الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أين يبدأ الوعي الإيماني وأين ينتهي؟.

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2020 / 7 / 5
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الإيمان والوعي أو ما يسمى الوعي الإيماني من أين يبدأ والى أين ينتهي وما هي درجات الوعي الإيماني إن كان له بداية ونهاية؟ وهل من الضرورة للإيمان أن يكون الوعي به محدد أم أن الإيمان مجرد من الوعي فهو عملية وقر واعتقاد في اللاوعي؟ ثم هل يضر الإيمان إن يكون الوعي فيه وجوديا لا روحيا؟.
كانت مسائل الوعي أول صدمة وجودية للإنسان ابتدأت معه من أول يوم وجد فيه كمخلوق ليس على الأرض بل وهو لازال مشروعا تكوينيا في عملية الخلق الأولى مرورا بالابتلاء الأول حتى نزوله من الجنة واستكشافه من إدراكه إن الأرض كانت الامتحان الذي لابد له من أن يخوضه مرغما لكي يفوز برضا الله.
امتد الإشكال بالوعي عند الإنسان أول ما امتد إلى حقيقة وجوده، وماهية هذا الوجود؟ وضروراته ،امتد تساؤل الوعي عنده إلى الكيف والكم والآين إلى الزمان والمكان، إلى إدراك النهاية وفاجعتها عليه كما امتد هذه التساؤلات التي عنده حتى إلى ما بعد الفناء، كان كل ما يدور حوله يحفز الوعي الوجودي عنده عاقلا كان أم على قدر من الإحساس العقلي ولو كان بسيطا، حتى المجنون كان وعيه بحدود ضرورة البقاء والحاجة له تدفعه لكي يفتش عن ما يحميه أو يسد حاجة ما عنده.
هكذا دار الوعي مع الوجود وجودا وعدما مره بالإرادة ومرة بالضرورة حتى صار الوعي مرادف للإنسان وكأنه سمة خالصة له مما يدفع الباحث دوما للتفتيش عن هذه العلاقة وهذه السمة المرتبطة مع الوجود، مصدرها، كيفية تكوينها، مدياتها، صورها وعلاقة الكل بالبعض ذاتيا وموضوعيا، كما بحث عن هذه العلاقة مع الإيمان، وهذا ما تبحثه بكل الجوانب التي يستحق البحث فيها بلا تردد .
أول ما يمكن أن نبحثه هو معنى الوعي، من أين يبدأ وكيف يبدأ ومصادر الوعي الوجودي عند الإنسان؟،وهل يمكن تصور الوعي لغير الإنسان؟،وهل يمكن مثلا تصور إنسان بدون وعي؟، كل ذلك يبدأ من حيث بدأ السؤال الأول ما هو الوعي؟. عليه فالبداية من معرفة المعني ووعي الوعي على انه مفهوم محدد لابد له من خصائص ومحددات وعروض لها صفة التمثيل والفعل حتى يكون إدراك الوعي مبني على قيمة مجسدة يمكن تناولها وبعكس ذلك نكون أمام مبحث خيالي تصوري لا يمت للحقيقة العلمية برابط أو طريق واضح.
ولذلك أعتقد أنه كلما كان الإنسان قريباً من تأملاته ومتداخلاً فيها وباحثاً عن جديد لحظاتها في الوقت نفسه، فأنه يكون أكثر قرباً من تلمس المعاني العميقة خلف الأشياء، ويكون أكثر استنطاقاً لجوهر الأفكار وقيمها المعرفية، وأعمق استجلاءً للمشاعر والرؤى، فالتأمل يحيل التفكير الإنساني إلى مستويات رفيعة من البحث والغور في الحقائق الكامنة في التصورات ووجودات الأشياء من حوله، ومدى توافقها مع سعيه المعرفي للكشف عن جماليات الحياة والكون والوجود، وليس صحيحاً أن كل بحث في التأملات يقع خارج نطاق الحقيقة الوجودية الشاملة للذات التي تميل بطريقة أو بأخرى لممارسة وجودها الفعلي الحقيقي في مجالات التصور والتجريب، فكل تأمل باحث عن الحقيقة هو تجسيد عميق لوجود الذات على قيد الممارسة الحقيقية الباعثة إلى موهبة الخلق في استنطاق عوالم الأفكار من حولها، ولذلك قد نكون بحاجة مستمرة لممارسة فعل الخلق التأملي الحر الذي لا يقف عند سطحية الأشياء، بل ينفذ إلى أعماقها ويتلمس دروبها الغائرة في مسعىً جمالي لاستيلاد مكامنها الجوهرية ..
