الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مستقبل الدولار (الفرق بين التنبؤ العلمي والتخمين)

جميل النجار
كاتب وباحث وشاعر

(Gamil Alnaggar)

2020 / 7 / 21
الادارة و الاقتصاد


تتضمن هذه المقالة في طياتها المفاهيمية نظرة تحليلية موضوعية مختصرة للأوضاع الاقتصادية العالمية.
كنت قد عقدت العزم على أن أكتب في عدة موضوعات اقتصادية أتلمس من خلالها مستقبل الدولار؛ خاصة بعد أن تداول بعض الخبراء أو من نعتبرهم عندنا خبراء، ولا أدري حقيقة حقيقتهم، بعض الأخبار عن قرب سقوط الدولار- قبل جائحة الكرونا- وهلل الجميع دونما نظر أو تحليل موضوعي للأوضاع الاقتصادية العالمية، أو حتى معرفة القليل عن مبادئ علم الاقتصاد.
لكن وجدت أن الموضوع سيحتاج منا لمساحات زمنية ومكانية كبيرة، لا طاقة لأغلبنا بها؛ فآثرت الاختصار بعد أن بدأت السلسلة بمقارنة بين الاقتصادين الأمريكي والصيني، وألمحت فيها لضرورة مراعاة عدة قواعد علمية عند استخدام المؤشرات الاقتصادية التي تستخدم في العادة عند المقارنة بين قوة الدول والتكتلات من الناحيتين الاقتصادية والسياسية.
فلو أخذنا الناتج المحلي الإجمالي، مثلا؛ كمؤشر للمقارنة بين اقتصادات دول العالم؛ فلابد من أن يقيس كل شيء ينتجه الجميع في البلاد سواء كانوا مواطنين أو أجانب. مع العلم بأن هذا المؤشر وحده لا يعكس حقيقة القوة الاقتصادية؛ لذا حدد صندوق النقد الدولي الناتج المحلي الإجمالي حسب الدولة باستخدام تعادل القوة الشرائية (وقد أوضحتها في المقال السابق). نظرًا لأن هذه الطريقة تأخذ في الاعتبار تأثير أسعار الصرف مضافا إليها التكاليف الإجمالية للسلع والخدمات المنتجة في ذلك البلد في السنة المحددة... الخ.
وبناء على ما سبق؛ إذا ما قمنا بالجمع بين الاقتصادات الثلاثة الأولى -الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين - فإن الناتج المحلي الإجمالي سيكون 52.6 تريليون دولار. يخص الولايات المتحدة منها: 20.5 تريليون دولار وحدها!
وإجمالي ناتج هذه القوى الثلاث يمثل 62٪ من إجمالي الإنتاج العالمي. ليتكشف للجميع بأن ناتجهم المحلي الإجمالي له تأثيراته الكبيرة على الاقتصاد العالمي برمته.
وعليه؛ أجزم بأن كل من روَّج لسقوط الدولار قريبا؛ كان ترويجه على غير بينة علمية إنما جاء ترويجه على سبيل الأمنية أو التخمين النابع من دوافع شخصية لا علاقة لها بالنواحي العلمية البحتة – حتى وإن كان خبيرا في علم الاقتصاد؛ لكنه عجز عن تحييد الهوى في تنبؤاته واستنتاجاته- وللوقوف على حقيقة الأوضاع – أي أوضاع- لابد من ترك مثل هذه التخمينات العشوائية والركون إلى التخمين العلمي المبني على البيانات والاستنتاجات المنطقية البديهية، فمثلاً؛ لو ثبت علميا بأن مرض انفصام الشخصية قد أصاب جميع الأعراق البشرية لمدة زمنية تربو على الخمسة ملايين سنة. وثبت أيضا أن الجينة المسؤلة عن هذا المرض هي نفسها الجينة المسئولة عن ذكائنا نحن البشر؛ فماذا يعني ذلك؟ الإجابة على مثل هذا التساؤل لن تأتي من شخص واحد متخصص في فرع علمي واحد أو عالم متقعر بتخصص واحد، إنما يمكن أن تأتي من فريق علمي في أكثر من تخصص أو تأتينا من عالم مفكر كبير لديه رؤية معرفية شاملة تمكنه من التنبؤ أو التخمين الصائب، والتخمينات العلمية المحتملة هي:
• تعني الإثباتات العلمية السابقة بأن الأسر أو العائلات التي تكثر بها معدلات الذكاء من المرجح أن يصاب بعض أفرادها بمرض انفصام الشخصية.
• وتعني أيضا؛ أن المدة الزمنية التي تفصلنا، نحن البشر، عن قرود "البونوبو" و"الشمبانزي" - أقرب الرئيسيات إلينا- لا تزيد عن 5 مليون سنة في شجرة الحياة.
