الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف نقرأ التاريخ

العربي عقون

2020 / 7 / 6
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


يمكن أن نطرح سؤالا مفصليا : كيف نقرأ التاريخ ، لقد تبيّن لنا أن الآفة التي ضربت عالمنا العربي هي دون ريب آتية من "قراءته" الساذجة المسطحة للتاريخ ، ومع أن القوة الطاردة هي التي تقذف الصواريخ للانطلاق نحو أعالي الفضاء إلا أنّ عالمنا العربي في اتجاه معاكس يحتمي بكهفه لا يبرحه ويطلق العنان لأحلام اليقظة فإذا هو قد أحيا دولة بني أمية ليجعلها "وطنا" قوميا عربيا من الهند والسند إلى كناريا ليبني إمبراطورية وهمية ويقضي على الدولة الوطنية ... ويجعل من "حكم المتغلب" انقلابا تلو انقلاب والاستيلاء على السلطة بقوة السلاح "ثورة" وأبا ذرّ الغِفَاري "ايقونة الماركسية العربية" ... ولا بأس أن يجعلنا نتأسّى بالماركسية "القرمطية" وبقلعة ألَموت و"بعثها" في ثوب جديد اسمه "داعش" ألم تكن السينما العربية على امتداد قرن وهي لا تقدم لنا من الإسلام إلا الحروب والحراب والاحتراب والسيوف والرماح والأسر والسبي وتجعل ذلك مجدا وشرفا ... ويصيح معلم المدرسة في تلاميذه "تلك أمجادنا" وعليكم أن تستعيدوا دور الأمة لتقودوا العالم . وفي ذات اللحظة كان المفكرون المستنيرون والمبدعون يئنون في زنزاناتهم بأمر من الانقلابي "المتغلب" .
الكارثة الكبرى هي النزعة العرقية الانقسامية الرافضة للتعايش الاجتماعي المكرسة للتباعد العرقي والكراهية ولعل من كانوا شرا على الأمة هم النسابون بترويجهم لأنساب منحولة وجاء ابن خلدون ليبث روح الانقسام و"التباعد" العرقي بين أبنا الشعب الواحد وتبعه من جاء بعده إلى اليوم فلا حديث عند هؤلاء عن الاندماج الاجتماعي والبحث عن الروابط الاجتماعية التي ألغت الاصطفاف القبلي والانقسام العشائري . وكل يبحث عن أصول بعيدة تميزه عن جاره وتقطع الصلة به بل وتعزف على وتر التباغض والكراهية .
عجبا في مجتمعات ليست لها سجلات المواليد يتحدث هؤلاء بثقة عن سلسلة آباء وأسلاف وأسماء ومسميات من خيالهم ومروياتهم الأسطورية وها نحن اليوم نجني الشوك ونتجرع العلقم والحمقى عندنا كل يهتف باسم جدّه الاسطوري ، إدريسي تارة وصحابي طورا وفاطمي علوي أحيانا وتحولت تغريبة بني هلال الأسطورية إلى دستور عند البعض . وهو ما يهدد الأمن الاجتماعي إذا سارت الأبحاث التاريخية في هذا السياق الذي خطط له دهاقنة الاستعمار مثل المارسيين (Les Marçais : Georges et William) والمرسيين (Les Mercier : Erneste et Gustave)
التاريخ الاجتماعي كما أفهمه هو تاريخ يبحث في الروابط والوشائج التي تجعلنا شعبا واحدا ليس فيه هذه الحدود والجدران الوهمية بين قبيلة وقبيلة ،،، وهذه الروابط عبّر عنها آباؤنا وأجدادنا - رغم أنهم لم يتخرجوا في جامعات - بعبارة مختصرة ورائعة هي : "خال وابن أخت" . لقد تشابكت الأصول واتحدت العروق عبر القرون وما الأحلاف القبلية عندنا إلا خليط من عائلات وعشائر ربطت بينها وشائج القربى بالمصاهرة والمساكنة .
عاشت جماهيرنا في أريافها وفي قراها ومدنها منصرفة إلى عملها المضني وكان تحصيل اللقمة يقتضي جهودا مضنية عند الغالبية ، وكانت هذه الجماهير حين تجد بعض الفراغ تستمتع بفلكلورها وتحكي مروياتها ... وكانت سعيدة ومنسجمة وبينها تعاون وتضامن واجهت به سنين الجمر وقوانين الانديجينا الجائرة ... ومن ذلك التضامن صنعت ملحمة تحرير البلد فأشرق فجر الاستقلال ، أليس من الواجب علينا اليوم أن نعتبر من تاريخنا لنبني مجتمعا متآزرا متعاونا يقوم على المواطنة متحررا من خزعبلات الأنساب والقبلية المقيتة ولن يكون ذلك إلا بقراءة موضوعية ومنهجية لتاريخنا الاجتماعي لتحريره من الأنساب المنحولة والجنيالوجيات الوهمية التي تقسم الشعب الواحد إلى شعبين ، وهذه مهمة موكولة إلى النخبة الجامعية وإلى الهيئات الثقافية وإلى المجتمع المدني .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان الآن مع عماد حسن.. هل سيؤسس -الدعم السريع- دولة في د


.. صحف بريطانية: هل هذه آخر مأساة يتعرض لها المهاجرون غير الشرع




.. البنتاغون: لا تزال لدينا مخاوف بخصوص خطط إسرائيل لتنفيذ اجتي


.. مخاوف من تصعيد كبير في الجنوب اللبناني على وقع ارتفاع حدة ال




.. صوت مجلس الشيوخ الأميركي لصالح مساعدات بقيمة 95 مليار دولار