الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديالكتيك: فلسفة الفقر...وفقر الفلسفة

علي عبد الرحيم العبودي
باحث عراقي مختص في الاقتصاد السياسي

2020 / 7 / 17
حقوق الانسان


تعدّ الديالكتيكية أو فن الحوار بين فكرتين متضادتين للتوصل إلى نتيجة، من الموضوعات الفلسفية المعقدة جداً، هذا ناهيك عن مزُجها مع معضلة الفقر التاريخية كما في عنوان مقالنا هذا، لذا سوف نحاول ان نستخدم اللغة البسيطة أو البيضاء لإيصال الفكرة بشكل مفهوم للجميع وبدون تعقيد.
ركزت المدارس الفكرية الرأسمالية والاشتراكية والإسلامية على موضوعة الفقر المادي أو الفقر المجتمعي بشكله الاوسع، إلا ان الفكر الرأسمالي كان الاقل اهتماما بهذا الموضوع، نظرا لسعيه وراء الربح بالمرتبة الأولى . وعلى العموم لم تُنهي افكار هذه المدارس الفقر ولم تستطيع الحد منه، ومن هنا ينطلق مقالنا: هل ان الفقر المادي هو حتمية تاريخية للفقراء؟ أم ان الفقر جاء نتيجة للكسل وعدم الكفاءة؟ ام ان الفقر هو نتيجة لسلب الحقوق؟ وكيف يمكن الحد من هذه الظاهرة البشعة؟.
إذا كان الفقر المادي حتمية تاريخية، وان الفقراء خلقوا فقراء، وان كل الاشخاص الذين كانوا فقراء وأصبحوا اغنياء فيما بعد، هو نتيجة للسرقة او الإرث حسب فلسفة بعض المفكرين الاسلاميين بهذا الخصوص، فكيف لم يكن هناك فقير في زمن حكم علي بن ابي طالب!، وإذا كان الغنى فاحش، فكيف ان العشرة المبشرين في الجنة حسب الروايات الاسلامية كانوا من الاغنياء في عهدهم!.
وإذا كان الفقر نتيجة للكسل وعدم الكفاءة حسب فلسفة الرأسماليين، فكيف هناك فقراء من الكفاءات والنشطين خاصة في وقتنا الحاضر!، وكيف هناك اثرياء من عديمي الكفاءة!، وخير برهان على ذلك، هو ان العامل يبذل من الجهد اضعاف ما يبذله رب العمل أو الرأسمالي، كما ان هناك من العمال الباحثين عن عمل او الموظفين الصغار من هم اكفء من المدراء واصحاب رأس المال .
وتبعا لذلك، فأن الفقر هو نتيجة حقيقية لسلب الحقوق، إذا كان البلد من البلدان ذات الموارد الوفيرة، حيث يستطيع سد حاجات المواطنين بشكل جيد عن طريق التوزيع العادل للدخل، وهذا ما توصل له فعلا الباحث الاسلامي الاستثنائي (محمد باقر الصدر) الذي عزا سبب الفقر إلى سببين رئيسين : أولهما_ قلة الانتاج في البلد الذي يعاني من فقر الموارد اصلا (وهذا ليس موضوعنا)، والثاني_ سوء التوزيع الناتج عن السلب والاستغلال وعدم العدالة في توزيع الموارد والدخل، الذي يمثل صلب مقالنا . وكذلك يشترك الفكر الماركسي في هذه الرؤية، حيث يعزا اسباب الفقر إلى عدم العدالة الاجتماعية في توزيع الدخل وسلب حقوق وجهد العمال من قبل اصحاب رأس المال، لذلك حذروا منذ قرن من ألآن في زيادة الفقراء فقرا، والأغنياء غنى، اذا استمر توزيع الدخل بهذا الطريقة المجحفة .
ومع ذلك كانت الفلسفة وما تزال تتسم بالفقر في معالجة هذا الموضوع، والحد من الفقر . فعندما أراد الفكر الإسلاموي الحديث ان يعالج الفقر، دعى الاثرياء للتصدق على الفقراء، باعتبار ان المجتمع مقسم إلى قسمين: قلة من الاغنياء الذين وهبهم الله الغنى ليرى فيهم أثار نعمته، وأغلبية من الفقراء الذين امتحنهم الله ليرى صبرهم، والذي يكفيهم قوت يومهم عبر العمل الذي لا يساوي الاجر أو عبر تصدُق الاثرياء عليهم . وهذه الفلسفة كانت بحاجة إلى غطاء عقائدي لإقناع الفقراء بأنهم فقراء بالوراثة وأنهم احباب الله وعليهم ان يلتزموا الصبر، لان الله هو الذي قدر لهم ان يكونوا فقراء، جاء هنا دور رجل الدين سواء اسلامي أو يهودي أو مسيحي أو اي ديانة اخرى، ليرسخ هذه الفهم في عقول الفقراء .
كذلك الحال في الفلسفة الرأسمالية، حيث جاءوا بفلسفة تقسيم العمل والمنفعة المتبادلة بين العامل ورب العمل (الرأسمالي أو التاجر) على المستوى الجزئي، والمنفعة المتبادلة بين الدول النامية والدول الصناعية على المستوى الكلي، لإقناع العامل بوضعه وضمان عدم تمرده على نظام الانتاج الرأسمالي، والاستمرار باستغلال فائض عمله في التراكم الرأسمالي لدى اصحاب رأس المال .
بخلاف هاتين الفلسفتين الاسلاموية والرأسمالية، جاءت الفلسفة الاشتراكية لتطرح فلسفتها في معالجة الفقر، في إلغاء الملكية الخاصة وتأميم الإنتاج عن طريق الشيوع، وهذه الفلسفة كما وصفها بعض المفكرين بإن تطبيقها يحتاج إلى ملائكة وليس بشر، لصعوبة ادارتها بشكل ناجح على الارض .
وعلى وفق ذلك، اصبح الغني الذي سرق اموال وحقوق الفقراء، وزاد من فقرهم، يتصدق عليهم ويطلب منهم الشكر والعرفان والخضوع، مثلهم كمثل (الذي يسرق اموال أخيه كلها... ويتبرع بتقديم المصروف اليومي إلى أخيه الذي سرقة ... أو كصاحب معمل يعمل فيه العمال لمدة 10 ساعات في اليوم ويعطيهم اجر مساوي لجهد 5 ساعات... ويطلب منهم اللجوء اليه اذا مسهم الضر لضمان تبعيتهم اليه) .
هذا الفقر في الفلسفة للحد من ظاهرة الفقر، لهو اشد وأعظم آثر من الفقر نفسه، لأنه يشرعن ويقدم التبرير الجاهز للأغنياء لاستلاب اموال وحقوق الاخرين بغير حق، وجعلهم يزدادون فقرا مقابل ان يزداد الاثرياء ثراءً . لذا نحتاج إلى فلسفة نرفع بها وعي الفقير، وان نجرده من كل المشاعر العقائدية الضالة التي تشرعن له فقرة واستلاب حقوقه، لذا استعين بمقوله ماركس العظيمة "الفقر لا يصنع ثورة، إنما وعي الفقر هو الذي يصنع ثورة ضد الظالمين وتجار الدماء" .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. توقف الأونروا عن تقديم خدماتها يفاقم معاناة الفلسطينيين في ق


.. تضامناً مع الفلسطينيين في غزة.. عشرات الطلاب يتظاهرون بالموت




.. ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان في فلسطين: ما رأيته في غزة ي


.. آلاف اليمنيين يتظاهرون في صنعاء دعماً للفلسطينيين في غزة




.. إيرانيون يتظاهرون في طهران ضد إسرائيل