الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في فهم المعنى أولا

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2020 / 7 / 5
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


البداية دائما ما تكون ضبابية لاسيما إذا تناولنا موضوعا يتصف بالتشعب والتفصيلية المملة ولكن لا بد من بداية، هنا نقف أمام بحث أما نبحثه بالذاتية الخصوصية أو بالموضوعية المحيطة التي تعطي للمعنى وجود.
لاشك إن الطبيعة بما فيها من شمول وجودي هي التي يمكن من خلالها الانطلاق لمعرفة الوعي باعتباره أولي، إن الوعي هو فعل طبيعي مترافق مع الوجود الشمولي للإنسان، وهو نتاج لوجود الإنسان كوظيفة وجودية وشمولية في الطبيعة وهذا طبعا تسليما لحقائق نتناولها في البحث لاحقا لكن البداية تكون مع الطبيعة التي هي الوجود الكلي الملموس فما هي الطبيعة كمعنى.
الطبيعة حسب ما جاء في قاموس روبير Robert الطبيعة هي مجموعة الخصائص التي تحدد كائنا، أو شيئا ملموسا أو مجردا، وهي كل ما يوجد على الأرض خارج الإنسان، وهي أيضا كل ما هو فطري في الإنسان يمتلكه منذ ولادته، وما هو خالص غير صناعي أو مصنع ".
وجاء في المعجم الفلسفي لجميل صليبا ما يلي "الطبيعة هي مجموع ما في الأرض والسماء من كائنات خاضعة لنظم مختلفة، وهي بهذا المعنى مرادفة للكون"، وجاء في المعجم الفلسفي لأندريه لالاند ما يلي "الطبيعة سمات خاصة تميز فردا ما، من حيث هي خصائص فطرية" وجاء فيه أيضا" الطبيعة هي ما يوجد فينا بحكم الإرث البيولوجي".
بالرغم إن التعريف لم تميز بين الطبيعة وبين ما هو طبيعي فالصفة بالضرورة تختلف عن ذاتية الموصوف وان تكن هي جزء من الذاتية، فقولنا هذا حار لا يعني إن الشيء الموصوف هو حار فقط بل هو قبل كل شيء ذات مادية قد تكون مثلا سائلا أم صلبا، أو قد يكون حار بالذاتية أو حار لأنه اكتسب الحرارة من مصدر خارجي، هو حار باستمرار أم انه سيلحقه ظرف ما يفقد فيه الحرارة إلى أخره من الذاتيات من الثابت والمتحول.
المهم من القول في معنى الطبيعة الإشارة إلى ثوابت أما أن تكون تكوينية ثابتة أو تكون وجودية عارضة أو لاحقة بالكسب وتلك الثوابت تلحق الذاتية فقط، أما المتحول المستخلص من المعنى فهو يلحق الموضوعي الفيماحولي فقط ولا يلحق جوهر الطبيعة الذاتي.
الخصائص الأصلية للموجودات تكوينيا من ثوابت الطبيعة لأنها مميزات والمميز للشئ مستصحب معه فان زال عنه ذهب التميز بذلك يكتسب المكون الوجودي خصيصة التميز من وصف طبيعي له، فمثلا التحرك والتحول صفة الهواء عكس الجمود والثبات التي هي صفة الحجر، فان تحرك الحجر وتحول إلى حالات فيزيائية متنوعة فقد الحجر صفته وتحول إلى مسمى ثاني.
والطبيعة من جهة أخرى حسب المعنى السالف هو كل تكوين وجودي لم يتدخل الإنسان في إحداثه لا تكوينيا ولا وجوديا بل هو من أصل الخلق والخلقة، فيكون مثلا الإرث الثقافي والعلمي ليس من الطبيعة بينما الوعي والإدراك منها.
كذلك الصفات المشتركة للموجود التي لا يكن أن تكتسب بالتحصيل لها من ذاتيات الوجود من غير الخصائص إذا بقيت دون تحول فهي من الطبيعة، أما المتحول والمتأثر بما حوله كالعادات والتقاليد مما يشترك به الموجود كفرد أو مجموعة فهو خارج الطبيعة، فالأكل والشرب جامع طبيعي لكثير من المخلوقات، أما الانتظام والتوقيت فيه فهو من غير الطبيعي لتلك الخاصية.
كما تعني الطبيعة تلك المحددات والثوابت التنظيمية ومن القوانين التي تحكم الثبات حسب ما ورد في التعريف، فقانون تعاقب الليل والنهار من الطبيعة مثله مثل قانون تعاقب الفصول، فمجموعة القوانين الثابتة في الوجود التكويني يمكن إطلاق مفهوم الطبيعة عليها.
والطبيعة هو كل ما وجد في الكون أو التكوين بحالته الأصلية دون تدخل من جهة ما، فهو يعني النقاء التكويني في الوجود فمثلا العسل المأخوذ من خلايا النحل التي تعيش في الجبال دون تدخل الإنسان يكون طبيعيا، على العكس من المسيطر على خواصه وأوصافه من خلال السيطرة على تربية النحل.