إن البحث سوف يبنى أولا على المعنى ونتفرع بالبحث حسب سير المعنى عرضا وطولا نتبين الدقائق والتفصيلات قبل الكليات والإجماليات ليكون البحث قادرا على أن يوصلنا إلى علة الوعي وأساسه الوجودي الشامل لا على أساس الملموس والمدرك فقط لان الجذور التكوينية هي التي تعطي للشيء وضوح المستنبت منها على وجه التفصيل.
لا يهم في البحث العلمي ان نركن إلى المعرفة الإنسانية ومصادرها ومنابعها طالما تتصف بالعقلانية العلمية ويقبلها العقل بتوافق بينها وبين ما هو وجودي شامل يحيط بالموضوع من جوانبه دون ان نكون في مأزق الأحكام العامة والمسلمات القديمة التي لا تصمد أمام الحقيقة الشاملة ولا مع العلم الصادق المصدق، وحتى الفلسفة بتصوراتها الصارمة ووسائلها الرصينة لا يمكن أن تساهم بصنع الوعي المعرفي أذا اتخذت منحنى غير متعال عنه ولا متكبر على حقائق التكوين، لا على أساس ان ما لا تعرفه أو لا تستطيع ان تفسره عليك ان ترفضه أو بأقل الاحتمالات جره قسرا إلى معاني قد لا تليق أو تتفق مع الأشياء المبهمة أو الغائبة عن الإدراك الحالي المقصر بالوعي في تفسير الوجود بشمولية مطلقة،
يقول وجيه قانصو عن ذلك (وفي مقاربة مماثلة، ولكنها مفعمة بروح صوفية، أعلن هنري برغسون ان مهمة الفيلسوف ليست في رصف الوقائع في اطر مسبقة، وليست أيضا في التعميم، فالمسألة العليا في الفلسفة هي الانتقال من المطلق الصوري إلى المطلق العيني الحي، من فكرة الله إلى الله، وهذا يتم من خلال الرؤية التي تتحصل بالتجربة الروحية والمشاركة الوجدانية ،والتي تتقدم دفعة واحدة نحو إدراك الأشياء دون وسيط، لتنفذ إلى باطن الموضوع لكي تعرفه من الداخل وتندمج مع ما في ذلك الموضوع من أصالة فريدة، وبالتالي مع ما ليس في الإمكان التعبير عنه أما هيدغر فقد جاء ليعيد فهم الموجود ككتلة إمكانات تتحقق باستمرار، وليضيف البعد الإنساني في أية معرفة، اي أنسنة المعرفة كل المعرفة، فالإنسان كما يقول هيدغر هو الحقيقة الأساسية التي استطيع إدراكها في العالم، لأنه يتصف بالحضور والقرب والامتلاء والحياة، وفي الإنسان وبه وحده يصبح كل ممكن واقعاً، وإهمال الوجود الإنساني أو تغافله معناه الغرق في العدم، ان أفضل ما تفعله الفلسفة هو ان تدع جانباً ادعاءاتها المجنونة لتفسير العالم تفسيراً معقولاً وان تركّز اهتماماتها على الإنسان فتصف الوجود الإنساني كما هو)*

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
.*(الأنا والآخر في الوعي الديني وجيه قانصو، مقالة منشورة في التنوير)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان: متى تنتهي الحرب المنسية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. الولايات المتحدة: ما الذي يجري في الجامعات الأمريكية؟ • فران




.. بلينكن في الصين: قائمة التوترات من تايوان إلى -تيك توك-


.. انسحاب إيراني من سوريا.. لعبة خيانة أم تمويه؟ | #التاسعة




.. هل تنجح أميركا بلجم التقارب الصيني الروسي؟ | #التاسعة