الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة العراق 1920.. مرجعية كربلاء فجرتها.. ومرجعية النجف افشلتها.

عادل الياسري
مؤرخ

(Adel Alyasiry)

2020 / 6 / 28
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


ـ دراسة في وثائق الاستخبارات ـ
تفسيرات جديدة للمواقف المتباينة للمرجعية الدينية.
ولعل المقارنة بين زيارة الكولونيل أي .تي .ولسن القائم بأعمال الحاكم المدني البريطاني في العراق لمجتهدي مدينة كربلاء والنجف في منتصف عام (1919) تبين طبيعة تفسير احداث الثورة ومقدمات لهيبها في ضوء هذه الزيارة . وقال لقد زرت كربلاء والنجف في العاشر والحادي عشر من حزيران بالطائرة ؛ ورأيت اربعة مجتهدين والتقيت بهم بنفراد والشيوخ والوجهاء في كربلاء . ان الشيخ محمد تقي الشيرازي الخرف في كربلاء محاط بعصابة بلا ضمير همهم جمع الثروة قبل وفاته ؛ وان هذه العصابة ضد بريطانية .

وتعتبر المصادر( العراقية ) المقربة الموثوقة من الشيخ محمد تقي الشيرازي والذين حضروا هذا اللقاء وذكروا ان من بين المسائل التي تطرق اليها ولسن عن الحالة في ايران ؛وغايته منها ان يوأزر الشيخ الشيرازي المعاهدة الايرانية البريطانية ؛ فقال الشيخ الشيرازي له ( نحن الان في العراق ونتكلم عن العراق. وان حكومة ايران وشعبها اعرف بشؤونهم منا فلا يحق لنا والحالة هذه التدخل في امور لا تعنينا ولا نعرف عنها شيئا ) . ولم يكتفِ السر ولسن بهذا بل طلب منه الافتاء بلزوم كف عشائر جنوبي ايران ( إيالة فارس ) عن مقاتلة الجيوش الانكليزية حقنا للدماء فأجابه ( لا يسوغ لي الافتاء لشيئ لا أعلم لي به سيّما وان لتلك القبائل حكومة ؛ فحكومتهم أعرف بذلك المحيط وما يقتضه ) .

واما عن الزيارة الاخرى قال ؛ زرت مدينة النجف بالطائرة في يوم 10 ويوم 11 من حزيران وتكلمت مع المجتهدين بنفراد وكان الحديث معهم بشكل عام وكان اكثر واقعية من كربلاء ومرضياً ؛ كنجاحنا في عمليات( 1918 ) " اي قمع انتفاصة آذار " وان الزيارة قد عززت موقوف اصدقائنا في المدينة وغيرها من الامور ... والملفت للنظر ان زيارة كربلاء استغرقت سويعات وكانت غير مرضية لولسن ؛ وزيارة النجف استغرقت ساعات أي يومين وكانت ملؤها الرضا له . ويبدو ان كربلاء كانت ضد له والنجف كانت ند له من حيث المرجعية الدينية .
وبالطبع ان الامرسهلا ان يصدر شيخ الشريعة الاصفهاني رسالته بعد قيام الثورة الذي يطالب بها بالهدوء والسكينة والثورة في باكورة اشتعالها في ضوء هذه البيانات والمعلومات الرسمية في الوثائق البريطانية ؛ لقد كان شيخ الشريعة الاصفهاني شوكة في جنب الثورة منذ انظلاقها (30 حزيران 1920 ) بقصد او بغير قصد ؛ وكان شيخ الشريعة بعد وفاة الشيخ محمد تقي الشيرازي الشوكة التي قصمت ظهر الثورة....وهذا نص رسالته

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام على اخواننا المؤمنين ورؤساء العشائر وزعماء القبائل ورحمة الله وبركاته . أبديلكم انه بعدما بلغنا خبر بعض المشاغبات وبعض المضادات مع الحكومة رأيناه على خلاف المصلحة الحاضرة . فاشتغلنا بمذاكرة الحكومة على التأمين التام حتى على من علم منه بعض التشويشات ؛ وعلى إرجاع المنفيين ؛ وعلى اصلاح ذات البين ونرجو التوفيق في جميع ذلك . إلا إن اللازم فعلاً السكون وترك مضادة الحكومة وسلوك الطريق السلبية والاقتصار على المطالبة الحقوق الشرعية من غير ثورة ؛ ولا فتنة ؛ حتى نقدر على استدعاء المواد السابقة الذكر من الحكومة . وإياكم ان تقابلوا الحكومة بقولٍ أو فعلٍ ينافي مطلوبنا ومطلوبكم ؛ أرجو من جميعكم عدم الخروج من هذه الخطة إن شاء الله . 21شوال 1338 هـ ( 8 تموز 1920 ).
ولايخفى كانت الارتل العسكرية البريطانية تحصد بالاوراح في الرميثة في الرابع من تموز وكانت نعوش الثوارتصل الى النجف . والملفت في رسالته قوله (من غيرثورة ولا فتنة ).

