الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيناريوهات الأرض المصيرية

جميل النجار
كاتب وباحث وشاعر

(Gamil Alnaggar)

2020 / 7 / 31
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر


صحيح بأن الإنسان هو من تسيّد الأحياء كافة على الأرض؛ رغم أنه ليس بأقواها من الناحية العضلية؛ فالثور أقوى منه، ولم يكن الأسرع على الإطلاق؛ فالفهد أسرع منه، وليس أكثرها افتراساً، لأن الضواري البرية وعلى رأسها الأسد هي الأشرس منه، ولم يتفوق على غيره من الأحياء في الخصوبة فأغلب القوارض كالفئران والأرانب أخصب منه. إلا أنه حكم كل ممالك تلك الأحياء وتحكم بها، بل وسخرها مع الطبيعة الأم لمصلحته وتطوره ورفاهيته. ولم يتأتى له كل ذلك سوى بسعة "الحيلة"؛ التي مكنته بدهائها من أن يعوض كل أوجه النقص تلك، من ناحية، ويتغلب على سُنن الانقراض، تلك التي أطاحت بأجناسٍ وأنواع أحيائية كانت أضخم منه بكثير، كالديناصورات التي حكمت الأرض طيلة 160 مليون سنة، من ناحية أخرى؛ ومنحته قدرة على التأقلم والتكيف مع محيطه البيئي المتقلب كيفما شاء وأينما حل، من جهةٍ ثالثة.
وصحيح بأن البشر هم أحدث الأنواع في السجل الأحفوري للسلم الجيولوجي، إلا أنهم استطاعوا بذكائهم بناء أعظم الحضارات الكونية – حتى الآن – ولحين اكتشاف كائنات فضائية أخرى لاحقاً، ورغم تطورهم وعظم انجازاتهم؛ إلا أنهم ليسوا بمنأى عن مخاطر الفناء والانقراض. وعليه؛ طَرحَت المجتمعات العلمية سؤالا مصيرياً عما إذا كانت الحياة على الأرض ستنتهي متجمدة أم مشتعلة أم موبوءة أو ملوثة. ليكون نوعنا البشري هو صاحب لقب الانقراض السادس الكبير في السجل الأحفوري للأحياء. وأسعفها التاريخ الطبيعي للأرض نفسها؛ بعدة سيناريوهات أقرب إلى الحتميَّة؛ سوف تحدث على مقاييس زمنية مختلفة هي:

فعلى المقياس العشري أو المئوي؛ اعتادت الأرض على أن تضربها موجات من الأوبئة الجرثومية الفيروسية منها أو البكتيرية؛ تجر من ورائها عدة آلاف أو ملايين من الأرواح، لكن دون التعرض لمخاطر الإبادة، بل وقلت تلك المخاطر كثيرا بفضل التقدم العلمي المذهل والمعجز عن زي قبل. لكن يظل هامش ولو ضئيل من تلك المخاطر؛ يمكن أن يطيح بالحضارة الإنسانية على أقل تقدير؛ وفقا لحيثيات ذلك المقياس.

وعلى المقياس الألفي؛ سوف يحل على الأرض عصراً جليدياً آخر، يمكن أن يقضي على الحضارة الإنسانية، التي تتركز في الشمال، الأكثر عُرضة للتجمد. ومعلومٌ بأن آخر عصر جليدي قد انتهى منذ ما يقرب من 10 آلاف سنة خلت، وسوف يحل العصر التالي في غضون فترة زمنية تتراوح بين 10 – 20 ألفا من السنوات القادمة بدءً من الوقت الحاضر. والأسباب العلمية للتغيُّر المناخي مؤكدة، وتُعزى في مجملها، لتغيُّر مدار كوكب الأرض حول الشمس. وتغيُّر محور دورانها حول نفسها. فمن الثابت علمياً؛ أن الأرض تنتقل من مدارها الدائري إلى المدار الإهليلجي في ظرف 100 ألف سنة؛ وهذا من شأنه تعديل المسافة بين الأرض والشمس؛ والتي إذا قَصُرَت؛ حَلَّت فترة دفيئة على الأرض، ولا نعلم إلى أين يمكن أن يأخذنا جفافها معه؛ وإذا طالتْ؛ حَلَّ عصراً جليدياً بالأرض، ولا نعلم أيضا إلى أين يمكن أن يمتد بفتراته المتباينة، وعموما؛ تنتهي الفترة التي تفصل بين عصرين جليديين في مدة زمنية تتراوح بين 5 – 10 سنوات؛ ولتغيُّر محور دوران الأرض علاقة بالنقطة الأخيرة؛ إذْ يتغير محورها بين 22.1 – 24.5 درجة على مدى 41 ألف سنة؛ وهذا التغير في المحور، كما في تغير المدار؛ له دوره في تعديل كمية الإشعاع الشمسيّ التي تتلقاها الأرض؛ الأمر الذي يفسر تناوب الفترات الجليدية مع الفترات الدافئة.

وعلى المقياس المليوني (أي على مدى ملايين السنين)؛ يمكن أن يرتطم نيزك أو شهاب ضخم بالأرض؛ مُسبباً تأثيرات تدميرية واسعة المدى، كما حدث منذ 65 مليون سنة، في آخر ارتطام نيزكي بالأرض، عندما ضرب نيزك بعرض 6 ستة أميال شبه جزيرة "يوكاتان" بالمكسيك؛ مُخلِفاً وراءه فجوةً بقطر 180 ميلاً، حاكماً بالفناء على أشكال عديدة من الحيوانات، وعلى رأسها الديناصورات؛ وعليه؛ من المُرجح حدوث ارتطام نيزكي آخر ضمن المدى الزمني نفسه.
وعلى مقياس بليوني، بعد خَمْس مليارات من السنين من وقتنا الحاضر؛ سوف يتضخم نجم الشمس وترتفع حرارته بمقدار 10 % خلال المليار سنة القادمة، وسوف تكون الأرض، في الواقع، ضمن الغلاف الجوي للشمس؛ ما يعني احتراقها بالكلية.

وعلى مقياس كونيّ، أي بعد عشرات المليارات من السنين من وقتنا الحالي؛ سوف يستنفد نجمنا الشمسي وقوده من الهيدروجين/الهليوم بالتدريج البطيء في مداه المنظور؛ ويتقزم؛ تبعاً لذلك؛ ليتحول إلى قزمٍ أبيض صغير ويبرد تدريجياً حتى يصبح مجرد كتلة من النفايات الكونية الهائمة في الفضاء؛ وفي النهاية ترتطم مجرتنا (درب اللبانة) مع مجرة "أندروميدا" التي تكبُرها بكثير؛ وتُقذّف بالأذرع المجريَّة بعيداً؛ لتنتهي معها الكثير من الحيوات النجمية؛ وذلك قبل أن تندمجا معاً؛ لبدء دورة نشوء كوني جديدة داخل فضاءات الأكوان المتعددة بأزليتها وأبديتها اللانهائية المرعبة والملهمة في آنٍ واحد.

ولأن الإنسان منا (أقصد الإنسان العاقل المفكر) دائماً ما يشغله ما بعد الغد الأبعد قبل الغد الأقرب؛ ومن أجل الأسباب والتحديات التي عرضناها آنفاً في السناريوهات المصيرية للأرض، والتي باتت حتمية بقدر ما بدت تشاؤمية؛ عكف العلماء والمفكرون بالدول المتحضرة على طرح الحلول والحلول البديلة للانتقال بالحضارية الإنسانية الأرضية الهشة إلى مرحلة الحضارة متعددة الكواكب والعابرة للفضاءات، حضارةٌ يعمر فيها البشر كواكب أخرى غير الأرض المحكوم عليها بالفناء.

ويبدو بأن البشر يدينون بمصيرهم ذاك لبضعة جرامات من "المادة المضادة" التي تدفع بصواريخنا الفضائية بين الكواكب بل والنجوم، بسرعات خارقة؛ لتحل محل صواريخنا الفضائية التقليدية الحالية والتي تبلغ سرعتها بالكاد 40000 ميل/الساعة، ويلزمها 70000 سنة لتصل إلى أقرب نجم لنا خارج مجموعتنا الشمسية، ويبعد عنا بأكثر من 4 سنوات ضوئية فقط، أي ما يعادل 38 ترليون كم تقريبا. فمقدار 4 مليجرامات من "البوزيترونات" كافية، على المدى القصير، لأخذنا بمتاعنا إلى المريخ في بضع أسابيع فقط؛ ويصبح في الإمكان السفر - بسرعةٍ أكبر من سرعة الضوء - عبر نسيج الزمكان، الذي يتمدد بدوره أسرع من الضوء؛ لنصل إلى "ألفا سينتوري" (قنطورس) في الوقت المناسب؛ إنقاذاً للبشر وحضارتهم الإنسانية. خاصة؛ وأن علماء الكواكب قد أكدوا في أحدث أبحاثهم على وجود 100 مليار كوكب مشابه لكوكب الأرض في مجرتنا وحدها، ويُرجح بأنها داعمة للحياة. وعما إذا كانت قدراتنا العلمية ستساعدنا في العثور على أحد "كواكب النجاة" لتدلل على قدرتنا على التكيف؛ ذلك السلاح التطوري الأقوى في منظومة الاصطفاء الطبيعي المعروفة بقانون "البقاء للأصلح". فنحن البشر لم تعد الأرض بمحيطاتها وسماواتها تحدنا كسابق عهدنا وعهدها، وذلك لأننا اقتربنا من عتبة العشرة مليار نسمة بحلول العام 2050. وخاصة؛ بعد أن توصنا لتقنيةٍ تُقلنا بحواسنا وعقولنا عبر الفضاء بسرعة تصل لنحو 20 % من سرعة الضوء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بمشاركة بلينكن..محادثات عربية -غربية حول غزة في الرياض


.. لبنان - إسرائيل: تصعيد بلا حدود؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. أوروبا: لماذا ينزل ماكرون إلى الحلبة من جديد؟ • فرانس 24 / F


.. شاهد ما حدث على الهواء لحظة تفريق مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين ف




.. البحر الأحمر يشتعل مجدداً.. فهل يضرب الحوثيون قاعدة أميركا ف