلغ إلى علمكم أن المخزن إختطفنا أو إغتالنا أوهجرنا وشردنا من وطننا، فحتما سنعود إلى الوطن الذي سكننا قبل أن نسكنه، الوطن الذي نحمل قضيته أينما رحلنا وارتحلنا، أما الرجوع إلى الريف فهو حق سنؤكده ولو بجثثنا إن إقتضى الأمر.
كان عقرب الساعة يتجه نحوى الأعلى، بحركات ثقيلة وثابتة، وقبل أن يستقيم ويتربع عند 00:00، جرت وقائع كثيرة، ليعلن الزمن عن مَولِد يومٍ جديد، ويبدأ الصراع شاركت فيه أطراف متعددة، من هنا وهناك. لم يتمكن المخزن بعُدّته وعتاده، وفشلت ما يسمى (بالفرقة الوطنية) ومعها عشرات الأجهزة العاملة تحت لواء النظام، وبمساعدة عشرات المتعاونين، من إلقاء القبض علينا تلك اليلة 16/ 17 يونيو 2017، بعدما رفعنا تحدي في وجه قوات المخزن، فلم ينفعه حصار الجبال النائية ولا تطويق منازلنا ولا وضع الحواجز في المسالك الطرقية.. الخ.
في الوقت الذي كنَّا مطالبين فيه لدى المخزن، ومصيرنا كان سيكون كمصير باقي المختطفين الريفيين؛ تعذيب، اغتصابات، محاكمات صورية، عقود بل قرون من السجن (308 عام فقط لمعتقلي عكاشة)، كنَّا نخطوا خطوات ثابتة. لذلك قررنا عدم تسليم أنفسنا (أنا والناشط فيصل يُعلا)، أولا: إمانا منا بعدالة قضيتنا ومشروعيتها، ثانيا: لكوننا ريفيين رافضين للمخزن، وعلى عِلم بالحجم السياسي لقضية الحراك الشعبي بالريف، ومتوقعين للمجازر التي ستُرتكب فيما بعد داخل المحاكم، ونحن نعرف جيدا هذا المخزن الذي نواجهه أكثر مما يعرفنا.
أمام هذه المعطيات المجتمعة لدينا، ما كان علينا إلا أن نتبع مسار زعيم ثورة الريف، "محمد نْ رْحَاجْ سلام أمزيان"، والوجهة إلى مليلية. بعد أيام قليلة وغير بعيد عن حصن "رُسْتْرُوغورذُ" Rostrogordoالرهيب الذي قضى فيه مولاي محند 11 شهرا من الإعتقال، وجدنا أنفسنا تحت الإقامة الجبرية، ومحاصرين من كل الجهات، وحُرمنا من حق التنقل، ومن سوء صُدف التاريخ؛ فُرض عليَّا أن أقضي في تلك الظروف 11 شهرا، بينما رفاقي قضوا أكثر.
إن هذه الرحلة من جبال ثمسمان إلى مليلية، كلفتنا ما يزيد عن 60 ساعة، وعشرات الكيلومترات مشيا، كما كلفتنا معرفةً عميقةً بفِجاج الريف ومسالكه، وتشبثا منقطع النظير بكرامة الإنسان الريفي وحريته، ولكم أن تتخيلوا تلك الليلة التراجيديا، وحجم الترهيب والتعذيب الممارس على أسرنا، وكيف تلقت الخبر تلك الأم المفجوعة، لتتوج هذه الأحداث بإعتقالها ومعها شقيقتي... غادرنا دون أن نودع أحد، ودون أن نستمع لوصية أخيرة كما جرت العادة لدى الريفيين.
لن أستطيع أن أعبر لكم عن ذلك المشهد البانورامي، ونحن نوجه نظرات أخيرة إلى تلك الجبال الحزينة، والمداشرة الريفية المترامية، والمنازل القديمة المحاطة بنبتة الصبار الشائكة، إلى "أَدْهَارْ أُوبَرَّانْ"، إِلى "إِغْزَارْ أَمْقْرَانْ"، وذهني يستحضر النظرة الأخيرة لـ "محمد نْ رْحَاجْ سلام أمزيان" وهو يشاهد من قِمَم جبال شَقْران منزله وقد كان الدخان وألسنة النران تتصاعد منه إلى عنان السماء.
وما أن بَزَغَ نهار العشرين من يونيو 2017، الذي (يحتفل) فيه العالم سنويا بمآسي اللاجئين، حتى كنا أمام مكتب اللجوء بمليلية، ولسوء حظنا فإننا دخلنا هذه المعركة في يومها العالمي، وفي ذلك اليوم الذي لم نعرف أنه يوم اللاجىء إلا فيما بعد، تَقَرَّرَ حرماننا من حقنا في الوطن، ولتتصوروا حِدَّة النائبة..
لم يكن اليوم العالمي للاجئ أن يمر، دون أن نكون شاهدين على انتهاكات حقوقية، فتحنا بها ملف مزدوجا عنوانه "المنفى الرهيب"، لتبدأ فصول من الملاحقات والمراقبة المستمرة من قِبل أجهزة المخابرات، مقابل مضاعفات ألام التَّهجيرالقسري وتبعات الحداد عن الوطن، الذي يرافق أي مُهجَّر طِوال حياته.
لا اسرد هذه الاحداث للاستعطاف، بقدر ما أذكرها للتاريخ وللاجيال اللاحقة ليتمكنوا من معرفة ما قاسه الريفيين في سياق معاركهم مع المخزن، أما نحن فأقوياء وخلقنا كما خلق أجدادنا للمقاومة.
من اختار صعود الجبال فعليه أن يتحمل مشقة الطريق، ومن اختار الحرية فليتحمل التبعات. نحن لا ننسحب من الميدان لكن عندما نصل إلى الحافة ولا يبقى لدينا من الإمكانيات للدفاع عن حرية الأرض واستقلالها، فإننا نغادر إلى مكانٍ غيره. نحن لا ننسحب، لكن لاننتحر كذلك.
بعد صيام دام ثلاث سنوات على هذا الفضاء الرقمي -لم ننقطع عن أنشطتنا النضالية والفكرية، ونساهم هنا وهناك كلما سمحت لنا الظروف- سنحاول أن نربط بكم خيط التواصل من جديد عبر هذا الحساب (Abdellah Youala). وكلنا أمل وعزم وإصرار على مواصلة الدفاع عن القضية الريفية بكل ملفاتها، وقناعتنا ثبات على خط الحرية.
سلامي لكم جميعا.. سلامي إلى الشهداء.. سلامي إلى السجناء.. سلامي إلى المُهَجَّرين.. سلامي إلى المحاصرين بين جبال الريف الشاهقة.
كاثيرِس في 17 يونيو 2020








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ضربة إيران لإسرائيل: كيف غيرت قواعد اللعبة؟| بتوقيت برلين


.. أسو تخسر التحدي وجلال عمارة يعاقبها ????




.. إسرائيل تستهدف أرجاء قطاع غزة بعشرات الغارات الجوية والقصف ا


.. إيران قد تراجع -عقيدتها النووية- في ظل التهديدات الإسرائيلية




.. هل ستفتح مصر أبوابها للفلسطينيين إذا اجتاحت إسرائيل رفح؟ سام