لقد جاء في تقرير لعام 1919 حول الخدمات الصحية في النجف .ان الطبيب الجراح المدني في مقاطعة الشامية الكابتن هولي استطاع ان ينقذ حياة شيخ الشريعة الاصفهاني من الموت ؛ ووصف التقرير خدمات ذلك الطبيب ( حياة بعد الموت ) وكان شيخ الشريعة يائساً من حياته بعد معاناته من التهاب الرئة ؛ وهو بافضل مما كان عليه ؛ وختم التقرير ان شيخ الشريعة الرجل الاول في النجف بعد وفاة اليزدي وهو مفيدنا لنا .

ولاشك ان خدمات ذلك الطبيب وزياراته المتكررة قد جعلت المخابرات البريطانية ان تصنع من بطانة شيخ الشريعة مخبرين محترفين لهم لما يدور في مجلس شيخ الشريعة والتأثير عليه في العلاقات الاجتماعية ؛ وكذلك في التاثير على الناس من خلال نقل اقوله بالطريقة التي تخدم رغباتهم ومآربهم . ولايخفى على احد ان لبطانة المرجع مكاسب مادية واجتماعية يحققوها لأنفسهم اكثر مما يكسبها المرجع لنفسه وهو يدركها ولا يقدرعلى معالجتها .
اعتقد ان تلك الخدمات الصحية الكثيرة والعناية الخاصة التي قدمها الجراح ( هولي ) وزياراته اليومية المتكررة خلال عدة اسابيع ؛ التي قام بها الى شيخ الشريعة ؛ قد جعلت شيخ الشريعة في مجالس الناس بين القيل والقال ؛ ولاسيما ان شيخ الشريعة هو من المجتهدين الرئيسين الذين كانوا لهم رواتب يستلمونها من ادارة الاحتلال البريطاني في العراق والمشهور بوقف (( أوده )) الهندي وتوزيعها .
وتجدر الاشارة لقد كتب ونكيت حاكم عموم الشامية والنجف في ( 12-10-1918 ) رسالة الى شيخ الشريعة بعد مرضه وعبر فيها عن قلقه وقال " فارجو أن تسروني بخبر عن صحتكم وأدعو الله أن يشافيكم ويديم طلعتكم الزاهره "

وقد جاء في التقارير البريطانية ان الشيخ محمد تقي الشيرازي كتب رسالة في (9تموز 1920 ) والمصادف 22 شوال 1338 ؛ الى جميع المسلمين يدعوهم فيها الى الوحدة والمطالبة بالاستقلال بطرق السلمية ؛ ولكنها كانت لدى رجال العشائر تعني الثورة لهم . واعتقد انها كانت رداً على رسالة شيخ الشريعة الاصفهاني ..

لقد قامت الثورة في 30 حزيران وحققت تقدما كبيرا في كل الجبهات في الشهر الاول وسيطرت على المدن وقصبات كثيرة وكانت اشهر معاركهم ( الرارنجية ) 25 تموز 1920 قرب الكفل.وبلغ عدد الشهداء والجرحى على جميع الجبهات كما تقول التقارير البريطانية (5400 ) . وان التقارير التي وصلت الى السيد نور الياسري من القيادات الميدانية من شيوخ عشائر وضابط عراقيين تدعوه الى التفاوض والجدير بالذكران السيد نور بعث بخمسة عشر رسالة الى الضباط العراقيين للاستقادة من خبراتهم القتالية كما تقول التقارير البريطانية ولبوا ندائه .وسألت الضابط سامي خونده وهو احد الضباط الذي التحق بحبهة السماوة . قال كان السيد نور من ابرز زعماء الثورة وكلمته نافذة عند الجميع . وتذكر التقارير البريطانية ذهب السيد نور قبل وقت قصير من اعداد التقرير الى كربلاء للاجتماع مع الشيخ الشرازي لمناقشة التطورات الميدانية . وكانت رأي السيد نور نافذا عند الشيخ الشيرازي . وتقول المصادر العراقية الموثوقة اختير لهذه المهمة للذهاب الى بغداد للتفاوض مع ولسن كل من الشيخ احمد الشيخ كاظم الخراساني والسيد محمدعلي هبة الدين لكن الأخير رفض مقابلتهما . وكذلك اكدت صحافة الاحتلال ( العراق 17 آب 1920 ) بلاغا عسكريا " اعرب الشيرازي عن رغبته في الكف عن الخصام "
بعد رفض إدارة الاحتلال فرص السلام قرر السيد نور الياسري ومستشاريه وكان له من المستشارين الكبار من دعاة الاستقلال وكان اشهرهم العقيد ادهم افندي (بغداد )وله علاقة قديمة بالسيد نور؛ الى زيادة الهجمات على جميع جبهات القتال . والتقى السيد نور ومستشاريه بالقيادات الميدانية في الثورة في جبهات القتال العديدة وقد كتب صحيفة الاستقلال النجفية وهي احد صحف الثورة ( سفر زعيم : سافر حضرة الزعيم الكبير السيد نور الياسري قاصدا الجعارة (الحيرة) للقيام بعمل وطني فنرجو له الموفقية نامل رجوعه بعد أيام قلائل ) .