وتأسيسا على ذات المنوال؛ يمكنني كرجل علم أن أقدر الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد في كل دولة بناء على معطياتها الجغرافية المختزنة بعقلي، والتقديرات هنا حتما ستكون صائبة أو الأقرب إلى الصواب مما لو قام بتقديرها عالم آخر ليست لديه نفس المحفظة الجغرافية التي لديّ، وأستطيع بأن أجزم تخميناً بأن دولا كقطر والكويت ستكونان الدولتان العربيتان الوحيدتان الموجودتان بقائمة أهم 10 دول بجانب كل من لوكسمبورغ وسويسرا وماكاو، وذلك من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي اعتبارًا من العام 2018، وجزمي بخلو هذه القائمة من دول مثل الصين (رغم تصدرها للمشهد الاقتصادي الحالي) وحتى روسيا لن تكون ضمن هذه القائمة السعيدة. وبالمناسبة؛ يعد نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي مؤشرا حقيقياً ووسيلة جيدة لمقارنة الناتج الاقتصادي للبلد كما يعيشه سكانها. ويُحسب الناتج الاقتصادي للبلد حسب سكانها، وهذا هام إذا ما أردنا تقويم اقتصاد بلد ما من زاوية مدى استفادة أهله من عائداته الاقتصادية وإحساسهم بالرفاه من عدمه، أو بمعايرة فقهنا الإسلامي القدريّ محكم الحبك والاغلاق؛ معرفة مدى راحة وسعادة الفرد (شقي أو سعيد) حسب حديث بن مسعود (إن أحدكم ليُجمع خلْقه في بطن أمه أربعين يوماً، .... ويؤمر بأربع كلمات: يكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد).
ما نود قوله أن التحليل يختلف باختلاف الغرض منه في أي موضوع؛ فما بالكم بموضوع الدولار الذي تتشابك فيه كافة عناصر الإنتاج والاستهلاك والتبادل التجاري العالمي، ليس هذا فحسب؛ إنما نحن نتكلم عن عملة لها من القوة والسلطة ما لن يتوفر أبدا لعملة غيرها في التاريخ. كما أن هناك موقف الكثير من السياسيين والاقتصاديين من الرغبة في قابلية التحويل لحساب عملة أخرى، حتى في ظل استيفاء المتطلبات الأساسية، فلا يوجد ضمان بأن تلك العملة سيتبعها التدويل تلقائيًا، إذا ما تمت فورات الحجم في التداول، سواء كان ذلك بسبب ما يسمى العوامل الخارجية للشبكة وآثارها، مثلا؛ على أسعار الفائدة محليا وعالميا، أو لأسباب أخرى داخلية، يأتي في مقدمتها التغييرات في البنية التحتية للمدفوعات الدولية... الخ، فكل الأوضاع الحالية تشير إلى أن العالم لا يمكنه سوى الحفاظ على الدولار بجانب عدد آخر محدود من العملات الدولية؛ ضمانا لاستقرار أسواق الصرف ونمو الاقتصاد العالمي بكل تبعاته السياسية والعسكرية؛ وإلا سيكون الثمن باهظا. مع العلم بأن كل هذه النخب ترى بأن الدور الخاص للدولار الأمريكي في النظام النقدي الدولي قد فتن السياسيين والاقتصاديين والصحفيين ومعهم كافة الجماهير حتى " الواد بن أبو سليم الغبي" على مقاهينا الثقافية.
وللإطاحة بالدولار يتعين تشكيل تكتل أكثر من ثلثي دول العالم، من ضمنهم الصين وروسيا ودول الاتحاد الأوروبي، ويتفقوا جميعاً على وضع إطار يضمن ترتيبات دولية من شأنها تدشين عملة قوية تكون لديها القدرة على الاحتواء العالمي والسيطرة القوية على مفاصل الاقتصاد العالمي والتغريد خارج سرب سلة العملات الاعتيادية في أسواق الصرف العالمية
وهذا التكتل وحده في الظروف العادية محكوم عليه بالفشل، أمام السطوة الجيوستراتيجية للدولار، فلابد وأن تنتهز هذه الدول فرصة حلول وباء بالأرض كما هو الحال حاليا مع كرونا، أو بعد تورط الولايات المتحدة في حرب، شرط أن تكون أعظم من الحرب العالمية الثانية؛ التي خرج منها الدولار بأكبر المكاسب بعد تحقيق بلاده الانتصار في الحرب العظمى.
ليتبين لنا من خلال هذا التحليل الموضوعي ضمان صيرورة وسيرورة الدولار خلال العشر سنوات القادمة أو العشرين على أقل تقدير؛ لو استمرت الأوضاع العالمية الحالية على حالها دون حدوث أي مفاجأة أوردنا بعضها بالمقالة. وهذا هو واقع الدولار سواء أحببنا ذلك أو لم نحب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تعمير- خالد محمود: العاصمة الإدارية أنشأت شراكات كثيرة في جم


.. تعمير - م/خالد محمود يوضح تفاصيل معرض العاصمة الإدارية وهو م




.. بعد تبادل الهجمات.. خسائر فادحة للاقتصادين الإيراني والإسرائ


.. من غير صناعة اقتصادنا مش هيتحرك??.. خالد أبوبكر: الحلول المؤ




.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الجمعة 19-4-2024 بالصاغة