الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تعددت الأشكال والاحتكار واحد

محمد شيرين الهوارى

2020 / 7 / 24
الادارة و الاقتصاد


يجب من وجهة نظرى استهلال هذا المقال بالبعض من الشروحات والتوضيحات للمصطلحات الرئيسية المتعلقة بالأنظمة والممارسات التجارية التى يتناولها حيث أنها قد لا تكون معروفة لدى شرائح عديدة من الناس ويعتبر الإلمام بها ذو أهمية محورية لفهم ما سيأتى من طرح.
ومن بعد ذلك سنتعرض سريعاً لمميزات وعيوب تلك الأنظمة والممارسات، ثم شكلها فى الإطار الاقتصادى المصرى وأخيراً البدائل والحلول التى يمكننا تصورها فى بلادنا لتلافى آثارها السلبية كما نلمسها بوضوح فى واقعنا اليومى المُعاش.
كما أرى أيضاً أن هناك ضرورة لقول أن ليس كل ما يرد فى هذا المقال من طرح، خاصة فى جزءه الأخير يعبر بالضورة عن موقفى السياسى الشخصى والذى هو فى الأساس يميل أكثر إلى عدم إطلاق حرية التصرف لشركات القطاع الخاص ووضعها تحت رقابة صارمة وتشريع أكبر دور ممكن لأجهزة الدولة التنظيمية ووجودها بالأسواق كلاعب فاعل وأساسى ولكننى فى الوقت نفسه لا أريد تأليف كتاب الأمانى بعيدة المنال، على الأقل فى الوقت الحالى ومن ثم أفضل الانطلاق من أرضية كوننا موجودين بداخل شكل اقتصادى مبنى بالفعل وأن أفضل ما يمكننا أن نتوصل إليه فى المرحلة الراهنة هو تكييفه بأقصى درجة ممكنة لرفع المعاناة عن عاتق المواطن البسيط. بمعنى آخر: أحاول هنا البحث عن حلول من داخل الصندوق وليس من خارجه.
وبناءً على ما تقدم تجب مبدئياً الإشارة إلى خطأ المفهوم الشائع عن أن الممارسات الاحتكارية على وجه العموم هى عبارة عن شكل واحد لا بديل له ويختصر فى فكرة الــ Monopolies، أى أن هناك شركة واحدة تسيطر بمفردها على سوق من الأسواق بدرجة تسمح لها بفرض كافة معطياته من حيث المعروض والأسعار وحركة البضائع به وبالتالى أنماط الاستهلاك فيه إلخ. وقد نتحدث هنا عن سوق بمفهوم إطار جغرافى معين أو سوق سلعة محددة أو كليهما معاً وبما يصل إلى السوق العالمى بالكامل فى بعض الأحيان وربما تكون شركات مثل "مايكروسوفت" فى مجال برمجيات الحواسب الآلية أو "أمازون" بالنسبة للتسوق الالكترونى عبر الإنترنت أفضل الأمثلة على هذا الشكل من الاحتكار وأكثرها وضوحاً وإن كانت توجد فى مثل تلك الحالات بعض الشركات الصغيرة ولكن حجمها لا يسمح لها سوى العمل فى ظل العمالقة الكبار ووفقاً لشروطهم.
أما الشكل الثانى والأقل وضوحاً بكثير ولا يعرفونه سوى القليلون ومعظمهم من المتخصصون فى المجال الاقتصادى بينما لا تسمع البقية الباقية من الناس عنه حتى، فهو الاحتكار متعدد الأطراف أو مايُطلق عليه فى اللغة الإنجليزية Oligopoly. ولقد سمحت لنفسى هنا بسك ترجمة المصطلح كما هى واردة بأعلى حيث يخلو القاموس الاقتصادى العربى للأسف الشديد منها إلى يومنا هذا رغم أنها صارت ذات أهمية كبرى فى فهم التطورات الاقتصادية على مستوى العالم وممارسة صارت دارجة ودخلت مصر بقوة منذ أواسط تسعينيات القرن الماضى حتى تحولت اليوم إلى أمر اعتيادى.