ومن معاني الطبيعي والطبيعة حسب تعريف اندريه لالاند هو الخالص تماما إلا من الموروث الأصلي للموجود أو الفطرة التي فطر عليها هذا الموجود، أو التطابق الكامل مع هذه القوانين البيولوجية مثلا للموجود الأول عكس ما هو متحول منها أو متغير بفعل عوامل فيما حولية.
إذن الطبيعة تعني توافق الذات والجوهر التكويني للموجود مع الصورة الأصلية التي خُلَقَ بها الموجود، أي تطابق الذات والجوهر والصفات والأفعال مع النموذج الأول له، فكل ما خرج عن هذه الثوابت يبقى غير طبيعي ومكتسب ومتحول ومنفصل عن الموجود الأصلي بالتكوين فهو ليس من الطبيعة.
هنا يستبان من الكلام السابق وما لحقه لمعنى الطبيعي والطبيعي من تشخيص أن الأمر كله لا يتعدى الكونية في الأصل معزولا عن الزمن وعن عامل المكان أي خارج الذاتية الفيما حولية أي وجود الإنسان الحقيقي مجرد من كل ما تعلق في الإنسان من معارف وعلوم وثقافة وفكر ودين، لأننا نقصد في البحث عن ما هو أصيل فقط ثم نتحول إلى العوامل الموضوعية وأثرها في تكوين الوعي وبرمجته على النحو الذي نشاهد الإنسان عليه ألان.
ان التجريد ضروري لبناء المقدمة العلمية التي ننطلق منها ثم نصل إلى الوعي اللاحق وإشكاله ومصادره مع الأخذ بعامل الزمان والمكان، وقيمهما التي أخرجت الإنسان من طبيعته الأصلية (الفطرة) إلى عالم متحرك اثر الإنسان في تشكيله كما تأثر هو به بالتداخل والتكامل، نأخذ الإنسان كخامة قابلة للتشريح ألمخبري الذي فيه الوعي فطري غير ملوث يكون قاعدة صالحة حتى إذا طبعت وعيه العوامل الخارجية سوف تظهر منفصلة واضحة غير قابلة لان تفهم، إلا كما هي بدون ان تتلبس بذاتية الإنسان الوجودية التكوينية الشاملة.
إذن الوعي الفطري الأصيل هو الأساس الذي تنطلق منه الدراسة ويكون أساسا صالحا لكي ما سيظهر لها من معاني مجردة ومعاني ملحقة ومعاني بالتلازم زمانا ومكانا، لئن تغايرت دلالات الوعي وتعددت فإنها ترتد إلى فاعلية خاصة بالإنسان وهي التفكير، أذن يمكننا القول أن الوعي هو عرض طبيعي لمهارة الإنسان في إثبات وجوده من خلال ما ينتج عن كونيته الثابتة طبيعيا وتحريكها نحو تفسير ما هو غير طبيعي عنها ليس بالعقل وحده والمحسوس الخارجي فقط، بل بجعل الأخيرة تستدل على الأولى، والوعي كخاصية إنسانية هو تلك المعرفة التي تكون لكل شخص بصدد وجوده وأفعاله وأفكاره فأن يكون الشخص واعيا ويتصرف طبقا للمعرفة التي تحركه والعيش بوعي الوجود.
وهذه الازدواجية هي التي تميز الإنسان، أشياء الطبيعة تكون مباشرة وبكيفية واحدة، في حين أن الإنسان ولكونه كائنا ذا عقل له وجود مزدوج فهو يوجد على نفس شاكلة الأشياء الطبيعية ،لكنه من جهة أخرى يوجد من أجل ذاته، يتأمل ذاته يتمثلها ويفكر فيها وهو لا يكون مفكرا سوى أنه من خلال تناظر الوجود العقلي والوجود المادي في تكوينه الوجودي الشامل أحس بوجوده في الأصل ذاتيا، فلا يخلق له الفكر مجردا من ضرورات الوجود سببا مقنعا له بتفسير ماهية الوجود لديه لذا نراه يبحث عن ذاته من حلال المكان والزمان ليفسر ما أبهم عليه من إشكالات وجودية.
نحن أمام أزمة محورها الوعي بالوجود والوعي بماهية الوجود والوعي بضرورية الوجود، فطالما ان له عقل تنشا إشكالية الوعي لدية كما ان الحاجات الوجودية التي هي من طبيعة الإنسان ونقصد الحاجات الطبيعية الفطرية تلح على الإنسان بتعقل الوسائل المناسبة لتحصيلها أو البحث عنها بوعي مباشرة من خلال المقارنة والمقاربة بين طبيعته والطبيعة الوجودية للحاجات من جهة أخرى.
هذا الوعي الطبيعي الذي عند الإنسان الأول (آدم الأول) فحسب الفكر الديني نجد ان آدم وعند نزوله للأرض محكوما عليه بان يتدبر نفسه، لان النعيم الذي عاشه (وهو الوجود المطلق الكامل) في الجنة لم يعد موجودا، عليه في الحال تلك ان يستخدم عقله أولا للتكيف والتعايش مع عالمه الجديد الخالي من الكمالية التي أعتادها من قبل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيتزا المنسف-.. صيحة أردنية جديدة


.. تفاصيل حزمة المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل وأوكرانيا




.. سيلين ديون عن مرضها -لم أنتصر عليه بعد


.. معلومات عن الأسلحة التي ستقدمها واشنطن لكييف




.. غزة- إسرائيل: هل بات اجتياح رفح قريباً؟ • فرانس 24 / FRANCE