رحيل الشيخ اية الله محمد تقي الشيرازي .
لقد رحل الشيخ الشيرازي في كربلاء من غير خطبة وداع ليلة (17- 18 ) من آب وتقول التقارير البريطانية لم يفاجؤنا موته وكان مريضا منذ فترة قصيرة . فصار خليفته ( شيخ الشريعة فتح الله الاصفهاني ) في النجف . لقد أجمعت المصادر العراقية ومذكرات الشخصيات الدينية . انه كان مريضا ولا يستطيع ان يتكلم ويقول الشيخ جواد الجواهري انبت عنه في الخطبة في الصحن ليحل محل الشيرازي ويقول الامام محمد حسين كاشف الغطاء(رجعت الزعامة الروحية الى الاصفهاني وكان في اخر رمق من حياته وبعد ستة اشهر انتقل الى دار البقاء) .وبالطبع كان الاجدر بقيادة الثورة ان تضع البديل المبكر للشيرازي قبل وفاته فلم تحسب لذلك الحساب وكانت وفاته خسارة كبرى . وتولى شيخ الشريعة الزعامة الروحية وكان نجله الشيخ حسن هووبطانته الذي يسيطرعلى ختم المرجعية (ختم ابيه) يكتب ويفرض ويبعث الرسائل باسم والده ..!
لقد استغل ولسن فرصة وفاة الشيرازي ليتفاوض مع الثوار لكن شيخ الشريعة رفض الصلح . وهي الفرصة التي كان ينتظرها الشيخ الشيرازي قبل وفاته والسيد نور الياسري والقيادات الميدانية .( كما ذكرنا سلفا )
ويقول السيد محسن أبو طبيخ في مذكراته .

قام ولسن بلعبة خطرة أراد منها تفريق الكلمة وشق الصفوف في النجف وتثبيط العزائم وبث الشقاق بين الرؤساء والمرجعية وبين الرؤساء أنفسهم من جهة اخرى؛ فاستغل وفاة الشيرازي واتصل بشيخ الشريعة الاصفهاني يطلب التفاوض ووقف القتال في الوقت الذي كانت المبادرة بيدنا وهو في موقف المنسحب المتراجع.
واستعمل الخديعة معنا؛ فوجه رسالته الى المرجعية في النجف بدلاً من إتباع الاصول في الحرب؛ بعرض وقف القتال على قيادة المقاتلين. ففي الوقت كنت واصحابي من الرؤساء في الجبهات موزعين كلاًّ في معسكره مع عشائره؛ لم يكن لدينا علم برسالة ولسن ولم يتصل بنا أحد من جانب الشيخ فتح الله الاصفهاني ليعلمنا بوصول رسالة الانكليز بطلب المفاوضات. والاكثر غرابة في الأمر تجاهله التام للسيد نور السيد عزيز الياسري المقيم في النجف باعتباره الهيئة العليا التي تمثل الثوار لدى العلماء عموماً والمرجعية خصوصاً في كل ما يتعلق بالثوار ومتطلباتهم بما فيها الأمور السياسية والعسكرية. ويضيف وبناءً على مشورة مريدي مجلس شيخ الشريعة فتح الله الاصفهاني رد هو لوحده على طلب ولسن بالتفاوض رافضاً ما عرضه عليه ومتجاهلاً رأينا في موضوع كنا نحن اعرف به؛ في شيء ٍ يمس الأمة التي نحن ندافع عنها ونحن أعرف بحقيقة الوضع منه ومن أولئك الاشخاص القابعين في راحة بيوتهم في النجف. لقد كنا في مركز التفوق؛ وكنا نعلم أن الانكليز حتى لو انسحبوا من بغداد فسوف لا يتركوننا وشأننا نذلهم أمام العالم. ولهذا كانت لنا فرصة ذهبية أن نتفاوض معهم ونحن الأعلون ونحصل على مطاليبا بقدر أكثر مما لم نحصل عليه أثر انهيار الثورة. ...!
هكذا هو الختم المسروق للمرجعية الذي كان بيد الشيخ حسن (نجله الاصفهاني) يتحكم به وبطانة المرجعية التي اهملت قيادة الثورة؛ وكانت أحد أسباب الرئيسية لفشل الثورة. وما أخفى أعظم. وان أخطر شيئ على المرجعية وعلى الامة ان يكون عند أبنائهم اختامهم...!!!!

عادل الياسري ؛ أمريكا .
المصدر : (جهاد السيد نور الياسري في ثورة العراق التحررية 1920 وصناعة الوطنية) .
جميع الحقوق محفوظة للناشر (يمنع نسخ أي فقرة او نشر المقال في صحيفة أو أي موقع إلا بإذن الناشر) 
Copyright ©2020 by Adel Alyasiry.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس.. زراعة الحبوب القديمة للتكيف مع الجفاف والتغير المناخي


.. احتجاجات متزايدة مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية




.. المسافرون يتنقسون الصعداء.. عدول المراقبين الجويين في فرنسا


.. اجتياح رفح يقترب.. والعمليات العسكرية تعود إلى شمالي قطاع غز




.. الأردن يتعهد بالتصدي لأي محاولات تسعى إلى النيل من أمنه واست