ونحن عندما نقول "الاحتكار متعدد الأطراف"، فنحن نعنى به أن تكون هناك مجموعة صعيرة من الشركات تقوم بالتحكم فى سوق من الأسواق بنفس المفاهيم التى أشرنا إليها من ذى قبل عند الحديث عن الاحتكارات العادية ذات الطرف الواحد وبدرجة ما من التسيق فيما بينها. ولا يعنى ذلك بالضرورة أن هناك اتفاقات واضحة أو مكتوبة او معلنة بين هذه الشركات، بل أن هذا فى الواقع لا يحدث سوى فى حالات قليلة جداً لما كانت قوانين الغالبية العظمى من الدول حول العالم تُجرم مثل تلك الممارسات تحت مسمى الروابط غير الرسمية أو الــ Cartelization رغم أنها – ويا للسخرية – لا تجرم الــ Monopolies فى حد ذاتها إلا بشكل صورى بحت ولم نرى إجر اء حقيقى يُتخذ ضدها إلا فى حالة "مايكروسوفت" فى بدايات القرن ولم يؤ-ى هذا التحرك إلى أى نتيجة ملموسة على الأرض.
والــ Oligopolies فى الغالبية الساحقة من الأحوال، تكون خارجة عن أى صياغة رسمية وربما لا تكون هناك حتى اتفاقات حقيقية ولا حتى سرية، بل أن هذا الشكل تحكمه فكرة غاية فى البداهة، ألا وهى أنه ليس من المنطقى أن تدخل الشركة "أ" فى منافسة مع الشركات "ب" و"ج" و"د" من حيث جودة أو سعر ما يقدمونه من خدمات أو منتجات بما يزيد من تكلفته ويقلل ربحيته بينما يمكنهم ببساطة الإبقاء على نفس مستويات الجودة ونفس الأسعار ونفس هوامش الأرباح المرتفعة دون زيادة فى المصروفات بمجرد عدم خوض المنافسة والحفاظ على التقارب فيما بينها على كافة المستويات وينطبق ذلك خاصة على الأسواق شديدة العلانية وفى مقدمتها أسواق السلع سريعة الاستهلاك أو ما يُعرف فى الانجليزية باسم Fast Moving Consumer Goods أو اختصاراً FMCG وبعض المجالات الأخرى التى سنعرض لها فى الجزء القادم من هذا المقال والذى يعنى فى الأساس بالاحتكارات ذات الأطراف المتعددة.
أما الــ Oligopolies الموجودة بمصر، فهى فى الواقع شديدة التعقيد والتشابك ويكون من الصعب الوصول إلى معلومات موثقة عنها وإن كان استقراؤها فى معظم الأحيان ليس بالأمر الصعب لو توفرت البيانات الأساسية وهذا هو ما ساعتمد عليه فى الأساس فى الأسطر القادمة.
ونحن فى مصر لدينا أثنان من الروابط Cartels الواضحة للعيان والتى لو كانت موجودة بأى دولة أوروبية أو فى الولايات المتحدة الأمريكية لكان القائمون عليها والمسئولين عنها من قريب أو بعيد يقضون أوقاتهم خلف قضبان زنازين السجون الآن.
الأول هو Cartel الاتصالات ويتكون من شركات الاتصالات الأربعة (Vodafone, Etisalat, Orange,WE) من ناحية و"الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات" من ناحية أخرى والتى يمنع تشابك المصالح بينهما والسلطات الممنوحة للجهاز الحكومى المذكور قيام أى منافسة حقيقية من أى نوع. هذا لأن "الجهاز القومى للاتصالات" مثلاً فى النهاية مؤسسة حكومية، أى أنها تتبع نفس الجهة المالكة لشركة WE من خلال "الشركة المصرية للاتصالات" "Telecom Egypt" (المملوكة للدولة المصرية بنسبة 80%) وهى أيضاً الجهة التى لها الحق فى تحديد أسعار تعريفة الخدمات كافة التى تقدمها الشركات الأربعة، بل تستلزم حتى العروض والحزم التحفيزية التى تريد أى من الشركات الأربعة تقديمها موافقة نفس ذلك الجهاز بما ينسف مبدأ المنافسة من الأساس. هذا بالإضافة إلى أن البنية التحتية لشبكات الإتصالات فى مصر والتى تُستخدم من الجميع مملوكة بالكامل للشركة المصرية للاتصالات التى هى كما قلنا سابقاً المالكة لشركة WE وهى أيضاً مستحوذة على نسبة 45% من المنافس (؟؟؟؟) "فودافون" الشركة ذات الحصة السوقية الأعلى بالبلاد ولها 4 ممثلين بمجلس إدارتها من ذوى الحق فى التصويت يمثلون 25% من إجمالى المجلس بعد استبعاد الرئيس. هذا بعيداً عن تداخل الحكومتين الفرنسية والإماراتية من خلال شركتى "أورانج" و"اتصالات" على التوالى وهو ما يحول المسألة إلى معادلة سياسية أكثر منها اقتصادية قدر ما يمكننا فصل هذا عن ذاك.
ويمكننا فى الحقيقة أن نسمى ما يحدث هنا أنه Oligopoly على الطريقة المصرية حيث أن حتى "احتكارات الأطراف المتعددة" فى دول الغرب، على شيوعها فى بعض الأحيان، لا تكون حكومة الدولة أو الدول طرفاً فيها، ليس فقط لأنها ممارسة غير عادلة ولكن أيضاً لأنها لا تستقيم وصحيح العقل والمنطق الاقتصادى. ولنا على ذلك مثالاً فى ألمانيا التى توجد بها ثلاثة شركات فقط لهذا المجال أو 4 بانجلترا ولكن دون أدنى شكل من التدخل الحكومى تحت أى مسمى.
ونجد أن الحالة الثانية هى حالة تكرير البترول (أى تحويل النفط الخام إلى وقود صالح لاستخدام المركبات المختلفة وفى مقدمتها السيارات بالطبع) وتوزيعه بالجملة وبيعه بالتجزئة (محطات البنزين). وتوجد بهذا السوق مبدئياً شركتان لا ثقل لهم على الإطلاق ويشبهون كثيراً من يقومون بأدوار "الكومبارس" فى الأفلام السينمائية أو المسلاسلات التليفزيونية أو حتى مجرد الديكورات لمشهد أكثر تعقيداً وهما "طاقة عربية" و"إمارات مصر" ولا تزيد عدد المحطات التى يملكونها مجتمعين بكامل أنحاء الجمهورية عن خمسة وعشرون محطة على أقصى تقدير. هذا فى الوقت الذى فيه انسحبت من السوق المصرى شركات عالمية عملاقة مثل "Royal Dutch Shell" الهولندية و"BP" البريطانية و"Caltex" الأمريكية الذين أختصروا أنشطتهم على البحث والتنقيب لما كان سوق التكرير والتوزيع أصبح فى وضع احتكارى متعدد الأطراف مُكون من شركة "Exxon Mobil" الأمريكية الأصل ومتعددة الجنسيات الآن و"Total" الفرنسية ومعهم – ومن هنا تبدأ المشكلة الحقيقية – شركات "التعاون" ("الجمعية التعاونية للبترول" سابقاً) و"مصر للبترول" وكليهما يتبعان الحكومة المصرية بشكل مباشر (وللأخيرة وحدها حوالى 1000 مجطة وقود على مستوى الجمهورية من إجمالى 3600 محطة تقريباً فى 30 يونيو 2019)، بالإضافة إلى شركتى القوات المسلحة "وطنية" و"Chill Out" وظهرت الثانية فى الآونة الأخيرة بكثافة على الطرق السريعة تحديداً.
وبالطبع تلعب وزارة البترول والثروة المعدنية (المالكة لشركتين بشكل مباشر والمتحكمة فى شركتين أخريتين بشكل غير مباشر) دور ضابط إيقاع السوق وتقوم من بعد تحرير سعر الوقود وفقاً للأسعار العالمية بتشكيل اللجنة التى تحدد أسعار البيع بشكل ربع سنوى.
ومن هنا ينشأ فى سوق تصنيع وتوزيع الوقود أيضاً شكل غريب جداً من أشكال الــ Oligopoly حيث تتكون روابط احتكارية تهيمن عليها الحكومة المُكلفة فى الأصل بمنع تلك الروابط ومعاقبة من يشكلونها وبالتالى أصبحت تتحرك فى منطقة رمادية غير مفهومة دون آفاق اقتصادية حقيقية ولا أهداف طويلة المدى ولا استراتيجية متكاملة تستهدف استقرار السوق المطلوب فى مجال مثل سوق المنتجات البترولية تحديداً كى لا تهتز معه بافى القطاعات الاقتصادية كلها. كما يصعب فيما يتعلق بمثل تلك التكوينات إيجاد تعريفات قانونية نافذة وبالتالى يستحيل منعها عملياً وهو ما يؤدى بدوره إلى تشوهات شديدة ليس فقط فى الأسعار ولكن أيضاً فى هيكل السوق نفسه الذى لم يُترك حراً كى يتحرك اللاعبون فى ضفافه بما يتراءى لهم وفى الوقت نفسه لا تسيطر عليه سياسة حكومية ذات خصائص محددة.
وسنتغاضى هنا عن حالة ثالثة مشابهة وهى القطاع المصرفى لأن حجمها وبنيتها معقدة بدرجة أنها تجتاج إلى ورقة طويلة وتفصيلية وحدها ولا يمكنها أن تكون جزء من مقال.
ومن أكبر الإشكاليات التى تنشأ عموما بسبب هذه النوعية من الاحتكارات هى أنها فى الغالب تمنع التوسع الأفقى للأسواق، أى أن السوق قد يكبر ولكن المقومات اللوجيستية والإمكانيات المادية للشركات قد لا تكفى لتغطية التوسعات بالشكل المطلوب ونحن نلاحظ هذا فى قلة عدد بعض أنواع (ماركات) محطات الوقود ببعض المحافظات وإن وجدت قد لا يمكنها تقديم كافة أنواع البنزين فى جميع الأوقات بما لذلك من تأثيرات شديدة السلبية على سلاسل توريد البضائع Supply Chains وحركة المواطنين بشكل عام، سواء كان ذلك بسياراتهم الخاصة أو وسائل النقل الجماعى العامة والخاصة. وهذه أمثلة بسيطة جداً فقط على الكوارث التى يُمكن أن تتسبب فيها الاحتكارات متعددة الأطراف وقد يكون ضررها أكبر من الاحتكارات الفردية ولكن القائمة تطول فى الحقيقة ولا يتسع لها المجال هنا.
ولا يختلف الأمر كثيراً لو تحدثنا عن قطاع الاتصالات، بل تزيد حدة المشكلة فى معظم الأحوال ونستشعرها جميعاً بشكل شبه يومى عندما تنقطع مكالمتنا أكثر من مرة ونعانى من ضعف الإرسال فى مناطق عدة بما فى ذلك أجزاء ليست بالصغيرة من القاهرة الكبرى نفسها، هذا بعيداً عن عدم وجود شبكات اتصالات أرضية أصلاُ بمناطق كثيرة كانت تعتبر نائية فى الماضى ولكن أصبحت الآن تعج بالسكان، خاصة قرى الدلتا ونجوع الصعيد.
وبالإضافة إلى ما تتسبب فيه الــ Oligopolies من تدهور لمستوى الخدمات أو المنتجات المُقدمة لجمهور المستهلكين، فهى تؤدى أيضاً إلى ارتفاع أسعارها دون أن يكون للمستهلك خيار الاحتجاج السلبى والذهاب إلى مقدم آخر لنفس الخدمة لأنه بالطبع لن يجد عنده شيئاً مختلفاً. بعبارة أخرى: يوجد فى الحالات المصرية للاحتكارات متعددة الأطراف نوع من التراضى الصامت فيما بين الشركات وبعضها البعض فى معظم الأحوال وقد يصل إلى تنسيقات غير رسمية وبالتالى غير مُعلنة تمت من خلف الأبواب المغلقة وغير خاضعة لأى نوع من أنواع الرقابة.
وقد أشرت فيما قبل إلى أننى لا أود هنا طرح حلول أو بدائل تتفق بالضرورة مع قناعاتى السياسية وبالتالى أيضاً تصوراتى للشكل الاقتصادى الأمثل لأن تحققها فى المستقبل المنظور ليس فقط صعب للغاية، بل ربما يصل إلى درجة الاستحالة التامة إلى أن يتغير الظرف التاريخى ككل وأى ملم بالأدبيات الماركسية – التى هى مرجعيتى فى النهاية – سيعلم ذلك تمام العلم.
هذا لأن الدولة المصرية خطت خطوات واسعة نحو الاقتصاد الرأسمالى المتوحش منذ النصف الثانى من ثمانينيات القرن الماضى وإن كانت قد ارتدت ثوب الوطنية والمصلحة القومية العليا فى بعض الأحيان مثلما حدث مع قرارات منع الاستيراد والدعوة إلى الاعتماد على الصناعة الوطنية ببدايات عصر الرئيس الأسبق حسنى مبارك وهو ما أفرز فى النهاية رأسمالية صناعية جديدة تذكرنا بمثيلتها الأوروبية، وخاصة الألمانية، فى أواخر القرن التاسع عشر.
كما جاءت مجموعة جمال مبارك فى أوائل القرن الحادى والعشرين لتجذب الهياكل الاقتصادية المصرية إلى المزيد من الانحراف وتبنت منهجيات نيوليبرالية بحتة لم تكن بنية الاقتصاد المصرى مستعدة لها بأى حال من الأحوال.
ورغم بؤس هذا الواقع لا يوجد أمامنا – إن أردنا فعلاً أن نكون عمليين – سوى الانطلاق منه، عل وعسى أن نجد فى نهاية هذا المطاف على الأقل آفاق أوسع وأرحب بالنسبة للمواطن ومستوى معيشته حتى ولو لم تكن مثالية.
وأول ما نحتاج إليه فعلياً للقضاء على مشكلة الاحتكارات المتعددة الأطراف فى سياق الاقتصاد المصرى هو خروج الجهات والشركات الحكومية كلاعب فعال من كافة الأسواق وبما يتضمن أيضاً تبنيها وظائف تنظيمية، بل يجب أن يقتصر دورها على الجوانب التشريعية البحتة فقط من خلال تقدمها بمقترحات لقوانين إلى المجلس التشريعى (مجلس النواب ومستقبلاً مجلس الشيوخ ايضاً) وبما لا يتعارض مع أسس السوق الحرة التى لا تتوقف الحكومةالحالية عن الدعوة إليها ليل نهار.
هذا على أن يتم عرض أصول الشركات الحكومية، خاصة تلك العاملة فى مجال مشتقات البترول، للبيع العلنى وبما يضمن جذب شركات جديدة إلى السوق بالإضافة إلى تلك العاملة به بالفعل اليوم ثم يتم توظيف عائد البيع فى تحسين البنية التحتية وتأهيل العمالة حتى تكون عنصر فعال فى جذب استثمارات جديدة إلى القطاعات المختلفة ومن ثم رفع كفاءتها بدلاً من مجرد استخدامها لسد عجز الموازنة العامة كما هو الحال دائماً عند بيع أصول الدولة بحجة عدم جدواها من الناحية الاقتصادية وضعف ربحية تشغيلها وكأن إنفاق عوائد البيع هذه على تمويل عجز الموازنة مشروع مربح مستدام طويل الأمد أو بديلاً منطقياً لبيع السندات وأذون الخزانة بالأسواق المحلية والدولية.
وقتها يمكن أن تعمل بدرجة ما من النجاح فكرة "العرض والطلب" التى يقوم الطرح الاقتصادى الرأسمالى عليها أساساً ولو حتى بشكل مؤقت.
هذا بالإضافة طبعاً إلى تحرير قطاع التكرير بالكامل ومع مراعاة أنه من بعد رفع الدعم عن المنتجات البترولية لم تعد هناك أيضاً حاجة إلى أن تلعب الأجهزة الحكومية دوراً رقابياً أو تنظيمياً فى منظومة التوزيع، الأمر الذى كان مطلوباً من ذى قبل لمنع تهريب المنتجات المُدعمة.
هذا مع العزوف عن مسألة الــ Price Smoothing واللجوء إلى شكل الــ Full Pass Through فى عملية وضع الأسعار كل 15 يوماً بشكل تلقائى ودون تدخل حكومى [اى شكل من الأشكال ولا تحت أى مسمى من المسميات، أى أن تنعكس التغييرات فى السعر العالمى للنفط وسعر صرف الدولار بشكل فورى ومباشر على سعر البيع للمستهلك وفقاً لرؤية واستراتيجية كل شركة، مع مراجعة ربع سنوية لنسبة الاستهلاك المحلى إلى الإنتاج المحلى وتكلفة التكرير والنقل والتوزيع لأن هذه كلها عناصر تكلفة لا تتحرك إلا بنسب ضئيلة وهامشية جداً فى المدى الزمنى القصير ولا ينطبق بالتالى عليها ما ينطبق على سعر الخام.
ولا حاجة بالطبع لذكر ضرورة غلق أو خصخصخة كافة الشركات التى تتبع الحكومة المصرية، بما فى ذلك شركات القوات المسلحة حتى تكون هناك منافسة حقيقية وعادلة تصب فى النهاية فى صالح المستهلك.
أما بالنسبة لقطاع الاتصالات، فلا يختلف الأمر كثيراً حيث يجب أن تكون المطالبة الأولى هى الخصخصة الكاملة غير المشروطة للشركة المصرية للاتصالات عبر البيع لمستثمر رئيسى أو الطرح بسوق الأوراق المالية، مع مراعاة أن الخيار الثانى هو الأفضل بكل تأكيد، وهذا بطبيعة الحال بعد أن تكون الشركة قد باعت حصتها فى "فودافون – مصر" كاملة حتى لا يكون سعرها مُشوهاً ويخرجون بالتالى الممثلين الحكوميين كافة من مجالس إدارات الشركتين.
ويُعتبر من الهام للغاية أيضاً فى نفس هذا السياق إلغاء "المجلس القومى لتنظيم الاتصالات" أو تقليص دوره إلى أقصى درجة ممكنة وبما يضمن على الأقل عدم تدخله فى عمليات التسعير.
وربما تحتاج عمليات آليات التسعير تلك فى هذا المجال أو ذاك، مقالات أو ورقات كاملة مُخصصة لها فقط نظراً لتعقيدها وتشابك العديد من العناصر بها وهو ما قد أفعله فى وقت لاحق ولكن ما يجب أن نتفق عليه هنا مبدئياً هو ضرورة التوصل إلى مبدأ اقتصادى متسق مع ذاته، بمعنى أنه أما أن نترك الأمور لميكاميزمات السوق الحر بالكامل أو أن نخضعها لتحكم كامل على يد الجهات التشريعية والأجهزة التنفيذية للدولة. وكل ما يخالف ذلك، فينطبق عليه القول الشعبى المعروف "صاحب بالين كداب".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صندوق النقد يحذر... أزمة الشرق الأوسط تربك الاقتصاد في المنط


.. صندوق النقد الدولي: تحرير سعر الصرف عزز تدفق رؤوس الأموال لل




.. عقوبات أميركية على شخصيات بارزة وشركات إنتاج الطائرات المسيّ


.. متحدث مجلس الوزراء لـ خالد أبو بكر: الأزمة الاقتصادية لها عد




.. متصل زوجتي بتاكل كتير والشهية بتعلي بدرجة رهيبة وبقت تخينه و