الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ظاهرة الزعامة ورمزية الزعيم في الوعي العراقي

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2020 / 7 / 15
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


فكرة الزعامة والقيادة الفردية فكرة راسخة في طيات الشخصية العراقية وأحدى أهم مفاتيح النجاح التي يسلكها على الدوام حكامه السياسيون في تثبيت الحكم والسلطة , وهذه الناحية الأجتماعية التي يدور في فلكها غالبية الشعب العراقي لها جذور تأريخية ممتدة عمقا وأصالة في فكره اللا واعي ,منذ حمورابي وسرجون ونبوخذنصر مرورا بالنعمان والإمام علي والسلسلة الباقية من حكامه بعيدا عن مقدار العدل والصلاح وصولا إلى العشائرية وتقديم مفهوم المشيخة على الكثير من الأطر التي كانت سائدة في المجتمع ومن ضمنها أثر المؤسسة الدينية ورجالاتها .
الشخصية العراقية التي تميزت بنوع من عدم نضوج فكرة التأطير الأجتماعي المؤسساتي لديها مع ميل نسبي للكسل الدائم في المشاركة بالقرار وصنعه وتأثيرات التعلق برمزية تغني عن الألتزام الطبيعي العيني الوجوبي للحضور في قلب المعادلة الأجتماعية ساهمت في تركيز وشخصنة مفهوم القيادة وجعله مظهر من مظاهر ممارسة السلطة بالتخويل , أيضا لها جذور عقلية وعقائدية أستمدت من مفهوم الخلافة والإمامة التي تعني فردية الحاكم ومع ان طرفي المجتمع العراقي سواء أتباع الخلافة أو أتباع الإمامة زرعوا في اليقين العراقي.
ان المفهومين يجسدان الرمز بالزعامة المالكة للتدبير , لا الإمامة تمنح المجتمع خيار المشاركة أو التشارك ولا الخلافة التي مورست بالفعل مع مقدماتها تسمح لمعارضة الخليفة أن يبدوا نوع من الحرية في الاختيار والعزل لأنه بالأصل مطاع حتى لو ضرب ظهرك بالسياط , هذه المفهومية لدور القائد غريبة عن المحتوى الأصل للفكرة ولكنها هي التي ولدت الميل التنافسي بين المكونات لتأسيس مقومات الزعامة ودعمها والتعلق بها حتى صارت جزء من الشخصية الاجتماعية العراقية,وتولدت فكرة الثقة بالزعيم كائن من كان بشرط أن يكون منطلقا لها أي مستجيبا لشروط الزعامة وساعيا لنيلها.
حتى في القضايا الأجتماعية البسيطة يهرب البعض من العراقيين من مواجهتها وحلها بكل الطرق التي تضمن له على الاقل الحدود الدنيا من التلبية والمقبولية فيلجأ عادة إلى مؤسسة العشيرة والبعض وبصورة محدودة إلى المؤسسة الدينية لغرض استثارتها والمساعدة بل وأحيانا للتحايل للحصول على حق مضاف ,ويبدأ الدوران في فلك المؤسستين ويغرب ويشرق ويختبئ بمطالبه خذه خلف الشيخ والوجيه ,وبالأخر لو وازن بين الربح العقلاني والربح الحاصل يجد انه خسر اكثر مما ربح , هذا الميل للاختباء خلف الزعيم هو نقص في الثقة السلوكية للشخصية المتنازعة الطفولية التي لا يمكنها السير وحدها بالرغم ان لا شيء محدد يمنعها من أن تفعل.
التجارب التاريخية الحديثة والقديمة تشير إلى تعلق العراقيين بفكرة الزعيم وتترجم الكثير من الانحرافات الأجتماعية التي تسببها ومنها ميل الزعماء للدكتاتورية وقبول غالبية الشعب العراقي لتبريرات غير مقنعة حتى لو تعارضت مع عقائده والبعض من مبادئه , في زمن الرئيس الراحل عبد الكريم قاسم مع أختلاف في التقييمات تعلق وما زال الكثيرون منا لهم عشق لشخصية الرجل ومنهجه وطريقة إدارته للحكم والسلطة لكنه في الأخر لا يمكن أن يكون أكثر من ديكتاتور تفرد بالسلطة ليس لأنه نختار لها أو على سعي لفرص توجهات معينه ولكن لأن الشعب العراقي هو الذي قاد هذه الشخصية الوطنية لهذا الموقف عندما تجاوز عن الكثير من الأخطاء بل برر الكثير منها ولم يعتبرها أخطاء أصلا.
