الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- الكبار يقسونَ علينا في مُقارنات الحياة -

ازهر عبدالله طوالبه

2020 / 7 / 5
المجتمع المدني


لَم أكُن أتوقَّع أن يأتيَ اليوم الذي أُجالسُ بهِ مجموعةً من الكبارِ في العُمر، الذينَ عاشوا حياةً لا نعلمُ عنها إلا ما ذُكرَ في كُتبِ التاريخ التي سقطَت بينَ أيدينا، وما سُردَ علينا فرضاً في جلسةٍ صيّفيةٍ تحت أعوادٍ من القُصيبِ . لَم أكُن أتوقّع أن تأتي هذه الأيام وأن نتبادلَ الحديثَ تلوَ الحديث دونَ مللٍ أو كلَل، وأن ندخلَ بحالةٍ من المقارنة بينَ مصاعبِ الأجيالِ السّابقة ومصاعِب الأجيال الحاليّة، وأن تكونَ أجواء الأحاديث هذه مُشتعلةً بالإتهاماتِ مِن طرَف والرّد على هذه الإتهامات من الطرِف الآخر، وأن نُرمى - أي الشباب- برصاصاتِ الخُذلان لهذه الأُمّة، وأنّنا السّببُ في إنحطاطها إلى هذا القَدر، وأنّ الأمة لَم تضّعُف إلا عندما أصّبحنا - نحن الشباب القصّر كما يدّعونَ - أحد أبنائها، وكما يقولُ أحدهم " ما بصير بهاي الأمّة خير، ما دام انتوا اولاد مستقبلها " . لَم أكُن أتوقّع أن تكونَ هذه الجائحة بمثابةِ طريقاً مُعبّداً لهؤلاء الكبار، حتى يسيروا بهِ سالّينَ ألسُنتهم، مُعلنينَ عَن حربهم الكلاميّة، وعَن إزدرائهم المُبالغُ فيه كثيراً على فئة الشّباب الذين جلدتّهم الظروفَ بسياطاتٍ كثيرة، بدايةً مِن العقّدين الأخيرين من القرنِ المُنصرم، ونهايةً -ربّما- يتّضحُ لنا أنّ قُربها يبّعدُ عنّا سنوات ضوئية، مروراً بأيامنا الحاليّة .

لقَد حملَت هذه الفئةُ أعباءً مِن المُفترضِ ألا تحملها، وتكالبَت عليها عقاربُ السّاعة، بعدَ أن توقّفَت عندَ مؤشرٍ واحد، فأيقنَت - فئة الشباب- أنّها لا تعيشُ إلا في حالةٍ واحدة، وهي حالةُ الضُعفِ والإحباط والدونيّة، وكُل ما لازمها مِن هذه الحالات التي لَم ولَن تكُفَّ عَن مُحاربتها، رُغمَ علّمها أنّ الظروف التي وجدَت نفسها بها، هي ظروف أقوى منها بكثير . فبعدَ خُذلانها الذي تسبّبَ بهِ تعويلها على الكثير ممّن حوّلها ؛ باتَت اليوم لا تعوِّلُ إلا على نفّسها ولا تنتظرُ دعمًا مِن أحد، بل تطلبُ من الجميع أن يكتفوا بما وضعوها بهِ سابقُا، وأن يتّركوها تعيشُ بما يتانسبُ مع هذا الزمان، وبما يتوافق مع هذا العَصر..

لذا، وبلسانِ الشّبابِ أجمَع، أودُّ أن أقولَ لمَن يوجّهونَ بنادقهم ذاتِ السبطاناتِ القديمة التي لا تُطلقُ الرصاص إلا في دائرتهم الضيّقة، ويُحاولونَ أن يوقعونا أرضاً، بعدَ أن يصوّبونَ الرّصاصة تلوَ الرصاصةِ علينا، رصاصاتُ الطّيشِ والضّياع، رصاصات التيه وعدمِ القُدرة على تحمّل المسؤوليات، رصاصات محشوّة بالإتهامات، ومدبّبةُ بالحِججِ القديمة الواهِنة، رصاصاتُ الإتهام بالجَهل، أقول لهُم :

إنّنا نتعرّضُ يوما بعد يوم، إلى كثيرٍ من الإعتداءات دونَ أن نرى أحداً يهبُّ لمساعدتنا .. فتُسرقُ أحلامنا أمامنا، ويُغتصبُ حاضرنا بعقليّة الماضي التي تفرضونَ عليٍنا أن نعيشها، ويُرجمُ مستقبلنا بحجارةِ الإنجرار وراء الثقافة الغربيّة - كما تسمّوها أنتُم-، وكأنّ كُل مرادكم السّعي إلى التّجميدِ الذاتي العصري، بالعيشِ في حُقبٍ تاريخةٍ لا يصّلحُ أغلبها للعيشِ في هذه الأيام .

