الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين متظاهري اكتوبر ورفحاء والمثقفين

جلال الصباغ

2020 / 7 / 13
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


اثار انتباهي احد المثقفين الذي يلقى رواجا في اوساط الشباب ورواد المقاهي الثقافية وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، وهو نموذج المثقف الذي يؤمن بكل الافكار والايدولوجيات وينفيها في ذات الوقت! فهو اسلامي وعلماني، كما انه مؤمن وملحد، ليبرالي وشيوعي، يحاول ان يجمع النقائض، ويدافع عن الجميع بذات المنطق وتحت ذريعة احترام الحقوق والحريات.

مثل هكذا مثقف هو الصورة السائدة لدى الكثير من الكتاب سواء اكانوا شعراء او روائيين او صحفيين او غيرهم. الذين يصورون انفسهم فوق الايديولوجيات، بل ان فكرهم يحتوي على كل هذه الايدولوجيات ويسمو فوقها بطريقة مثيرة للدهشة، دون قدرة احد على تصنيفهم، وهذا هو مبتغى الكثير منهم، اذ انهم يعملون دائما من اجل ان يكونوا خارج التصنيف ارضاء لغرور ونرجسية وتفرد!

هل هذا الامر حقيقي؟ هل يستطيع المثقف ان يكون خارج التصنيف؟ الاجابة المنطقية هي: كلا. لكن اللعب على الكلمات واستخدام المفاهيم غير المالوفة واستغلال القدرة اللغوية، التي يمتلكها على اعتبارها الصنعة التي يجيدها ويعتاش من ورائها، هي التي تمكنه من تمرير خطابه وطروحاته ولو لشرائح معينة ولفترات محدودة.

المثقف اما ان يكون ماديا يتبنى الفكر الواقعي المجسد لحركة المجتمع وتطوره ويقف بصف الفقراء والمحرومين والمهمشين، ويدافع عنهم ويعكس طموحهم في الثورة والتغيير، واما ان يكون مثاليا ينساق مع خطاب السلطة بحجة الدفاع عن السلم الاهلي، ومثقف السلطة هذا يحاول غالبا ان يصور نفسه مدافعا عن الكادحين، لكنه في ذات الوقت يبرئ المتسبب في بؤسهم وشقائهم، في معادلة غريبة وعجيبة، هؤلاء يبينون انهم مع منتفضي اكتوبر، وفي ذات الوقت يروجون لافعال المليشيات والقوات الامنية التي تقتلهم! هكذا بخلطة سحرية تشبه خلطات الدجالين.

في دفاع الشاعر علي وجيه عباس عن حق التظاهر، يصور متظاهري رفحاء، وكأنهم صورة طبق الاصل من متظاهري اكتوبر، وكأن مطالبهم هي ذاتها، ويعتمد معيارا واحدا للسماح للاثنين بحق التظاهر هو " السلمية" ودائما ما يؤكد ان الطرفين مجموعتين بشريتين من حقهما التعبير عن مطالبهما وللأثنين تصرفات جيدة واخرى سيئة! هكذا بكل بساطة واختصار.

يجب عليك بحسب منطق السيد علي وجيه ان تتظاهر وتنتفض وان تُقتل وتُختطف وتُقمع وما عليك الا الالتزام بالسلمية، عندما تهجم عليك المليشيات، او مكافحة الشغب بعد منتصف الليل، وتقتل العشرات من رفاقك، ليس عليك سوى ان تلتزم بالسلمية، على اعتبار المليشيات ومكافحة الشغب "مجموعات بشرية" تخطئ وتصيب!

وفق منطق مثقفنا الكبير فأن جماعة رفحاء التي يستلم كل فرد من عائلاتها رواتب خيالة، ويحصل كل فرد ينتمي لهذه "الجماعة البشرية"، على امتيازات هائلة من التعيينات في افضل الاماكن، الى المنح المالية وقطع الاراضي الى حق كل فرد فيها باستلام اكثر من راتب، وغيرها الكثير. وهنا يجب علينا ان نحترم ونساوي بين هذه " المجموعة البشرية" وبين الاخرى التي تشمل العاطلين عن العمل، وسائقي الاجرة والساكنين في العشوائيات، والذين لا يملكون القدرة على دفع ايجار منازلهم او مبلغ مولدة الكهرباء، هكذا يجب علينا جميعا ودائما ان نساوي بين "المجموعات البشرية"!
ان ما يميز منطق علي وجيه عباس والذي هو منطق الكثيرين من امثاله، التبرير لبقاء الحال على ما هو عليه، والسبب النهائي الذي يدفع هؤلاء للحديث وفق هذا المنطق، ليس كل ما يقال من تفاهات ولعب باللغة، انما هو الحفاظ على الامتيازات التي يتمتعون بها، فدفاعه عن جماعة رفحاء هو دفاع عن مصالحه ومصالح عائلته وطبقته التي ينتمي اليها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تصريح عمر باعزيز و تقديم ربيعة مرباح عضوي المكتب السياسي لحز


.. طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز




.. يوم الأرض بين الاحتفال بالإنجازات ومخاوف تغير المناخ


.. في يوم الأرض.. ما المخاطر التي يشكلها الذكاء الاصطناعي على ا




.. الجزائر: هل ستنضمّ جبهة البوليساريو للتكتل المغاربي الجديد؟