في عهد الرئيس صدام حسين كان الجو مهيأ لصناعة رمز ,لصناعة ديكتاتور حقيقي عندما قادت الحكومة سلسلة من الإصلاحات والبناء الاقتصادي الناجح الذي رفع من قيمة الاقتصاد والمجتمع العراقي من مستويات عالية من الفقر إلى مستويات النهوض ومنح الشعب العراقي التفويض للحكومة بدون حد أو يقف أو حتى مسائلة في حدود وخطوط حمر , هيأ للقيادة العراقية لأن تمارس زعامتها بشكل مطلق وفردي وأناني دون أن تحفظ للشعب الجميل كما فعل قاسم من قبل , زاد ذلك وعمق الرمزيه نتائج الحرب العراقية الإيرانية ودخول عامل الصراع المذهبي التي تم تغطيته بشعارات تصدير الثورة الإيرانية وخطرها على الشعب العراقي بالمقابل كان التسرع والغباء وقلة الخبرة من الإيرانيين الذي كانوا متوهمين أن مجرد كلمة من قائدهم تقلب العراق رأسا على عقب لجهلهم بطبيعة ومفهوم الزعامة عند المجتمع العراقي.
في غياب زعيم وطني جامع على ما يتصور غالبا أو ما يظهر على الواقع الأجتماعي كما الحال في عهد قاسم وصدام يمكن أن يكون جامعا أو على الأقل له مصداقية عند كل مكونات الشعب العراقي بعد التغير الكبير واحتلال العراق من قبل القوات الأمريكية والغربية ,لم يسمح الأمريكيون أن يظهر زعيم يقود العراقيين ولم يمنحوا الفرصة لقيام زعامة حقيقية سواء بالنوايا أو بالفعل لأن الدستور العراقي الذي نشأت عليه الدولة الجديدة هيأن الظروف لأن تتولد زعامات متعددة زعامات لمكونات تتناحر بينها للمصالح والامتيازات الفئوية وبالتالي صار من الصعب أن تظهر شخصية وطنية جامعة , حاول السيد أياد علاوي أن يتقمصها وكان له أن ينجح بها لولا أخطائه الكارثية واستعجاله حصر النتائج الآنية دون انتظار موسم القطاف خسر بذلك زعامته المقبولة بشكل واسع وطنيا وخسر فكرة أن يكون زعيم قادر أن يقود البلد نحو وجهة وطنية محددة وواضحة المعالم.
برزت زعامات فئوية مهمة في المجتمع العراقي ولكنها لم تتبلور إلى مفهوم الزعامة العراقية الأكراد لديهم زعيمان والشيعة لديهم أربع زعامات والسنة وبقية الطوائف فشلوا في أنتاج زعيم حقيقي يمثل لهم الدور الرئيسي في المشهد السياسي العراقي والسبب يعود لتشتت مصادر التوجيه الخارجي المتمثل بثلاث جهات رئيسية كل منها تدع الدفاع عن مصالح اهل السنة في العراق وهي السعودية وتركيا بشكل أساسي وقطر تدعم الأخوان المسلمين الذين ليس لهم رؤية واضحة وانتماء حقيقي , السبب يعود لأن هذه الزعامات أساسا ولائها السابق يحد من رسم ولاء جديد لها ,وهم أقرب ولاء للسلطة المركزية بثوبها العقائدي السياسي من أن يجمعهم تنظيم دولي إضافة إلى رسوخ الفهم القومي والاعتزاز العروبي بتاريخهم , لذا فلا مناص من أن يكونوا ضمن حركات محددة لكنهم في الأخر الهدف المحرك لهم السلطة وليس العامل الديني.
في نهاية العام 2012 ومع شدة المنافسة الشيعية _ الشيعية على قيادة المجتمع العراقي بشقه الأكبر ظهرت زعامة جديدة بمفاهيم جديدة خارجة عن المألوف الأجتماعي والسياسي التقليدي ,زعامة تبني مجدها وأسسها على التناحر والتناقضات والصراع الدموي داخل المجتمع العراقي لإرهاق بقية المنافسين بالصراعات الجانبية وبممارسة التسقيط السياسي والاجتماعي مستغلا إمكانيات الدولة والسلطة التي منحته الحرية اللازمة للتحرك بهذا الاتجاه , زعامة أساسها السعي لديكتاتورية من طراز خاص يسعى لها بطريق ديمقراطي حصد نتائجها السيد المالكي من خلال الأنتخابات ليفرض نفسه زعيما لشيعة العراق وليس قائدا وطنيا ,الخطير في الأمر أن تتحول هذه الزعامة إلى مبرر يقوض وحدة العراق خاصة مع صعود أغلبية برلمانية تؤيده خالية من الهدف وفارغة من رؤية وطنية همها الأساسي السلطة ومكاسبها ومنافعها , ستقود هذه الديكتاتورية إلى تمزيق العراق لو سارت بنفس الاتجاه الماضي وفكرت بمصالحها الفئوية دون النظر إلى حقيقة أن الأغلبية السياسية والبرلمانية عليها واجب أخلاقي وإنساني ووطني بفسح المجال لبقية المكونات أن تعمل وتمارس حقها الوطني والدستوري على أساس مفهوم العيش الواحد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران وروسيا والصين.. ما حجم التقارب؟ ولماذا يزعجون الغرب؟


.. مخلفا شهداء ومفقودين.. الاحتلال يدمر منزلا غربي النصيرات على




.. شهداء جراء قصف إسرائيلي استهدف منزل عائلة الجزار في مدينة غز


.. قوات الاحتلال تقتحم طولكرم ومخيم نور شمس بالضفة الغربية




.. إسرائيل تنشر أسلحة إضافية تحسبا للهجوم على رفح الفلسطينية