وفي ظلِّ الإنقسام الذي أصبحَ أكبرَ المعالم التي تُميّزُ عالمنا، وفي ظلّّ التّشتيت الذي أنتجتموهُ لنا، والذي باتَ يرّهقُ عقولنا بالبحثِ عَن حلولٍ له، تّعيدُ لنا المعنى الحقيقي للوجود، وفي ظلِّ الإبتعاد عن الحقائق - بكُلّ أشكالها- والتي جانبّتموها خشيةً مِن سُلطةٍ فرديةٍ مُطّلقة، كانَت تُمارسُ عليكم ؛ في ظلِّ هذا كُله، إلا أنّكُم ما زِلتُم تنّهالونَ بالعِظاتِ عليّنا، كما ينّهالُ المطرُ على سدٍّ مليء، تتدفّقُ الماء مِن كُل جوانبهِ، فباتَ الفهمُ عليّنا عصيًّا . فكيفَ أوصلتمونا إلى هذا الحال، وأنتُم تملكونَ هذه العقول التي تمتلكُ كُلّ هذه العِظات ؟! عُذراً منكُم، فأنا لَم أعتَد على الحديث معكم بهذا الأسلوب، ولا على الكتابة لكُم بهذه الطريقة، لكن، عندما أسمع أحدهم يقولُ لي بتكرارٍ غيّر مبالٍ لنا " ما بصير بهاي الأُمة خير ما دام انتوا أولاد مستقبلها"، فمِن حقّي أن أردّ ولو لمرةٍ واحدة، وخاصّة بعد أن سجّنا كلماتنا وراء قُضبان صدورنا.. وإن كُنا حقًّا كما تدّعون، ولا أرى أن هذه الإدعاءات صحيحة، فنحنُ اليوم في حوزتنا ما ينسفُ هذه الإدعاءات، فالظروف المعيشيّة التي لَم يكُن لنا بها لا حول ولا قوّة، قَد كانَ لكُم دور كبير فيها، وهي ظروف لَم تمرّوا بها على الرّغم من المصاعِب التي كانَت تعترضكم، وأعتقِد أنّكُم لو مررتُم بهذه الظروف، لما أخذتُم بالعِظات التي تحاولونَ أن تُلبسونا إياها اليوم، فالفُرص والإمكانيات على قلّتها - كما تقولون- في زمانكم، هي افضلُ ممّا نحنُ بهِ اليوم، فعلى سبيلِ المثال " إن كانَ في زمانكم خمسينَ شابُّا يتنافس على مئة فُرصة، فنحنُ اليوم يتنافس ألف شابٍّ على فُرصتين أو على خمسة على أعلى تقدير " .. "


لا ننّكرُ أنّ حياتكم كانَت تشوبها الكثير من المصاعِب، وأنّكُم قَد تجرّعتُم الكثير مِن الآلام، لكن، هذا لا يعني أن تقولوا أنّنا لَم نعِش ما عشّتموه، قياساً على أمورٍ غير منطقيّة، فمن المُستحيل أن أقولَ أنّنا لَم نعِش مصاعب الحياة ؛ لأنّنا لَم نقرأ على ضوء البنّوره في وقتٍ أصبحَت المصاعب التّعليميّة تُقاسُ بعدمِ توفّر الهواتف النّقالة وشبكات الإنترنت..

ولا أجدُ نفسي مُتجاوزا حاجز الأداب، ولا قافزاً فوقَ سور الإحترام الذي بنيّناهُ مِن خلال تعاملاتنا السّابقة معكم ؛ إن قلتُ لكُم، أنّكُم قَد عِشتُم حياتكم في فترة الشبابِ بحُلوها ومرّها، واكتفيّتُم بما استطاعَت مناجلكم أن تحصدهُ من الأحلام والإرادات التي بذرتموها في ارضكُم التي تتميّز عن أراضينا الجدّباء بخصوبتها الجيّدة، وأنّ الكثير من العِظات التي تلّقّفوننا إياها، ما هي إلا عِظات لما عجزتُم عن تحقيقهِ في ريّعانِ شبابكم، لكن، هذه العِضات لَم تعُد مُجدية في أيّامنا الحالية، حيّث أنّ الزمنَ تغيّر، وأطباع النّاس تختلفُ عن الإطباع التي عرفتموها في إيامكم السابقة، والأحوال تبدّلَت كثيراً، وباتَ الخيّر عُملةً صعبة لا يتداولها النّاس كثيراً .

لا أعتقِد أنّني أسيء لكُم، إن قُلت أن حياتنا اليوم تختلِفُ إختلافاً تاماً عن حياتكم التي عشّتموها . فكما كانَ لكُم مشاريع ونظرات مُرتبطة بأعماركم، تحتكِم لنظام حياتكم الخاص آنذاك، فنحنُ اليوم لنا مشاريعنا ونظراتنا الخاصّة التي فرضتّها علينا الظروف، لكنّكم لا تصدّقوننا وتُكابرونَ عليّنا كثيراً، وتحاولونَ أن تحجّموا من المصاعبَ التي نواجهها، مِن خلال مقارنتها - الغيّر منطقيّة، مع صعوباتكم التي تعرّضتُم لها .

ما دُمتُم تقارنونَ صعوبة حياتنا اليوم بالصعوبات التي عانيّتُم منها، دون أن نتكاتَف معًا لحلّ كُل قضاينا المصيريّة المُتسقبليّة ؛ فسنبّقى نعيشُ في دوامةٍ تلّتهمنا سويًّا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيرانيون يتظاهرون في طهران ضد إسرائيل


.. اعتقال موظفين بشركة غوغل في أمريكا بسبب احتجاجهم على التعاون




.. الأمم المتحدة تحذر من إبادة قطاع التعليم في غزة


.. كيف يعيش اللاجئون السودانيون في تونس؟




.. اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط