الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أربعة أشهر من أزمة الصحّة العالميّة لكوفيد -19 و الأزمة الاقتصادية ... أفكار حول الوحشيّة التامة و اللاعقلانيّة الفاحشة للرأسماليّة – الإمبرياليّة

شادي الشماوي

2020 / 7 / 28
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


أربعة أشهر من أزمة الصحّة العالميّة لكوفيد -19 و الأزمة الاقتصادية ...
أفكار حول الوحشيّة التامة و اللاعقلانيّة الفاحشة للرأسماليّة – الإمبرياليّة
ريموند لوتا ، جريدة " الثورة " عدد 657 ، 20 جويلية 2020
https://revcom.us/a/657/four-months-into-global-covid-economic-crisis-en.html

" فيما هناك بالتأكيد رغبة شرعيّة و إيجابيّة من جهة الناس في كلّ مكان لتجاوز مصيبة هذا الفيروس ، آخذين بعين الإعتبار الوضع الفعلي لجماهير الإنسانيّة في ظلّ الهيمنة " العاديّة " لهذا النظام ، لا أحد يجب أن يرغب في العودة إلى " الحياة العاديّة " التي يفرضها النظام الرأسمالي – الإمبريالي . "
( بوب أفاكيان ، مقتطف من مقال " وهم " الحياة العاديّة " المميت و المخرج الثوريّ " )
هذه بعض الأفكار المتّصلة بتأثير جائحة كوفيد-19 على الاقتصاد الإمبريالي العالمي و على شعوب العالم . وهي أفكار نقدّمها مساهمة منّا في فهم هذا الواقع غير المسبوق و إمكانيّة نهوض جذريّ . و ستلحق أفكار أخرى .
الجزء الأوّل :
1- نقطة فم و توجّه أساسيّة . الكوفيد-19 ظاهرة طبيعيّة بيولوجيّة . و هذا الفيروس معدى للغاية و قاتل. لكن لكيف تطوّرت الأزمة الصحّية و كيف جرى الردّ عليها ... صلة وثيقة وهو موسوم بميسم النظام الذى نعيش فى ظلّه. و هذا النظام هو النظام الرأسمالي- الإمبريالي .
تواجه الإنسانيّة أزمة صحّية عالميّة على نطاق لم يسبق له مثيل منذ وباء أنفلونزا 1918 . و قد أصاب ذلك الوباء بالعدوى ثلث سكّان العالم و أدّى إلى وفاة 50 مليون إنسان. و الكوفيد -19 ( فيروس كورونا ) تمّ إكتشافه أوّلا في الصين في ديسمبر 2019- و بسرعة تحوّل إلى أزمة صحّية عالميّة ز فعالميّا ، هناك الآن ما يقارب 14 مليون حالة و أكثر من 590 ألف وفاة ( معلنة ).
و لا وجود للقاح مضاد لفيروس كورونا و لا علاجات طبّية فعّالة . و من غير المعلوم المدى الزمني ( الآن صار يعدّ بالسنوات ) الذى سيكون خلاله على الإنسانيّة أن تواجه فيروس كورونا و إنعكاساته . فهذا المرض يحدث في إطار إنسانيّة مكبّلة وثيق التكبيل بنظام إقتادي عالمي : الرأسمالية – الإمبرياليّة .
هذا النظام هو الحاجز الأعظم أمام التعاطى مع هذه الأزمة تعاطيا يخدم مصلحة مليارات البشر على هذا الكوكب . و لماذا ذلك كذلك ؟ الرأسماليّة منظّمة حول الملكيّة الفرديّة لوسائل إنتاج عالية التطوّر و عالية الطبيعة الاجتماعية : المصانع و التجهيزات و المواد الأوّليّة و التكنولوجيا و النقل و المواصلات ، إلى جانب شبكات التوزيع الواسعة . و لهذا النظام ديناميكيته الخاصة . الرأسماليّون يحرّكهم التنافس للحصول على الربح و مزيد الربح إعتمادا على إستغلال الشغّالين الذين لا يملكون أو لا يتحكّمون في وسائل إنتاج. و تدفع المنافسة رؤوس الأموال الخاصة إلى التخفيض في التكاليف و توسيع الإنتاج لأجل كسب حصّة السوق و إستبعاد المنافسين ... و إلاّ سيجدون أنفسهم منهزمين . في مجال الإتّصالات عن بُعد ، نوكيا و آبل و سامسونغ و هواواي يتنافسون من أجل الأسواق و حول براءات الإمتياز و من أجل الفعاليّة – التكاليف في الإنتاج ( و يشمل هذا عمل الأطفال في مناجم الكونغو ) .
هذا نظام يتحكّم فيه الربح و يشكّل و يشوّه أولويّات الإستثمار و القرارات عبر كافة قطاعات الاقتصاد.
تمعّنوا في هذين العاملين في علاقة بالوقاية من المرض و العلاج في ظلّ الرأسماليّة :
- في أواخر تسعينات القرن العشرين ، 39 من أكبر شركات الأدوية في العالم أقامت دعوى قضائيّة ضد حكومة جنوب أفريقيا مطالبة إيّاها بأن لا تبقى الأدوية الجنيسة المضادة للسيدا المتوفّرة في متناول المصابين بهذا المرض . و قد إستغرق بلوغ العلاجات المضادة لفيروس السيدا في نهاية المطاف أفريقيا سنوات و سنوات . هذه جريمة قتل !
- و في وقت متأخّر من سنة 2016 ، كبرى شركات الأدوية " إختارت الانسحاب " من جهد تطوير لقاح ضد المالاريا التي كانت تفتِكبمئات آلاف الأطفال في البلدان الفقيرة كلّ سنة ، لا سيما في أفريقيا . لماذا ؟ كما جرى التصريح بذلك بجرأة على صفحات الأعمال التجاريّة الجديدة ، " النيويورك تايمز " ، " لا يمكن تحقيق أرباح ماليّة من لقاح لأطفال فقراء يمكن أن لا يقدروا على دفع مقابل عمليّة التلقيح "(*).
غياب تخطيط إقتصادي- إيكولوجي / بيئي واعي و شامل
في ظلّ هذا النظام ، لا تُستخدم موارد و قدرات المجتمع الإنسانيّ خدمة لمصلحة الإنسانية عبر العالم و لتحسين عيشها . لا تخطيط إقتصادي- إيكولوجي واعي و شامل . فمن ناحية ، الاقتصاد الرأسمالي – الإمبريالي الحديث مترابط بدرجة عالية : تحتاج شركة الجنرال موتورس لأدوات و آلات و ألومنيوم و عمّال مدرّبين و لأناس يقتنون سياّراتها . لكن في إقتصاد ملكيّة و تحكّم فرديّين كلّ يهدف إلى الحصول على أقصى الأرباح – تلبّى هذه المتطلّبات عبر البيع و الشراء في السوق . و إن كانت الإستثمارات " مربحة " ام لا يُكتشف " بعد العمليّة " .
كُتل هائلة من الرساميل تهيمن على إقتصاد الولايات المتّحدة ككلّ – و تتفاعل مع بعضها البعض جوهريّا بإعتبارها متنافسة و تحافظ الدولة الإمبرياليّة للولايات المتحدة على المصالح الإستراتيجية للطبقة الحاكمة الرأسماليّة ( حتّى و أقسام من الطبقة الحاكمة تتقاتل حول كيف جب أن تلبّى هذه المصالح أو يجب أن تغيّر ).
لذا ، لكافة هذه الأسباب و أكثر ، ليس من الممكن في ظلّ هذا النظام إتّخاذ إجراءات تلبّى الحاجيات الكبرى للإنسانيّة و التنظيم العقلاني للإنتاج و توفير إعتمادات لتلبية الحاجيات الإجتماعيّة الأساسيّة مثل الغذاء و السكن و الصحّة و توفير لوازم حياة فكريّة و ثقافيّة ثريّة . هذا لا يحدث ... و لا يمكنه أن يحدث . غير أنّه ممكن الحدوث ! و ذلك بالقيام بثورة للإطاحة بهذا النظام و تعويضه بالإشتراكية كنظام إنتقالي نحو الشيوعيّة مثملما تمّ عرضه في " دستور الجمهوريّة الإشتراكية الجديدة في شمال أمريكا " الذى ألّفه بوب أفاكيان .
في إقتصاد يمتاز بتحوّل الأسواق و فرص الربح و المنافسة ذات الرهانات العالية – آفاق الرساميل الفرديّة قصيرة المدى. شركات تِسلا و دال و مكروسوفت و غيرها لا تهتمّ للتأثيرات البيئيّة على المدى البعيد لمناجم الكوبالد المستخرج من اجل بطّاريّات الليتيوم ( ناهيك عن ذكر الكلفة الإنسانيّة لذلك ). و مرّة أخرى ، على الصعيد الاجتماعي الواسع ( و العالمي ) ، لا وجود لتخطيط مسبّق . لا وجود للتوقّع و الإستعدادات للكوارث الطبيعيّة و الصحّية إلى أكبر درجة ممكنة بإعتبار المعرفة المتوفّرة و قدرات التكهّن . الإعداد للطوائ البيئيّة ( مثل الإعصارات و ارتفاع مستوى البحر على المدى البعيد ) و للطوارئ المرضيّة و الصحّية و للتحدّيات القريبة و البعيدة المدى .
لذلك ، قبل جائحة كوفيد-19 ، وُجد نقص إجرامي في الإستعدادات : تمويلات صغيرة و القليل من البحث و التطوير للعلاجات لأنواع الأمراض المنتقلة من الحيوان إلى الإنسان التي ظهرت في المدّة الأحدث و بتواتر أكبر عبر العالم ... و الفشل في " القيام باللازم " في إنتاج و مراكمة التجهيزات الطبّية للحماية و التزويد بها ... و الآن الإجابة المتناثرة و المتقطّعة على هذه الأزمة ... كلّ هذا إزدادت حدّته بفعل الدولة الإمبريالية الأمريكيّة و قيادتها الفاشيّة المجونة .
وباء يحدث في ظلّ نظام عالميّ منقسم إلى بلدان مضطهِدة و بلدان مضطهَدة
هذا نظام عالمي متكوّن من حفنة من البلدان الرأسماليّة القويّة كالولايات المتّحدة و الصين (**) و اليابان و روسيا و ألمانيا تهيمن على و تنهب البلدان الفقيرة من " جنوب الكوكب ". و مع تطوّر إستعجاليّة صحّة فيروس كورونا مع إزدياد الوضع سوءا ،كانت هذه القوى الإمبريالية تتنافس من أجل التزوّد العلمي و الطبّي . " المزايدة " في السعار " ( دفع أسعار أعلى من أجل ) الكمّامات و الملابس و القفّازات الطبّية و أجهزة التهوية . ففي بعض مدن البرازيل ، التزوّد بالمواد الكيميائيّة لإجراء الفحوصات / الإختبارات للفيروس خُطفت فعليّا لتحوّل إلى الولايات المتّحدة .
و بدايات الأزمة ، تحدّث ترامب عن إتّفاق إنتاج الدفاع لتقليص صادرات الولايات المتّحدة من التموينات الطبّية المفاتيح ، تاركا عديد البلدان الفقيرة تتزاحم للحصول على التجهيزات الضروريّة لمحاصرة الفيروس و حماية المشتغلين في الرعاية الصحّية . و في غرّة جويلية ، أعلن قسم الصحّة و الخدمات الإنسانيّة أنّه إقتنى ما يفترض أنّه كامل التموين العالمي لثلاثة أشهر من مادة الرمدسفير وهي عقّار قلّص أوقات الشفاء من الفيروس .
و عادة ما يلاحظ في وسائل الإعلام السائدة أنّ أنظمة الرعاية الصحّية و البنية التحتيّة للبلدان الفقيرة الأفريقيّة و الآسيويّ’ و الأمريكيّة اللاتينيّة ( و ما يسمّى " جنوب الكوكب " ) هي " هشّة " في زمن الوباء هذا . و هذه صيغة كناية و تلطيف كلام قاسية و خادمة للذات في الحديث عن أنظمة الرعاية الصحّة التي أضعفتها و أهلكتها الإمبريالية .
و في 2019 ، 64 بلدا ، تقريبا نصفهم من أفريقيا ، أنفقوا أكثر على خلاص ديونهم الخارجيّة لمؤسسات الإقراض الإمبريالية أكثر ممّا أنفقوا على الصحّة ! كان على هذه البلدان أن تقلّص في ميزانيّات الصحّة و التدريب الصحّي و البحث العلميّ طوال سنوات كشرط للحصول على المزيد من القروض من البلدان الإمبرياليّة . و تعزّز هذه القروض و تخدم هيكلة كاملة من الهيمنة الإمبريالية – فالإنتاج موجّه للتصدير وهو مركّز على إستخراج المواد الأوّليّة و يجرى الإنتاج بطرق أخرى أيضا تكون وفقها هذه البلدان في تبعيّة لخدمة حاجيات الإمبرياليّة . و مع إقتصاديّات هذه الأمم الفقيرة التي تعرف الآن تداعيات هبوط حاد إقتصادي ،و في الوقت الذى هناك حاجة لمليارات الدولارات الإضافيّة للتعاطى مع الأزمة الصحّية، سيصبح خلاص الديون أثقل حتّى وزنا على كاهل هذه البلدان ( أنظروا مقال ريموند لوتا " من قبضة الخبث إلى قبضة الموت : الهيمنة الإمبرياليّة و كوفيد - 19 و فقراء العالم المحكوم عليهم بالبؤس ") .
الإمبريالية " تشوّه " العالم
لنتذكّر أنّ الوباء ظاهرة عالميّة ( فبان – pan - في كلمة pandemic - تعنى " في كلّ مكان ") . و هنا نحن إزاء وباء عالمي ... و تطوير لقاح قد يقى فعلا من المرض هو ذاته موضوع منافسة شديدة بين عمالقة الصيدلة و الدول الإمبرياليّة – القوميّة تدعمها ، لا سيما الولايات المتّحدة و الصين . و في المنطق البائس لرأس المال ، سيدرّ " الحصول على ذلك قبل الآخرين " فوائد ضخمة للشركات التي ستفعل ذلك ( " محميّة " بما يسمّى حقوق الملكيّة الفكريّة ) . و" الحصول على ذلك قبل الآخرين " سينمّى من المستوى الهائل من تحكّم القوى الإمبريالية في جانب من الأسواق العالمية.
و قد وسم ترامب جهود الولايات المتّحدة في تطوير لقاح ب " عمليّة مشوّهة السرعة " . و عمليّا ، إملاءات الربح و التآمر الإمبرياليين " تشوّهان " التطوّر و التطبيق الآمنين و إستخدام المعرفة التكنولوجيّة و العلميّة . لقاح من أجل " أمريكا أوّلا " ؟ اللعنة على ذلك ... العالم بأسره في المصاف الأوّل !
للعودة إلى نقطة الفهم الأساسيّة : الجائحة ظاهرة طبيعيّة – بيولوجيّة ، لكن كيف تطوّرت و كيف يتمّ التاطى معها تنحو إلى الإرتباط وثيق الإرتباط و بشكل مروّع بالنظام الذى نعيش في ظلّه : الرأسمالية – الإمبريالية .
2- يشهد العالم كلاّ من أكبر وباء و أكبر تراجع إقتصادي في المئة سنة الأخيرة . و الدافع المباشر للأزمة الإقتصاديّة كان فيروس كورونا : الإنقطاعات في الإنتاج و الإنقطاعات في التجارة العالميّة . لكن الطابع الكامن و ديناميكيّة الأزمة الإقتصاديّة الجارية التي تحمل تأثيرات هائلة على حياة ورفاه المليارات عبر هذا الكوكب ... هو النظام الرأسمالي – الإمبريالي القائم على الربح .
كان الاقتصاد الرأسمالي العالمي بعدُ يواجه نموّ إقتصاديّا ، ضعيفا و هيكلة الديون الكبرى الباعثة على عدم الاستقرار قبل الوباء . الوباء و إجراءات القوى الإمبريالية الكبرى لمحاصرة هذه الأزمة بما في ذلك عبر كفالة الشركات و ضخّ تمويلات في النظام المالي يمكن أن تزيد من عدم الاستقرار .
و التنافس الاقتصادي و الجغرافي السياسي بين الإمبريالية الأمريكيّة و الإمبريالية الصينيّة كان إلى إشتداد قبل الجائحة ، و قد فكّك التجارة العالميّة و تدفّق الإستثمارات . و قد إحتدّ هذا التنافس في خضمّ الجائحة .
سلاسل التزويد الإمبرياليّة ... و " صدمات " التزويد ... و حلول الأزمة
و لنبدأ مع سلاسل التزويد الإمبرياليّة لأنّ هذه الأزمة إنطلقت مثلما يطلق عليها ب " صدمة " التزويد. فقد صار الاقتصاد الرأسمالي العالمي أكثر عولمة طوال العقود القليلة الماضية .
معظم المنتوجات سواء كانت سيّارات أم آلات الكترونيّة و آلات طيران أم منتوجات صيدلة ، تصنع عبر تقسيم عالمي واسع للعمل كانت فيه مختلف وحدات الإنتاج جزءا من سيرورة إنتاج معقّدة . و المواد الأوّليّة التي يشتمل عليها حاسوب تأتى من مناجم في أفريقيا و يمكن للتركيب أن يجري في الصين . شركات ترغات و هاش أن آم و ولمارت تمضى عقودا مناولة فرعيّة مع شركات في بنغلاداش لإنتاج أقمصة و فساتين و سراويل الجينز – في معامل هشّمة كالحجيم تشغّل أساسا النساء.
و هذا الإنتاج الملموس يتحرّك عبر صلات مختلفة و يعبُر عدّة حدود ضمن سلسلة التزويد العالميّة . و في كلّ مرحلة من مراحل الإنتاج و النقل ، تضخّ الأرباح إلى الخارج و تتركّز في بلدان الخارج و إلى أعلى نحو البنوك و الشركات العالميّة الكبرى و مراكز قياداتها العامة الواقعة في البلدان الإمبرياليّة ، تنظّم و تتحكّم في سلاسل التزويد هذه ، و نحو الحكومات الإمبريالية . إنّها تضغط على عديد المزوّدين ليتنافسوا مع بعضهم البعض للحفاظ على العقود بتقليص التكاليف – من خلال الإستغلال الأكثر وحشيّة لقوّة عملهم .
في مارس ، كان فيروس كورونا ينتشر عبر سلاسل التزويد العالميّة . فكانت العدوى تنتشر في صفوف العمّأل و تتسبّب في إنقطاعات في الإنتاج . و العلامات الأوّليّة للأزمة كانت غلق المصانع في الصين و أجزاء من آسيا . و إحصائيّات المكوّنات التي دخلت في إنتاج مختلف أنحاء العالم من سلاسل التزويد هذه كانت تتضاءل . و أغلقت الصين جزءا كبيرا من مؤسّساتها الإقتصاديّة . و مع إنتشار الفيروس إلى أوروبا و الولايات المتّحدة ، إتّخذت إجراءات لمحاصرة العدوى : تحديدات في السفر و إغلاق مغزات و بقاء في المنازل و حجر صحّي . و وقع منع طلبيّات المزوّدين في البلدان الفقيرة ما أفرز تسريحا هاما للعمّال.
و قد أدّى هذا بسرعة البرق إلى " صدمة " في الإقتصاد الرأسمالي العالمي : تراجعت إستثمارات مصانع و قد واجهت إنهيار الطلب و جدّت إنقطاعات في التزويد و لم تكن آفاق الأرباح المستقبليّة أكيدة . و تُبع ذلك بتسريح عدد هام من العمّال و توقّفت البنوك عن تقديم القروض و شهدت قطاعات مفاتيح في البلدان الإمبريالية على غرار صناعة الطائرات تبخّرا تاما للأرباح و صار إفلاسها مخيّما و أغلقت أعمال تجاريّة صغيرة عديدة أبوابها . و في البلدان المضطهَدَة ، نزع النشاط الاقتصادي نحو التوقّف فأغلقت موانى و مصانع و أوقفت سفرات الطائرات و نفذت موارد الخزائن. و مثلما أشرنا إلى ذلك قبلا ، الحكومات في البلدان التابعة مدينة بمليارات الدولارات من دفوعات الديون .
بعض الإجراءات المتّخذة لمواجهة الأزمة
تقدّر الذراع الماليّة لصندوق النقد الدولي أنّ العديد من إقتصاديّأت العالم قد تداعت في الثلاثة أشهر الأولى من هذه السنة بنسب تتراوح بين 25 و 40 بالمائة ( كنسبة سنويّة ). و وفق توقّعات مجلّة صندوق النقد الدولي ، " النظرة الاقتصادية العالميّة " ، جوان 2020 ، يُنتظر أن يتراجع نموّ البلدان الرأسماليّة المتطوّرة بنسبة 8 بالمائة في 2020. و في الهند، يتوقّع أن يتراجع الاقتصاد ب 4.5 بالمائة ؛ و يُتوقّع أن يتراجع الاقتصاد في المكسيك و البرازيل ب 10.5 و 9.1 تباعا. و من المتوقّع أن تنهار التجارة العالميّة بنسبة 11.9 بالمائة سنة 2020.
لماذا من المهمّ النظر في هذه المعلومات و لماذا يجب علينا أن نهتمّ لذلك ؟ لأنّها تكشف الإنهيار الجدّي في النشاط الاقتصادي. و بالذات بسبب ذلك خسارة الجماهير الشعبيّة للمداخيل و الإضطرار إلى العناء بمشقّة للبقاء على قيد الحياة – وهي عُرضة لظروف إجتماعيّة و إقتصاديّة أصعب حتّى – و ينطوى هذا حتّى على عذاب و تفقير أكثر سوءا .
- جاء في تقرير لمنظّمة العمل العالميّة في أواخر جوان أن تداعى النشاط افقتصادي أفرز على ألرجح 14 بالمائة من التراجع في ساعات العمل العالميّة خلال أفريل – جوان 2020 ، ما يساوى 400 مليون موطن شغل لوقت كامل : في الولايات المتّحدة ، تمّ تسريح 30 إلى 40 مليون عامل. و كانت الضربة التي تلقّاها سوق الشغل شديدة خاصة بالنسبة للعمّال الأقلّ مؤهّلات الذين لا يملكون خيار العمل إنطلاقا من المنزل .
- من ضمن ما يناهز ملياري ما يسمّى بالعمّال " المشتغلين في أعمال غير رسميّة " – عمّال أساسا من بلدان مضطهَدَة يفتقرون إلى ساعات عمل نظاميّة و أجرة قارة ، و لا يتمتّعون إلاّ ببعض إن لم يكونوا دون حماية و خدمات – بعض 80 بالمائة ( 1.6بليون ) يعانون من الضرر الذى لحق قدرتهم على تحصيل مصدر للرزق .
- و يسلّط نفس تقرير منظّمة العمل العالميّة الضوء على التأثير غير المتجانس للوباء على النساء . عالميّا ، 40 بالمائة من كافة النساء المشتغلات في القطاعات الأربعة الأكثر تضرّرا جرّاء فيروس كورونا ، مقارنة ب 36.6 بالمائة من الرجال . و لكون النساء كذلك تقمن بكثافة بالأشغال المنزليّة و الصحّة و قطاعات الرعاية الإجتماعيّة ، وضعهنّ أخطر في ما يتعلّق بعدوى الفيروس و خسارة المداخيل . و في الوقت نفسه ، صار توزيع عمل العناية بالأطفال أكثر لامساواة خلال الجائحة – صار أسوء جرّاء غلق المعاهد و خدمات الرعاية .
- قبل الجائحة ، كان بعدُ 820 مليون شخصا " غير آمينن غذائيّا بشكل مزمن " . لكن الآن بمداخيل و قدرة على الهجرة لحقهما الضرر الشديد ، سيرتفع هذا العدد إرتفاعا ضخما . و قد حذّرت الأمم المتّحدة أنّ ما يقدّر ب 265 مليون إنسان يمكن أن يواجهوا إنعدام أمن غذائي حاد ( منتهى الجوع و المجاعة ) مع نهاية 2020- و قد كانوا يعدّون 135 مليون إنسان قبل الأزمة .
إنّ السير " العادي " لهذا النظام لا يُحتمل بالنسبة للإنسانيّة عبر العالم . و هذا التراجع سيشدّد و يضاعف من الأهوال .
نسبة الربح و الحوافز و طفيليّة البلدان الإمبرياليّة
مع تداعى الإنتاج و الإستثمار في مارس ، تهاوى سوق العملة / البورصة و إرتعدت الأسواق الماليّة . فالبنك الفدرالي ( البنك المركزيّ للولايات المتّحدة الذى يؤثّر في التموّجاتالماليّة و السياسة الماليّة ، كنسب الفائدة ) تقدّم بضخّ أموال ضخمة. كانت المبالغ تقدّر بزهاء 3 ترليون دولار و ذلك قصد الحيلولة دون حدوث إضطراب مالي أكبر ممّا حدث في 2008-2009 . و فعلا ، خفّض من نسب الأرباح إلى الصفر لحثّ الشركات على الإقتراض . و إشترى جميع أواع الديون – و نتيجة هي ضخّ لريليونات الدولارات إلى المستثمرين الماليين .
في الأشهر الأربعة مذّاك ، بلغت أسواق العملة قمما جديدة فقد وُجد نوع من الفصل لسق الأموال عن الاقتصاد الكامن ، عن القاعدة المعولمة للإنتاج التي يقوم عليها في نهاية المطاف و التي لا يمكنه في نهاية المطاف أن يتحرّر منها . ( موضوع للنقاش في مناسبة لاحقة ) . لكن هناك هذا الفصل النسبيّ : المراكمة الكبيرة للثروة الماليّة في أسواق العملة و البورصات من قبل فئة من المستثمرين إعتمادا على كافة طرق المضاربة – بينما الاقتصاد الكامن في أزمة و بينما يعانى مليارات البشر عبر العالم .
و هذا إنعكاس و تعبير عن مزيد إحتدام الوضع ما قبل الوباء . و مثلما أشار إلى ذلك الكثير من المعلّقين ، إقتصاد الولايات المتّحدة كان فقّعة مزوّدة بالقروض لعشرة سنوات منذ الإنتكاسة الكبرى في 2008-2009. و إقتصاد الولايات المتّحدة و إقتصاديّأت أخرى ،و إقتصاد الولايات المتحدة بوجه خاص ، قد عرفت نموّا ضئيلا في الإستثمار المنتج و إرتفاعا في الديون . الأرباح و عائدات الإستثمار قد ضخّت في القطاعات المنتجة لإقتصاد الولايات المتحدة و هذا ما قلّص الإستثمار.
كان الاقتصاد العالمي ينمو بنسب أقلّ سرعة طوال السنوات القليلة الماضية . في 2019 ، النموّ العالمي كان الأدنى منذ إنتكاسة 2008-2009 العالمية . و في هذا الجوّ من النموّ المنكمش ، نما التنافس من أجل الأسواق ، من أجل التقدّم التكنولوجي و من أجل السيطرة على شبكة التزويد . و كانت ديون الشركات بعدُ في مستويات عالية . و الآن ، بعد أربعة أشهر من الأزمة الوبائيّة / الإقتصاديّة ، الشركات التي تنحو نحو الإفلاس لا تزال ديونها الأعلى منذ 2009.
هذه الظروف الماليّة و الإقتصاديّة القابلة للإنفجار يمكن أن تؤدّي إلى " صدمة ماليّة " و أزمة قد تقوّض إستقرار الدولار و العملة الأساسيّة في الإقتصاد العالمي .
تصاعد التنافس بين الولايات المتّحدة و الصين
و هذه الظروف هي أيضا جزء من خلفيّة إشتداد التنافس الإمبريالي بين الولايات المتّحدة و الصين ، إقتصاديّا و عسكريّا. فقد قفز الاقتصاد الصيني قليلا من النقطة المنخفضة للإنتاج عندما ضربت الجائحة الصين . و نظرا للإنهيار المنتظر في النموّ في الولايات المتّحدة ، هذا يعنى أن البون بين إقتصاديّات الولايات المتّحدة و الصين سيميل إلى صالح الصين ، رغم أنّ الولايات المتّحدة تظلّ القوّة الإقتصاديّة المهيمنة في العالم . و التوتّرات بين الولايات المتّحدة و الصين قد تفاقمت أثناء هذه الجائحة : حول التجارة و النفاذ إلى السواق و حول تكنولوجيا التواصل عن بُعد و حول دور منظّمة الصحّة العالميّة في المساهمة في البحث و الفهم لمعالجة الأزمة . و كلّ من الصين و الولايات المتحدة قد دعّمتا من قدراتهما العسكريّة. و خطر النزاع بين هاتين القوّـين يتسارع نسقه . و سنتولّى مزيد الكتابة عن هذا و عن تداعياته على شعوب العالم ، في قادم الأيّام .
في عالم مترابط ترابطا وثيقا ... في عالم تتسبّب فيه جائحة في عذاب غير مسبوق ... في عالم لم يكن فيه التعاون العالمي أهمّ ... إملاءات الإمبرياليّة هي الحكم الأعلى سلطة . هذا فظيع و غير معقول و غير ضروري .
--------------------
)*(Lifting the Patent Barrier to New Drugs and Energy Sources, New York Times, 4/12/16 [back]
)**(
تطلق جمهوريّة الصين الشعبيّة على نفسها صفة الإشتراكية بيد أنّها مجتمع رأسمالي تماما . وهو منظّم حول الربح و قائم على الإستغلال . و الصين تصدّر رأس المال عبر العالم و بنت و لا تزال تبنى شبكة عالميّة من الإستغلال و التأثير متحدّية و متنازعة مع الولايات المتّحدة و القوى الإمبريالية الأخرى . في 1949 ، بلغت ثورة حقيقيّة قادها الشيوعي الثوري ماو تسى تونغ السلطة ظ. أنشأت مجتمعا إشتراكيّا و تبنّى مئات الملايين قضيّة تشييد مجتمع حرّ من الإستغلال و الإضطهاد . لكن ظهرت طبقة رأسماليّة جديدة داخل هياكل الحزب الشيوعي و الدولة الإشتراكية . و خاض ماو الثورة الثقافيّة لسنوات 1966-1976 لتعميق الثورة و منع إعادة تركيز الرأسماليّة . لكن في 1976 ، إفتكّت هذه الطبقة الرأسماليّة الجديدة السلطة. و تطوّرت الصين إلى القوّة الإمبريالية التي هي عليها اليوم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتقال متظاهرين أغلقوا جسر البوابة الذهبية في كاليفورنيا بعد


.. عبد السلام العسال: حول طوفان الأقصى في تخليد ذكرى يوم الأرض




.. Britain & Arabs - To Your Left: Palestine | الاستعمار الكلاس


.. الفصائل الفلسطينية تسيطر على طائرة مسيرة إسرائيلية بخان يونس




.. مسيرة في نيويورك لدعم غزة والشرطة الأمريكية تعتقل المتظاهرين